الأحد، 27 نوفمبر 2016

الغنوسية

 دخل المسيحية الكثير من الوثنيين الذين حملوا معهم ثقافة العصر والافكار الوثنية السائدة. كان لدى هؤلاء رصيد ضخم من التصورات والافكار عن الله وطبيعته والكون والانسان ورثوها عن الفلسفة الوثنية، اليونانية بالذات وخاصة الافلاطونية.
كانت فكرة الافلاطونية عن المادة قد ذاعت وكان الوجود في الجسد هو علامة على سقوط الانسان من العالم الروحي الى عالم المادة الدنس. فكأن المادة هي الشر ..
وكان من الحتمي ازاء هذه الثنائية ان تظهر فكرة عالم الخير (الروح) وعالم الشر وازاء هذا التقسيم كان من المنطقي البحث عن مصدر الشر ومصدر الخير. ولذلك اتجه هذا التقسيم الى الله نفسه. حيث اعتقدوا بوجود الها للشر والها للخير.
ولما كان هناك تفاوت واضح بين العهد القديم والجديد فبينما يمثل العهد الجديد كمال الاعلان  الالهي يمثل العهد القديم البداية، لذلك كان من المنطقي ايضا ان يتجه التقسيم بكل عمقه الى العهدين وان يتم فصل العهدين وان يصبح العهد القديم وهو يتحدث عن خلق العالم هو كتاب اله الشر الذي خلق العالم المادي المنظور بينما يصبح الجديد هو اله الخير الذي جاء بالعتق من سلطان المادة ولما كان العهد الجديد يتحدث عن التجسد ويشير الى العهد القديم في اجزاء كثيرة لذلك وجب حذف هذه الاجزاء. ومع هذا التقسيم والحذف اصبح الخلاص ليس بالايمان بل هو بالمعرفة (الغنوص) واصبح اتباع هذا الفكر يدعون غنوسيين.
فاصبح الخلاص هو معرفة اسرار الكون واسرار اله الشر والابتعاد عنها ولذلك رفض الغنوسيين اكل اللحوم والزواج وشرب الخمر. ولما كانت مشكلتهم اساسا مع الجسد لذلك كان لازما ان يفسروا موت المسيح على الصليب تفسيرا مختلفا.. وهكذا اقاموا بدعة بها الكثير من ملامح المسيحية ولا تحتوي على اي عنصر من عناصرها الاساسية.
++
وعندما بحث القديس اثناسيوس عن مصدر الاريوسية استطاع ان يحدد علاقة اريوس بالغنوسية وبالذات فالنتينوس التي كان لها وجود محسوس في الاسكندرية نفسها. بل وكانت نشطة جدا في زمن اكلمنضس والعلامة اوريجانس ، وهكذا في دفاعه يقول:
"نحن بكل تأكيد ندعو انفسنا مسيحيين نسبة الى المسيح اما ماركيان الذي افرز هرطقة منذ زمن .. دعوا ماركيانيين وليس مسيحيين وهكذا فالنتينوس وباسيليدس وماني وسمعان (سيمون الساحر) اعطوا اسماءهم لاتباعهم. وهكذا الذين يتبعون اريوس يسمون انفسهم اريوسيين".
وفي اكثر من موضع ينبه الى وجود علاقة قوية بين اريوس والغنوسي فالنتينوس ولذلك يقول ان اريوس يؤمن "بأن الابن خالق ومع ذلك مخلوق" وهذا مما لا شك فيه عودة الى فكرة فالنتينوس الي علّم (ان الملائكة يمكنها ان تخلق)(ضد اريوس1: 5)
ولقد المح اثناسيوس ان الاريوسية تنادي بان الابن طبيعة مثل طبيعة الملائكة ولذلك قال عن النور ان هذا "ليس جديدا بل فكر فالنتينوس وباسيليدس" – ضد اريوس 2: 21

وقال ايضا انه الاريوسيين "سيقعون في العار مقدما لانهم يحاكون ويؤكدون تعاليم فالنتينوس وكربوكرانوس فيقول "ان الملائكة هم الين خلقوا العالم" فربما تعلموا منهم ان يقارنوا "كلمة الله" ب "الملائكة" – ضد اريوس 3: 56