الخميس، 27 يوليو 2023

هل تناول يهوذا الخائن؟


"بعد اللقمة دخله الشيطان". هل تناول يهوذا العشاء الرباني؟
من (١كو٥: ١١) يظهر واضحا ان الرسول يوصي بعدم اشتراك احد ممسوك فيلات 

 خطية لم يتب عنها بقوله "لا تخالطوا او تؤاكلوا مثل هذا". وبالتالي كيف يسمح لخاطئ ان يشترك في سر الافخارستيا؟ وكيف يعطي يسوع جسده ودمه ليهوذا وهو يعلم انه يخونه؟
يبدو من لوقا ان يهوذا اشترك في الافخارستيا ، بينما متى ومرقس يبدو واضحا انه خرج بعد اكل الفصح وقبل العشاء الرباني.
من يوحنا نرى انه خرج بعد اللقمة "فبعد القمة دخله الشيطان"(يو١٣). والبعض يعتبر ذلك انه تناول بدون استحقاق ولذلك دخله الشيطان. لكن قوله "وغمس اللقمة". تظهر انه كان الفصح، حيث يغمس الفطير في الاعشاب المرة. ولم يحدث هذا في الافخارستيا.
اما عما يظهر من لوقا ان يهوذا تناول، فنقول ان لوقا لا يتبع دائما السرد الزمني، ويظهر ذلك على سبيل المثال من (لو٣: ١٩-٢٠) ومنها نرى ان يسوع اعتمد بعد سجن المعمدان وهذا طبعا كان قبله.

الرسول يحذر من يتناول بدون استحقاق "يكون مجرما في جسد الرب ودمه"(١كو١١). لذلك تحرم قوانين الكنيسة سماح الكاهن لاي خاطئ بالتناول "لا تعطوا القدس للكلاب"(مت١١).
بمراجعة الرابط في بدء المقال نعرف الاتي:
شك التلاميذ في انفسهم أنهم قد يسلمون الرب، وهذا نابع من بساطتهم ونقاوتهم. اما يهوذا فقد تمادى في ريائه، وسال نفس السؤال "هل انا يا رب؟". وهو كان قد اتفق مع رؤساء الكهنة يوم امس على تسليمه.
رد يسوع عليه "انت قلت". و قالها ليهوذا همسا في اذنه، لذلك لم يعرف احد.
بطرس كان قد اسكته الرب للتو ، عندما جادل في غسيل يسوع لقدميه، لذلك اثر الصمت. ولكن حماسته المعروفة عنه ، جعلته يشير او يومئ ليوحنا بجوار الرب ، ليسأل ، وفهم يوحنا ايماءة بطرس وسأل الرب، وكان رد الرب عليه ايضا همسا في اذنه. هدوء يوحنا جعلنه يسكت ولا يقول لبطرس.
بعض الافلام والروايات صورت يهوذا على انه من طائفة الغيورين ، مثل سمعان الغيور وهو من الاثنى عشر ايضا. وان يهوذا فعل ما فعله من خيانة من منطلق ، انه وجد ان يسوع لا يسعى لان ينتهز فرصة هتاف الشعب له كملك ويشعل ثورة على المحتل الروماني. اي انها صورت يهوذا بمظهر الوطني والغيور على شعبه. لكن لا نجد ما نصف به يهوذا اكثر مما قاله رب المجد "كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد". لقد اجتمعت الخسة وبشاعة الخيانة فيه، فاتخذ علامة الحب والصداقة ، اي القبلة، لتكون وسيلة الغدر.
عندما اعلن الرب ان واحد منهم يسلمه. الم يكن في امكانه ان يكشف للرب عن فعلته، لعبه يجد خلاصا ؟!
لم يفعل.
عندما اعلن له في اذنه "انت قلت". اي انه اعلن له خطيته، التي لم يعترف بها، الم يكن في امكانه ان يخر ساجدا عند قدمي الرب منتحبا على خطيته كالمرأة الخاطئة التي ادانها منذ يوم امس؟!
لم يفعل.
لقد تمادى في غيه.
عندما قال الرب "خير لذلك الانسان لو لم يولد" الم يشعر بفداحة جرمه حينئذ؟!
لم يشعر!
عندما قال الرب وكانذار اخير، "ما تفعله فافعله باقصى سرعة!"، الم ينخسه قلبه، فيبدي ترددا؟!
لم يتردد!
"انطلق وكان ليلا". وربما اراد الانجيلي ان يظهر الظلمة التي اكتنفت قلبه مثلما هي في الخارج.
وحتى عندما "رأى انه دين". وان يسوع حكم عليه، كان يمكنه ان يعلن توبته.
لكنه مضى وشنق نفسه!
وختاما، لكي نجيب على السؤال، هل تناول يهوذا؟
نجيب بما قاله الرب "دمي.. يسفك عن كثيرين" في متى ومرقس، بينما جاءت في لوقا "يسفك عنكم"(لو٢٢: ٢٠). اي انه الخلاص لا يتمتع به الا من يشترك في مائدة الرب، وعلى الرغم من ان القداس الليتورجي (دمي الذي يسفك عنكم وعن كثيرين، يعطى لمغفرة الخطايا..) القداس الباسيلي. اي انها جمعت الصيغتين من الاناجيل، الا اننا نعرف ان التناول لا ينتفع منه الا من تناول باستعداد حقيقي بالتوبة والابمان. هذا يناسب ما جاء عن رموز الفداء ، فقد اشار يسوع "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن الانسان لكي لا يهلك كل من يؤمن". وبالتالي فان الايمان هو العامل المحدد. فالحية مرفوعة والقربان المقدس على المذبح كل يوم، ولكن من يقترب بايمان يخلص.
ويبدو ايضا من رسالة العبرانيين ان الايمان هو المهم، اذ لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ. (العبرانيين ١٠: ٢٢). نجد نقاوة القلب والضمير والتطهير مطلب اساسي.
وحتى في ختام الرسالة حينما أشار الرسول الى الذبيحة، لم يشر الى ذليحة الافخارستيا ، والتي تحدث عنها في كامل الرسالة. لكنه انتقل الى ذبيحة التسبيح فقال "فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. (العبرانيين ١٣: ١٥). وذبيحة اعمال الرحمة "وَلكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هذِهِ يُسَرُّ اللهُ. (العبرانيين ١٣: ١٦). ليس للتقليل من اهمية الافخارستيا، كمحور لحياة المؤمن -كما رأينا - ولكن لان العلاقة مع الله يجب ان تنبع من ادراك ووعي حقيقي. ليس معرفة غنوسية عقلية، ولكنها معرفة اسرار الملكوت يعلنها الله بروحه الساكن فينا. 
هذا التعليم نجد صداه في العهد القديم، فرغم ان الانبياء