السبت، 30 يونيو 2018

فلسفة الوجود


توأمان قابعان في رحم امهم دار بينهما الحوار التالي:
* قل لي هل تؤمن بالحياة بعد الولادة؟
* طبعًا فبعد الولادة تأتي الحياة...
ولعلنا هنا استعدادًا لما بعد الولادة...
* هل فقدتَ صوابك؟!
بعد الولادة ليس ثمة شيء!
لم يعد أحد من هناك ليكلمنا عما جرى عليه! ثم هَبْ أن هناك حياة، ماذا عساها تشبه؟
* لا أدري بالضبط، لكني أحدس أن هناك أضواءً في كل مكان...
ربما نمشي على أقدامنا هناك، ونأكل بأفواهنا...
* ما أحمقك! المشي غير ممكن بهاتين الساقين الرخوتين! وكيف لنا أن نأكل بهذا الفم المضحك؟! ألا ترى الحبل السري؟ فكر في الأمر هنيهة
الحياة ما بعد الولادة غير ممكنة لأن الحبل أقصر من أن يسمح بها.
* صحيح، لكني أحسب أن هناك شيئًا ما إنما مختلف عما نسمِّيه الحياة داخل الرحم.
* أنت أحمق فعلاً !
الولادة نهاية الحياة... بعدها ينتهي كل شيء.
* على رسلك...
لا أدري بالضبط ماذا سيحدث،
لكن الأمَّ ستساعدنا...
* الأم؟! وهل تؤمن بالأمِّ أيضًا؟!
* أجل
* لستَ أحمق فقط، أنت معتوه!
هل سبق لكَ أن رأيتَ الأمَّ في أي مكان؟
هل سبق لأحد أن رآها؟!
* لا أدري، لكنها تحيط بنا من كل صوب. نحن نحيا في باطنها،
والأكيد أننا موجودان بفضل منها.
* دعك من هذه الترهات، ولا تصدع رأسي بها! لن أؤمن بالأمِّ إلا إذا رأيتُها رأي العين!
* ليس بمقدورك أن تراها...
لكنك إذا صمتَّ وأرهفت السمع ...
تستطيع أن تسمع أغنيتها ...
تستطيع أن تشعر بمحبتها...
إذا صمتَّ وأرهفت السمع...
لا بدَّ أن تدغدغ رحمتُها قلبَك .

