الجمعة، 26 أغسطس 2011

الخوف



الخوف نوعان : خوف سافل ... وخوف نقي ، أحدهما يخشى أن يفقد البر والأخر يخشى العقاب.
الخوف السافل : هو خوفُ من يخشى الاحتراق مع الشيطان ، والخوفُ النقي هو خوف من يخشى عدم مرضاة الله.
وأين العظمة في أن يخشى الإنسان العقاب؟
 تلك حالُ العبد الخاطئ واللص الشرس . لا عظمة في أن يخشى الإنسان العقاب؟
تلك حالُ العبد الخاطئ واللص الشرس . لا عظمة في أن يخشى الإنسان العقاب إنما العظمةُ في أن يحبَّ البر . وكم من يحبّ البرّ لا يخشى العقاب بل يخشى فقدان البر.
اللصّ : يخشى العقاب إنما لا يخشى الإثم : إنه يسرق حين لا يستطيع أن يسرق ، مع أنه سارق.
الذئب : يسطو الذئب على حظيرة الخراف ويحاول أن يدخل ويقتل ويفترس ؛ وبما أن الرعاة يسهرون ، والكلاب تنبح ، فلا يستطيع أن يخطف أو يقتل ، إنما يخرج ذئباً كما جاء ذئباً. الأنة لم يستطع أن يسرق نعجةً نقول : جاء ذئباً وعاد نعجة؟
لقد جاء ذئباً محتدماً غضباً ، وعاد ذئباً ، مرتجفاً فزعاً ، ومع ذلك فهو ذئب ، غاضباً كان أم خائفاً لا خطف فريسة ولا تخلًّي عن خبثه . إن كانت تلك هي حالك فإنك تفكر بألا يعذبك البر.
أنت واللص .. الفرق بين خوفك وخوف اللص ، هو أن اللص يخشى قوانين البشر فيسرقَ أملاً في أن يخدعها ؛ وأنت تخشى شرائع وعقاب من لا يسعك أن تخدعه .
سؤال : هب إنك استطعت أن تَغُشَّ ، ألا تغش؟ المحبة لا تنزع منك الشهوة ؛ إنما الخوف ، وحده يكتبها . إن من قيَّده الخوف يضل ذئباً . تحوًّلْ أنت إلي نعجة ـ ذاك ما صنعة الرب ببر منه لا منك.
وطال ما إن لك برك ، فاخشَ العقاب ولا تحبّ البر . إني أطرح عليك سؤلاً : تفحَّص سؤالي المدويّ ؛ وأجعل لك من نفسك سؤالاً صامتاً . لك أقول : إن لم يرَك الله حين تعمل فهل تعمل إذاً لم يكن ، يومَ الدين ، من يقنعك بإنك عملت شراً ؟ تأملَّ نفسك بنفسك إذ لا يسعك أن تجيب على كل ما أقول . تأملًّ نفسك ، أتفعل؟
إن فعلتَ ، كان ذلك خوفاً من العقاب وليس حباً بالبر ، ولم تكن على شيء من المحبة لأنك تخاف كعبد : إنه الخوف من الشر وليس الحب للخير . وبرغم ذلك ؛ يجب عليك أن تخاف خوفاً يؤدي بك إلي المحبة . إن خوفك هذا يجعلك تخاف من جهنم ويمنعك عن الخطيئة ويغمرك من كل جانب ولا يدع فكرك الباطني الحر يريد الخطيئة.
وبالتالي ، فالخوف هو كالحارس والمعلم في السنَّة ، التي كان حرفها يهده قبل أن تنجده النعمة . فليحفظك هذا الخوف من السوء ؛ ولتدخل المحبة قلبك ؛ إذ بقدر ما تكون فيه بقدر ذلك يخرج منه الخوف.
وطال ما إن الخوف يحفظك من السوء ، فالمحبة تستأصل ما فيك من رغبة في الإثم ؛ ولو استطعت أن تعمل دون أن يطول العقاب.
