الجمعة، 13 سبتمبر 2019

يوناثان الذي كان يعوزه شيئا واحدا



تشارلس ستانلي.
مقدمة:
لفت انتباهي في أحد اجتماعات قراءة الكتاب منذ وقت مضى، تلك الظروف الحزينة التي صاحبت موت يوناثان على جبل جلبوع. فقد هرب إسرائيل من أمام العدو وسقطوا. وقُتل شاول وقُتل بنيه الثلاثة معه. وبذلك تمزقت مملكة شاول تماماً. ويا لها من صورة مؤسفة- فجسد شاول وأجساد بنيه الثلاثة مسمّرة على سور بيت شان! أليست هذه صورة مؤلمة ونهاية حزينة لأي إنسان! فكم يكون بالحري نحو شخص نظير يوناثان! كيف حدث ذلك؟ ولماذا؟ وما هو الدرس الذي يريدنا الله أن نتعلمه لتلك الأيام الأخيرة من هذا التاريخ المقدس؟

نقطة التحول:
كانت نقطة التحول في تاريخ يوناثان في (1 صموئيل 11 ). وهذه تشرح لنا أيضاً ان كل نفس يحدث بها تحول ُوهذا التحول من فوق. صحيح أننا نجده قبل هذه الحادثة كأحد الأبطال في بيت شاول "وضرب يوناثان نصب الفلسطينيين في جبع"، ثم ضرب شاول بالبوق في جميع الارض قائلًا "ليسمع العبرانيون! في مخماس”. وبعد هذه الحوادث بقرون عديدة استطاع واحد أن يقول: "كنت عائشاً الجسد فأنا بالأولى... عبراني من العبرانيين". نقطة التحول في حياة بولس ونقطة التحول في حياة يوناثان كانت تشبه إلى حد بعيد رمزياً تحول شاول في طريقه إلى دمشق. ويبدأ الموضوع، ويا له من درس لنا! فقد اجتمع إسرائيل ونزلوا في وادي البطم، وعلى الجانب الآخر وقف "المقاوم" لبيت شاول، و"المتحدي" الذي يُعيّر جيوش إسرائيل. لكن أرسل الله الملك المخلص. آه فإن ذلك المحتقر هو الممسوح في ذلك اليوم من أصغر أولاد يسى.

