الجمعة، 15 فبراير 2013

اللحظة العظمى تقترب



كانت اللحظة العظمى تقترب. كانت الظلمة تبتلع في الهاوية بسرعة، شع علينا النور مل فجر مضئ، لكن من بعيد ... بعيد جدا ... عبر الهاوية. كان نور النهار يستولى على ظلمة الليل. قيل لي ان ارض المباركين على وشك ان تعلن لنا. كان النور باهرا يتزايد سريعا، يرمي على الناحية الاخرى الوانا من الضوء لا يوصف جمالها، لا يمكن للنفس البشرية ان تتصور شبيها لها الا في الاحلام و ربما عندما تستهويهم موسيقى سامية.
استولى على جهنم ذعر و كأنها سحرت. و انحصر وجودها في شعور من الرهبة و الخوف. شخصت ملايين من الارواح متعطشة نحو هدف واحد. وقف البعض دون حراك كعامود من ملح ينظرون الى النور المتزايد، و ركع البعض، و سقط البعض على الارض يرتجي تغطية وجهه بينما تحدى البعض – و لكن دون جدوى – رافضين ان ينظروا. اما انا فوقفت ارتعد من الخوف مذهولا عن كل شئ الا المنظر الاتي.

فجأة ظهر كما لو ان نقابا كثيفا قد تمزق او حجابا قد انشق و فاضت سيول من النور، و كان النعيم قد بان مثل كرة من لامع الضياء. شهقت ملايين الارواح المفقودة و ناحت بعويل مؤلم ارجف القلوب و رددت اصداه اركان جهنم. لم اسمع و لم ار بعد ذلك شيئا، و قعت على الارض كانسان بغتته صاعقة.

لا اعلم كم من الزمن بقيت، و لكن عندما فتحت عيني الكليلتين مرة ثانية رأيت نورا ثابتا لطيفا – ضياءا مريحا – يمكن النظر خلاله، و ليس ذلك الضوء الذي يغشي البصر، و مع ذلك كان على ان ادرب نفسي على النظر خلاله. ظهر لي كمحيط عظيم من النور اتخذ رويدا رويدا لونا و شكلا، و انفرج امام بصرى كدنيا من اللطف و الجمال – ما لم تره عين او يخطر على قلب بشر. لم اشك لحظة، انها دنيا المباركين، تفتح النعيم امام عيني، ظهرت لي في ذلك الضوء البعيد اولا جزائر عديدة شواطئها جميلة، و تسبح حولها الوان بديعة متناسقة. بعد قليل ظهر لي ان تلك الاجزاء المنفصلة قد اتصلت فصارت مجمعا واحدا... دنيا البركة. كانت واسعة شاسعة، الا انها مملكة واحدة، جنة مليئة بالبركة و الجمال و المسرة، اجمل بقاع الارض صحراء قفراء بالنسبة لها. ليس عندي كلمة لوصفها. كي اصفها تماما على حقيقتها وجب ان اكون ملاكا و انتم تعلمون من انا .. انسان كان في استطاعته ان يكون ملاكا ... و الآن ... هالك محكوم عليه الى الابد.

اختطفت نظرة من الفردوس و انا ارتعد هلعا، نظرت تعمقت حتى شملت الاف الاميال، فانه على قدر غرابة المنظر صارت لنا قوة ابصار اغرب. روحي تسبح في دوائر متسعة جدا من المجد جمالها الفائق مكشوف امام حواسي المجلوة. شعرت بنسيم منعش سمعت حفيف الاشجار و خرير المياه... كانت هناك موسيقى توقع لغة الطبيعة الممجدة ... و كل الاصوات تتصايح بتناسق فني فتان. لم اشاهد للان نفوسا حية، و لكن اناشيد السرور و التسابيح الرخيمة تتردد في كل مكان. الطبيعة و الارواح تتحد في مزمور حلو النغم، ماذا اقول؟ النعيم بما فيه من السعادة و السلام جعل السرور يطفر في قلبي و لكن بألف خنجر من التشوق.

