الأحد، 27 نوفمبر 2016

الغنوسية

 دخل المسيحية الكثير من الوثنيين الذين حملوا معهم ثقافة العصر والافكار الوثنية السائدة. كان لدى هؤلاء رصيد ضخم من التصورات والافكار عن الله وطبيعته والكون والانسان ورثوها عن الفلسفة الوثنية، اليونانية بالذات وخاصة الافلاطونية.
كانت فكرة الافلاطونية عن المادة قد ذاعت وكان الوجود في الجسد هو علامة على سقوط الانسان من العالم الروحي الى عالم المادة الدنس. فكأن المادة هي الشر ..
وكان من الحتمي ازاء هذه الثنائية ان تظهر فكرة عالم الخير (الروح) وعالم الشر وازاء هذا التقسيم كان من المنطقي البحث عن مصدر الشر ومصدر الخير. ولذلك اتجه هذا التقسيم الى الله نفسه. حيث اعتقدوا بوجود الها للشر والها للخير.
ولما كان هناك تفاوت واضح بين العهد القديم والجديد فبينما يمثل العهد الجديد كمال الاعلان  الالهي يمثل العهد القديم البداية، لذلك كان من المنطقي ايضا ان يتجه التقسيم بكل عمقه الى العهدين وان يتم فصل العهدين وان يصبح العهد القديم وهو يتحدث عن خلق العالم هو كتاب اله الشر الذي خلق العالم المادي المنظور بينما يصبح الجديد هو اله الخير الذي جاء بالعتق من سلطان المادة ولما كان العهد الجديد يتحدث عن التجسد ويشير الى العهد القديم في اجزاء كثيرة لذلك وجب حذف هذه الاجزاء. ومع هذا التقسيم والحذف اصبح الخلاص ليس بالايمان بل هو بالمعرفة (الغنوص) واصبح اتباع هذا الفكر يدعون غنوسيين.
فاصبح الخلاص هو معرفة اسرار الكون واسرار اله الشر والابتعاد عنها ولذلك رفض الغنوسيين اكل اللحوم والزواج وشرب الخمر. ولما كانت مشكلتهم اساسا مع الجسد لذلك كان لازما ان يفسروا موت المسيح على الصليب تفسيرا مختلفا.. وهكذا اقاموا بدعة بها الكثير من ملامح المسيحية ولا تحتوي على اي عنصر من عناصرها الاساسية.
++
وعندما بحث القديس اثناسيوس عن مصدر الاريوسية استطاع ان يحدد علاقة اريوس بالغنوسية وبالذات فالنتينوس التي كان لها وجود محسوس في الاسكندرية نفسها. بل وكانت نشطة جدا في زمن اكلمنضس والعلامة اوريجانس ، وهكذا في دفاعه يقول:
"نحن بكل تأكيد ندعو انفسنا مسيحيين نسبة الى المسيح اما ماركيان الذي افرز هرطقة منذ زمن .. دعوا ماركيانيين وليس مسيحيين وهكذا فالنتينوس وباسيليدس وماني وسمعان (سيمون الساحر) اعطوا اسماءهم لاتباعهم. وهكذا الذين يتبعون اريوس يسمون انفسهم اريوسيين".
وفي اكثر من موضع ينبه الى وجود علاقة قوية بين اريوس والغنوسي فالنتينوس ولذلك يقول ان اريوس يؤمن "بأن الابن خالق ومع ذلك مخلوق" وهذا مما لا شك فيه عودة الى فكرة فالنتينوس الي علّم (ان الملائكة يمكنها ان تخلق)(ضد اريوس1: 5)
ولقد المح اثناسيوس ان الاريوسية تنادي بان الابن طبيعة مثل طبيعة الملائكة ولذلك قال عن النور ان هذا "ليس جديدا بل فكر فالنتينوس وباسيليدس" – ضد اريوس 2: 21

وقال ايضا انه الاريوسيين "سيقعون في العار مقدما لانهم يحاكون ويؤكدون تعاليم فالنتينوس وكربوكرانوس فيقول "ان الملائكة هم الين خلقوا العالم" فربما تعلموا منهم ان يقارنوا "كلمة الله" ب "الملائكة" – ضد اريوس 3: 56

الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

مواقع مفيدة للقصص

قصص باوربوينت

الافلام المسيحية


لو تابع اي مشاهد مجموعة الافلام التي تبثها القنوات الفضائية الدينية وغيرها، فسوف يبهره ذلك الكم الهائل من الافلام الدينية التي انتجت. ففي بداية القرن العشرين انتجت مؤسسات السينما الايطالية قصصا شبه توراتية مثل "كوفاديس" و "كابيريا". وسرعان ما دخلت هوليوود الحلبة، وانتجت افلاما ضخمة مثل "ملك الملوك" و "شمشون ودليلة" "الوصايا العشرة"، وفي العشرينات من القرن العشرين، شاهد الناس فيلم "سفينة نوح" و "هللويا"..
وقد تعاظمت المشاعر الدينية لدى المشاهدين في الثلاثينات بعد نجاح هذه الافلام، مما شجع على انتاج المزيد منها، مثل "اغنية المهد" "جحيم دانتي" "حديقة الله"، "الضوء الاحمر"، ابناء المدينة".  ومن المعروف انه قد ظهرت نوعية اخرى من الافلام غير التاريخية لكنها عن حوادث حقيقية مثل ظهورات السيدة العذراء في القرن التاسع عشر والتي تحولت الى فيلم باسم "انشودة برناديت"   
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر شخصية المحاربة المتدينة "جان دارك" عام 1948، وفيه اشارة الى ان الله يساند المؤمن المناضل من اجل وطنه. 
ومع بداية الخمسينات عادت هوليود مرة اخرى الى قصص الانجيل، فاعادت اخراج كوفاديس، وقدمت افلام "المعجزة" و "الرداء" و "بن حور" و "سدوم وعمورة" 
وفي السبعينات قل عدد الافلام الدينية بشكل ملحوظ .. وفي الثمانينات والتسعينات ظهرت افلام عن القديسين .. ولقد جمعت الافلام الدينية في السينما العالمية مجموعة من السمات يمكن ان ننجزها في النقاط التالية:

  1. نشأت هذه الافلام مع ميلاد السينما في كل انحاء العالم ولكل بلد تراثها من الافلام الدينية.
  2. اتسمت بالانتاج الضخم وتطلب انتاجها تكاليف ضخمة فمنظر شق البحر الاحمر في فيلم "الوصايا العشرة" استلزم بناء حوضين كبيرين ووصلت بينهما مواسير ضخمة تتدفق منها المياه بشدة هائلة كي تساعد على تمثيل منظر الغرق وشق البحر وظهور هذه المشاهد في اروع ما ظهر.
  3. تتميز هذه الافلام بالديكورات الضخمة للمدن والقصور والجموع الحاشدة ففيلم دي ميل الثاني استعان فيه ب20 الف كومبارس و15 الف حيوان.
+++
 السيد المسيح في السينما العالمية:

1- الفيلم الصامت "ملك الملوك" الذي اخرجه سيسيل دي ميل 1927. وهو فيلم لا يمكن الحديث عن صورة المسيح في السينما العالمية دون الرجوع اليه لعدة اسباب منها.. ان الفيلم من اخر الافلام الصامتة . ومنها اننا امام احد الافلام التي اهتمت ببيئة المسيح. ومن هذا الفيلم استوحى كافة المخرجين التاليين قصص الافلام الدينية المأخوذة عن المسيح.

2- فيلم "اجمل قصة حكيت" لجورج استيفنز عام 1965، باعتباره واحدا من هم الافلام عن المسيح، وقد منع من العرض في مصر .

3- فيلم ميل جيبسون: "الام المسيح". جيمس كافيزيل هو ممثل امريكي مولود عام 1968 وقد اجرى مراسل مجلة نيوزويك الامريكية "شون سميث" لقاء معه نشر في عدد 24 لسنة 2004 تحت عنوان "تريدني ان اؤدي دور المسيح". ننقله بتصرف قليل هنا.

حوار مع بطل فيلم الام المسيح:
- تأدية دور المسيح هي بشكل بديهي عرض مرهب. لماذا وافقت حين طلب منك ميل ذلك؟

- تلقيت اتصالا هاتفيا يخبرني ان المخرج ستيفن يطلب مقابلتي بشأن فيلم عن ركوب الامواج. ذهبت للقائه على موعد غداء وبعد عدة ساعات جاء ميل وبدأ يتحدث عما مر به المسيح فقلت اجل رأيت فيلم زفيريللي. فاستطرد قائلا: لا، لا. اتحدث عما مر به المسيح فعلا. عندئذ فهمت مقصده، واردفت اقول: تريدني ان اؤدي دور المسيح؟ اذا فيلم ركوب الامواج كان مجرد جس نبض.

