السبت، 27 أغسطس 2011

في وعود الله ووعود العالم





يا بني ، أريد منك ألاّ تميل منْ ينعمون في هذا العالم بسعادة كاذبة ، باطلة ومغرية ، لا تغذي سوى كبريائهم فيجف قلبهم من الله ، ويقسو على شآبيب فلا يعطي ثمراً.
أريد منك ألا تنصرف إلي ما يُري ، بل إلي ما لا يري ، لأن ما يري زمني ، وما لا يري أبدي.
وعودُ العالم دائماً كذابة ، ووعود الله دائماً صادقة .
وبما أن العالم يبدو لك ، وكأنه يحقق وعوده في أرض الأموات هذه ، بخلاف مَنْ يحقق وعوده لك في أرض الأحياء ، أراك تملّ من ترقبّ السعادة الصحيحة وتهوي بلا خجل سعادة كاذبة.
تأمل في الكتاب القائل :(الويل لكم أيها الذين فقدوا الصبر ومالوا إلي طرق السوء)"سيراخ16:2     إن أبناء الموت الأبدي لا ينفكون يوجهون الإهانات إليك أيها المجاهد العامل برجولة المستمسك بالله بقلب ثابت ، ويفاخرون بأفراحهم الدنيوية التي لا تروي لهم غليلاً إلاّ إلي زمن ؛ ثم يجدونها أمرَّ من العلقم.
ويقولون : أين ما يعدك به بعد الحياة الحاضرة ؟ ومن ذاك الذي عاد من هناك ليؤكد لك صحة ما تؤمن به؟
أنظر إلينا نتمتع فرحين بملذاتنا نحن الذين نرجو ما نري . أما أنت فإنك تشقي من متاعب العفة مؤمناً بما لم تر.
ثم يزيدون ما ذكرّ به الرسول في قوله : فلنأكل ولنشرب لآنا غداً نمون . ولكن ، تأمل بما حذرنا منه هو عينه حين قال : فلنأكل ولنشرب لأننا غداً نموت . ولكن ، تأمل بما حذرنا منه هو عينه حين قال :(استيفقوا للبر ولا تضلوا ، إن العشر الرديئة تفسد الأخلاق السليمة)"1كور32:15-33".
إياك أن تفسد أخلاقك ، بمثل هذا الكلام فيضعف صبرك ويضيع أملك وتسير في طرق السوء.
تسلًّحْ بالرجاء الحقيقي ولتكن لك ثقة عظمي ؛ وليكن كلامك مطيبًّاً بملح النعمة لتعرف أن تجيب     كما يليق ، كل إنسان.
أجب : أين ملذاتكم أيها الباحثون عنها في طرق السوء ؟ أنا لا أقول : ماذا تكون حالك بعد هذه الحياة؟ بل ، ما هي حالك الآن؟
وكما أن اليوم الذي نحن فيه قد مضي على يوم أمس والغدَ يغيّب يومنا هذا ، فلمَ لا ينقضي ويزول يوم الملذات التي تحبون؟
ولمَ لا يهرب منذ أن يُلْقي القبضُ عليه طال ما أن الاحتفاظ به غير ممكن ساعة واحدة ، ولا يوماً واحداً ، في هذا الحاضر ؟ وكما يطوي اليومُ الثاني اليومَ الأولَ هكذا يطوي الثالثُ الثاني . ومن هذه الساعة التي تبدو حاضرة ، لا يبقي شيء منها ؛ لأن هنيهاتها وأجزائها هاربة.
ولهذا يأثم الإنسان حين يخطأ هذا إذا لم يكن أعمي . وحين يخطأ , فعليه أن يفكرّ ؛ يمكنه أن يري البشر يشتهون اللذة بلا فطنة لأنها لذة عابرة وإذا انقضت فليفكر أقله بالندامة عليها .
إنكم لتهزأون بي لأني أرجو الأبديات التي لا أراها في حين إنكم تستسلمون للزمنيات المنظورة وتجهلون الغد الطالع عليكم . وإذ ترجون أن يكون يومَ خير ، إذا به يوم شؤم ، ومتى جاء فلا يمكنكم أن توقفوه عن الهرب.
إنكم لتهزأون بي لأني أرجو الأبديات التي لا تنقضي ، لأنها لا تأتي بل تثبت إلي الأبد ، إنما أنا أجيء إليها ، سالكاً طريق الرب ، فأجدها في نهايتها . أنتم لا تنفكون ، طوال يوم واحد ، ترجون الخيرات الزمنية.
الخيرات الزمنية : وإن خدعتْ حدسكم إنها تضرم أشواقكم متى طلبتموها ، وتفسدكم متى نلتموها ، وتعذبكم متى فقدتموها ، أو ليست هي الخيور عينها التي أضرمت رغباتكم ، حتى إذا ما حصلتم عليها ، حطت من كرامتكم ، وإذا أردتم الاحتفاظ بها ، تلاشت بين أيديكم؟
كيف تستخدم الزمنيات ؟  أنا أستخدمها وفقاً لحاجات السفر إنما لا أضع فيها سعادتي ، كيلا أفشل إذا فاتني ، واستخدم هذا العالم كمن لا يستخدمه . رغبة في الوصول إلي خالقه  لأثبت فيه وأستمتع به إلي الأبد.
وما معني قولكم : من ذا الذي عاد إلينا واخبرنا عما يجري في جهنم؟ لقد أخرسكم ذاك الذي أقام الميت من قبره في اليوم الرابع ، وقام في اليوم الثالث هو الذي لن يموت ، وهو الذي لا شيء يفوته وصف لنا قبل موته ، في مثل الغني والفقير ، الاستقبال الذي يعُدّه للأموات.
أذهبوا الآن وقولوا : فلنأكل ولنشرب لآنا غداً نموت . الحق يجدهم موتي حين يقولون هذا القول زاعمين إنهم سيموتون غداً . أما أنت يا ابن القيامة . وموُاطن الملائكة والقديسين ، ووريثَ الله وشريك المسيح في ميراثه ، فإياك أن تقتدي بهؤلاء الذين يموتون غداً ، حين يلفظون أنفاسهم ويدفنون اليوم في قبورهم وهو يشربون.
يقول الرسول بالمعنى عينه : استفيقوا للبر ولا تضلوا ، إن العشر الرديئة تفسد الأخلاق السليمة) أنت تسير في طريق ضيقّ وآمن ، أنه يوصلك إلي أورشليم السمائية ، الرحبة ، التي هي أمّ لنا إلي الأبد  ترجّ بثبات ما لا تري وأنتظر بصبر ما ليس لك طالما أنك تمسك ، مخلصاً ، بالسيد المسيح الواعد الصادق.