الاثنين، 18 سبتمبر 2017

خواطر رجل مسافر


كتبها Oliver

وضع الرجل كل ما يحتاج للرحيل. إشترى تذاكر السفر و إستعد لأنه دوماً رحّالة. سألته الموظفة أين تريد أن تجلس و أنت صاعد فوق السحاب. نظر إليها قائلاً أريد مكاناً أنظر منه الأرض تصغر فى عيناىّ و السماء تتسع قدامى. كتبت الموظفة طلبته فى سجل الحفظ و أعطته تاريخاً و رقماً و قالت له موظفة الشركة أنه مسموح له بحقيبتين فقط واحدة توزن والأخري يحملها في يده بالطائرة. هكذا حياتنا. واحدة نتركها في الأرض هى الجسد و الأخري نأخذها حيث لا توجد أثقال أو تعديات. نظر إلى أشياءه المبعثرة قدامه على الأرض ليفرزها. هذه توضع في الحقيبة التي سيتركها في أرض المطار ليحملها آخرون عنه. آخرون لا يعرفهم سيحملون ثقله. مضطر هو أن يجمع كل ما هو ثقيل و ممنوع حمله على الطائرة و يتركه لهم. كأنهم رسل الكاهن الأعظم حامل خطايا الناس و أثقالهم. لكي يتأهلوا للسفر من غير عائق.
أغلقت الطائرة أبوابها تركت الارض و إنطلقت. دقات التنبيه إنطلقت و تبعها صوت القائد. صوت القائد الذى يعرف الطريق يختلف عن صوت المسافر الذى لا يعرف سوى أن القائد يعرف الطريق. المسافرون جميعاً يثقون فى القائد و ينفذون أوامره. يربطون أحزمتهم فالإنسلاخ عن الأرض يتطلب الإستعداد و تلزمه المشقة. لكن متى إعتدلت الطائرة في مسارها بدأ الراحلون مسيرة الحرية. 

المضيفات يرحبن بالجميع. يمتدحون إختيارهم الصحيح لهذه الطائرة. لا يسألون أحداً إلى أين يذهب أو من اين أتى (قض 19: 17). يخاطبون الجميع بلطف: نحن هنا مرسلون لخدمتكم أنتم العتيدين أن تصلوا إلى ميناءكم بسلام. يبتسمون كالملائكة يخدمون كالملائكة وجوههم ليس فيها ضيق. هم إعتادوا الهبوط و الصعود لخدمة المسافرين. كانت كلماتهم مطمئنة للجميع . أما الصغار و التعابى فقد ورثوا عناية خاصة. كانت وجوههم منتقاة ليمثلوا وطنهم أفضل تمثيل. 
نسى الرجل حقيبته الخفيفة و فيما بدأت الطائرة تفوق السحب إرتفعت أفكار الرجل عن الأرض إذ إختفت من ناظريه. راح من ذاكرته الناس و الأحداث و إبتدأ ذهنه ينشغل فيما إليه ذاهب. الزمن يتقلب كل الوقت و هو هنا له توقيت آخر. من غير أن يشعر بالجوع جاءه الطعام، من غير أن يحس بالظمأ جاءه الشراب، من غير ثمن يأتى كل شيء .الحياة في الصعود مجانية. 
تراءت قدامه أيام المسيح على الأرض حين جاء كمسافر في برية ليس له مبيت و نظر إلى نفسه حيث ينتظره البيت و الحب و المجد فخشع قلبه للمخلص قائلاً جعلتني أحيا على الأرض أكثر راحة منك و الآن ترسل لى من يريحني في الطريق إلى راحتك (إر9:2, إر14:8). يا من سلمت الكرم للكرامين و سافرت (مت21: 33) لأجلى سافرت لتعد لى مكاناً (مر13: 34)، أنا آت إليك ساهراً، لأنني لا أنام في الطريق. فخذنى فى حضنك إشتقت للنوم على يدك كطفل تهدهدنى و بعد إلى مجد تأخذنى. 
- لم يسمع الرجل نداء القائد بالخروج إذ وصلت الطائرة الأرض الجديدة لأنه كان مأخوذ مما يراه فوق السحب. الإطمئنان يشمل الجميع للوصول إلى أرض السلام. ما أجمل أورشليم السمائية. خرج الرجل فلم يحتاج أن يهبط على سلم. كان محمولاً على أيدى القدير. نفس الأب الذى ركض يعانق إبنه الضال كان هناك.لم يدر من ركض لمن, لكنه وجد نفسه في أحضانه.ضاعت اللغة و كل كلماتها.سمع ترنيمة تتصاعد قليلاً قليلاً و كلما تصاعدت كلما تعمق فى أحضان الأب السماوى الذى وعد و كان كعهده صادق الوعد.المنازل قدامه تتلألأ. من مجد إلى مجد يتمشى فوق الدنيا بأسرها. 
- كان هذا أعجب سفر سافره الرجل. ليس بين بدايته و منتهاه فرق أو كان الفرق هائلاً ليس يدري لأنه لم يدر به. الأميال كغمضة عين تمضى و غمضة العين لا تحجب الرؤى. ذكريات الرجل مكتوبة فى كتب الراحلين . جميعهم لا يهتمون بالأسماء و الأماكن لكنهم حين تعلموا نسيان ذواتهم وصلوا لمن صار بذاته مِلكاً لهم و مَلكاً عليهم. كل قصصهم مختصرة مع أنها طويلة. كانوا يتناوبون بين هبوط و صعود حتى إختتموا روايتهم بصعود من غير هبوط.فتح الرجل أبواباً كل من فيها عاشوا مسافرين فأحب الترحال من الأرض و مضى.لم يبكه أحد و لن يبكه أحد لأنه سكن مسكن العزاء و من هناك يرسل المخلص للكل عزاءه.

صفحة اوليفر على الفيس اضغط هنـــــــا