- هل اخبرك انه يريدك ان تمثل باللة الارامية؟

- لقد كان يتحدث عن ذلك.. الارامية والعبرية واللاتينية، لكني قلت في نفسي انه ليس جادا فيما يقول. . ظننت تعلم هذه اللغات سيكون اصعب ما في الامر. ثم تبين ان الالم الجسدي كان الاسوأ.. كان هناك لوح على ظهري سمكه نصف بوصة كي لا يصيب الجنود الرومان ظهري. لكن اخطأ احد الجنود، وجلدني مباشرة على ظهري، فمزق جلدي. لم استطع الصراخ ولم استطع التنفس. الامر مؤلم للغاية لدرجة انه يصدمك. نظرت الى الرجل ولفظت على الارجح كلمة نابية. بعد بضع ضربات، اخطأ ثانية، وسبب على ظهري ندب بعرض 14 بوصة.. وهكذا فقد عرفنا اياما حلوة واخرى مرة. يبدو ان مرها كان اكثرها من حلوها. او تعرف ان البرق ضربني؟

- صعقك البرق؟

- اجل كنا نصور مشهد العظة على الجبل قبل ان يبدأ باربع ثوان كان الصمت يسود المكان. بعدئذ شعرت ان احدا صفعني على اذني..

- هل خطر على بالك بما انك تؤدي دور المسيح، ان البرق الذي صعقك ربما كان ..

- تقصد ان هذه اللقطة اغضبت الرب.

- انت كاثوليكي فهل ترسخ ايمانك بعد ان لعبت دور المسيح؟

- احببته اكثر مما كنت اتصور نفسي قادرا على ان احب . احبه اكثر من زوجتي من عائلتي. مرت اوقات حين كنت هناك (على الصليب) وانا لا اكاد اقدر على الكلام. فالمعاناة من هبوط حرارة الجسم امر موجع ومنهك؟.. تواصلت مع مكان لم اكن لاذهب اليه ابدا. لا اريد ان يشاهدني الناس بل جل ما ابغي ان يشاهدوه يسوع المسيح.

- هل اخبرك ميل لماذا اراد صنع هذا الفيلم؟

- اخبرني انه مر باوقات عصيبة في حياته، وانه عاد واكتشف الانجيل قبل 12 سنة. وبدأ يتأمل في الام المسيح لاجله. قال ان جراح المسيح شفت جراحاته. واظن ان الفيلم يعبر عن ذلك.

- هل الجدل الدائر حول الفيلم. وكون ميل متهم بمعاداة السامية. فاجأك؟

- كانت هذه المسألة اكثر الامور سخافة. بوسعي ان اقول ان الرجل ليس معاديا للسامية بتاتا. لقد قامت بالتمثيل في الفيلم مايا مورجنشتيرن اليهودية وهي واحدة من عشرات الممثلات اللاتي جسدن دور مريم العذراء، الام الطاهرة، التي قامت بتربية ابنها افضل تربية، وقد تفطر كل جزء من جسدها حزنا والما، وهي ترى وحيدها يتم تعذيبه على ايدي اليهود.

