الجمعة، 26 أبريل 2013

ذكرياتي عن عمتي


كانت غير قوية الصحة و مع ذلك لم تكن تبال بنفسها ما دامت قادرة ان تخفف من احمال الاخرين.
و لم يكن شئ يثير غضبها سوى ان تطلب منها ان تعتني بنفسها فكانت تعتبر ان ما طلب منها افدح المطالب. كان الحب طبيعة ثانية لها.
ان سألتها ابسط الاسئلة عن الايمان و الرجاء و المحبة لادهشتك باجوبتها الجهولة البسيطة و لكن هذه الفضائل الثلاثة كانت متوفرة لديها مما جعلها ابنة للسماء.
في احدى الليالي  كنت انا و عمتى جالسين قرب النافذة و كانت السماء رائعة النجوم تلمع بضياء شديد. اثار هذا المنظر عقلي الصغير و اردت ان اتفهم ما هي النجوم؟ فاخذت تحدثني عن مسكن ابينا السماوي و قصوره العديدة التي لا توصف و انني سأذهب الى هناك يوما.. اردت ان اعلم اكثر و كان خيال عمتى اخصب من ان ينضب .. سألتها عن هذا المسكن السماوي و عن شكله؟
فقالت لي : ان وراء النجوم يا طفلي العزيز ردهة متسعة جدا بهاؤها لم تره العيون، و هناك يجلس الله على عرشه  وعن يمينه ابنه الوحيد، و في وسط الردهة شجرة عيد ميلاد كبيرة اعلى من اعلى جبل على الارض. و الشجرة مملوءة بالانوار و اجمل الهدايا. و من تظن الذين يلتفون حول الشجرة؟
نعم كل الاولاد الطيبين الذين بعد ان عاشوا عيشة طاهرة اصبحوا اولاد الله. و هم هناك يسبحون الله بترانيم جديدة فترن اصواتهم الجميلة في فضاء السموات. و الهدايا التي على الشجرة هي لهم، اقصد انها تعطي لهم دائما و الشجرة لا تفرغ من الهدايا.
عاودتها الى سؤالي "ما هي النجوم؟"
النجوم يا ولدي؟ - نعم سأحدثك عنها. في جوانب هذه الردهة يوجد العديد من الطاقات الصغيرة يتسرب منها الى الارض ضوء شجرة الميلاد. و نحن نسمى هذه الطاقات النجوم.
و عندما ينتهى الاولاد الملائكة من ترانيمهم يطلون من هذه الطاقات ليروا ان كان الاولاد و البنات على الارض يجتهدون ان يكونوا طيبين و عليه فكلما رأيت النجوم يجب ان تتذكر ان من كل واحدة منها يطل ملاك عليك. و لهذا السبب تومض النجوم كما ترمش عيناك البريئتان. فيجب ان تكون مطيعا طيبا و الا فان احد الملائكة يذرف الدموع عليك.
اثر بي كلامها حتى ان الدموع فاضت من عيني و ارتميت في حضنها انتحب . و لكن اسكنني حبي لمعرفة المزيد، فقلت - "و لكن ماذا يحل بالاولاد الاردياء؟"
كاد هذا السؤال يربكها فعلا اذ كان قلبها ارحم من ان تحدثني عن جهنم و اهوالها و عليه اجابت - "الاولاد الاردياء! اظن انهم يتركون في مكان مظلم بعيدين جدا جدا عن الله و ابنه الحبيب"
لم يقنعني هذا الجواب و ارتأيت شيئا اخر . فقالت "الاولاد الاردياء يحبسون في حجرة حقيرة كريهة ، باردة جدا،  تصطك فيها اسنانهم و هي مظلمة جدا حتى ليرتجفون من الخوف و يصرخون و يقرعون الابواب بكل ما اوتوا من قوة و لكن لا يسمع لهم احد"
شعرت بالخوف و قلت لها "انا خائف" و انكمشت بجانبها.
فقالت لى انظر الى النجوم فيزول خوفك