الاثنين، 25 يونيو 2018

شيطان المقامرة -1

ابراهيم المصري
قانعا بحظه، سعيدا بزوجته وابنته، راضيا بوظيفته الحكومية المتواضعة، الى ان دخل عالما غير عالمه، واتصل بنفر من الشباب الاثرياء المترفين.
ومنذ ذلك اليوم تبدل كل شئ في حياته. كان علاء انسانا مرح الروح فكه الحديث، حاضر النكتة، فراق طبعه لاولئك الشباب، وطابت لهم صحبته فتوثقت بينهم على مر الزمن اواصر ود خالص حميم.
والحق انهم كانوا يتهافتون عى علاء، ويستعذبون حديثه، ويستملحون نكاته ونوادره. ولكنه لفرط اغتباطه بصحبتهم، وزهوه بالاندماج في بيئتهم، لم يشعر بتاثيرهم عليه ولا بالتحول الذي طر على شخصيته، ولا بنشوء تلك الرذيلة التي غرسها الوسط في صميم قلبه وروحه.
كان كل فرد من افراد هذه الجماعة شابا متعلما ومثقفا، ومع ذلك فبيوتهم جميعا كانت شبه اوكار للميسر واندية للقمار.
كان علاء يلتقي بهم في معظم لياليه، فلا يكاد يستقر بهم المقام في بيت واحد منهم، حتى يرى المائدة الكبيرة تفتح، واوراق اللعب تظهر، والرجال والنساء يتخذون مجالسهم حول المائدة، وقد التمعت عيونهم، وتوترت اعصابهم، وتهياوا في لهفة وحماسة لاستقبال الحدث العظيم.
وكانوا اذ ذاك يكرهون كل اسراف في المباسطة وكل اسراف في الجدل والنقاش بل كل اسراف في الحديث فيتناولون ورق اللعب بايدي مرتعشة، ويسددون اليه عيونهم الفاحصة اللامعة ثم يجتهدون في ضبط نظراتهم وحركاتهم كي لا تبدو عليهم لمحة او بارقة مما يعتمل في نفوسهم من سورة التحفز وحمى التوتر، ولوعة الخسارة او نشوة الربح. وهذا وهم جلوس حول الطاولة الكبيرة، يضرب الصمت رواقه عليهم.
وكان علاء يستغرب منهم هذا الضرب الرخيص من الحياة، ويعجب لهم وهم من اهل الثقافة والعلم، كيف لا يستطيعون السمو بافكارهم والارتفاع باهوائهم بحيث لا تختم على ابصارهم وبصائرهم رذيلة المقامرة الوبيلة التي تخنق في الفرد كل تطلع اعلى.
بيد ان هذه الرذيلة كانت طريفة. كانت ساحرة وغلابة. تحمل في نظر علاء الفقير، صورة العظمة والتفوق، ورمز المال والسلطان والجاه.
وكان على استنكاره لها وخوفه منها، يشعر في ذلك الوسط انه ماخوذ بها، منجذب اليها، نزاع ال تجربة سحرها المتقلب الغامض.
اراد في مبدا الامر ان يقاوم ، ان يعتذر ساعة اللعب وينصرف، بل ان يستجمع قواه ويرتد الى بيئته ويقطع صلته بهم. ولكنه كان يغار من اصدقائه المترفين، ويحسدهم على ثرائهم، فكانت رغبة التشبه بهم تغريه بالمقامرة، ورغبة التخلص من فقره تدفعه اليها، ورغبة امتلاك المال من ايسر السبل تزينها له.
وعلى الرغم منه ، وفي لحظة من لحظات الانجذاب والضعف وحب الاستطلاع ومخالسة المجهول، ترك نفسه ينساق مع اللاعبين وهو يزعم كما زعم غيره من قبل ان تلك الرذيلة لن تخضعه، ولن تاسره، وان في وسعه بما له من ارادة وحزم ان يسيطر عليها ويتحرر منها متى شاء.
وهكذا بدأ يتمرس بشتى فنون الميسر في فضول يمازجه الخوف. بدأ يلعب في حيطة، ويقامر في حذر، ويتشجع في بعض الاحيان ويغامر بمبلغ كبير، مداعبا حظه، ساخرا بهواجسه، متحديا غدر الورق المحفوف بالمخاطر.
وكان يربح فيهزا بالربح، ويخسر فيهزا بالخسارة. فلما اتفق ان ازداد ربحه ، عظمت ثقته في نفسه، فضاعف المبلغ، وعندئذ عانده الحظ.
راى ماله يفر منه ، والحظ لا يقبل الا ان يتحداه. فابى هو الا ان يذلل هذا الحظ ويخضعه. فجرفته نشوة المجاهدة والكفاح. فانطلق يقامر في تهور ليسترد ثقته في نفسه، ويغامر بالجنيهات ليعوض خسارته، ويمعن في النضال والكفاح ضد قوة لا يراها ولاتنفك هى ان تحاوره..
وبات اذا حمله تيار من الربح انعشه، تقاذفته على الفور تيارات من الخسارة احنقته، واشعلت كبره، واضرمت نارا في دمه.
وشيئا فشيئا، ركبه شيطان المقامرة، ذلك الشيطان العنيد المستهتر المتحدي فاحتوته رذيلته، واستبدت به، وامست هي غايته وقبلته. لم يعد يجد في الحياة اي متعة.
فرضت عليه المقامرة لذة واحدة. اوصدت امامه ابواب الحياة. حبسته في سجن عجيب تارة ياخذ بخناقه، وتارة يلفه في ضباب وظلام، وتارة ينفرج ويتسع وتمتد رحبائه وتشرق عليه شمس لا يلبث ان يخد نورها ويعقبه الضباب والظلام. فكان علاء بين ظلمة الخسارة وضوء الربح، ثم توالى الخسارة، يعيش في سجنه وكأنه في بحر صاخب هو العالم بل ما فيه من جيشان الفرح والالم، والامل والياس، والنصر والهزيمة، والمجالدة والكفاح.
وعبثا حاولت امراته ان ترده الى صوابه، كان يعذبها ويعذب ابنته الوحيدة بالشح والتقتير. فكانت الام تحرم نفسها، وتقتصد من مصروف البي ما استطاعت وتنفق على الطفلة، خشية ان تشحب وتضمر وترمق ما في ايدي بنات الجيران من فاكهة وحلوى، بعين ملؤها التلهف والحسرة والانطواء العاجز المكمد الذليل.
وامعن علاء في غيه ، وطاب له ان يدعو اصدقاءه مرة في الاسبوع للمقامرة في البيت، فاعترضته زوجته. فناصبها العداء، ونغص حياتها، واشتد في التقتير عليها حتى تمكن في النهاية من اجبارها على ان تنزل على حكمه، وتظهر امام اصدقائه، وترحب بهم، وتسهر على خدمتهم.
ففي ذات ليلة، وهم في بيته، تهور علاء ايضا وقامر بجزء كبير من مرتبه. فربح مبلغا لم يكن ليحلم به. فابتهج وقامر بنصف ما ربح. فربح ايضا. فاغتر وانتشى، وقامر بالكل فخسر الكل. فتاه عقله، وانخلع قلبه، وسدت في وجهه السبل.
لم يستطع ان يسلم بالهزيمة بعد النصر. لم يتيقظ. لم يتبصر. لم يرتدع. فكر على الفور في زوجته. فكر في ان ينتزع منها مصاغها، ان يرهن او يبيع المصاغ. ولكن بؤس المراة هاله، وشقاءها اخجله. فتهيب وتراجع. بيد انه في اليوم التالي اسرع ورهن خاتم زواجه، ثم باع ساعته الفضية وكتبه ومكتبه ايضا. فجن جنون امراته، وتصدت له ضارعة، وذكرته بما اعانت وما تزال تعاني هي وابنته من ضيق وبؤس. ثم حاولت ان تستخلص منه ولو بعض ما جمع من نقود قبل ان ياتي الليل ويفد اصدقاؤه المقامرون. ولكنه انتهرها. فثبتت في وجهه. فتطاول عليها بالسب وكاد ان يضربها. فامتثلت المراة وهي تلهث وتزفر ولا تدري كيف يمكنها ان تتهرب في اوائل الشهر من دفع ما تراكم عليهم من ديون..
وما ان هبط الليل واقبل الاصدقاء وتهياوا للمقامرة، حتى اضطرم في نفس علاء شعور الثقة بما يحمل من نقود. واراد ان يثار لهزائمه، ان يؤكد قوته، ان يصرع الحظ المخاتل الذي يعانده. فاندفع يقامر اندفاع المغامر المستميت. ولكن الزمام افلت منه مرة اخرى، فخسر كل ما كان قد جمع، واستولى عليه شرود وذهول.
اخذ الياس يخنقه. اسودت الدنيا في عينيه. عز عليه ان ينهض ويكف عن اللعب وهو مهزوم. فاجال البصر في رفاقه. فوقعت عينه على صديقه الوجيه "عماد". فارتعش وتردد ولكن شهوته قهرته. فمال الى صديقه. ولاول مرة في حياته اذل نفسه لانسان، وطلب من عماد ان يسعفه..
وكان عماد هذا شابا في مقتبل العمر، وهبت له الحياة المال والصحة والجمال. فجفت عواطفه، وقسا قلبه، وبات لا يحفل بغير اللهو ولا ينشد غير التمتع. وكان مبذرا ومتلافا في استهتار واعتداد فاعجب به علاء، واحبه لهذه الخصال، وراى فيه دليلا على وجاهته. فلما لجا اليه وكاشفه بحاجته، لم يتردد عماد واقرضه فوق ما طلب. اعطاه المال في لهفة بل في عدم اكتراث كما لو كان لا ينتظر منه ان يرده. فتنفس علاء وارتمى في لجة المقامرة متهافتا، وملء نفسه العزم على اخضاع الحظ، والسيطرة على المجهول. بيد ان هذا المجهول المخاتل، هذا المجهول الساحر الغاشم، عاد يتعقبه ويضلله. فكان لا يكاد يربح حتى يخسر، ولا يكاد يخسر حتى يلجا الى عماد، فيطيب عماد خاطره ويقرضه ايضا..
وتعاقبت خسائره، وتضخم دينه، وعجز عن السداد. فاستمهل عماد فامهله. ثم عاد فاستمهله في قلق والتماس. فسخر الشاب من وساوسه. فعظم فضله عنده، ولم يستطع الا ان يشكره لاهجا ويطاطئ الراس امامه.
اياسه حظه. اذلته رذيلته. فامسى شبه عبد لعماد، يداهنه ويتملقه، يسلبه ويضحكه، يرعاه ويخدمه كي يصبر عليه ايضا ولا يطالبه بوفاء الدين ويحرجه.
ولكن عماد كان لا يطالب ابدا بشئ، بل كان كانه لم يتفضل ابدا بشئ.
كان يدخل بيت صديقه كما لو كان بيته. غير انه كان لا يدخل البيت الا ليزحف ويتسلل، ويكتم ويخفي، وهو يرمق امراة علاء، ويحوم حولها، ويطمع في اغوائا يوما وامتلاكها. هذا وعلاء المشدود الى رذيلته، والمكبل بها الضائع فيها، المعصوب العينين الا عليها، لا يرى ما يدور حوله، وما يجري في بيته، ولا يشعر بالماساة التي بدات تتخبط فيها زوجته.. زوجته؟.. انه لفرط هوسه بالميسر لم يعد يبصر ما هي عليه من جمالز لم يعد يبصر فيها امراة ، بل طيفا، شبحا، ظلا من الظلال. اما "الست وهيبة" فكانت رائعة الجمال وكان عماد يشتهيها . كان لا يفتا يسعى اليها بهدوء..
واختبلت المراة ولم تعد تدري كيف تتصرف. لو امعنت في الصد فقد يغضب عماد ويطالب بدينه، ولو تجاوزت واغضت فقد يتمادى، ولو صارحت زوجها فهو ، ضنا بصديقه وعجزا عن وفاء دينه له، لابد ان يهزا بها ويكذبها، بل قد يتهمها بانها هي التي اغرت الشاب بنفسها وهي التي لم تعرف كيف تحتشم وتتحفظ وتترفع. وحالفها القلق والهم، وساورتها المخاوف كمن فوجئ بداء وبيل اذهله،
(يستكمل)