السبت، 19 نوفمبر 2016

المانوية

بدعة «المانوية» تنسب الى ماني وهو رجل ايراني عاش بين عامي 216 و 277 ، وكان يقول عن نفسه انه رسول المسيح، وانه المعزي الذي وعد به المسيح في الانجيل. وفلسفة هذه البدعة هو أن الشر كان منذ الأزل في الكون، كقوةٍ عامة، منحصراً في إله الشر الأزلي. وبين مبدأي الخير والشر نزاع مستمر، غير أنهما ممتزجان في العالم وداخلان معاً في طبيعة الإنسان المؤلَّفة (حسب هذا المذهب) من نفسٍ مأخوذة من ملكوت النور تتبع إله الخير، وجسد بحياته الحيوانية مأخوذ من مملكة الظلمة يتبع إله الشر. فالخطية (في هذه الحالة) هي شر جسدي، ودنس الروح الذي نشأ من اتحادها بجسد مادي. وتتم الغلبة على الخطية بوسائط طبيعية تقدر أن تبيد تأثير الجسد في النفس. ومن ذلك نشأ الاعتقاد بفاعلية الامتناع عن الطعام والتقشّف لتطهير الإنسان.
ومن خرافات ماني قوله “ان الذي يقطف نبتة من شجرة تين يجعلها تبكي هي وثمرها معا. اما الدموع فهي الحليب الذي يقطر. وان قطف الثمر جريمة، لان الثمر جزء من الاله.. ولكن ان قطف الثمرة واحد من اتباع ماني ثم اكلها تصير ملائكة في معدته..
وكان “ماني” يقسم اتباعه الى نصفين “افضلهم هم الذين يحرمون انفسهم من كل شئ بدرجة غير معقولة.. ومنهم البسطاء (او السامعون) الذين يقدمون الخدمة للنوع الاحسن، ويمكنهم ان يعيشوا كما يريدون” ..
وغريب ان الفيلسوف الحكيم اغسطينوس عندما كان عمره 18 عاما تبع فلسفة ماني .. !! وقد اختار اغسطينوس درجة “سامع” حتى يعيش كما يحلو له ويخطئ كما يحب. يكفيه ان يخدم احد اتباع ماني الصالحين. وقضى اغسطينوس 10 سنوات يدرس تعاليم ماني ويدعو اليها. لكن الله انقذه منها، وكان ذلك عندما قابل تلميذا عظيما من تلاميذ ماني كان الناس معجبين به كثيرا . وجاء اليه اغسطينوس يسأله ، فوجده فارغا لا يقدر ان يجاوب.. ومن حينها ترك اغطينوس تعاليم ماني وبدأ يبحث عن شئ جديد.
وهذه البدعة اتبعها فيها اغسطينوس
ومن الأدلة على بُطلان هذه البدعة ما يأتي:
(أ) عدم موافقته للاعتقاد الصحيح في طبيعة الله وصفاته، لأنه يجعل شيئاً غير الله أزلياً ومستقلاً عن إرادته، فلا يبقى الله جوهراً غير محدود، ولا ملكاً مطلقاً، بل يكون محدوداً دائماً بكائن آخر ذي قوة أزلية مثله، لا يقدر الله أن يتسلط عليه.
(ب) يُبطل طبيعة الخطية الحقيقية، لأنها بموجبه تكون مادية في صفتها، وتكون من لوازم طبيعة الإنسان المخلوق والمؤلف من مادة وروح.
(ج) يُبطل مسؤولية الإنسان، لأن الشر الأخلاقي (بموجبه) ينتج من ذات بنية الإنسان، ومصدره خارج عنه. والشر جوهرٌ (كيان) ماديٌ ذو قوة عظيمة. وهذا الرأي مردود من كل وجهٍ، ولا علاقة حقيقية له بالتعليم المسيحي.
اهم ما تقوم عليه المانوية هو أن المادة شر وأصل كل الشرور. ومن الأدلة على خطأ هذا الرأي:
(أ) إن الخطية لا تقوم بأفعال الطبيعة الحسية، فإن المخلوقات الذين يحسبهم الكتاب أكثر إثماً من الجميع هم الأرواح الساقطون الذين هم بلا أجساد وبلا ميول جسدية شهوانية.
(ب) لا علاقة للخطايا الكبرى بالجسد، فإن الكبرياء والخبث والحسد وحب الرئاسة، وما هو أكبر من ذلك كعدم الإيمان والعداوة لله ولملكوته وغير ذلك مما يقلل شأن الإنسان ويثقل ضميره، هي خطايا روحية لا جسدية، وتوجد في الخلائق التي ليس لها بنية مادية، وأيضاً في النفس بعد انفصالها عن الجسد وموت طبيعته الشهوانية.
(ج) يلزم عن هذا المذهب إبطال شعورنا بالخطية، لأن الشر الأخلاقي (بموجبه) هو ضعف أو خضوع قُوى الروح الأضعف لقُوى الجسد الأقوى، فلا يُسأل البشر كثيراً عما يفعلون، أو لا يُسألون مطلقاً.
(د) يلزم عنه أن الطهارة تقوم بضعف الجسد، وهذا باطل فإذا صح أن الجسد هو مقرّ الخطية ومصدرها، يلزم أن كل ما يؤدي لإضعافه أو تقليل ميوله يجعل الناس أنقى وأفضل. مع ان هذا خاطئ، فالفريسيون أفضل أمثلة لذلك، فمع كل تقشفهم ومواظبتهم على الصوم والصلاة حكم المسيح بأنهم أبعد من العشارين والزناة عن ملكوت الله.
(هـ) يلزم عنه أن المتقدمين في السن هم أهل الصلاح، لأن شهوات الجسد ماتت فيهم وفقدوا القدرة على التمتع بشهوات الشباب، ولم يبقَ فيهم ما يمكّن العالم من جذبهم إليه. ولكن الإنسان ما لم يتغير بنعمة الله لا بد أن يتقدم في الشر كلما تقدم في الأيام، وتفقد نفسه الحس بكل ما يرفع شأنه في الأمور الروحية، وتتغرَّب أكثر فأكثر عن الله، وتصير أقل شكراً له على مراحمه وأقل خوفاً من غضبه وأقل تأثراً من كل ما يعلن به مجده ومحبته. فليس الجسد أصل الخطية.
(و) هذا الرأي يخالف تعليم الكتاب المقدس. نعم ينسب الكتاب قسماً عظيماً من الخطايا لطبيعة الإنسان الشهوانية، ويوصف الجسد في الكتاب بأنه مقر الخطية، وجاءت كلمة «جسداني» فيه مرادفة لفاسد أو خاطئ. لكن الكتاب لا يعلّم أن الانفعالات الحيوانية أو الحسية هي مقر آثام الإنسان ومصدرها. ولكن كلمة «جسد» و«جسداني» في العبارات المشار إليها تدل على طبيعة الإنسان بدون تجديدها بالروح القدس، ولا تدل على التمييز بين الجسد والنفس بل بين الطبيعة المتجددة والطبيعة غير المتجددة.