ذكرياتي عن ماري


كانت كلها قلبا .. كانت كلها روحا..
كان لها قلب الاطفال و لا اشك مطلقا انها لو عاشت طويلا لما تركت قلب الاطفال.
انها من الذين يسيرون على الارض فيحفظون ثيابهم ناصعة البياض مهما كثرت حولهم الاوحال. و لو زججت بهم في اماكن الاثم لخرجت و طهارتها لم تمس.
كانت روحها اعلى من ان تتلوث.
كانت تعرف الخطية حسبما يوحي لها عقلها الصالح الصبياني.
كانت تحب قصص الكتاب المقدس اكثر من سواها.
كان هذا طعام لنفسها المستيقظة.
لم يؤثر بها شئ اعمق من موت ابن الله على الصليب، اعنى محبته للخطاة و بذله نفسه عنهم. و لا اشك ان ملاكا قد احصى دموعها التي ذرفتها كلما وقفت امام الصليب.
علمتنى آنا انه توجد في الحياة اشياء احسن بكثير من ارضاء النفس و اشباع الجسد. و يوما بعد يوم كان حديثها معى يرفعني .. كنت اتدرج لاصبح صالحا. جذبتني وراءها! ما هذه القوة او ما هذا التأثير المنبعث منها؟!.. لم تبذل مجهودا بل كنت اتبعها و كأنما روحها مصباح ينير لي الظلام.
انفتحت امام عيني دنيا جديدة - دنيا الروح - و بدأ يتمثل امامي رؤيا الحياة الابدية.
تحت تأثيرها راجعت الماضي مع نفسي - فكنت اشعر بخجل و خزي مما كنت اسميه حبا. كان حبا من النوع الذي يمكن ان يدنس تلك الكلمة المقدسة.

الأربعاء، 24 أبريل 2013

ايدى ملطخة بالدم


سأصف لكم بعض الافراد هناك في الجحيم. ساخبركم عن النهر الاسود نهر الاكاذيب. لقد جلست يوما على شاطئه. كنت افكر في الماضي الاسود، و المستقبل الاشد سوادا. و جرت مياه النهر النهر العكرة بثقل.
وفجأة رنت تأوهات قطعت السكوت المحيط بي.
بغتني منظر شخص غريب يعمل شئ اغرب. كان رجلا ذا هيئة خلابة بل بادي الجمال، و لكن في حالة يرثى لها. جلس الى النهر يغسل يديه اللتين تقطران دما.
ورغم الغسيل المتوالى عجز عن ازالة اللون الاحمر المخيف من بين اصابعه. بمجرد ان يرفع يديه من الماء يقطر الدم القاني منهما ثانية. انه منظر يستدر الشفقة.
يبدو انه شعر بوجودي لانه استدار نحوي فجأة قائلا: "ما هو الحق؟" لم اجبه في الحال لأنه سؤال لا يستحب الرد عليه بخفة..
لكنه رفع صوته و كرر بضجر "ما هو الحق؟"
اجبته "الحق؟ الحق المحزن هو ان الوقت قد فات للسؤال عن الحق"
لم تعجبه الاجابة فهز رأسه و اشاح عني و جلس ليغسل يديه من جديد .
تركته. علمت من هو من الحلة الارجوانية التى يرتديها و الخاتم الذى في اصبعه - انه بيلاطس البنطي!
انه يقضي الوقت في غسل يديه، و يسأل كل عابر نفس السؤال الذى سأله من قبل للمسيح "ما هو الحق؟"(يو18: 38). و لم ينتظر اجابته من فم المخلص! انه يسأل ثم يهز رأسه لكل اجابة. انه لا يرغب ان يعرف الحقائق ..
و يا لها من مفارقة مؤلمة. بيلاطس البنطي يسأل عن الحق بينما يغسل يديه في نهر الاكاذيب.