الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

عاموس : ٧-٩


كشف تصميم الله:
يتكون الجزء الثالث من عاموس من سلسلة تضم خمسة رؤى. والرؤيا الثالثة متبوعة بخبر تاريخي فاصل (7: 10-17). وكما اعلن النبي من قبل فان الله يعتزم العقاب. وبفضل تشفع النبي في بادئ الامر يتم تفادي هذا العقاب (7: 1-6). ولكن فيما تتكشف الرؤى يغدو واضحا انه امر محتوم (7: 7-9). بل انه وشيك الوقوع (ص8)، وليس منه مفر (ص9).

1- رؤيا الجراد:
العشب يبدا في اكتوبر ويستمر في الشتاء، اما "خلف عشب" فكان ياتي في الربيع بعد "المطر المتاخر"، فهذا الطلوع الاخير والاخصب هو الذي اكله الجراد. وقد كانت الكارثة رهيبة، لان المراعي التالية لن يحين اوانهاا الا في الخريف التالي. "جزاز الملك" من الواضح انها كانت جزية فرضها ملوك اسرائيل.

2- رؤيا النار الملتهمة:
نار اكلة لم تلتهم قسما من الارض فقط بل التهمت "الغمر العظيم" الوارد في قصة الخلق وهو مجمع المياه الذي كان معتقدا ان الارض تعوم عليه، ومصدر الانهار واليابيع كلها. وهذا معناه القحط.

3- رؤيا الزيج:
كانت الرؤيتان الاولى والثانية في نطاق الطبيعة اما هذه ففي نطاق الدين والسياسة. فقد كانت بنية الامة فاسدة حتى بات الانهيار حتميا. وها هو الله نفسه يضع الزيج. واذ تقاس اسرائيل وتوزن ، توجد ناقصة. وقد كان النبي على اقتناع تام بالعقوبة حتى انه لم يصلي طلبا لتاجيله. فالاعمدة الداعمة لصرح الديني، يجدها خيط القياس الرباني مائلة كلها، وسوف تدكها عاصفة الدينونة جميعا.
وذلك ينسحب على البنية السياسية: فلا امل منها ولذلك "اقوم على بيت يربعام"(9).

فاصل تاريخي:
من المحتم ان يكون عاموس قد نقل الرؤيا الثالثة في مزار بيت ايل. وكان ان اعترضه امصيا الكاهن، الذي يبدو انه اقتنص فرصة ذكر اسم "يربعام".
فربما تذكر امصيا ان سلالة يربعام بالذات في ايام ياهو، قبل مئة عام تقريبا، كانت قد تولت السلطة بدعم اليشع، ولذلك لا نعجب اذا ساورت الكاهن الشكوك والمخاوف فلجا الى الملك وقال "قد فتن عليك عاموس"(10). ولا عجب من قوله "الارض لا تطيق " ثقل النبوة اذ تنبا عاموس بان شعب الارض نفسه سيسبى وليس الملك فحسب. غير ان الملك لم يعبا بعاموس ، كائنا ما كان السبب، سواء شعوره بالامان، او مجرد الاحتقار لرسالة النبي الراعي. ومن ثم يلتفت امصيا الى النبي (12 و13). ويبدو ان امصيا يسعمل اللفظة "الرائي" بمعنى احتقار، اي اغرب عن هنا ايها الحلاّم!

