الثلاثاء، 21 فبراير 2017

حياة سليمان -6-


-6-
حكمة سليمان
حيث يعرف الكتاب ، يتعلم الناس ان سليمان شهير بحكمته، ولكن يا للاسف ان انسانا هكذا حكيما ينحدر الى هذه الهوة السحيقة. باعتباره كاتبا لسفر الجامعة نراه يخشى ان يكون ابنه جاهلا، وقد كان جاهلا فعلا، لكن لا يبدو انه كان يشك في نفسه (جا2: 9 )، وهنا يليق بنا ان نعي ما قال الرسول "من يظن انه  قائم فلينظر الا يسقط".
كان ايوب في خطابه التاسع والاخير، الخطاب الذي شمل ستة اصحاحات، يتحدث عن سمو الحكمة، (اي 28: 12- 18). فيعدمالاحدثنا عن مهارة الناس في التعدين والهندسة ، (في ذلك العهد الباكر !!) وعن بحثهم الدائم عن كنوز الارض، يتساءل "من اين تأتي الحكمة ؟ وابن هو مكان الفهم؟ ان باطن الارض لا يعلنها ، والذهب واللالئ لا تعدلها قيمة. الله وحده يعلن حقيقة طبيعتها وقدرها، وقال للانسان هوذا مخافة الرب هي الحكمة، والحيدان عن الشر هو الفهم". وجاء سليمان واضاف الى تعريف ايوب لفظا جديدا "بدء الحكمة مخافة الرب. ومعرفة القدوس فهم". اذن، ما لم يصل الله الى مكانه اللائق به في ذهن الانسان وقلبه، فان الانسان يظل عاجزا عن النظر بالحكمة الى اي شئ. وذلك لان الكاره ضالة، بعيدة عن نقطة الارتكاز الصحيحة.

وبعد ايام ايوب و سليمان ، جاءت الحكمة السرمدية الى العالم في شخص ابن الله. ومنذ تلك اللحظة ينظر الى جميع الاشياء من واويته له المجد "المسيح هو حكم  الله وقوة الله"(1كو1: 24). وما الذي يستطيع الانسان ان يظهره في طريق القوة بالقياس الى "عظمة قدرة الله الفائقة" فيما عمله في المسيح اذ اقامه من الاموات واجلسه عن يمينه في السماويات، واي حكمة يمكن للانسان في كل بحوثه ان يظهرها بالقياس الى ما اعلنه الله حينما حول لعنة التعليق على خشبة الى وسيلة خلاص وبركة لجماهير لا تحصى ؟ لقد انكر الناس على ابنه الحبيب شرف الملك على اليهود، لكن الله وهبه رياسة الكون باسره. وكل ما جاء على المسيح وكل ما سوف يجئ، كان موضوع مشورات المحبة غير المحدودة ، قبل ان يخضب دم القدوس ايدي اولئك الاثمة ، بدهور ودهور. ولسوف يصيب الخزي اعداءه، بسبب جهالتهم وغبائهم، وسوف يرغمون على الاعتراف والاقرار بحكمة الله الفائقة. لان جهالة الله احكم من الناس وضعف الله اقوى من الناس". وفي مكان اخر يقول الرسول "ان كان احد يظن انه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلا لكي يصير حكيما".
وربما كان سليمان اكثر الملوك الذين عاشوا على الارض دراية وحكمة . فما من موضوع لم يكن في متناول معرفته. قيل انه تكلم وكتب ثلاثة الاف مثل (1مل4: 32). وكانت نشائده الفا وخمسا ولم يبق منها سوى واحد هو سفر نشيد الانشاد، ولان موضوعه الرئيسي هو المسيح لم يسمح الله ان يفقد. وهو في الحق نشيد الاناشيد اذ ليس من قصيدة شعرية تعادله.
وكذلك تكلم سليمان عن الاشجار من الارز الشامخ في لبنان الى الزوفا المتواضع النابت في الحائط. واحاط نفسه بجميع الحكماء . اشار الوحي في 1مل4: 31 الى جانب منهم، بعضهم مجهول وبعضهم لا يزال معروفا لدينا.. ولكن سليمان فاق عليهم وفي هذا اشارة الى من قيل عنه "لم يتكلم انسان قط هكذا مثل هذا الانسان" .
عند هذه النقطة هيا بنا نستمع الى شهادة سليمان "فاني كنت ابنا لابي غضا ...  (4: 3-9) ونزيد على ذلك قوله ، طوبى للانسان الذي يجد الحكمة والرجل الذي ينال الفهم (ام 3: 13).

والى نصيحة داود له قبل مماته يعزى ، الى حد ما، جواب سليمان الذي اجاب به الرب في جبعون. وما اعجب ما قابل به للرب ملتمس سليمان. لقد شعر بضخامة الشعب "وكان يهوذا واسرائيل كثيرين كالرمل الذي على البحر في الكثرة.. واعطى الله سليمان حكمة وفهما كثيرا جدا ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر.. حكمة بحسب الحاجة.
وهنا درس عظيم فبقدر ما تعظم المسئولية وتشتد الحاجة تعظم الموا الالهية لنسديدها ومواجهتها. اذن فلنتشجع. فان اله سليمان هو الهنا. ونستطيع ان نثق به وهو يقف الى جانبنا بكل كقايته وحكمته ونعمته في كل موقف يسر ان يضعنا فيه، مهما يكن قاسيا وصعبا. لكن الايمان يستطيع ان يقول استطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني..

يقول سليمان في كثرة الحكمة كثرة الغم والذي يزيد علما يزيد غما (جا1: 18). كلمات لا يجانبها الحق . فان الرجل المفكر يعاني اكثر مما تعانيه الجماهير الذائشة المستهترة. ذلك ان دراسته تمنحه ادراكا للمساوئ التي تتفاعللامن حوله، ادراكا بنقص الاخرين. فقد يقول الناس احيانا ، الدهل بركة، ولكن هل يق هذا على ما يتعلق بالله؟ كلا والف مرة. فكلما عرفنا الهنا افضل ، تضاعف فرحنا به. وبقدر ما يحسن ادراكنا لمقاصده نحو هذا العالم المقفر، بهذا القدر عينه نكون اهلا للعيش لمجده والشهادة له فيه.