الجمعة، 3 أبريل 2020

ايهما نختار - الهدف ام الوسيلة؟


كثيرا ما ننسى الهدف ونمسك بالوسيلة وكأنها الهدف. الهدف هو الله.. هو ملكوته في قلوبنا.. ويمكن ان يكون ذلك في اي مكان.. حتى لو كان في السجن.. القديس بولس قضى فترات كبيرة من حياته في السجن. وكان ذلك بركة للكنيسة اذ كتب من هناك رسائله.. والبابا شنودة الثالث يقول ايضا عن فترة تحديد اقامته بالدير انه قضاها في كتابة مجموعة من اكبر كتبه حجما.. وكذلك البابا اثناسيوس لم يترك رعايته للكنيسة ﻻنه كان منفيا عن كرسيه، بل من مكان نفيه كان يكتب الرسائل ﻻوﻻده ويؤلف كتبا ، ويرد على المبتدعين..

لو حزين بسبب غلق الكنيسة فى أسبوع الآلام أقرأ هذه القصةمن فضلك..

يوم ١٦ ديسمبر ٢٠١٩م كنت فى خلوة بدير أنبا أنطونيوس وأنبا يسطس اسقف الدير كعادته جمع الأباء الكهنة الضيوف فى حديث روحى جميل. حكى لنا قصة تذكرتها الآن بعد قرار غلق الكنيسة فى أسبوع البصخة.. قد قرأ سيدنا هذه القصة فى كتاب يتحدث عن رهبنة جبل أثوس باليونان.. القصة تقول:
"لاحظ رئيس الدير فتور روحى حادث للرهبان بسبب كثرة الانشغالات وباءت كل محاولاته بالفشل لإرجاعهم لحالتهم الأولى..
إلى أن شعر الرهبان بهذا الفتور فهرعوا نحو رئيس الدير يسألونه. ما الحل؟
قال لهم: أتريدون الحل؟ هل ستسمعون كلامى؟ قالوا: نعم كل ما تطلبه ننفذه بدون نقاش. 
فطلب من كل واحد ان يحضر كتابه المقدس وكتاب التسبحة ويحضرون كل واحد جركن كيروسين (جاز).. 
وقال لهم فلنحرق الدير.. وبالفعل حرقوا الدير..
وخرج كل راهب الى خلوته لا يملك سوى كتابه المقدس وكتاب تسبحته بلا أى انشغالات".

قد تتفق او تختلف مع القصة السابقة، ولكن يبق لها مغزى.. فهمته الآن.
لا أقصد طبعا حرق الكنيسة.. ولكن الله المحب يقول لنا اهتموا برب الكنيسة.

واستدراكا للقصة السابقة تذكرت ايضا اﻻتي: في قصة ابونا انسطاسي (عن كتاب: 3 قصص هادفة - من تأليف قداسة البابا شنودة الثالث). ذكر ان الراهب انسطاسي لم يحتفظ حتى باي كتاب روحي وﻻ الكتاب المقدس نفسه .. وكان يعتمد على ذاكرته فقط- اي كلمة ربنا التي اختزنها عقله وقلبه.

واﻻستدراك السابق يقودنا الى قصة من سيرة اﻻنبا انطونيوس:
قيل انهم سألوه مرة: كيف لديك هذه المعرفة وانت لا تقرأ الكتب ..
قال لهم: ايهما اسبق - العقل ام المعرفة؟
قالوا: المعقل.
قال: اذن يمكن ان يولّد العقل معرفة دون كتب. واما عن الكتب فاني اقرا في كتاب الله بالطبيعة، واذا اردت ان اقرا ففي كلام الله اقرأ.

يذكر لنا بستان الرهبان ايضا قصصا تتعلق بموضوع مقالنا اﻻساسي (الهدف والوسيلة)

قيل ان اﻻنبا انطونيوس ذهب يفتقد احد الرهبان، ووجد ان امام قلايته حديقة مزروعة بمختلف النباتات، فما كان من القديس اﻻ انه انتزعها من اﻻرض. كان ذلك اختبارا منه للراهب. ولما وجد ان الراهب لم يغضب.. مدحه، نه عرف ان يميز بين الغضب من اجل البر والغضب الجسدي..

وقيل ايضا ان الشيطان جاء ليوقظ اﻻنبا انطونيوس وقال له: قم صل!
فرد عليه القديس: حينما اريد ان اصلي ساصلي ولكن منك ﻻ اسمع.

نتعلم من هذه القصة فضيلة التمييز التي كان يحبها كثيرا. هنا ميّز بين الكسل وبين النوم كراحة ضرورية للجسد من اجل تجديد قواه. وقال ايضا احد القديسين في هذا المعنى (اﻻنبا يحنس القصير) "لقد تعلمنا من اﻻباء ان نكون قتالين لشهواتنا وليس ﻻجسادنا".

اختم باختبار شخصي:

قرات قصة في بستان الرهبان ولم تعجبني ، وانتقدتها، واعتبرت انها تمثل عنصرية ضد المرأة، ولم يغيّر تفكيري بصددها اﻻ ان المتنيح قداسة البابا شنودة ذكره في احدى عظاته. ومن هنا اعتبرت انها قصة نافعة:

"أحد الرهبان نزل في بعض الأيام، قاصدا المدينة ، فوجد طفلا ملقى على جانب الطريق، فأخذه الى الدير ورباه على (لبن) شاة، حتى كبر ولم يكن يعرف سوى الرهبان، وحدث أن خرج مرة لقضاء أمر ما ، فأخذه معه، وبينما هما يمشيان في الطريق، إذا بمواش ترعى ، رآها الغلام قال لمعلمه : " ما هي هذه الأشياء يا أبى ؟ " .
فقال له : " هذا بقر ، وتلك جمال ، وهذا حمير ، وهذا كذا .. " ، وهكذا استمر الغلام يستفهم من معلمه عن كل شئ يبصره ، حتى لقيتهما جارية، شابة، جميلة ، فقال الغلام : " ما هذه يا أبى ؟ " .
فقال له : " هذه هي الشيطان " ، فلما قضيا حاجتهما ، ورجعا إلى الدير، سأل الشيخ الغلام قائلاً : " ماذا أعجبك يا أبنى من كل ما رأيت ؟ " فقال الغلام: "لم يعجبني شئ إلا الشيطان وحده " .
فلما سمع الشيخ تعجب كيف أن المرأة تفتن حتى الذين ﻻ يعرفون شيئا".

سؤال: ماذا عن اهداف مثل النجاح في الدراسة؟ الزواج؟ النجاح في العمل؟
كلها يمكن ان نسميها اهداف مرحلية. لكن الهدف اللاساسي الذي ﻻ يجيب عن بالنا هو علاقتنا بالله، هو  ملكوت السموات. 

يا رب اجعل باب كنيستك مفتوحا امام وجوهنا على مر الدهور والازمان.