الصديق الوفي اي صديق العمر، هو الذي استمرت صداقته طويلا. وهو يتصف بصفتين هما:
١) انه لا يتأخر في تقديم النصح، مهما كانت كلماته يمكن ان تسبب الم "يبكيك افضل ممن لو بكى عليك". "امينة هي جروح المحب (الصديق)"(ام٢٧: ٦). وهو لا يكتفي بتقديم النصح، بل انه يشارك صديقه اسراره، واموره الخاصة. فقد رأينا الله تبارك اسمه وهو يقول «هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ، (التكوين ١٨: ١٧). "سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ، وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ. (المزامير ٢٥: ١٤). ويشبه شرح مثل تلك الأسرار لأولئك الذين لا يمتلكون روح الله شرْح الألوان لشخص أعمى أو شرح الألحان الموسيقية لشخص أصم.
هنالك نصوص سرية من المحبة بين المسيح والنفس المؤمنة لا يسوغ النطق بها. صداقة سامية، وبركات عميقة. هذا ما اشار رب المجد اليه في قوله "قد دعوتكم اصدقاء، لاني اعلمتكم بكل .."(يو١٥:١٥).
٢) الصفة الثانية، التواجد، متواجد ليساعدك، "يوجد صديق الزق من الاخ"(ام ١٨: ٢٤). العبرة هنا انه "الزق او الصق". على ان الشطر الاول من المثل "المكثر الاصحاب يخرب نفسه". والانتقال من الجمع (أصحاب) إلى المفرد (أخ) أمر ذو دلالة. انه لا يرفض كثرة الاصدقاء بالاطلاق، لكنه فقط ينبه الى إنه أفضل أن يكون لديك صديق جيد مخلص واحد على أصحاب كثيرين غير موثوق بهم.
اولا، ليس حسنا:
ليس حسنا ان نطير ونحلق عاليا (صولو)؛ العزف المنفرد او الغناء المنفرد.. الخ. الفردية لا تصنع اوركسترا، الانسان بطبعه اجتماعي. يكرر الرسول القول "لنا شركة بعضنا مع بعض"(١يو١: ٣, ٧). ولكن يبدو انه وضع في عددي ٣, ٦ (شركتنا مع الله) في المكانة الاولى، ربما لان شركتنا مع الله هي التي تعطينا امكانية الشركة مع بعضنا، وليس العكس. وهذا نستشفه من قوله "وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا. (١ يوحنا ٤: ٢١). ويكرر نفس المعنى حين يقول ".. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضًا. (١ يوحنا ٥: ١). ويحسم القضية بقوله "بهذا نعرف اننا نحب الله اذا احببنا الله"(١يو٥: ٢). يمكن ان نشبه تلك القضية بالاشعة التي تخرج من مركز القرص، فكلما ابتعدت الاشعة عن المركز ابتعدت عن بعضها. كلما تغربنا عن الله تغربنا عن بعضنا. لذلك فالخطية الموجهة الى قريبي ، ليست الا خطية تجاه الله، والله وحده. "اليك وحدك اخطأت"(مز٥١). لم يقل داود اخطأت الى بثشبع او الى زوجها اوريا، بل اليك يا الله.
ثانيا، نكمل بعضنا بعضا:
اننا "اعضاء بعضنا لبعض"(اف٤: ٢٥). "اثنان خير من واحد.. والخيط المثلوث لا ينقطع سريعا"(جا٤: ١٢). ودعوة الرب لنا "احبوا بعضكم بشدة (رو١٢: ١٠).. الخ من الايات الجميلة عن المحبة وحياة الشركة. فلنتأمل رئيس ايماننا يسوع. لقد قال لتلاميذه "بهذا يعرف العالم انكم تلاميذي، ان كان لكم حب بعضكم لبعض"(يو١٣: ٣٥). و"امكثوا ههنا واسهروا معي..". والسؤال، هل من جاء الملاك ليقويه، احتاج الى خواصه الثلاثة ان يساندوه في غمرة الامه واحزانه؟! ايعلمنا هذا اننا في حاجة الى بعضنا؟
يقول الرب "لا اترككم يتامى، اني ارسل لكم المعزي.."(يو١٤: ١٨). نحن في حاجة الى تعزية، الى تعضيد وتشجيع. في (غلا ٦: ٢ ) يقول "احملوا اثقال بعض وهكذا تمموا ناموس المسيح". والى ان نكمل نقص بعضنا "لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضًا. (١ تسالونيكي ٥: ١١). "يبني نفسه.. يبني الكنيسة". "مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ. (١ كورنثوس ١٤: ٤). لذلك فان من يبني الاخرين "يتنبأ" افضل مما يكتفي ببناء نفسه "يتكلم بالسنة", حسبما نتعلم من العدد الذي يليه مباشرة (ع ٥).
ثالثا، ما الذ واطيب الالفة:
"ما احلى ان يسكن الاخوة معا"(مز١٣٣: ١). كان داود يعتز بصداقاته جدا "الَّذِي مَعَهُ كَانَتْ تَحْلُو لَنَا الْعِشْرَةُ. إِلَى بَيْتِ اللهِ كُنَّا نَذْهَبُ فِي الْجُمْهُورِ. (المزامير ٥٥: ١٤). كما كان يحترم كلمات العهد الى اقصى الحدود. مثال عهده مع يوناثان. واصبحت صداقته به مثالا يحتذى "قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْوًا لِي جِدًّا. مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ. (صموئيل الثاني ١: ٢٦). الاية الاولى كانت على اخيتوفل صديقه ومستشاره "كانت تحلو له العشرة معه". وهنا "كنت حلوا لي جدا".
واذا انتقلنا للوجه المقابل، اي ان خيانة الصديق افظع بما لا يقاس من قسوة العدو. "لأَنَّهُ لَيْسَ عَدُوٌّ يُعَيِّرُنِي فَأَحْتَمِلَ. لَيْسَ مُبْغِضِي تَعَظَّمَ عَلَيَّ فَأَخْتَبِئَ مِنْهُ. (المزامير ٥٥: ١٢). لذلك نعرف ان كلما زاد العشم بين الاصدقاء كلما اصبح مطلوبا من الشخص درجة اعلى من التفان والوفاء.