"وقال له شاول ابن من أنت يا غلام؟ فقال داود ابن عبدك يسى البيتلحمي". "وكان لما فرغ من الكلام مع شاول أن نفس يوناثان تعلقت بداود وأحبه يوناثان كنفسه"(ص11 :1). آه لقد تطلع يوناثان عبر وادي البطم، ونظر ذلك الخصم المخيف جلبات الجتي، الذي كان جبارا للغاية، ليس لمجرد يوم واحد أو اثنين بل لمدة أربعين. كان طوله ستة أذرع وشبر وكان مخيفاً. وكم كان الله في إحسانه عظيماً يوماً، اذ ارسل داود! إذ وقف هناك بعد أن أكمل ُعمل الله، إذ مات الجبار، وهرب الفلسطينيون. لقد كان الانتصار تاماً ّ والعمل الذي نتطلع إليه هنا ألسنا نرى فيه عظمة ابن داود الذي حقق الانتصار العظم. للتطلع عبر وادي الموت. وكما تطلع يوناثان عبر وادي البطم هكذا تُستحضر النفس أحياناً في رعبه، هناك يختال زهواً ُ وكم يستولي الرعب علينا بشدة إذا كان المقاوم يبرز خطايانا الماضية. وهكذا تقف في صف مرعب مثل جيوش الفلسطينيين! دعني أسألك لتتطلع عبر الوادي الضيق والعميق وتخبرني هل استُعلن المخلص لك؟
اربعون يوماً من التعييرات التي أطلقها جليات على إسرائيل ولكن أربعين قرناً من الزمان لم تكف إبليس عن تعيير الإنسان وإهانة الله. و َمن غير الفادي القدوس الذي استطاع أن يواجه المقاوم ويؤكد على مجد الله؟ نعم وكما ضرب داود جليات في وادي البطم كذلك التقى يسوع بقوة الشيطان في وادي الموت. يا نفسي تأملي في هذا الأمر. فكل خطية يستحضرها المشتكي ليعيرني بها قد حملها يسوع عني. هذا العالم الأول يستحضر أمامنا شيئين في يوناثان من جهة علاقته بداود. إنه أحبه كنفسه ثم تجرد من نفسه. وبالتأكيد فإن هذا أمر طبيعي وبسيط. كيف كان ينظر إلى وجه ذلك الراعي الشاب الذي وضع حياته في يده وبمقلاع وحجر صنع خالصاً عظيماً هذا مقداره! أتستطيع أن تتطلع إلى يسوع الذي أعطى حياته الغالية، والذي احتمل الغضب اﻻلهي بسبب خطاياك، والذي أراك يديه وجنبه، وبكلماته الحلوة قال "سالم لكم" فعندئذ تعرف. أيمكنك أن تحبه لانه أحبك أولاً؟
التجرد:
ولذلك فكما ترى أن الإيمان بالضرورة يُنتج المحبة. وكل هذا جميل وبسيط فعلاً! أما عن التجرد- فلماذا جرد يوناثان نفسه؟ دعونا نسمع ما قاله العبراني الذي كان من العبرانيين عن سبب ما فعل يوناثان.  شاول الطرسوسي الذي كان من أفضل الفريسيين المفتخرين ببرهم. وإذا رجعنا إلى فيلبي 1 وقرأنا ما كتبه بأمانة عن نفسه. يقول: "من جهة البر الذي في الناموس بال لوم"- هذا ما أمكن أن يقوله ذلك العبراني. دعونا نطرح سؤال يوناثان على بولس فلماذا تجرد بولس؟ الإجابة واضحة. انه يقول "حسبته ﻻجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شيء خسارة ً من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل اﻻشياء وانا احسبها نفاية" و َليس لي بري الذي من الناموس... (في1 :7 -9).

إن هذا التجرد بالتأكيد جميل جداً وجذاب للغاية! فيسوع المحتقر الذي مات على الصليب ﻻجل خطايانا، يظهر لهذا العبراني الذي من العبرانيين وهذا الفريسي الذي من الفريسيين وبمجد يفوق لمعان الشمس يقول: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده". فكم فعلت هذه الكلمات! وبعد سنوات أمكن لبولس أن يكتب عن هذا المجد "اسلم من اجل خطايانا وأقيم ﻻجل تبريرنا"،
هل قلبك مرتبط بالمسيح هكذا؟ وهل تجردت لاجله؟ وكما تجرد بولس من الكل، كذلك فعل يوناثان إذ خلع "الجبة التي عليه وأعطاها لداود مع ثيابه وسيفه وقوسه ومنطقته". وهكذا كان تقديره لداود المخلص الملك! وعندما يخلع صاحب الرتبة العسكرية سيفه فهذا له مغزى هام ويا له من تجرد! إنه مكتوب عن الأربعة المكللين أنهم طرحوا أكاليلهم "أمام العرش قائلين أنت مستحق أيها الرب والعشرين شيخاً أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة". وهكذا يتميز المسيحي بهاتين العلامتين المباركتين كما نجدها في يوناثان، فهناك الإحساس ُ بقيمة الفداء بدم يسوع الذي ارتبط القلب به بالمحبة، وكذلك الإحساس به كبكر لنا قام من الأموات، وهذا يجردنا من ثيابنا القديمة وهي البر الذاتي- نعم الخرق البالية والسيف والمنطقة- الكل أو كل ما ينبع من الذات وبرها ومجهوداتها وحروبها ومسالكها- فالكل نتخلى عنه ليسوع وهو بر الله، وللمسيح المقام.