هذه اذا عدن. اخال انني فيها... لكن ما ابعدها! ما ابعدها! من كل هذا البهاء لا شعاع واحد لي، و لا زهرة .... بل و لا نقطة ندى! ايتها السماء المباركة الا نقطة ماء! الا نقطة دموع.

لكن اين هم؟ اين الارواح التي لا تعد؟ اين المفديون المخلصون؟ لم ار واحدا منهم بعد، ظهرت لى الجنة كأن لم تطأها قدم منذ اليوم الذي طرد منها ادم و حواء بسيف لهيب النار. صرخ قلبي من اجلهم تائقا متعطشا لهم و قلت "اين انتم يا اعزائي ان كنت لا ابصركم في السماء؟" ..

ان المباركين في الفردوس قد اعفوا حتى من الافتكار في جهنم و كل ما فيها من مخاوف و اهوال، غير ان الهوة السحيقة التي بيننا لا تفصلني حتى عن ادق افكارها- الويل لي!
ان نصيبي اليومي هو فقدان الرجاء و هو مثل النار الاكلة يلتهم نفسي حتى اشعر انني صرت رمادا. و لكن و يا للحسرة لا افنى او اموت. و في اللحظة التي اشاهد فيها هذا المنظر الحلو – المر، زاد اللهيب اتقادا بحطب من الجحود هو لب جهنم. تتحول هنا النعمة و المسرة الى يأس. ان وجودى نفسه اصبح عذابا يأكلني... كالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله.
كانت الصرخة المدوية المستمرة لروحى المعذبة "انظر ! ما عساه ان كان نصيبك... و لكنك فقدته ...فقدته".

عربون المحبة الابدية

تعلمون بلاشك – وقد اختبرتم- ان رائحة الزهور توقظ التذكارات- وخاصة المشاعر العذبة السعيدة- و ربما ايضا تثير النزوات النائمة، و هذا على الارض تشوبه بعض الغضاضة اما هنا فجهنم!
لا تتصوروا انه توجد ازهار في هذا المكان. كلا، ليس هنا بل ليس هنا زرع من اي نوع، و لا توجد هنا ازهار و لا حتى الذابلة.
ايها البشر الحمقى! ان دنياكم تفتح الازهار و لكنكم لا تبصرون، و مع كل ما فيها من متاعب و اشجان فهي موطن مبارك! ان حب ابكم السماوي الذي يفيض باستمرار هو الذي يخلق هذه الازهار. هذه الملايين من البراعم ذات الرائحة الزكية هي عربون المحبة الابدية، انها الحبيبات اللؤلؤية الفائضة من الكأس المترع الممنوح من الله للناس.
ما اسعدكم ايها الاحياء، تسيرون و النجوم فوقكم، و الازهار تحتكم، و لكنكم تطرقون سبلكم غير مبالين بالنجوم، غير آبهين بالازهار. مهتمين فقط بانفسكم المسكينة، و مشاغلها التافهة في اغلب الاحيان، ايها الرجال الجهلاء!
لايوجد هنا ما يزهر، و لكن جزء من عذابنا ان تفوح علينا رائحة طيبة من زهرة بعيدة... خيال بالطبع... و هذا يزيد في تأثيرها. الرائحة الزكية لها قوة اثارة لا الشعور فقط ولكن ايضا المناظر التي نود اطالة التطلع اليها، هي رموز المتع المفقودة. هل تفهمون؟ كما من سحر يعاودنا فيض من اللذة الغابرة بينما نحن فريسة للموت و البؤس الذي لا نهاية له.
هل ممكن ان تكون هناك صلة ما ... رابطة روحية بين الارواح المباركة هناك (في الفردوس) و الارواح الهالكة هنا. رابطة معنوية مثل عبير الزهور؟ انه لتصور سعيد... دعوني اتمسك به ... لكنه انمحى و طار ... مثل الرائحة الزكية الوقتية، تعطر ثم تزول.