السبت، 9 يونيو 2018

علم الاخلاق


المسيحية الاولى والافلاطونية الحديثة:
كانت الافلاطونية الحديثة هي المدرسة السائدة للفلسفة في الفترة الاولى للمسيحية، لذلك ليس من المفاجاة ان نرى ان بعض اراءها سادت الدراسات الفلسفية المسيحية المبكرة. لكن اخلاقيات المسيحية تختلف جذريا عن الاخلاقيات الوثنية في انها تميل الى الهروب من العقلية المطلقة، افلاطون راى رابط هام بين المعرفة والفضيلة لكن بالنسبة للمفكرين المسيحيين الاوائل راوا ان الممارسة العملية او السلوك في الحياة اهم من النظريات. الفداء والخلاص والمحبة كانت اهم من الرؤية الفلسفية. وفي حين ان اليونان كانوا يرفضون الاعتقاد بدون الفهم معظم المفكرين المسيحيون قالوا اذا تصارع العقل مع الايمان على العقل ان يخضع. "بالايمان نفهم"(عب1: 1) وكما قال اغسطينوس "انا اؤمن لكي افهم".

اغسطينوس:
اغسطينوس هو احد فلاسفة المسيحية في القرن الرابع واول من وضع تعليما لاهوتيا تكون فيه للاخلاق دورا مركزيا. كان اغسطينوس على اطلاع واسع بكتابات افلاطون وبلوتينوس، وكان لبعض الوقت يتبع تعاليم ماني التي كانت ترى بثنائية الخير والشر. ومثل بلوتينوس علم بان الشر شرا بمقدار البعد عن الله، وان الانسان ينقسم الى معسكرين متصارعين دعاهما مدينة اورشليم او مدينة الله، ومدينة بابل او مدينة الشيطان.
ليشرح اغسطينوس نظريته رجع الى الايمان المسيحي. علم ان ادم الانسان الاول بارادته اختار ان يعصى الله، ومنذ ذلك الحين دخل البشر الميل للشر. ومثل بولس الرسول اكد ان الانسان بدون نعمة الله لا يقدر ان يخلص نفسه من الخطية الموروثة او يهرب من الخطايا الفعلية التي يرتكبها في العالم فيما بعد للوصول الى الخير النهائي اي الخلاص والذي يعني الاتحاد بالله. يرى اغسطينوس ان العالم هو محطة على الطريق اما الى النعيم الابدى او الهلاك الابدي. علم ان الايمان والرجاء والمحبة والحق والحكمة والقوة والوداعة الفضائل العظمى ولكنه اكد ايضا انه لا فضيلة بدون ايمان مقتبسا عبارة الرسول بولس "كل ما ليس من الايمان هو خطية".

توما الاكويني:
لو قلنا ان اغسطينوس دمج الافلاطونية والافلاطونية الحديثة مع الايمان المسيحي. فانه في القرن ال 13 الراهب الدومينيكاني توما الاكويني والذي اعاد صياغة فلسفة ارسطوطاليس مع العلوم والمسيحية والافلاطونية في زمانه. في "الخلاصة اللاهوتية" حاول توما ان يوضح كيف ان المسيحية والفلسفة متفتين. ومثل ارسطوطاليس نادى ان كل فعل حر متجه الى نهاية ما، هى الخير النهائي للانسان، وبالتالي الافعال تقود الى هذه الوجهة. ووضع نظريته الاجبارية مثل ارسطوطاليس. لكن تعريفهما للخير المطلق اختلفا. ففي حين ان ارسطوطاليس عرف الخير المطلق بانه السعادة في العالم في صورة حياة التامل، راى توما ان الخير المطلق هو رؤية الله الفائقة للطبيعة وبالتالي فهو يصل اليها فقط بعد الموت.
وما سبق قاد توما الى التمييز بين الفضائل الطبيعية والالهية. الفضائل الطبيعية – الحق، الحكمة، الوداعة، القوة وتدرك بالعقل ويصل اليها الانسان بدون الحاجة الى معونة خارجية. الفضائل الالهية – الايمان ولرجاء والمحبة وتقود الى الخلاص ولا يدركها الانسان بجهده الذاتي وانما بالاعلان والنعمة الالهية. ويحوز الانسان هذه الفضائل كشريك الطبيعة الالهية.
توما تبنى كلا من نظريتى الافلاطونية وارسطوطالية الخاصة بالمعنى . وعل النقيض من اغسطينوس ركز على ان الانسان بطبيعته يميل الى الخير وانه يترك المجال للعقل ليصل به الى هذه النهاية اذ ان طبيعة الانسان مصممة من قبل الله وما يراه الانسان ضروري لطبيعته مثل حب البقاء والتكاثر مرتب من الله. القانن الاخلاقي بالتالي قانون طبيعي مؤسس على طبيعة الانسان، وبالتالي غير قابل للتغيير في مفاهيمه الاساسية. وهو مكتشف بالعقل وايضا اعلن ان بعض نقاطه الاساسية في الكتب الالهية.

