السبت، 15 فبراير 2020

المسيح يأكل الفصح مع نلاميذه


راينا المسيح فيما سبق له سلطانا على الهيكل فطهّره، وعلى السبت فحرره، وعلى الشريعة ففسرها، والان نراه يتسلط على الفصح العبراني ويغيّره. قضت الفريضة في التوراة ان تمارس كل عائلة العشاء الطقسي معا، ولكن المسيح فضّل العلاقات الروحية عن الجسدية. فجعل تلاميذه اهل عائلته وفقا لقوله: "من امي واخوتي؟ من يصنع مشيئة الله هو اخي واختي وامي". لقد كانت امه وقت الفصح في اورشليم ومعها اخوته. فيكونوا قد مارسوا الفصح في مكان اخر منفصلين عن قرينهم الاعظم. 
في هذا العشاء امتزج الفرح والحزن. ابتهج يسوع فقال "شهوة اشتهيت ان اكل هذا الفصح معكم". ابتهج وهو يقيم هذا الطقس الملئ بالمعاني والذي يرمز الى عمله الخلاصي، الذي سيتممه سريعا، لان ساعته اقتربت. 
ولكن مع بهجته هذه نراه يكتئب، لان سعيه كل هذه المدة لاصلاح يهوذا ذهب ادراج الرياح. ومرارة هذه الخيانة اصعب من مرارة مقاومة الرؤساء. يكتئب لانه يعرف ان تلاميذه يشكون فيه تلك الليلة وتتحقق النبوة "اضرب الراعي فتتبدد الرعية. وهو يكتئب كابن للانسان، لما يعرف انه ينتظره من الام جسدية، والام نفسية هي الاصعب.
غمس السيد لقمة بالاعشاب المرة وناولها ليهوذا. ومع تناول يهوذا اللقمة "دخله الشيطان". اي قوّى سيطرته عليه.
خهرج يهوذا للوقت "وكان ليل". اي ليل هذا؟! انه ليل ليس بعده الا ليال اظلم منه بما لا يقاس في الدينونة الابدية. واي مقام شريف هبط منه يهوذا الى الخيانة ، ثم بعدها الى الياس والعذاب والعقاب الابدي؟!
سقط يهوذا من هذا النعيم الى هذا الجحيم تدريجيا كغيره. كان سهلا عليه ان يقاوم ميوله الفاسدة وان يقبل الوسائط الحسنة والفرص الكثيرة التي قدمها له السيد، ولكنه رفض فقويت عليه ميوله واهلكته.
خرج الاسخريوطي ليبحث عن شركائه الجدد ويخبرهم بمكان المسيح. وهنا ارتفع عن قلب السيد ثقل فقال "الان تمجد ابن الانسان وتمجد الله فيه؟. وان الله سيمجده في ذاته سريعا".
هنا تاكد التلاميذ ان سيدهم سيسلم الى صالبيه. لكنهم لم يدركوا معنى ذلك. فاوضح لهم ذلك المعنى بواسطة فريضة حسية هي العشاء الرباني الجديد، الذي ربطه بعشاء الفصح القديم، ليسهل عليهم قبوله.
اخذ المسيح قطعة من خبز الفطير الذي يشير الى الخلو من الخمير العتيق والشر. في الشكر ذكر انه عند تناول خيرات الارض نشكر رب السماء. في التكسير نذكر انه كما ان الخبز لا يحي الاجساد الا بعد كسره، كذلك لا يحيي المسيح موتى الخطية الا بعد صليبه. وفي المباركة ذكرهم انه صاحب السلطان المعطي للبركة. وفي اعطائه لهم ذكرهم انه "الطريق الوحيد للاب. وفي قوله "خذوا كلوا" ذكرهم ان ما يفعله لا ياتي بنتيجة ان لم ياخذوه روحيا بفعل روحي يماثل الاكل الجسدي.
سبق له ان قال لهم منذ سنة في مجمع كفرناحوم عن اكل جسده (يو6). ويكفي الكلام القديم لتفسير ما قاله لهم للتو.