سأرجع قبل فوات الاوان

اذكر اوقات التوبة الصادقة في حياتي. كنت اشعر ليس فقط بالانكسار و التواضع و لكن ايضا بقلق النفس. في تلك الاوقات كان حمل قلبي يكاد يطحنني. كنت ارى بطل اغراضي و دناءة اعمالي. كنت احس انني سائر في الطريق المؤدي الى الهلاك، كنت احيانا اسمع اصواتا تحذرني "ارجع ... ارجع مادام هناك وقت!" و كانت نفسي تجاوب "سأرجع قبل فوات الاوان!" لم يكن حينئذ – وهذه الانذارات تحذرني – لم يكن الوقت قد فات، و كان القلق الداخلي يتطلب السلام، و كان ممكنا ان اصبح انسانا جديدا من جراء هذه الحرب ... لو انني حاربت و قاومت باخلاص. و لكنني لم افعل. على احسن تقدير كنت اقوم بجهود ضعيفة. في بعض الاحيان كنت افكر بخطاياي بكدر، بل في بعض الاوقات كنت افكر فيها بحزن، و لكن سرعان ما كانت تعاودني افكار الخفة و العبث و تعطل ضرب الاوتار الرقيقة التي للافكار العميقة الخاصة بالحياة الابدية. و بعدم اكتراث مجدد كنت اغوص ازيد فأزيد في تيار الملذات و استطيع بحق مما اختبرته في نفسي و ما رأيته في الاخرين ان اشهد بهذا الواقع المريع ان الروح الشرير له سلطان على ارواح البشر. كم من المرات يعتزم الانسان طريق الصلاح و يلتزم افضل العهود، و ان يترك الخطية، و يتوق الى سبل الحياة الابدية ثم يدخل المجرب قلبه، فيسقط اشد من الماضي. ويقولون انه لا شيطان! شيطان! ان الشيطان هو الذي يجرنا الى جهنم. الشيطان موجود. و عدده لجئون.
ربما تقول "كيف ان الله القوي، العادل، الشفوق يسمح للشرير بمثل هذه القوة المريعة للسيطرة على ارواح البشر؟ أ يكون هو الاب الكلي الحب، الكلي الرحمة و لا يخطفهم من مهلكهم حتى في لحظة ضعفهم؟"
أتشك في الله يا صديقي؟ أليس هو الذي يرسل ملائكته الاطهار لتحرس باب قلبك؟ من الذي وضع الضمير في داخلك؟ من الذي يجعلك تشعر و ترتعب من ثقل خطيتك؟ ان روحه هو العامل فينا. عندما نشعر اننا اخطأنا و عندما نشتاق ان نرقى الى حياة افضل، انه هو الذي يرينا اننا نستطيع ان نرقى الى حياة افضل ... ان كنا نريد....!

ولكن ارادتنا هي الخاطئة، اخلاصنا هو الخاطئ! ان ما يعمله الله لنا حتى في اللحظات الدقيقة اعظم بما لا يقاس مما يقدر ان يفعله بنا الشيطان و لكننا لا نصغي اليه رغم عظم محبته لنا. اننا لا نلتفت لغنى بركات النعمة التي يريد بها ان يخلصنا، اما الشيطان فيكفيه ان يزمر لنا حتى نهرع لاتباع اوامره.

الخميس، 7 فبراير 2013

سياحة المسيحي

لتحميل ملف باوربوينت عن "سياحة المسيحي" اضغط على هذا الرابط 
المسيحي يخرج من مدينة الهلاك:
بينما كنت اتجول في برية العالم جئت الى بقعة حيث وجدت مغارة فدخلت فيها لاستريح، فأخذتني سنة من النوم، فحلمت حلما فا بي ارى رجلا امسك كتابا بيده و اخذ قرأ و عندئذ ابتدأ يصرخ "ماذا ينبغي ان افعل؟" و في هه الحالة السيئة عاد الى بيته.