علم الاخلاق الحديث:
في القرن ال 16 النظام العالمي المبنى على الكنيسة العالمية، تحطم بتبني الافلاطونية والتطور العلماني للعلم التجريبي لكوبرنيكس وجاليليو ونشاة الدول. سلطة جديدة ظهرت للفلسفة. تجادل المفكرون في ماهية المعرفة بما فيها علم الاخلاق وتاسيسها على العلم التجريبي اى على المذهب العقلاني التحليلي او على التجريبي.
1- نظرية هوبلز:
في القرن ال 17 الفيلسوف الانجليزي توما هوبلز كان اول مفكر يؤسس نظريته على النظرية الاخلاقية لجاليليو اي على الملاحظة اكثر من الايمان. على عكس ارسطو طاليس وتوما الاكويني راى انه لا السعادة ولا الله صالحين في ذاتهما وانما الخير والشر هم حسب رؤية الانسان. "ما نشتهية ندعوه صالحا وما نمقته ندعوه شرا". الانسان بحسب راي هوبلز اساسا وبالضرورة اناني. كل انسان يشتهي شيئا صالحا لنفسه. وهذا الذي يعمله بدافع طبيعي ليس اقل من حجر يسقط بفعل الجاذبية. وبالتالي راي هوبلز ان دور العقل ان يريه كيفية تحقيق رغباته الاساسية على عكس الاكويني الذى راى ان دوره في ان يظهر له القوانين الاخلاقية الاساسية. وبالتالي هذا ما يدعه علماء النفس الدافع الذاتي (الاناني) للافعال.
طبقا لهوبلز كل انسان له الحق في كل شئ يمكنه الحصول عليه. لكن في مثل هذه الحال لا يوجد امان. بالتالي، يشير العقل للانسان ان الوسائل الصحيحة للسعادة ان يتبع قوانين الطبيعة. القانون الاول للطبيعة الذي افترضه ان "كل انسان يطلب السلام، حسبما يمكنه ان يصل، وعندما لا يمكنه الوصول اليه يخوض الحرب". القانون الثاني "كل انسان يريد عندما يريد الاخرون ذلك ايضا، يطلب السلام ويدافع عن نفسه عندما يرى ذلك ضروريا، ليهئ ذلك الحق للكل ويكون راضيا بهذه الحرية ضد الاخرين حسب ما يسمح الاخرون بها في مقابله".

عن الموسوعة الامريكية

الخميس، 7 يونيو 2018

شيطان الحسد


 قصة للاديب ابراهيم المصري، وهو كاتب وصحفي حائز على جائزة الجدارة.
عن كتاب: الانسان والشيطان- 1976