4- رؤيا سلة القطاف:
اسرائيل اشبه بسلة ملاى بفواكه الصيف ذات النضج المفرط والمشرفة على التعفن "قد اتت النهاية على شعبي"(2). ثم يعود الى موضوع نبوته الرئيسي – جشع الاغنياء الذين لا يطيقون صبرا كي يمضي السبت وراس الشهر. وهم يستعملون معايير ومكاييل مغشوشة لبيع حنطتهم، معطين اقل ما يمكن لقاء اكثر ما يستطاع (5) صانعين ثروات طائلة بشراء الضعيف بابخس الاثمان وبيعه عبدا. ليس هذا فقط بل انهم كانوا يبيعون "نفاية القمح" كحنطة جيدة.
"اقسم بفخر يعقوب" يحتمل ان يكون مرادفا للقسم باسم الجلالة لن ينسى اعمالهم الشريرة (7). ويشير الى اتمام العقاب بقوله "تطمو (الارض) كلها كنهر وتفيض وتنضب.." اذ ستغمر الارض كما بفيضان.  انها ستغرق، وستضيع في غمار بلد اجنبي، مثلما يفيض النيل فوق شطوطه. 
يتناول باقي الاصحاح بعض نتائج الدينونة: اوﻻ، ستحدث ظلمة (9) وقد وقع كسوف للشمس سنة 763 ق م. ثانيا، سيكون "نوح" ولن يكون عاديا بل "كمناحة الوحيد". ثم ان المجاعة (11)  انها مجاعة روحية – "جوع لاستماع كلمات الرب". غير ان هذا الخبز الالهي لن يوجد اينما فتشوا عنه (12). وفي الجوع لكلمات الرب ستكون معاناة الشباب هي الاشد، فاذا التفت الشيوخ الى الماضي، قد يعيشون على الذكرى. اما الشباب، فحالهم مختلف، اذ سيذبلون، او يغشى عليهم، ولن يكون فيه ما ينعشهم. وستكون اخر نتائج الدينونة الهلاك التام لعابدي الاصنام: "الذين يحلفون بذنب السامرة (بعجل الذهب)" الذي صنعه يربعام. او يحلفون بالطريق "بئر سبع".

5- رؤيا الرب قائما على المذبح:
عاموس يرى الرب لا كما راه اشعياء "على كرس عال" يعطي رجاءا الى النجس، بل وحده "قائما على المذبح" وامره هو : "اضرب"(1). الان حانت اللحظة الحاسمة. والدينونة تبدا من بيت الرب – مقدس بيت ايل، مركز العبادة القومية في اسرائيل.
"اضرب تاج العمود" مما يضمن انهيار المبنى كاما. والصورة صورة هيكل احتشد فيه العابدون واذا بالبناء ينهار بغتة فوق رؤوسهم. واذا صدف ان احدهم كان خارجه، فانه يهرب، ولكن "لا يهرب منهم هارب"، واذ نجا بعضهم لحظة، فانه "لا يفلت منهم ناج" فان الدينونة ستنالهم مهما انحدروا الى الاعماق او صعدوا الى الاعالي (2)حتى ان قمة راس الكرمل وقد كانت حرما او محمية بموجب تشريعات دينية ، وقعر البحر حيث لوياثان الرهيب لن يقوى على اخفائهم عن يد الله.
فان من يفعل هذا هو السيد الرب الذي "يدعو مياه البحر الى فوق" اي يجذبها ثم يصبها على وجه الارض امطارا.
غير معول ان يصفح الرب عن خطايا شعبه على اساس علاقة قائمة على العهد، وبغض النظر عن واقعهم. فقد كانت عيناه "على المملكة الخاطئة" لذلك فانها "ستباد عن وجه الارض"، غير ان بقية ستبقى (8).
ان الدينونة صارمة ولا مفر منها، الا ان الجو المكفهر القاتم لا يخلو من بعض النجوم. وستكون الدينونة اشبه بعملية الغربلة (9) التي تفصل التبن عن الحنطة.


الخاتمة:
سيكون احياء لمجد مملكة داودالتي ستمتلك ما تبقى من ادوم" وجميع الامم التي سيخضعها الرب (12). ستكون التربة وافرة الخصب ، حتى "يدرك الحارث الحاصد". حتى التلال ، وتكون عادة جرداء- ستؤدي دورها في رغد الشعب اذ تقطر عصيرا (13). المدن تعود اهل بالسكان.

الصورة من :
http://www.earthandallstars.com/