ماذا ينبغي أن أفعل؟
حاول المسيحيّ في البداية أن ينطوي على نفسه قدر المستطاع، حتّى يخفي بؤسه فلا يُلاحظ أحدٌ اضطرابه. لكنّه لم يستطع الاستمرار في كتم الأمر لأنّه ازداد اضطراباً وحزناً. فاضطرّ أخيراً لأن يفصح عمّا في نفسه لزوجته وأولاده، فقال لهم: "إنّني إنسانٌ هالِكٌ بسبب حِملٍ ثقيل يُثقِل كاهلي. وقد علمت بالتّأكيد أن ّمدينتنا هذه ستحترق بنار من السّماء، وفي هذا الدّمار المروّع، سوف نهلك جميعاً، أنا وأنتم، إن لم نجد وسيلةً ننجو بها من الهلاك".

فلمّا سمعوا كلامه عقدت الدّهشة ألسنتهم لأنّهم اعتقدوا أنّه قد أصيب بالجنون، فهم لم يسمعوه يتكلّم كلاماً كهذا من قبل. وإذ كان اللّيل قد هبط، أخذوه إلى فراشه لعلّ النّوم يُهدّئ من روعه، آملين أن تتحسّن حاله في الصّباح. ولمّا حلَّ الصّبح، إذا به قد صار إلى حالٍ أردأ ممّا كان عليه.

ولمّا عاد إلى حديثه معهم ،أظهروا تجلّدهم وبدأوا يلومونه ويوبّخونه. وعوضاً من مساندته، قابلوه بالجفاء والتّهكّم والسّخرية، ممّا اضطرّه إلى الانعزال في حجرته ليصلّي ويطلب الرّحمة لأجلهم. فالرّبّ هو خير ملاذ حتّى حين نواجه الاضطهاد من أفراد العائلة أو من الأصدقاء.


الإرشاد إلى الطّريق
لقد تفرّد "المسيحيّ" ببؤسه وشقائه، وصار يسير منفرداً في الحقول، لا يفكّر سوى في الدّينونة والغضب الآتيَين. وبينما كان يقرأ في كتابه ويصلّي صرخ كما فعل من قبل: " ماذا أفعل لكي أخلُص؟" راح يتلفّت هنا وهناك كما لو كان يريد الهرب، لكنّه وقف جامداً لأنّه لم يتمكّن من معرفة طريق الخلاص. فأتى إليه رجل يُدعى "المبشِّر" (المرسَل مِن الله) وسأله عن سبب صراخه. فأجابه "المسيحيّ" أنّه لا يريد أن يموت لأنّه لا يقدر على مواجهة الدّينونة، ويخشى من أنْ ينزل به الحِمل الّذي على ظهره إلى مكان أعمق من القبر فيذهب إلى الجحيم ("تُفتَةَ" بحسب إشعياء 30: 33).
عندئذٍ أعطاه "المبشِّر" دُرجاً ملفوفاً مكتوباً فيه: "اهْرُبوا مِنَ الغَضَب الآتي"، وأشار بإصبعه نحو بابٍ ضيّق طالِباً إليه أن يهرب إلى ذلك الباب ويقرع، وهناك سيُقال له ماذا ينبغي أن يفعل. فأخذ "المسيحيّ" يجري بعيداً عن بيته. لقد غادر مدينة الدّمار على الرّغم من توسّلات عائلته وأصدقائه ليرجع.
انْظُروا أن لا تَستَعفوا من مُرسَلي الله الّذين يكلّمونَكم بكلام الله.

بالوعة اليأس:
رافق "المسيحيّ" في طريقه واحدٌ من جيرانه يُدعى "المرِن". وفيما هما يتحدّثان، اقتربا من حمأة الأوحال تُعرف ببالوعة اليأس، وإذ لم ينتبها سقطا كلاهما في الطّين. ولأنّ "المسيحيّ" كان مُثقَلاً بحمله، غاص في الحمأة أكثر من زميله. وابتدأ "المرِن" يتذمّر ويحاول أن ينجو بنفسه، فقام بمحاولة خطرة وخرج من الوحل من جانب الحمأة الّذي في اتّجاه بيته، ومضى راجعاً.