لما كان طلعت يخلو الى امراته بعد انصراف اختها، كان يقول لها وهو يتاملها طويلا ويبتسم:
تعرفي يا بدرية ان اختك رجاء دي ظريفة وخفيفة الدم..
فتؤمن بدرية على كلامه وهي تتطلع الى جيدها الناصع، وتهز جدائل شعرها الناعم، وترخي اهدابها الطويلة في دلال، كانها تباهي هي الاخرى لا بخفة طائشة بل بجمال ساكن مطمئن رصين.
اما رجاء فكانت تكر راجعة الى بيتها الضيق  المظلم ساخطة وثائرة، تهتف في نفسها والحسد ياكل قلبها: كل شئ لبدرية!.. كل شئ لبدرية!.. وجه جميل، وجسم جميل، وبيت جميل، ورجل جميل!.. لماذا؟.. لماذا يغدق عليها الحظ كل هذه النعم بينما يتنكر لي؟.. لماذا ينصفها بينما يظلمني؟
ثم تدخل الى بيتها وتلتقى بالاسطى حنفي، فتبصر وجهه المغبر، وشعره المشعث، وقميصه المتسخ وبنطلونه الذي فشت فيه بقع الزيت والصمغ كانها صفعات القدر. فتضطرم روحها بمعترك من الفكر الناقم المتمرد. وتاخذ في صب جام غضبها  على راس العامل المسكين.
وابت الا ان يكون لها ولو بع ما لاختها. فجعلت تنغص حياة زوجها، وتحثه على مضاعفة العمل، وتلح عليه في طلب المال، ثم تحرمه وتحرم نفسها وتشتري بالنقود ستائر بيضاء للنوافذ، او اغطية وردية للارائك، او مفارش حمراء للمائدة، او صورا لغرفة الاستقبال او اي شئ يمكن ان يجمل بيتها ويرفع مسشتواه ويثير دهشة امها واختها حين تزورانها ويجبرهما على النظر اليها نظرة اكبار وتقدير.
وبالرغم من هذا كله فقد ضحك القدر ضحكته القاصفة مرة اخرى.
حملت الاختان في وقت واحد تقريبا. وضعت بدرية طفلا ذكرا. ورجاء بنتا شبيهة كل الشبه بوالدها الاسطى حنف النجار.
هذا الظلم الصارخ الجديد، اشاع في نفس رجاء ضربا من الهوس. لم تطق رؤية اختها. لم تتحمل ذكر اسمها. تمارضت ولم تحضر الاحتفال ب "سبوع" الطفل. غشيتها غاشية طاغية من الكمد. فمكثت اياما بطولها حبيسة بيتها، لا تكاد تسمع عويل طفلتها "نعيمة" حتى يندفق الدم في راسها. فتتمثل ذلها وعارها. فتمعن في البكاء وهي تجار وتتلوى.
وانهارت قواها. اوشكت ان تياس وتستسلم لحظها. ولكنها في العام التالي، وبسحر ساحر ماكر يعجز العقل عن ادراك غاياته، حملت رجاء مرة ثانية ووضعت مولودا ذكرا، ما ان حدقت  فيه حتى هزت الفرحة كيانها من الاعماق.
كان ممدوح جمالا رائعا. فاختبلت به رجاء، وملكتها حيال  جماله كبرياء لا توصف.
زايلها احساسها بنقصها بغتة وزايلها ياسها. رد اليها الطفل اعتبارها في نظر نفسها. ولكنها لم تقنع. لم تتواضع، بل استفحل كبرها، وعاد شيطان الحسد والحقد ينهشها. فاشتعلت مطامعها، وضاعفت في صدرها رغبة لتفوق المطلق على اختها.. لقد اصبحت حقا انثى، لا يستطيع انسان بعد اليوم ان يحقرها، ان يقول انها بالامس كانت هزاة وضحكة، ان يذكرها بانها طالما حنت راسها صاغرة والتقطت الشبشب من تحت الكنبة لاختها!.. لقد انتصرت!.. جازت اول شوط من المعركة وانتصرت. دان لها الحظ وظفرت بالطفل الذكر الجميل. فلماذا، لماذا لا يسلم لها الحظ قياده ايضا. لماذا لا تحيا الحياة الرغدة الخليقة بها. لماذا لا تصبح كاختها وتظفر فوق الطفل الجميل برجل جميل، وبيت جميل، ومستقبل زاهر وسعيد؟!.. نعم.. الرجل.. الرجل الجميل الميسور هو وحده الذي يمكن ان يكفل لها البيت والمستقبل والجاه والحياة. ولكن اي رجل، وهل هي تعرف رجلا في مقدوره ان يحقق لها كل هذه الاحلام؟..
واضطربت. ولم تعرف لماذا اضطربت. ظلت ساهمة وشاردة، ثم ارتجفت. هبط قلبها على صدرها. ساورتها فكرة اذهلتها. فبهتت واقصتها عنها. ولكن الفكرة عادت وراودتها. فتحرك فيها الجانب الخير من طبيعتها واراد ان يوقظها. ولكنها انكمشت وانطوت وسبح خيالها في المناعم التي حرمت منها. وما ان تصورت تلك المناعم حتى تلبسها الشيطان. وظل يوسوس لها. فاصغت اليه. واستعذبت همسه وتاه عقلها. احست ان في وسعها ان تتيقظ وان تتراجع. ولكن ذلك الهمس لاحقها. اطربها فعز عليها ان تقاوم. ان تستنكر ان تثور. فابتسمت بل ضحكت. لم تعبا بصوت ضميرها الذي كان يزجرها، ويذكرها برابطة الدم وعاطفة الاخوة. اسلمت نفسها لخيالها المتلهف المنهوم في نشوة مغامرة ومستهترة وضارية، ذهبت بليلها.
ولم تتردد. وفي ذات يوم، تجملت وتبرجت، وخرجت من بيتها، واتجهت نحو منزل اختها وملء نفسها العزم على تذليل كل عقبة وتنفيذ خطتها.
بدات مسلكها حيال بدرية، قبلت ملهوفة عليها وعلى ابنها الطفل "حسن" تطريها وتخدمها. تصطنع لها الرد الصادق، والحب الغامر، والوفاء النزيه العميق. فابتهجت بدرية الساذجة بهذا الحب ايما ابتهاج، واعتقدت ان فرحة رجاء بمولودها الذكر قد بددت غيرتها. فقدرت عواطفها، وقدرت سماحتها، واتخذت منها صديقة وحبيبة وناصحة.
وتمهلت رجاء اياما، وفكرتها المستاثرة بها، المتسلطة عليها، تدفعها دفعا الى التمثيل والتمويه والتفنن في اتقان دورها.
ولما اطمانت الى ثقة اختها فيها تحولت نحو زوجها طلعت، وشرعت تلقي عليه شباكها.
تسللت اليه اول الامر في رقة وبساطة ومكر. ثم تشجعت وتقربت اليه بكل ما كان ينقص بدرية. تقربت اليه بالنزعة نفسها التي كان هو مطبوعا عليها. بالمرح والخفة، والطلاقة والحيوية، والغمزة والنكتة، .. تخلب بها الرجل دون ان تتهور ويبدو عليها من نواياها السيئة شئ.
وكان مظهر رجاء ، لفرط قدرتها على التصنع، يضلل اخوتها تضليلا مطبقا. فكانت بدرية تعتقد ان المرح اصبح طبيعة في رجاء. وان ما يصدر عنها هو محض مباسطة لا مغازلة، فتطرب هي ايضا لطرب اختها، وتشاركها في مرحها، وتشارك طلعت في  الضحك والعبث والمزاح.
ودب القلق والاضطراب في  نفس طلعت. احس ان رجاء لا تعبث بل تغازل، ولا تلهو بل تستدرج. فدهش وانتابه الذعر وتراجع. ولكن رجاء غافلت اختها وامعنت في المغازلة والاغراء. فارتبك الشاب واشتد خوفه وصد عنها. فاسرعت هي واعرضت عنه. تعالت عليه. احتقرته، ومضت تلهو في صحبة اختها كأنه هو غير موجود. فهاله استهتارها ، واثارته وقاحتها، واستمسك بصده وجموده كي يلزمها حدها. بيد انه كان يقاومها ولا يحتمل اعراضها. كان جوها الطلق يجذبه، وابتذالها المناقض لاحتشام امراته يفتنه، واغراؤها الدائم المتلون يتملق كبرياءه وياسره. فتفاقم اضطرابه، وبدل ان ينهر المراة في صراحة ويزجرها، غاظه منها ان تحتقره. فسعى اليها بنفسه، واستضعف وتخاذل، وحاستها ولاطفها، وهو لا يشعر انه في طريقه الى التعلق بها والتهافت عليها.