البيلاجية

محاضرة البابا شنودة بالكلية الاكليركية - منقول بتصرف
حدثتكم من قبل عن البدع التى قامت فى العصور الأولى للمسيحية. وأريد أن أكلمكم اليوم عن البدعة البيلاجية، البيلاجية نسبة إلى بيلاجيوس. بينما كان علماء اللاهوت فى القرن الرابع يبحثون فى اللاهوتيات وفى الثالوث القدوس ، ولاهوت الابن وطبيعة الابن، وكلها موضوعات لاهوتية، قامت هذه البدعة للدخول فى موضوع آخر تماماً، هو طبيعة الإنسان والنفس البشرية، وخطية الإنسان، ونتائج هذه الخطية، وحرية الإرادة، والنعمة، والعلاقة بين الإرادة والنعمة، كل هذه الموضوعات تطرق اليها الجدال.
بيلاجيوس هذا كان أصله راهب بريطانى من بريطانيا، وكان تقياً ناسكاً ، ومشهور بالقداسة والتقوى وبدعوة الناس إلى الروحانيات، شئ عجيب حقا، ان تجد كتير من الرهبان والنساك يدخلوا فى اللاهوتيات يسقطوا ويصبحوا مبتدعين مثل بيلاجيوس هذا وأوطاخى ، ما هو كان راهب وناسك ورئيس رهبنة فى القسطنطينية وانتهى إلى البدعة، وأيضاً فيما بعد نسمع عن يوحنا كاسيان ، إنه اتهم بإنه نصف بيلاجى، وكان راهب وناسك وحياته فى الأديرة وكان معه شخص اخر اسمه فوستوس ، وكان زعيم رهبانى ، ليت الرهبان يكتفون بالروحيات ، ويبعدوا عن الأمور اللاهوتية اللى بتتعبهم، إلا من كان فيهم قديراً على التحدث فى اللاهوتيات.
بيلاجيوس كان راهب بريطانى محب للتقوى ويدعو الناس للحياة المقدسة ، فكان يتعبه كثيراً إن البعض يقول أنا غير قادر ، أنا ضعيف، أنا مجرد بشر، أنا لا أستطيع ، الخطية شديدة والتقوى صعبة ، فلذلك تضايق من الناس الذين يتعللون بضعف الطبيعة البشرية ، وبدأ يتكلم عن قوة الطبيعة البشرية وقدرتها لدرجة إنه تطرف. فقال ان الطبيعة البشرية قوية والإنسان قادر على ان يحيا حياته كلها بدون خطية! ، وإن فى العهد القديم قبلما يأتي المسيح عاش قديسون بلا خطية، ونحن لسنا فى حاجة إلى معونة إلهية من الخارج لتقويتنا حتى نعيش بلا خطية، وهكذا أنكر مفعول النعمة.
وقال ايضا إن النعمة الحقيقية التى تعطى للإنسان هي إن ربنا خلقنا بهذه الطبيعة. اي ان النعمة الأصلية إن الله خلقنا بهذه الطبيعة التى في امكانها الا تخطئ، اما النعمة الاخرى فهى مغفرة الخطايا. ولذلك اختلف مع اثنين من القديسين هما القديس أغسطينوس والقديس جيروم. القديس اغسطينوس كان أسقفاً لمدينة هيبو فى إيبارشية قرطاجنة. كانت كنيسة مصر هى أكبر كنائس افريقيا في الشرق، بينما كانت كنيسة قرطاجنة اكبرها في الغرب. القديس جيروم أيضاً وقف ضده، القديس جيروم كان عنده رهبانيات فى أورشليم. ففى شمال أفريقيا وجد أغسطينوس وحينما ذهب الى فلسطين وجد جيروم، وهما الاثنان كانا فى خط دفاعي واحد.
بيلاجيوس خلال تعليمه عن قوة الطبيعة البشرية، وحرية الإرادة التى تستطيع أن تختار الخير من غير النعمة،  أنكر الخطية الأصلية التى ولد الإنسان بها، كيف يولد إنسان بالخطية؟ اذا سيكون ضعيفا، فأنكر الخطية الأصلية وقال إن خطية آدم أضرت آدم وحده ولم تضر أحداً من نسله أو من أولاده، هذه نقطة تانية، وما دام أنكر الخطية الأصلية، يبقى أنكر فائدة المعمودية. وهذا يرينا ان الخطية سلسلة، خطية تقود لخطية .. الخ، لغاية لما يقع الإنسان فى مجموعة من البدع.