أمّا "المسيحيّ" فظلّ يتخبّط في "بالوعة اليأس" بمفرده وهو يحاول الخروج من الجانب البعيد عن البيت والّذي يؤدّي الى الباب الضّيّق، ولكنّه لم يستطع بسبب حِمله. فجاء إليه رجلٌ يُدعى "المُنجِد" وسأله عمّا أصابه. فأخبره المسيحيّ أنّه كان في عجَلَة للوصول إلى الباب الضّيّق هرباً من الغضب الآتي، وإذ لم يتحفّظ لخطواته جنح عن الطّريق المرصوف وسقط في الوحل. مدّ "المُنجِد" يده فأمسك بالمسيحيّ وجذبه خارجاً، ثمّ أقامه على أرضٍ صلبة وأمره بأن يمضي في طريقه.
دعا "بنيان" هذه الحمأة "بالوعة اليأس" لأنّه عندما يتنبّه الخاطىء إلى حالته ويتيقّن من أنّه هالِك، تقوم في نفسه مخاوف كثيرة وشكوك وأفكار غير مشجِّعة لأنّ قلبه يبدو كحمأة مليئة بالزّبد والقذارة.
شكراً للرّبّ لأجل الإنجيل الّذي يُعطي الأمل للّذين تَبَكَّتوا على خطاياهم ويقودهم إلى الخلاص من حمأة الذّنوب.

بيت الناموسي
قابل المسيحي بعد ذلك رجلا يدعى"الحكيم الدنيوي" و هو يقطن مدينة "الحكمة الجسدية" الذي سأله عن حاله و نصحه ان يتخلص من الحمل الذي على ظهره اما المسيحي فاجابه : "ان هذا ما اسعى اليه، لكنني لا استطيع ان افعل هذا بنفسي و لهذا فانني اسير ف هذا الطريق لكي انال الخلاص من حملي"
الحكيم الدنيوي:"كيف شعرت لاول مرة بحملك هذا؟"
المسيحي :"بعدما قرأت في الكتاب الذي بيدي"
الحكيم الدنيوي: "و لكن لماذا تسير في هذه الطريق المحفوفة بالمخاطر ..ان في تلك القرية التي تسمى "الاخلاق" يقيم رجل مهب يدعى "الناموسي"، له مهارة فائقة في مساعدة الناس في التخلص من احمالهم"
المسيحي: "وكيف الوصول يا سيدي الي ذلك الرجل؟"
الحكيم الدنيوي: "سر في محاذاة هذه التلة و اول بيت يصادفك هو بيت الرجل
و عندئذ حول المسيحي وجهته ليطلب مساعدة "الناموسي" و لكنه ظهر له ان التلة شاهقة الارتفاع فتراجع عن المسير خوفا من ان تسقط فوقه و رأى بروقا و السنة من النيران تخرج فخاف ان يحترق، فوقف و هو مرتعب و مرتعد.
وعندئذ ابصر المبشر قادما نحوه و لامه على انحرافه عن الطريق .. فقال له المسيحي:"اسألك يا سيدي هل هناك امل في خلاصي؟ و هل في الامكان ان ارجع و اتجه نحو الباب الضيق؟"
المبشر:"فقط تحفظ لنفسك لئلا تبتعد مرة اخرى "فتبيد من الطريق لانه عن قريب يتقد غضبه"

المسيحي يدخل من الباب الضيق

و عندئذ استعد المسيحي لاستئناف السفر و ركض مسرعا و لم يطمئن حتى وصل الى الطريق الاولى و في وقت قصير وصل الى الباب الضيق فقرعه و هو يقول:
"يا ذا الصلاح و صاحب الاحسان
جئت بابك طالبا الغفران
هل تفتحن لي منعما
فاغدو لك شاكرا مرنما"