وكانت دمامة رجاء قد تقلصت وغابت في غمرة خلاعتها. فكان طلعت يتاملها وهو مبهوت فلا يرى انفها الضخم  او فمها العريض او شفتيها الغليظتين، او عظامها الناتئة. بل يرى جوها وعينيها فقط. جوها المعربد العاصف، وعينيها الضيقتين اللتين اتسعتا فجأة، واصبحتا تدوران، وتغزلان، وتتألقان، وترسلان بوارق تخطف البصر وتسلب القلب وتغري بوقدة الحس، وسكرة الشهوات..
واشتد انجذابه اليها وازداد رعبه، فاراد ان يتخلص منها، ان ينبه امراته الى مسلكها، عسى ان تردهاالى صوابها، او تغضب رجاء وتثور وتنقطع عن زيارتهم من تلقاء نفسها. ولكن حادثا وقع في تلك الفترة رده على اعقابه وكبله.
اصيبت حماته الست نظيرة بداء عضال وتوفيت بغتة. فحزنت عليها بدرية حزنا شديدا، ولم تجد عزاءا لنفسها الا في توثيق عرى الصداقة بينها وبين اختها.
واحرج طلعت، وغزت بيته رجاء..
اصبح يراها امامه كل يوم تقريبا، يتصل بها مكرها، يتحدث اليها على مضض، يحاول ان يقاوم اغراءها، فيثيره منها مبرها واعراضها، فيزداد انجذابا اليها وافتنانا بها.
واجهده احساسه بالقلق والتشتت والتخبط، فوهن على مر الزمن عزمه، وفترت ارادته، ولم يعد في مقدوره كلما اسعفته الفرص الا ان يقبل على رجاء متوددا مستعطفا، ناشدا منها على الاقل نظرة عطف وابتسامة رضا.
وتذوقت المرأة الحاقدة الدميمة، لاول مرة، حلاوة التمنع الشامخ. فاغرقت في كبرها واحتقارها. ففقد طلعت صوابه، وترخص وتذلل، وبدأ يسترحمها.
ولما رأته مستسلما ومهزوما وايقنت انه قد احبها وهام بها وبات لا يستغني عنها ولا يصبر على صدها، مالت بغتة اليه كأنها قد غلبت على امرها، وكأنها لم تصده من قبل الا لتخنق هي ايضا حبا مثل حبه.
واغتبط الشاب بهذا التحول، واندفع الى المرأة مشغوفا وارتطم. فلكي تخضعه وتطويه، منحته في غفلة عن اختها بعض القبل، ومضت تروضه على الحذر واليقظة، والصمت والتكتم، والكذب والرياء، والتفنن في التمثيل والتمويه، هذا وهي تبصر بدرية الخالصة النية، الصافية السريرة، لا تفطن الى شئ ولا تتوجس من شئ. فتمعن رجاء في تضليلها بصدق ودادها ووفرة خدماتها، ولهفة حنانها عليها وعلى ابنها الوحيد حسن.
وكانت رجاء ، كلما ضعف طلعت وتهور في مسلكه حيالها واحست انه لم يعد يملك زمام نفسه، وان الشك فيه يوشك ان يساور اختها، كانت ترسل هي على الفور نكتة طريفة مصحوبة بضحكة مجلجلة ثم ترتمي على الطفل حسن، وتاخذه بين ذراعيها، وتنادي ولديها ممدوح ونعيمة ثم تنبطح على الارض. فيركب الاطفال الثلاثة ظهرها فتدور بهم في غرف البيت وهي تقهقه فتضحك بدرية، ولا تستطيع ان تتصور لحظة واحدة ان مثل هذه المخلوقة الطائشة العابثة الغريرة يمكن ان تكون منافقة وغادرةز وهكذا ختمت رجاء بدهائها على بصر اختها، وسلبت منها قلب زوجها.
اما طلعت الذي كان قد الهبه الاغراء المحنك والصبر والكبت والحرمان الطويل، فقد اراد ان يمتلك رجاء. وهي، هي نفسها، احست وادركت انها ان لم تجبه الى رغبته وتهبه نفسها في يوم قريب، فهو لابد ان يكرهها، وينبذها، ويبذل قصاراه للتخلص منها. فتفقده، وتفقد المال، ماله الذي تطمع فيه، ماله الذي كان سيغدقه ولا ريب عليها. ماله الذي بدونه لن تظفر باسباب الترف التي حرمت منها، ولن تصبح السيدة المرموقة التي خالستها في احلامها، ولن تستطع ان تتخذ لها يوما مسكنا جديدا، رحبا وجميلا، تزينه بابهى الرياش وتستقبل فيه من هن اعلى مكانة واعز قدرا من بدرية .. اجل. لا مفر لها من ان تكون لطلعت. لا مفر لها من ان تعزم وتقدم، والا فسيرتد حقدها الى صدرها، وتفشل فشلا ذريعا في كيدها وانتقامها.
ذلك هو الهدف المنشود، فماذا فعلت رجاء لتبلغ هدفها؟.. اثارت عاصفة بينها وبين زوجها العامل المسكين الاسطى حنفي. تجهمت له. عصت اوامره. سخرت من عاداته واخلاقه. من شكله وزيه، من مهنته وربحه، وعافته. فهاج هياج الرجل وضربها ضربا مبرحا. فقابلته بثورة عارمة وهي في قرارة نفسها مبتهجة. ثم اسرعت واصطحبت طفليها ممدوح ونعيمة، وتركت البيت، وهرعت الى بدرية تقص عليها ما وقع، وتبكي وتصرخ، نادبة حظها، ممعنة في تمثيل دورها، ملتمسة الى اختها ان تبقيها في بيتها حتى يتأكد زوجها من عزمها القاطع على الانفصال عنه فيزهد فيها ويبعث اليها بورقة الطلاق.
وكان الوقت ليلا، والساعة قد جاوزت الحادية عشرة، والجو حارا خانقا، وطلعت ممددا على كنبة في البهو الكبير  بجوار الشرفة المفتوحة يقرأ في كتاب. فلما دخلت رجاء، انتفض ونهض وقد اشرق وجهه. ثم القى بالكتاب جانبا، وراح يستمع لقصتها في صمت. اما بدرية فقد احتضنت اختها، وبكت معها، ثم هدأت من روعها وعرضت ان ترافقها الى بيتها وتبذل ما استطاعت لتوفق بينها وبين زوجها. غير ان رجاء هتفت صارخة ان الموت اهون عليها الف مرة من الحياة في صحبة ذلك الرجل الفظ الغليظ. ثم بكت ايضا. ثم اطرقت لحظة. ثم لانت فجأة، وعدلت عن عزمها، وجعلت تتوسل الى بدرية ان تبقيها في بيتها ولو الى ثلاثة او اربعة ايام فقط حتى يندم زوجها ويتعظ وياتي بنفسه ويصالحها. فاعترضت الاخت وخافت ان يؤدي هذا التصرف الى اذلال الرجل وينتهي بطلاق. ولكن طلعت تقدم بغتة، وفي نخوة وقوة وحماسة، قال ان من حق رجاء ان تمكث في بيته ذودا عن كرامتها، وانه هو الذي سيتصل في الغد بزوجها، وهو الذي سيعرف كيف يؤنبه ويلطف من سورته وياتي به ليستغفر امراته ويصالحها. فابرقت عينا رجاء، وحدقت في طلعت تحديقا ثابتا، ثم غافل اختها ورشقته بنظرة معنوية وهي ترفع حاجبيها وتغمز له بعينها. فادرك هو على الفور مرادها، وثنى اهدابه وارتعش. ثم اشاح بوجهه وقال انه متعب واتجه بخطى متثاقلة ودخل مخدعه.
***
وامتثلت بدرية لارادة زوجها بالرغم منها، ومشت الى الحجرة القصية المعدة للاهل والضيوف والمزودة بسرير وكنبة ودولاب. فغيرت ملاءة السرير، واكياس الوسائد، وجاءت بغطاء خفيف وطرحته على الكنبة. فشكرتها رجاء في حرارة، واستلقت على السرير واخذت ابنتها نعيمة في حضنها، بينما رقد الطفل ممدوح على الكنبة وتدثر بالغطاء.
وانحنت بدرية على اختها، وحثتها على الصبر واحتمال، وتمنت لها نوما هانئا، ثم قبلتها وقبلت الطفلين، وتحولت هي الاخرى صوب المخدع ولحقت بزوجها.
ت ’,
ت ’,
اوى الكل الى مضاجعهم، وساد السكون في البيت، ولم يعد يلمع في الظلمة غير ضوء ضبابي منبعث من المصباح الخافت الموقد فوق باب الدهليز المؤدي الى المطبخ.
ونامت بدرية وابنها، ونام ممدوح ونعيمة. ثم عمق الصمت، وزحف الزمن، ودقت الساعة المعلقة في البهو الكبير تعلن الواحدة ثم الثانية ثم الثالثة ولم تنم رجاء ولا نام طلعت. ظل ساهرا .. وكان ما كان. اقام طلعت علاقة مع رجاء، علمت بها بدرية، طالبته بالطلاق. وبعد فترة تزوج طلعت من رجاء، فاصبح لها البيت الجميل والزوج الجميل