عانقْ المحبة وأدخل فيها ، اقبلهْا تفادياً للخطأ ؛ كفَّ عن الخطيئة واقبل المحبة واحَي حياة صالحة.
ومتى دخلتَ في المحبة بدأ الخوف يخرج ؛ وكلما ازدادت ولوجاً في المحبة ازداد الخوف تراجعاً . ومتى دخلت بكليتك تلاشى الخوف :(لأن كمال المحبة يطرد الخوف خارجاً)"يوحنا 1يو18:4". للمحبة خوف نقي خاص بها يثبت إلي جيل الأجيال . الرجل الصالح ولو استطاع أن يحفظ قول الله لما أحزن عيني أبيه القائل له : (أراك حين تخطأ فلن أعاقبك إنما لست أرضي بك.) والرجل الصالح يخشى أن يغيظ محبوبة بمعزل عن صرامة القاضي ، لأنه لو أحب الأب حقاً كما يحبه الأب لاعترف به رباً ولما عصا له أمراً.
هناك أناس يخشون أن يعلموا شراً ، عن ضعف جسدي ، أو نفسي وليس حباً بالخير ، بل خوفاً من أن يدينهم الناس ؛ فيكفون عن شر الأعمال دون عاطل الأفكار.
إذا فكرت بأمثالها ، وإن لم تأت شراً ضد واحد ، تسيء كثيراً إلي نفسك ، وبإثمك هذا تهلك نفسك.
أنت لا تؤذي الناس لأنك جبان ؛ لكن الله الذي يري خطيئتك يعاقبك على أفكارك.
إن من لا يستطيع اللحمْ إن يحجب عنه إرادتنا ، يري ما تريد ؛ وبالتالي إذا كان قلبك لا يخشى سوى العقاب ثم سنحت لك الفرصة لارتكاب الخطيئة فلا تصير إذ ذاك خاطئاً ، بل يماط اللثام عمَّا فيك من خطأ لتدرك أن ما خفي منك موجود ؛ ولا لتعرف أنّ ما هو طبيعي قد انكشف.
الإرادة الأثيمة : الإرادة الأثيمة تحيا في العمل الذي لا يرجى عليه عقاب ؛ أما حين تتأكد بأن العقاب ملازم للخطأ فهي تحيى في الخفاء وتود لو يسمح لها بأن تعمل على هواها . وتكتئب لأنها لا تتسامح مع نفسها بما يحرمه الله ، وهي لا تتمتع روحياً بما له من خير ؛ بل تخشى جسدياً الشر الذي يهددها به . وإن كنت تخشى الله بسبب ما ينتظرك من عقاب فلست تحب من تخشاه هكذا . وعبثاً تدَّعي التغلب على الخطيئة إن كنت تكف عنها خوفاً من العقاب ؛ إن خفت من جهنم فلست تكره الخطيئة بل الاحتراق في جهنم ، أما إن كرهت الخطيئة كرهت معها جهنم.
أحبّ الله الصالح واخش عدله : إن أحببت خفت من أن تغيظ المحب والمحبوب . وأين تجد خوفاً نقياً يفوق ما فيك ، يا من لا تفكر بأمور الدنيا بل بما هو للرب وبما يرضيه؟؟
إن لم يكن فيك حبّ فاحذر الهلاك ؛ أما إن كنت تحب فاخشَ أن تغيظ بحبك . بالمحبة لا بالخوف تصير ابناً لا عبداً .
إن ثابرت على عمل الخير خوفاً من الهلاك فلست من أبناء الله . حتى ما تخشى العقاب ؟ الخوف عبد ؛ والمحبة حرة طليقة ، والخوف هو عبد للمحبة .
لا تدع الشيطان يسيطر على قلبك برغم أن الخوف سبّاق في الدخول إليه ليحفظ بمركز للمحبة  سيدته ، التي سوف تدخل ، أعمل خوفاً من العقاب ، أن تعسَّر عليك أن تعمل ، حباً بالبر ، لأن السيدة سوف تأتي وسوف ينسحب العبد لأن المحبة الكاملة تطرد الخوف.