ولما أنكر بيلاجيوس المعمودية أنكر أيضاً حاجة الأطفال للمعمودية بالتالى، وبعدين قال إن الأطفال حتى غير المعمدين سيدخلون الملكوت. اذا لم يتوقف الامر عند حرية الإرادة وقوة الطبيعة البشرية ولكن الانسان لا يستخدمها، انما قال ايضا "إننا لو أنكرنا قوة الطبيعة البشرية، حينها نكون قد اتهمنا الله بـ "جهل مزدوج"، أنا آسف أقول هذا التعبير، لكنه تعبير بيلاجيوس، الذي قال نكون قد اتهمنا ربنا بانه يجهل طبيعة ما قد خلقه، وماذا ايضا؟ وجهله بالوصية التى اعطاها للناس، اذ  انه اعطاهم ما يفوق قدرتهم. وعلى رأى الشاعر الذى قال عن الإنسان الذي يفتقد للقدرة على الاختيار وانه مسيّر، قال الشاعر:
ألقاه فى يم مكتوفاً وقال له      إياك إياك أن تبتل بالماء،
فبيلاجيوس قال الطبيعة البشرية طاهرة وتقدر تفعل الصواب في كل المواقف. وتستطيع أن تصل إلى الكمال أيضاً بدون النعمة. وقال انه مجرد إن المسيح يقول لنا "كونوا كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل"، اذا ما دام قد أمرنا بالكمال يبقى الكمال ممكن، إذاً طبيعتنا البشرية ممكن تصل إلى الكمال ، ونحن لا ننفي ذلك، لكن نقول ان طبيعتنا تصل للكمال بالنعمة، لكن بيلاجيوس لا يذكر عمل النعمة على الاطلاق. ويقول انه فى العهد القديم ، قال الله لإبراهيم أب الآباء فى دعوته له فى (تكوين 12): "سر أمامى وكن كاملاً" ، والله لم يكن ممكنا ان يقول له "كن كاملاً" إلا لو كان الكمال امرا سهلا وممكنا.
ولذلك لما قرأ على بيلاجيوس جزءا من اعترافات أغسطينوس التى قال فيها للرب: "أعط ما تأمر به" اي اعط النعمة التى تجعل الانسان ينفذ ما تأمر به. "أعط ما تأمر به وأمر بما تشاء" اي أمر كما تريد، لكن على شرط إنك تعطى ما تأمر به. لذلك بيلاجيوس الذي انكر عمل النعمة احتاج الى مجهود كبير من القديس أغسطينوس فى الرد عليه، وعلى البيلاجييين. لدرجة انه يوجد في موسوعة "أباء نيقية وما بعد نيقية"  مجلدا كبيرا للقديس أغسطينوس تحت عنوان "ضد البيلاجية". ومن ضمن الكتب التى يحويها المجلد كتاب عن مغفرة الخطايا ومعمودية الأطفال والروح والحرف وطبيعة النعمة، ونعمة المسيح والخطية الأصلية وأصل النفس، وأيضاً أربع كتب ضد رسائل بيلاجيوس والنعمة وحرية الإرداة كل هذه المؤلفات من سنة 412 لسنة 426 يعنى حوالى 14 سنة كتب عن بيلاجيوس ، ومن منكم يحب ان يقرأ عن النعمة، عليه ان يقرأ ما كتبه أغسطينوس. طبعاً أغسطينوس تكلم عن أهمية النعمة بشدة لكي يرد على البيلاجيين، لكن نجد فيما بعد ان هناك بعض الطوائف التي تقول النعمة كل شئ ولا يوجد اهمية للأعمال ولا إرادة الانسان. ويكون هذا تطرفا من ناحية أخرى مقابلة.
أغسطينوس قال "على الرغم من كلام البيلاجيين، لم يوجد إنسان واحد وصل إلى كمال البر، فلابد من حاجة إلى معونة". والبيلاجيين يقولوا "لو تكلمنا عن النعمة يبقى الكلام عن معونة خارجية وليس عن معونة داخلية. داخليا الإنسان قادر على البر، لكن من الخارج تأتيه نعمة ليس لها علاقة بطبيعة الإنسان. وأنكروا الخطية الأصلية وقالوا ليس شئ ولد معنا، إحنا ولدنا ونحن قادرون.