فتح الباب شخص يدعى "الاحسان" و هو يقول "ماذا تريد؟"
اجاب المسيحي "انني خاطئ و مسكين انوء تحت حمل ثقيل اتيت من مدينة الهلاك قاصدا الجبل المقدس لانجو من الغضب الاتي"
الاحسان:"ان امامك بابا مفتوحا لا يستطيع احد ان يغلقه" و اخذ يسأله عن حاله و اسرته و قصته و المسيحي يحكي له ما جرى له و كيف تبعه المرن لفترة ثم تركه و كيف مر بالحكيم الدنيوى و ببيت الناموسي ...
الاحسان: "اننا لا نعترض على احد فمهما كانت اعماله السالفة فمن يأتي الى هنا لا اخرجه خارجا و الان هلم معى فأريك الطريق التي تسلكها"
المسيحى: لكن الا توجد به شعاب تجعل المسافر يضل طريقه!"
الاحسان "بلى، هناك شعاب كثيرة تتفرع منه لكنها متعرجة وواسعة، و عليك ان تميز بين الطريق الصحيح و الطريق الخاطئ في ان الاول مستقيم و ضيق.. اما من جهة حملك فعليك ان تقنع به حتى تأتى الى مكان الخلاص و هناك سيسقط من تلقاء نفسه"

و عندئذ منطق المسيحي حقويه و استعد للرحيل و قال له الاحسان انه عند ذهابه سيصادف في طريقه بيت المفسر فحين يقرع بابه سيريه امورا عجيبة.



بيت المفسر
البهو المغبر
و بالفعل قرع المسيحي بيت المفسر.. اخذه بيده الى بهو (غرفة فسيحة) مغبر (تعلو ارضيتها طبقة من الغبار). امر المفسر احد الخدام ان يكنسه فما كان الا ان علا الغبار و ملأ الجو حتى كاد المسيحي يختنق فاسرع و طلب من فتاة كانت تقف بالقرب منه ان تحضر ماءا و ترش الحجرة فلما فعلت ذلك تم كنس الحجرة بسهولة "
فقال المسيحى :"وما معنى ذلك؟"
فاجاب المفسر: "الغبار يشير الى الخطية الاصلية و الفساد الداخلى في القلب و الشخص الذي رأيته يكنس في الاول هو الناموس الذي لم يكن في امكانه ان ينظف الغرفة اي القلب من الخطية بل قد احياها (رو7: 9) و اعطاها قوة (1كو15: 56) هذا بالرغم من انه يكشف عن وجودها و ينهي عنها ولكنه لا يعطي قوة لاخضاعها. و اما الفتاة فهى نعمة الانجيل في القلب فكما رأيت انه عندما رشت المياه اخمدت الغبار كذلك تنهزم الخطية بعمل الايمان..


المسيحي يصل الي الصليب
وما ان وصل الى الصليب حتى انحلت ربط النير و سقط الحمل من على منكبيه و ظل يتدحرج حتى وصل الى فم القبر فاختفى هناك. و عندئذ ابتهج المسيحي و طفر فرحا و بينما هو كذلك اذ بثلاثة رجال منيرين مقبلين اليه فحيوه قائلين :"سلام لك"

و قال له الاول "قد غفرت خطاياك"

و نزع الثاني عنه الثياب القذرة و البسه رداءا مزخرفا (زك3: 4)

اما الثالث فوضع سمه على جبهته (رؤ7: 3، 1يو2: 20, 27) و اعطاه درجا عليه ختم و امره ان يقرأ فيه فاذا ما وصل الى باب المدينة السماوية سلمه هناك.

وقفز المسيحي من الفرح و مضي يترنم قائلا:
بحثت عن الراحة و تعبت في التنقيب
فلم اجدها الا بجانب الصليب
حملى الثقيل ولىّ و قلبي استراح
و بدل الهموم حلت بي الافراح

سار المسيحي في طريقه فرحا..