وبالتأكيد يا قارئي العزيز فإن لم يكن المسيح قد استُعلن لك كما استُعلن داود ليوناثان فإنه لا بأن شيء يقنعك لكي تتخلى عن ثيابك القديمة، والجبة والسيف والمنطقة. وما لم تتيقن تماماً بان ثيابك القديمة لن تؤهلك للوقوف في حضرة الله، فإن العدو سيحاول أن يضع أمامك اﻻمل بأنك أفضل وسيكون ذلك إما بحفظ طقوس معينة. ستحارب بقوة وتسلك سلوكاً وممارسات معينة- أي شيء يحاول به العدو أن يضعك بعيداً عن تجرد يوناثان. فلا تعد ترى أنك ﻻ شيء بالمرة وأن المسيح هو كل شيء. ثم نتقدم خطوة في ذلك التاريخ المقدس (1صم: 19). وحيث تكون معرفة حقيقية للمسيح فإن المحبة ﻻ تصبح مجرد عاطفة طارئة بل محبة ثابتة من نحو يسوع وازدياد في اﻻيمان بالعمل الذي أكمله. هذا اﻻيمان الذي يجب أن يُعترف به أمام الناس مهما تكلفنا الثمن. بالتأكيد نرى ذلك في بولس وفي كل أعضاء الكنيسة الاولى، ولذلك نرى في إصحاحنا هذا "أما يوناثان ابن شاول فسر بداود جداً"." ُسر جداً!" وتجب ملاحظة أن مملكة إسرائيل كانت تحت حكم بيت شاول خارجياً، لكن الله قد رفضه هو وبيته وقد مسح صموئيل داود، وكان الإيمان يراه الملك الممسوح. وهكذا بنفس الطريقة فإن الإيمان يعرف الآن من كلمةالله المكتوبة أن مجد هذا العالم مع ممالكه وإلهه جميعاً تحت الدينونة، وجميعها إلى الزوال عند مجيء ملك البر ورئيس السلام.
شهد يوناثان للحق ووبخ اباه قائلا "انت تعرف ان داود ..وكل أعماله حسنة لك جداً. لم يخطئ إليك، فإنه وضع نفسه بيده وقتل الفلسطيني، فصنع خلاصا لجميع إسرائيل. أنت رأيت وفرحت. فلماذا تخطئ إلى دم بريء بقتل داود بلا سبب؟". أليس هذا اعترافاً حسناً؟ ونجد بولس في ذات الاتجاه "فإننا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربا".
الخلاص العظيم:
تكلم يوناثان عن داود، أفنستطيع نحن أن نتكلم حسناً عن يسوع؟ أفلم يصنع لنا خلاصاً ّ عظيما؟ وهل هناك ما يهب السلام للضمير المذنب سوى دم يسوع؟ 
"ثم عاد يوناثان واستحلف داود بمحبته له ﻻنه أحبه محبة نفسه". وعندما جاء رأس الشهر وجلس الملك في موضعه على المائدة كان مكان داود خالياً، وكم كان اعتراف يوناثان بداود اعترافاً كاملًا، مع أن اعترافه هذا جلب عليه غضب شاول أبيه! "وقال له يا ابن المتعّوجة المتمردة أما علمت أنك قد اخترت ابن يسى لخزيك وخزي عورة أمك؟ ما دام ابن يسى حياً على الأرض لن تثبت أنت ولا مملكتك.. ابن الموت هو". فهل أنت شاهد ليسوع؟ وهل مسرتك أن تكون كما كان يوناثان شاهداً لداود؟
**

يوناثان ينقصه شئ واحد:
نجد ان بعد هذه الحادئة يساعد يوناثان عن الهرب ، لكنه ﻻ ينضم الى داود ومملكته الصغيرة الناشئة ، بل يظل مع والده وﻻ يفارقه الى ان قتل على جبال جلبوع. ربما فعل ذلك بنوع من النبل او بسبب عاطفة اﻻبن نحو ابيه. لكننا نسمع من ذلك الذي هو "بن داود" يستأذن في دفن اباه يقول "دع الموتى يدفنون موتاهم" وايضا "من احب ابا او اما اكثر مني ﻻ يستحقني".