السبت، 4 مايو 2019

جوديت #٧


الشهادة للمسيح
عندما كانت جوديت تقرا الكتاب المقدس في احد الاجتماعات، نهض احد الجنود بغضب وقال "انتم المبشرين – تجولون في كل مكان بغرض واحد فقط، وهو ان تخدعوا وتضللوا الناس بانجيلكم. نن نعرفكم جيدا ايها المبشرون. لقد حان وقت قطع رؤوسكم، وهو ما سيحدث بالتاكيد قريبا. اين كنتم قبلا؟ اريد ان اعرف. لماذا لمتكلموا الراسماليين عندما كانوا يقمعون ويذلون العمال المساكين. الان فقط عندما تمردنا عليهم ورفعنا مدافعنا في وجوههم، ظهرتم انتم لتخيفوننا بعذاب الجحيم،وتخبروننا عن خطيتنا وعن محبة مسيحكم" ثم اضاف وهو يلوح بسيفه مهددا "هنا.. بهذا.. ستعرفون محبتنا لكم. انظروا هنا. هذا هو افضل تعبير عن محبتنا لكم ولامثالكم"
ثم استمر يتكلم بهياج"ان وجوهكم تشهد ان الشمس الحارة في الحقول لم تلوح وجوهكم كما لوحتنا، ولا تنسمت انوفكم الهواء اللاذع الترابي في المصانه. ولكن في الاغلب قضيتم اعمارك في عش مترف. والان حيث اننا دمرنا هذا العش الدافي، طارت عصافيركم تستجدي محبتنا. اننا سنريكم وسنرى مسيك محبتنا لكم".
ثم صرّ على اسنانه والتفت الى المستمعين وقال "هل ما زال هناك بلهاء يريدون ان يستمعوا الى قراءتها منذ الانجيل – كتاب الخرافات والبدع؟ بل والبعض يبكون كالعجائز المخبولات!. 
ثم اشار الى وجه جوديت مقربا طرف سيفه اللامع الى وجهها "فقط انظروا الى وجهها. انها حتى ليست روسية انها في الاغلب يهودية. هه. هه!.. انها تقرا من كتابها اليهودي ان اليهود صلبوا المسيح. وهي – اليهودية – تبشر بذات المسيح لكم مقدمة اياه على انه الله. اليس هذا مضحكا؟ يكفي هذا الان. انها يجب ان تطرد من هنا. لا.. افضل شئ واطرف شئ ان نشنقها.
لم تنبس جوديت بكلمة، بل كانت تنظر للاخرين بحب وشفقةوكتابا مفتوح في يديها. بعد ان انهى كلماته بدات تقول "لقد قال صديقنا عني امورا صحيحة. انا يهودية ، ولم اعمل طوال حياتي في مزرعة او في مصنع بل عشت حياة مترفة. كل هذا صحيح. الا انه اخطا في امور اخرى. ليس رغبتي ي خداع الناس هو ما جعلني اترك بيتي. السبب الوحيد لمجئ هنا هو محبتي لمخلصي الرب يسوع المسيح.
منذ طفولتي تعلمت نفس الامور التي قالها صديقنا وهي ان يسوع كان شخصا محتالا ومخادع، وان الانجيل مجموعة من الخرافات. ولقد صدقت هذا وعشت كما يعيش باقي الناس حولي. لكن شكرا لفاديّ فقد منحني فرصة لحضور اجتماع كهذا، وكانت كلمة الله تقرا وتشرح فيه. وهناك امنت بان يسوع هو المسيح المخلص ابن الله.
ان الخطية هي التي قسمت الناس الى اغنياء وفقراء ، الى يهود وصينيين والمان وانجليز.. اصبح الناس يبغضون بعضهم ويقتلون بعضهم .. اما المسيح فقد جاء ليوحد الكل في امة واحدة وشعب واحد.
لقد عرفت من الانجيل ان كل البشر اخوة، واننا يجب ان نحب بعضنا ولا نعادي احدا.
غير ان الشيطان لم يكن عاطلا، فبينما هي تتكلم ازداد غضب الرجل فخبط بسيفهعلى الارض، ونظر الى جوديت نظرة مرعبة. ثم انصرف وقد صفق الباب خلفه بشدة وهو يلعن.
مرت الايام يوما بعد يوم. كان كل شئ في الطبيعة جافا وكئباكما لو ان ظلال الموت انتشرت وغطت كل شئ. لكن بدا ان جوديت لم تلاحظ هذا، كانت مستغرقة جدا في واجباتها نحو تمريض المرضى ومواساة المحزونين، راغبة ان تاتي بنفوس كثيرة من الهلاك الى الراحة الحقيقية في المسيح. بالنسبة لها، كان كل شئ زاهيا وجميلا، وبدا كما لو ان كل شئ قد اضاء بنور سماوي. اينما حلت كانت تعكس نورا سماويا ويتألق وجهها ببشارة الفرح والخلاص.
في احد مؤتمرات الاشرار قرروا سرا ان يقتلوا كل من يذكرهم بخطاياهم ودينونة الله. وقرروا ان يلاشوا من طريقهم النور الذي يهدد الظلام الذين يعيشون فيه
بعد ايام قليلة تحققت خطتهم الشيطانية.