نأتي لتاريخ هذه البدعة. هذه البدعة ترجع إلى أوائل القرن الخامس سنة 410 – 411 الى 426 م. بيلاجيوس كان راهبا بريطانيا، وكان يحيا فى رومية. وأفكاره هذه كان يعلم بها بالوعظ، ثم كتب كتاباً عن تفسير رسالة بولس ظهرت فيه أفكاره، لكن مع ذلك، الذى نشر أفكاره صديق له اسمه كلوستيوس وكان يعمل محاميا، وبدأ ينشر تعاليمه وسط العامة. وصل الحديث أيضاً إلى أغسطينوس الذي وقف ضد تعاليمه. وأخيراً هرب الصديقان إلى شمال أفريقيا، وبعد قليل ذهب بيلاجيوس إلى فلسطين وترك كلوستيوس فى شمال أفريقيا، وكلوستيوس كان يريد ان يصبح قسيسا. لكن ما قاومه شماس اسمه باولينوس اتهمه بالهرطقة، وذكر 7 قضايا تؤخذ ضده كهرطقة .
كانت النتيجة إن اجتمع مجمع فى قرطاجنة سنة 412 لمحاكمة كلوستيوس- تلميذ وصديق بيلاجيوس. انعقد المجمع برئاسة القديس أوريليوس، الذي كان رئيسا لإيبارشية قرطاجنة التى كان فيها أغسطينوس اسقفا على مدينة صغيرة تتبعها وتدعى "هيبو". هذا المجمع حرم كلوستيوس ، لم ينكر شيئاً من الاتهامات التى وجهت إليه، لكنه قال عن بعضها انها أمور موضع دراسة بين الناس ولا تصل إلى حدود الإيمان المعترف به. وهذا لم يقنع اباء المجمع فحكموا عليه بالحرم. رجع كلوستيوس لبلده واستطاع أن يقنعهم إنه يسيموه قسيسا، فرسموه قساً فى أفسس.
هذا يبين لنا مشكلة حدثت مرارا. أحياناً إنسان لا يصلح فى إبروشيته فينتقل الى إبروشية اخرى تسيمه ، مثلما حدث مع أوريجانوس، حين لم يسام فى الإسكندرية ذهب الى قيصرية الجديدة فرسم قساً هناك.
اثناء وجود بيلاجيوس فى فلسطين فى صيف 415م جاء قسيس أسبانى يدعى باولوس يحمل رسائل من أوغسطينوس إلى جيروم. جيروم كان موجود فى فلسطين، طبعاً القسيس الأسبانى لما وصل إلى فلسطين سألوه فحكى لهم مسألة حرم كلوستيوس فى مجمع قرطاجنة ، وإنه كلوستيوس اخذ التعليم عن بيلاجيوس، فاحضروا بيلاجيوس ليحاكم. انعقد مجمع برئاسة يوحنا الأورشليمى، واستدعى بيلاجيوس لكي يعلن إيمانه. وكان القس الأسبانى يريد احدا ليترجم له ، لكن هذا المجمع لم يصل الى قرار بشأن من بيلاجيوس ، وبيلاجيوس أنكر ما قيل فيه، اجتمع مجمع اخر فى مدينة اللد، واستدعى بيلاجيوس ، فأنكر أيضاً الاتهامات اللى وصلت ضده ، وعلى رأى أغسطينوس حينما قال:"ان المجمع حكم ضد الهرطقة مش ضد الهرطوقى". اي ان الهراطقة معترفين إن ما يقولونه هرطقة، وانتهى الأمر إلى أنهم تركوه بدون حكم. هذا الخبر وصل إلى شمال أفريقيا، الذين حكموا من قبل على كلوستيوس ، فاجتمع مجمعان ، مجمع حضره 69 أسقف سنة 416 م ومجمع آخر من 60 أسقف فى مدينة ميلا ، وهذان المجمعان حكم ضد بيلاجيوس بالهرطقة ، وضد كلوستيوس بالهرطقة.
لعل بعضكم يقول، اذا الموضوع انتهى. وصل الامر إلى روما. كان أسقف روما حينها هو انوسنت الأول، وأساقفة أفريقيا ارسلوا له تقريرا عن بيلاجيوس، فوجد إن بيلاجيوس إنسان هرطوقى، وكلوستيوس إنسان هرطوقى، فأيد كلام مجامع أفريقيا المكانية، وحكم بهرطقة بيلاجيوس وكلوستيوس.
بعد أسابيع من هذا الحكم مات إنوسنت وسيم زوسيموس مكانه. زوسيموس يبدو انه كان غير مدققا فى اللاهوتيات فحينما لجأ اليه بيلاجيوس، و كلوسيوس ، حكم إن إيمانهما سليم، وأرسل رسالة إلى أساقفة افريقيا شديدة اللهجة جداً، ويصفهم بالتسرع فى الحكم وطلب إعادة النظر فى الموضوع!
وإذا بأساقفة أفريقيا يعقدون مجمعاً من أكثر من 200 أسقف وبعثوا برسالة إلى زوسيموس يظهرون اخطاء بيلاجيوس. واتصلوا بالأمبراطور الذي حكم بنفى بيلاجيوس ونفى كلوستيوس، ونفى كل من ينضم إليهم فى الرأى وأسقف روما وجد نفسه فى مأزق ، ماذا يعمل؟