مشاهد من فيلم ريتا كاسيا

ملخص الفيلم: يروي الفيلم قصة تحقيق يجريها كاهن كاثوليكي عن مصداقية اعجوبة للقديسة ريتا شفيعة المستحيلات، حصلت المعجزة الماني تعرض للاعتداء في احد القرى الايطالية على يد شخص يدعى جوركين وهو ابن المحافظ غيرة على فتاة اجبها تدعى ايفون (لوسيندا).

المشهد الاول:
(الكاهن الكاثوليكي مع صديقة لوسيندا)

لماذا يريد العودة الى القرية؟ هل بدافع الانتقام؟
لا احد يريد ن يدلي بتفاصيل للكاهن الذي جاء ليجري تحقيق حول المعجزة.
- التي حدثت لجوركين كورتز؟
احاول اثبات اعجوبة!
كيف وصل الى هنا وهو مصاب بجرح خطير؟
لا اعرف. كان نزيف داخلي وتهتك في المعدة. هوجم بقسوة.
ما سبب هذا؟
بصراحة كان جوركين اكثر الشباب وسامة. لوسيندا هي التي حازت اهتمامه. في الحقيقة كانت كل فتاة مجنونة به.
**
المشهد 2:
(جوركين مع لوسيندا)
كرر من بعدي.
ارابل تعني شجرة.
هاك وردة. اريد قبلة.
ماذا تعني؟
اغمضي عينك.
يتسلق الشجرة. تبحث عنه ثم حين تتعب من البحث تعود وتجلس تحت الشجرة. واخيرا يقفز من فوق الشجرة. فتصيح:
لقد اخفتني!
**
المشهد 3:
مرحبا. انا الاب ميارو.
مرحبا ابتي.
جئت لاجري تحقيقا لاعجوبة للقديسة ريتا مع احد الاجانب تعرض للاعتداء وكان على حافة الموت هنا. قيل لي انك من قمت بتمريضه.
بالفعل كان على حافة الموت. نجاته من الموت كانت اعجوبة بالتاكيد.
من اراد قتله؟ قيل لي ان ابن المحافظ سكير و مثير للمشاكل وهو من فعل ذلك. هل اراد قتله بسبب لوسيندا؟
انها محبوبة من ابن المحافظ كارلوس.
اذا هذا بسبب الغيرة؟
انا كامراة اقول لك انها فعلا كانت مغرمة به. ان صلى احد لاجل نجاته فمؤكد سيكون هي.
***

