الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

في الفريسي والعشار



المدخل على الأبواب : باشر بالاعتراف.
أجعل خيرك في الله الذي ابتعدت عنه فجنيتَ شراً . إن كنت نعجة الرب إلهك فأدخل من الباب ولا تمكث في الخارج مع الذئاب.
أعترف بخطاياك وإن كان فيك صلاح فاعترف بمصدره ، أو كان فيك شرّ فاعترف كذلك ، ليجعلك الاعتراف صالحاً.
إن كنت صالحاً فبفضل من الله صلاحك ؛ أو كنت شريراً فمنك.
أهرب من ذاتك وهلَّم إلي الله خالقك ، لأنك ، إن تهرب من ذاتك تتبع ذاتك ؛ وإذ تتبع ذاتك تستمسك بالله الذي صنعك.
هل تخشي الاعتراف لأنك تخاف أن يشجبك الله باعترافك؟ لا تخف.
اعترافك هذا لا يؤدي بك إلي العذاب . يا من يسعك أن تنجو بالاعتراف سوف تهلك إن لزمت الصمت.
يفرض الله الاعتراف لكي يخلص المتواضع ويقضي على من لا يشكو ذاته لكي يعاقب المتكبر.
أكتئب قبل الاعتراف ثم اغتبط بعده لأنك نلت الشفاء.
أنظر إلي هذا القضاء العادل بين الفريسي والعشار.
ماذا قيل عن العشار؟ أرتفع.
سقط الأول لأنه ارتفع ، وارتفع الثاني لأنه أتضع.
ولكي يضع الله من يرتفع فإنه يثقل عليه بيده ، لقد رفض أن يتضع ويعترف بخطيئته فاتضع تحت وطأة يد الله.
ثقيلة هي يد من يضع كما هي خفيفة يد من يرفع.
وأنها لقوية في هذا وذاك ، قوية لتثقل وقوية لترفع.
كان الفريسي يعترف بفقره وحاجته دون أن يتجاسر على رفع عينية إلي السماء. أعترف بأنه إنسان خاطئ فلم يعد يؤمن بحقه في التطلع إلي فوق.
كان يتطلع إلي عدمه ويعترف بكمال الرب ويدرك بأنه قد جاء إلي الينبوع ظمآن.
ويدل إلي حنكه ويقرع باب الغني الإلهي ليبردّ حلقه ، ويقول قارعاً صدره ، مطأطئ الرأس إلي الأرض : أغفر لي أنا الخاطئ : من بعيد كان يصلي مع أنه كان قريباً جداً من الله.
أدرك خطاياه فابتعد عن الله واتقاه فتقرب إليه هو توقف بعيداً لكن السيد نظر إليه عن كثب ، إن يقف بعيداً ، ولا يتجاسر أن يرفع عينية ، فهذا أمر بسيط ، لكنه لم ينظره لئلا يُري.
ما تجاسر أن يتطلع إلي فوق ، الضمير يضغط عليه والرجاء يرفعه.
وكان يقرع صدره ويطالب لنفسه بالعقاب ، وأشفق السيد عليه لأنه كان يشكو نفسه. وكان يقرع صدره قائلاً : رب أغفر لي لأني لست سوي خاطئ.
هوذا الاعتراف يصيره غنياً ، وإن كان فقيراً جداً فكيف تمكن من استخراج تلك الجواهر الكريمة من اعترافه ذاك؟ ونزل من الهيكل مبرراً ، أسعد وأغني من ذي قبل.
الفريسي الصاعد إلي الهيكل لم يطلب شيئاً . بعض الناس يظنون أنفسهم أغنياء وهم لا يملكون شيئاً قال الفريسي:(شكراً لك يا سيدي لأني لستُ كباقي الناس الظالمين والسارقين والفجّار ولا كهذا العشار .
لو أنه قال على الأقل كالكثير من الناس وما معني سوى جميع الناس ما عداه؟
باقي الناس وسائر الناس لقد قال:(أنا بار وسائر الناس خطاه ... ولستُ مثلكم ظالماً وسارقاً وفاجراً).
وأنها لمناسبة للتكبر في جوار العشار حين قال ، كهذا العشار:(وأنا وحدي فاضل ، أما هذا فإنه من مصاف الآخرين ، لست مثله بسبب أعمالي الصالحة التي تجعلني باراً.

إني أصوم في السبّة يومين وأعشر كل مالي.
أبحث في كلامه عما سأل الله فلن تجد شيئاً ، أنه صعد ليصلي ولم يشأ أن يمدح الله إنما مدح نفسه.
قليل بالنسبة إليه ألاّ يصلّي إلي الله ويمدح نفسه ، ومن واجبه أيضاً أن يجدّف على من يصلّي.
لقد سمعت النقاش حول الفريسي والعشار ، أصغ الآن إلي الحكم ، لقد سمعت المدعي المتكبر والمدعي عليه المتهَّم ، فأصغ الآن إلي القاضي .
الحقَّ أقول لكم (هي الحقيقة ، هو الله الذي يتكلم): الحقَّ أقول لكم لقد خرج هذا العشار من الهيكل أكثر براً من الفريسي.
ربّ ، قل لي السبب ، ها أني العشار نازلاً من الهيكل مبرراً أكثر من الفريسي وأني لأبحث عن السبب.
أتبحث عن السبب ؟ من ارتفع أتضع ومن أتضع ارتفع.

لقد سمعت الحكم ، أحذر السبب السيئ ، وبكلمة أخري لقد سمعت الحكم فاحذر الكبرياء.
هل تعتدّ بقواك؟ أنت شرّ من الفريسي وأكثر كراهية منه . في الواقع أدعّي الفريسي البرارة بكبر ولكنه شكر الله قائلاً : أشكرك يا سيدي لأني لست كباقي الناس.
الشكر لك يا الله: يشكر الله لأنه ليس كباقي الناس ، ومع ذلك فبالرب يلومه على كبريائه وتشامخه لا لأنه يشكر الله ، بل لأنه يظن بأنه لا يرغب في أن يزيد شيئاً على فصليته.

هل تعتدّ بقواك؟ لا تطلب شيئاً لأنك كامل وبار ، وبالتالي فالحياة البشرية على وجه الأرض ليست تجربة ، وعليه فقد أصبحت في بحبوحة ولا حاجة لأن تطلب مغفرة الخطايا.