استدعاهما ولكنهما لم يحضرا لانهما منفيين , وأخيراً خضع لقرار الإمبراطور وحكم بحرمهم ، وأقر أيضاً لزوم المعمودية ووراثة خطية آدم، والأمور التى أنكرها هؤلاء. ووقع معه جميع اساقفة كرسيه ما عدا 18 فأمروا بنفى ال18 ، بعضهم رجع والبعض انتهى.
وظن البعض أن هرطقة بيلاجيوس انتهت ، لكن قامت مجموعة فيما بعد حاولوا أن يجدوا حلاً متوسطاً ما بين أغسطينوس وبيلاجيوس ، وهم من سموا بأشباه البيلاجيين، للأسف منهم يوحنا كاسيان، الذي كان تلميذا لذهبى الفم.

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

حياة سليمان -3

حركة ادونيا:
ان اول اشارة في كلمة الله عن اورشليم، ترسم امامنا صورة مبهجة للمسيح في شخص ملكيصادق ملك البر وملك السلام (تك14: 18-20 و عب7: 1).اما الاشارة الثانية فانها على النقيض واقعا ودلالة. فقد عرض ان يشوع وجد ادوني بازق يملك في اورشليم ، وانه قرر ان يتحدى الرب في مقاصده وذلك بالاستيلاء على المدينة (يش10: 1). هذا الملك يذكرنا بضد المسيح الذي سوف يتحدى الرب عند ظهوره.
ان اعلان مقاصد الرب من شأنته ان يثير حسد ابليس ومن ثم يبذل جهوده ليحول دون اتمام تلك المقاصد. وهذا هو الاصحاح 22 من سفر اخبار الاول، يوم اعلن داود ان الرب اختار ابنه سليمان ليملك. ويومذاك تبوأ الشاب عرش الملك في احتفال مهيب.
حدث بعد هذا وفي ادراك لمقاصد الله "ان ادونيا ابن حجيث ترفع قائلا: انا املك". وفي بطله اعد لنفسه مركبات وفرسانا وخمسين رجلا يجرون امامه (1مل1 5) وكما ان سليمان رمز للمسيح كذلك ادونيا رمز لضد المسيح. لاحظ كلماته "انا املك" فهناك تشابه بينها وبين عبارة تكررت على لسان زهرة بنت الصبح خمس مرات "اصعد.. ارفع كرسي.. اجلس.. اصعد.. اصير"(اش14: 13 و14). وهنا نرى جوهر الخطية وقد تعلمنا من (1يو3: 4) ان "الخطية هي التعدي" اي تحدي القانون. اي صنع الارادة الذاتية وقد علمنا الرسول يعقوب ان نقول "ان شاء الرب نفعل هذا او ذاك"(يع4: 15). ولطالما كانت الذات علة هلاك الكثيرين.
ولزاما علينا ان نتجنب روح الكبرياء وقياسا في نكران الذات هو الانسان يسوع المسيح ذاك الذي جاء الى العالم ولسان حاله "ان افعل مشيئتك يا الهي سررت"(مز40: 8) وفي ليلة الامه لم يطلب الا ان تتم وتكون ارادة الاب. وفي ابان خدمته كان يقول "لاني قد نزلت من السماء ليس لاعمل مشيئتي بل مشيئة الذي ارسلني". نعم، ان كل ذرة من الارادة البشرية لا تحدثنا عن المسيح بل عن ضد المسيح.
واضح ان ادونيا كان ولدا مدللا. يقول الروح "ولم يغضبه ابوه قط قائلا لماذا فعلت هكذا. وهو ايضا جميل الصورة جدا"(1مل1: 6). على ان حركة ادونيا لاغتصاب العرش لم تكتب لها النجاح. وهكذا تكون النتيجة مع شبيه ادونيا الذي نرى في ادونيا ظلا بغيضا له. يبدو ان سليمان كان هادئا صامتا اثناء حركة العصيان، ذلك ان اباه اخذ على عاتقه ان يتصدى للمعتدي. وعلى هذا القياس يتأني مسيح الله على ما يفعله اعداؤه. وكما ان ادونيا لقى مصرعه اخيرا بامر سليمان، كذلك سيلقى انسان الخطية قضاءه من نفخة شفتي ذلك الذي اراد انيرفع نفسه عليه(اش11: 4، 2تس2: 8).