الجمعة، 6 مارس 2020

عرس قانا الجليل



لا يستبعد ان تلاميذ المسيح توقعوا ان يرفض المسيح هذه الدعوة، فقد حسبوه مثل معلمهم الاول المعمدان وسلفه العظيم ايليا ، اذ يتنحى عن الافراح العالمية، ملتزما طريق النسك. لانه في ايام العرس السبعة لابد ان يتغلب مهرجان الافراح على الصبغة الدينية.
لكن لا يصح لمخلص البشر جميعا ان يتبع خطة سلفه المعمدان، من هذا القبيل، اذ يقدم الوجه الغاضب العابس، وينادي كما نادى بالوعيد للخطاة. فعليه ان يمثل الوجه البشوش مناديا بالسعادة، وهو صاحب البشارة المفرحة وموضوعها، وعليه ان يكمل صورة الدين بتاييد مبدا الالفة والمؤانسة.
مثّل المعمدان الصرامة الدينية، ومثّل المسيح بالاكثر اللطف الديني. ساق المعمدان الناس الى التوبة، ودعاهم المسيح اليها. اتى المعمدان لا يؤاكل الناس ولا يشاربهم، واتى المسيح ياكل ويشرب ويقبل الدعوات للولائم، وان تقام له الولائم الخصوصية.
من اجابة المسيح عى العذراء يتضح انها تدخلت تدخلا في غير محله، اذ قال لها "ما لي ولك يا امراة". ولابد ان المسيح علم انها تحتاج الى تعليق فيه شيئا من القساوة، حتى تفهم جيدا شانه الجديد، والتغييرالكلي في علاقته العائلية. فكان كلامه بمثابة فاصل بينه وبينها. وبين ماضيه ومستقبله. اذ قصد ان يعلمها عدم التدخل في اعماله.. وايضاحخا لذلك قال "يا امراة" بدلا من "يا امي". قبل هذا الوقت كان يجوز ان يتعلم منها وياتمربامرها، لكن الان عليها ان تتعلم منه، وان تاخذ كل الحذر من ان تلمح اقل تلميح بانه يفتقر الى ارشاد من بشر، كانه قاصر في معرفة الواجب، او مقصر في ايفائه.
اختار المسيح انية ماء بدلا من انية الخمر دفعا للشك بان اثار خمر سابقة تكون منحت الماء قليلا من طعم الخمر. واختارها فارغة ليتحقق الجميع ان ما فيها ماء صرف. واختارها كبيرة حذرا من الظن انه يمكن استحضار خمر من الخارج لملئها. وامر ان يملاها خدام العريس لا تلاميذه، دفعا للظن بانهم استعملوا حيلة لتعظيم معلمهم. وامر ان يملاوها الى فوق لكي لا يبقى محل للقول ان خمرا اضيفت الى الماء بعد ان وضعه الخدام.
بشهادة 3 حواس: الشم والبصر والتذوق ثبت صدق المعجزة الاولى. ويماثل تحويل المسيح الماء خمرا اعماله الدائمة فهو الذي يحوّل الحسن الى احسن والثمين الى اثمن. حوّل عهد الناموس الى عهد النعمة الجديد، وحوّل الرموز الوقتية الى الحقائق الاصلية، كما يحول المعمودية بالماء الى معمودية بالروح، ويحول كلمة الارشاد الديني البسيطة الى كاس الخلاص الابدي في قلوب السامعين.
ومن جملة الامور التي تبين لنا ان المسيح قدوة للبشر: موافقته على استعمال الخمر في العرس. فليس المقصود هنا السكر بالخمر.. وما نعلمه عن المسيح يجعلنا نجزم انه لو كان في استعمال الخمر ضرر حينها لكان مستحيلا ان يصنعه. ان شرب الخمر خطية ان ادى الى السكر او اعثار الاخرين.
كانت اول معجزات المسيح في عرس، وبذلك توج سنة الزيجة وهي اقدم الانظمة البشرية، وهو الذي سنّها في جنة عدن – حين كان ابوانا الاولان في حالة القداسة التامة. ولاسباب غنية عن البيان اثبت فعلا ان "الزواج مكرما"(عب13: 4). وبذلك حذر الناس سلفا من التوهم المضر المستولي على الكثيرين، بان الزواج هو من باب التساهل مع الضعف البشري، وقد سن لاجل ردع الناس عن الرذيلة، وان الامتناع عن الزواج فضيلة، فنتج عن هذا الظن الفاسد.
كان حضور المسيح هذا العرس مقدمة جميلة لحضوره كل عرس يقام بين المؤمنين. وسوف يحتفل في اخر الايام بعرس المسيح العظيم الذي حول الماء خمرا- حين يجلس على عرشه الملوكي، وتكون العروس هي كل جماعة المؤمنين. ولا يدوم هذا العرس 7 ايام فقط بل الى ما لانهاية. فطوبى للمدعوين الى عشاء عرس الحمل (رؤ19: 1-10).