الجمعة، 18 مارس 2016

المدخل الى الكتاب المقدس



انه اعجب كتاب في العالم، لا يوجد كتاب اخر في العالم يماثله. وهو اعظم الكتب واوسعها انتشارا، وهو اعمق الكتب اثرا في حياة البشر، واشدها تأثيرا، هو احب الكتب للناس وهو ابغضها الى البعض الاخر. وقد صادروه واحرقوه، ولكنه حي لا يموت.
يحوي بين دفتيه اعجب الحوادث التاريخية ولكنه ليس كتاب تاريخي.
هو ذخيرة من الحق في التمييز بين الصواب والخطأ، ولكنه ليس مرجعا من المراجع الاخلاقية،
انه يخوض الى اعمق مشاكل الحياة، ولكنه ليس كتابا فلسفيا.
انه كتاب شرقي، ولكنه جامع شامل ، دعوته موجهة الى كل العالم.
بسيط في عباراته بحيث يستسيغه الطفل الصغير، ولكنه عميق في معانيه بحيث بحيث يعجز ابرع العلماء عن الالمام باسراره.
انه يكوّن وحدة فريدة، مع انه اسفار عديدة كتبها اشخاص عديدين بالوحي، في اجيال متعاقبة من التاريخ ، وباساليب مختلفة من صيغ الكلام.
كتاب قديم ولكنه يصلح لكل عصر وجيل.
قد خلا من الاعجاز اللفظي ولكنه جذاب في حلاوته وبساطته وعميق في معانيه ومطالبه.
ما هذا الكتاب وما سره؟ انه اشبه بعمل الله في الطبيعة، جبالها الراسيات، واوديتها الخصيبة الزاهرة- اذا ما قورنت بالمدن التي تشيدها يد الانسان، لانه يحمل في صفحاته طابع يد الخالق القدير.
في العهد القديم يستتر العهد الجديد، وفي العهد الجديد ينكشف القديم.
انه يحوي 39 سفرا، كتبت تباعا، فقد بدأت بذرة دقيقة، وغرست هذه البذرة في باطن الارض ثم راحت تتغذى حتى صارت جذورا وسيقانا واوراقا واخيرا تفتحت عن هذه الازهار التي تستلب الابصار،وقد كانت في نموها هادئة لا حركة فيها ولا صوت يسمع لها. ونحن نعلم الاطوار التي مرت بها. ولعل هذا نموذج لما يفعله الله بنا ، هو يصنع الاشياء رويد رويدا، خطوة خطوة، وطورا بعد طور. بل هذه هي الطريقة التي اعلن لنا بها ذاته في الكتاب المقدس. ولكل انسان قسط من معرفة الله، ولكن معرفته الكاملة تفوق طافة العقل البشري. وليس هذا مرد الى نقص في الله، حاشا! انما هو نتيجة طبيعية منطقية لطبيعة الذات الانسانية. نحن بشر ضعاف في الحول والطول، ناقصون في العقل والفكر، وافضل ما فينا يمتزج بالادنى والاسوأ. نحن اشبه باوعية صغيرة لا تسع الا قليلا قليلا من حكمة الله ومحبته التي لا نهاية لها. ولو ان معرفة الله اقتحمت علينا اقتحاما، وارغمنا عليها ونحن غير اهل لها، لضاعت وذهبت عصافة تذريها الريح
والله مستعد دائما ان يعلن ذاته للانسان، ولكنه يقسط هذا الاعلان على قدر ما يستطيع الانسان ان يهضم من هذه المعرفة. والانسان يستزيد على مدى الاجيال من قوة العقل والقلب والنفس، واحيانا يتمرد الانسان ، وعلى حسب هذا يكون كل جيل افضل او اردأ من سابقه.
وهذه حقيقة افصح عنها السيد المسيح لتلاميذه يوم قال "ان لي امورا كثيرة لاقول لكم ولكنكم لا تستطيعون ان تحتملوا الان" ويسوع يقول هذا الكلام عينه اليوم. لاننا دائما ننال من معرفة الله على قدر ما نحتمل.
وفي العصور القديمة كانت معرفة الانسان لله كثيرا ما شابها قصورا. وكثيرا ما عجز البشر عن ادراك طبيعة الله وفهم مقاصده. ولكن بذرة المعرفة كانت قد غرست في قلوبهم واستمر على كر السنين التهذيب والترويض والتلقين والتعليم حتى ظهر اعلان الله الكامل في شخص يسوع المسيح الذي "فيه يحل كل الملء".
على ان يسوع المسيح لم يجئ الى عالم خال من اسباب المهيئة لمجيئه. ولو فعل ذلك لتعذر على الناس ان يدركوا ذاته واعماله وتعاليمه. وقد استغرقت تربية الانسان واعداده لقبول هذا الاعلان الكامل مئات السنين واستوعبت اسفار العهد القديم اطوار القصة كلها. وقد اتخذ الله امة صغيرة، التي نسميها العبرانيين او اليهود، وجعلها بمثابة مدرسة لتلقين هذا الدرس. واعلن الله ذاته شيا فشيئا واستغرق كل طور مئات السنين ، اذ اننا نحن البشر بلداء الفهم، وكثيرا ما عجزنا عن استيعاب اصحاب المنى والاحلام. الى ان اصبح الانسان مستعدا للزمن الذي"صار فيه الكلمة جسدا وحل بيننا" هذا هو "ملء الزمان" وقمته. فيسوع اذا هو قلب الوحى الالهي.
حبيب سعد