مع شروق شمس احد ايام الخريف كان رجل يمشي منفردا عبر الحقول المزروعة بقمح الشتاء. كان واضحا انه ينتقل من قرية قاصدا قرية اخرى. كان واضحا ان هذا الرجل يحاول ان يختفي عن الاعين او على الاقل ان يموه طريقه. كانت تصدر عن صدره اهات عميقة، وبين الفينة والاخرى يرفع عينين حزينتين في مرارة الى السماء.
والان قد وصل الى اخر تلة وبدا ينحدر الى الوادي حيث تنتشر بيوت قرية "اندريفيكا". وقف الرجل دقيقة او اثنتين ينظر حوله بحرص. اخيرا استدار الى اليسار واخذ طريقه بين الحدائق والبساتين المهملة خلف البيوت. 
عندما وصل تقريبا الى الطرف الاخر من القرية، شى بتردد الى بيدر قديم مهجور، كان يستخدم قبلا كمخزن للتبن وعلف الحيوانات. علت وجه الرجل صفرة الموت وعض على شفتيهوارتعد كل كيانه ارتعادا عظيما، وبايدي مرتعشة فتح المزلاج وهو يصر صريرا عاليا بسبب مفصلاته الصدئة، ثم دخل واغلق الباب خلفه. وما ان خطا خطوات قليلة بالداخل حتى عاد الى الخلف وفتح الباب قليلا ليسمح لبعض الضوء بالدخول. عندما استدار راى امامه منظرا جعل الدم يتجمد في عروقه.. على بعد ياردة او اثنتين كان هناك جسد فتاة ميتة شوهته السيوف الغادرة. لقد كان واضحا ان الشهيدة كانت فتاة قتلت اثناء جثوها على ركبتيها تصلي ولفظت انفاسها الاخيرة وهي بهذا الوضع. كانت يدها اليسرى تمسك بالكتاب المقدس وتضمه الى صدرها . كان الكتاب مشبعا بدمها.
وصعدت منه انة:
"جوديت.. ايتها المسكينة.. هنا وجدت نهاية حياتك.. انت سعيدة الان لانك معه، مع ذاك الذي عشت لاجله، وخدمت الاخرين حبا به. من يدري ربما تاتي نهايتي انا ايضا قريبا. ربما يتبعك الجد سريعا".
وبنظرة اخيرة طويلة وحزينة الى جسد جوديت غادر المكان مكسور القلب. ذهبت جوديت الى بيتها الابدي. ماتت وهي تصلي لاجل قاتليها.
**
في اليوم السابق لاستشهادها، وبعد حضورها اجتماع للصلاة- ودعت جوديت جدها وباقي المرسلين ومضت الى القرية المجاورة.
هناك بدات عملها المعتاد اليومي بزيارة المرضى والشهادة للرب بالقول والعمل. وحوالي الساعة 4 ظهرا تجمع عدد كبير من القرويين في احد البيوت يستمعون اليها وهي تقرا لهم فصل من اﻻنجبل.
كانت تتكلم عن مخلصها بكل حمسة ومحبة. وكان كل الحاضرين يصغون في شغف. فجاة حدث هرج ومرج ودخل عدد من الجنود المسلحين. وبمجرد دخولهم كان واضحا انهم جاءوا لينفذوا مخططهم اﻻجراني.
وصرخ احدهم:
اخرجوا من هنا.
ثم اضاف وهو يشهر الى جوديت سيفه:
نحن نريدها هي فقط.
وجذب اخر سيفه الذي عكس اشعة الشمس وتقدم نحو جوديت.
غادر المجتمعون، كل يجري الى بيته في هلع شديد. كانوا قد شاهدوا مذابح من قبل .. بعد وقت قليل كانت جوديت تقف وحدها وسط هؤﻻء اﻻشرار كحمل وديع وسط ذئاب تهم بافتراسه.
سالها الرجل الواقف الى جوارها بوحشية:
من انت؟ ومن ارسلك لتنشري هذا اﻻفيون بين الناس؟
وقفت جوديت هادئة. وبعد دقيقة صمت اجابت:
من انا؟ .. ﻻ حاجة لي ان اخبركم فانتم تعرفوني من زمن. ولكنني على اية حال ساخبركم مرة اخرى. انا يهودية امنت بالرب يسوع واصبحت تلميذته، وهو ارسلني لكل الناس، وكم ايضا، لكي اخبركم انه مات من اجلكم. انه يحبكم ويريد ان يخلصكم.
صاح الضابط:
سينكو.. اعط اوامرك لسيفك ليخرس هذا اللسان الذي ﻻ يتوقف عن الهراء.
سقطت جوديت على ركبتها وهي تصلي:
انا قادمة اليك يا ربي. ارجوك ان تغفر لهؤﻻ اﻻثمة.
بينما كانت تنطق باخر كلماتها على اﻻرض، لمعت السيوف البارقة التي لوح بها الجنود وهي تحدث صفيرا في الهواء.
تبادل القتلة النظرات وهم يرون الدم القاني يتفجر من جسدها ، وخرجوا مغادرين.
كانت صلاتها وسلامها صاعقا لهؤﻻء الرجال قساة القلوب. لقد استيقظ ضميرهم الميت وتكلم اليهم مرة اخرى.
خلال المساء تناقلت اﻻخبار الماساوية عن اغتيال خادمة الرب جوديت. بعد الغسق خرج الجد ليشق طريقه الى تلك القرية ليرى ما اذا كانت اﻻشاعات صحيحة ام ﻻ.