ثم قال المسيح عن الكاس "هذا دمي". كان للدم اهمية عظمى منذ قبول الله ذبيحة هابيل الدموية ورفضه ذبيحة قايين غير الدموية. وكان سفك الدم اساسي النظام الموسوي كله. ينقذ حمل الله الخاطئ من الهلاك الابدي.
في قوله "اصنعوا هذا لذكري" اوجب على المؤمنين في كل عصور اقامة هذا السر المقدس.
وهذا العشاء دليل ايضا الاشتراك الاخوي بين المؤمنين وعربونه ايضا. لذلك قال المسيح بعدها "يا اولادي، وصية جديدة انا اعطيكم؟، ان تحبوا بعضكم بعضا". هذا هو الحب الاخوي كقول الرسول "اننا اعضاء بعضنا بعض.. جسد واحد لاننا نشترك في الخبز الواحد"01كو10).
لما قال المسيح انه سيفارقهم اعترض بطرس وتحمس كعادته. وكان كلامه جميلا نابعا عن نية صادقة وحب قلبي، لكنه لم يكن مدركا لضعفه. لذا قال له المسيح اانه سينكره.. ولئلا يشمت التلاميذ ببطرس اردف: "كلكم تشكون فيّ.." اي تتركوني.. كان المسيح قد اوصاهم للتو ان "يحبوا بعضهم بعضا" فخالف بطرس هذه الوصية حينما افرز نفسه من بين التلاميذ بقوله "وان شك الجميع فيك فانا لا اشك". انه خالف روح هذه الوصية حينما دفع عن نفسه التهمة ولم يدافع عن اخوته. انه سلم ضمنيا بسقوط اخوته وعدم سقوطه هو ولم يتعظ بتحذير سليمان "قبل الكسر الكبرياء.."(ام16: 18).
اراد المسيح ان يشجع بطرس ويعطيه نافذة رجاء بعد سقوطه الوشيك فقال "لكني طلبت من اجلك لكي لا يفنى ايمانك.. وانت متى رجعت ثبت اخوتك". 
من قول المسيح "الشيطان طلبكم" نعلم ان ابليس يخطط وان الله يسمح له احيانا لمقاصد خيرية بحتة. ميّز المسيح بطرس بشفاعته. لان سقوطه سيكون اشر من باقي التلاميذ. وطلبته لم تكن "لئلا يتزعزع ايمانه" بل لئلا يفنى – وهذا درس يحتاجه بطرس ليتعلم التواضع.
علم المسيح بطرس ان عليه الاهتمام باخوته حين ينهض من كبوته، فيعطيهم من اختباره مثالا نافعا. كرر بطرس انكاره لكلام المسيح مرة اخرى وثلثا.. وهو لا يعلم انه بهذا يجعل المسيح كاذبا. فارتقاء المؤمن النجاح الروحي عليه ان ينتبه لنصيحة الرسول "من هو قائم فليحذر الا يسقط".
ثم ذكّر المسيح تلاميذه بعنايته لهم ، فانه عندما ارسلهم للكرازة لم يحتاجوا لشئ، لكن الاحوال تغيرت الان. فعندما ارسلهم للكرازة الاولى كان ذلك لفترة قصيرة وتم في وطنهم، اما الان فانهم يسافرون طويلا ليكرزوا بين الغرباء، فيلزم ان يتغير الامر. فلياخذوا معهم نقودا. ومن ليس له نقود فليبع ثوبه ويشتري سيفل للدفاع عن النفس ضد اللصوص. والمسيح يقصد ان يستخدم المؤمن حكمته في الدفاع عن نفسه، عندما يقف العالم ضده.
وواضح ان المسيح لم يتكلم عن دفاع تلاميذه عنه بالسيف، لذلك حينما قال "يا رب ههنا سيفان" قال لهم "يكفي" وهي كلمة كان علماء اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض تلاميذهم. اذا لم يفهم التلاميذ قصد المعلم، لذلك قال "من ياخذ بالسيف بالسيف يهلك". اذا لم يكن المسيح يطالب تلاميذه بالعنف.