المشهد 4
انا الاب ميارو. انت لوسيندا اليس كذلك؟
مرحبا ابتي. انا هي. اخبروني عن مجيئك. لكن لم اكن اتوقع ان يكون مجيئك بهذه السرعة. كيف يجري الحال مع تحقيقاتك؟
لا تجري الامور بسهولة. جميع من تقابلت معهم يرفضون الادلاء باي معلومات.
 سأكون صريحة معك. الجميع هنا مهدد من قبل المحافظ.
اعتذر مقدما ان كان الحوار معك سيسبب لك مشاكل.
لا بأس. لديّ مشاكلي بالفعل. ولن تزيد الامور سوءا عما هي عليه.
جوركين يريد العودة. انه مصمم على ذلك.
اذا ساقابله . انا اعلم انه سيعود. وهو عنيد للغاية. لكن ليس هناك ما يعود لاجله. اخبره بذلك يا ابتي.
كانت علاقتي به فريدة. كان حب من اول نظرة ولكنه كان مليئا بالمتاعب. ساروي لك.
وتتنهد ثم بعد لحظات من الصمت تقول:
كان ذلك في مطعم الصباح حين تقابلت مع كارلوس. ودار الحديث الاتي معه.
نحن مقدران لبعضنا. انا احبك بالفعل.
كارلوس، انت لست افضل خيار لي ولا لاي امراة. لا شئ يربطنا، انت تعرف ذلك. يجب ان تتوقف عن مطاردتك لي.
هذا بسببه. الجميع يعرف لقاءك مع ذلك الشاب في الخيمة.
صفعته.
نهض وهو يهدد ويتوعد:
اعرف كيف ازيحه من طريقك. لا تقولي انني لم اخبرك.
في اليوم التالي جاءتني اوليفيا وحكت لي.
بالامس بينما كنت والام ماري لو نهم بمغادرة المشفى وجدنا شابا يهوي امامنا على الارض. كان ينزف بغزارة من بطنه اثر طعنة نافذة.
هل تتهمين كارلوس بانه من فعل ذلك؟
تظل صامتة.
عليك ان تبلغي الشرطة.
هناك اشخاص كثيرون متورطون. لم اعرف ماذا افعل. قالت اوليفيا انه نزف الكثير من الدماء. وكان على حافة الموت. لذا ذهبت الى الكنيسة وهناك صليت لاجله.
اخبريني ماذا اخبرتك.
تلك الليلة كانت اسوا شئ في حياتي. لم اانم خلالها. شعرت ان القرية كلها كانت تحكم علي. الجميع يلومونني، فلو لم يحبني لم تعرض للخطر.

**
المشهد 5
في المخفر وقف المحافظ ينتهر ابنه وامامه العمدة.
انت لا تنفع لشئ كارلوس. انك وصمة عار. ولست تدري بفداحة ما يجري. لدينا اجنبي على حافة الموت وانت هو المتهم.
اصلح الامر يا ابي.
يا عمدة تعامل مع هذا الامر.
..
اولئك السائحين المتشردون يجوبون البلاد على دراجاتهم. ما عليك الا ان تتهم احدهم بذلك.
ولكن ماذا سنفعل بشهادة المرضة؟ .. وايضا شهادة لوسيندا.
انت مسؤل. انها كلمتك يا رجل. انك اعلى منصب في القرية.. اضف الى ذلك ان الجميع راها وهي تدخل خيمة الرجل الاجنبي. ربما سيحالفنا الحظ ونغطي على الامر برمته. وان لم يحدث فلتخفي جثته.
**
في المشفى دخلت الممرضة وجدت صديقتها لوسندا تجلس بجوار حبيبها. سالت في دهشة:
كيف دخلت الى هنا؟
كان الباب غير مغلق.
كيف ذلك والمفاتيح معي. اين الراعي امبارو؟
لم اره منذ امس.
تركتها وهي تنتقل الى باقي الغرف وتقول:
لابد من وجود تفسير. ساعود فورا.
ابتي امبارو ساعدني.
كيف حال جو. حالته مستقرة ولكنها دقيقة. لو كان في المدينة كان سيحظى بعناية طبية افضل. هل تنصحين بنقله؟
لا نملك معدات ولا ادوية تكفي بالفعل.
ان مات سنخاطر بجلب تحقيقات صحفية كثيرة الى هنا. وسوف تحصلين على نقطة سودا في ملفك الوظيفي.
سيرحل الاجنبي. لابد ان يرحل.
اذا هذه عملية اختطاف.
ايتها العاهرة . هنا رجال .
ساذهب معه كشاهدة. بهذه الطريقة يمكنني ان اضمن سلامته.
انت لست طبيبة او من اقاربه.
اعرف مما انت خائف. تخشى ان يموت وتدخل السجن بسببه.
يسمع جو وينهض من الفراش. يبدي استعداده للذهاب معهم. وتصر لوسيندا لمرافقته.
هناك امر ليس واضحا. لماذا خاطرتي بحياتك للذهاب معه؟
بالفعل هناك سبب جعلني افعل ذلك.
تنظر الى صبي يلعب في الغرفة.
ويقول الاب:
بالتاكيد لست غبيا. كنت حاملا في طفله.
وصلني اتصال من صحفي ان جوركين في المدينة.
ويتقابل جوركين مع لوسيندا. يتعانق الحبيبان. ويسالها جو:
لماذا لم تعلميني بولادة طفلنا؟
لم ارد ان اعرض حياتك للخطر مرة اخرى.
حصلت معجزة. القليل من الناس قادرون على ان يقولوا انهم مروا بمعجزة.
بالرغم من كل الالم الا اني شكرت الله ولا رغبة لي للانتقام.
الانتقام سيزيد المشاكل. لكن هناك امور عالقة لابد من انهاؤها وبعدها ساستريح.
لا تتركني وحيدة. جوركين.
قال الاب:
لا تقلقي سيكون كل شئ على ما يرام. ان السلام يملا قلب جوركين.
**
المشهد 7
يذهب جوركين ويقابل المحافظ وابنه: فور دخوله مكتبه ينهض المحافظ ويلوح بيده في وجهه قائلا:
ما كان عليك ان تعود. ارحل الان.
اردت ان اخبرك انني لست حاقدا عليك. اريدك ان تتركنا انا و لوسندا وشاننا.
وماذا عن الاتهامات الموجهة لابني بالشروع في قتلك؟
لا رغبة لي للانتقام. لقد منحتني هذه البلدة الحياة لا الموت.. منحتني ابنا جميلا.
**
المشهد 8
لكن يا ابتي يجب ان يعاقب المحافظ وابنه. يجب ان يعاقب المذنبون. يجب ان يدخلوا السجن.
لقد عوقبوا بالفعل. لقد هبت المدينة هبة رجل واحد وذهبوا اليه وتوعدوه بانه ان لم يرحل سيبلغون الشرطة بانه ضلل العدالة حتى لا يعاقب ابنه بتهمة الشروع في قتل سائح الماني.
كان هو السبب في كساد بلدهم بسبب عدم الترحيب بالسائحين. استمر هذا عاما كاملا. من اجل ماذا؟ حماية لابنه من دخول السجن.