الخميس، 7 أغسطس 2014

شهادة داريل سكوت

Columbine High School massacre

حادث عنف راح ضحيته 13 شخصا في مدرسة ثانوية.

شهادة داريل سكوت، وهو أب لطفلين من ضحايا مدرسة "كولومباين" الثانوية في حادث إطلاق النار بمقاطعة لتلتون بولاية كولورادو امام اللجنة الفرعية المعنية بالجريمة - اللجنة القضائية في مجلس النواب الولايات المتحدة.
الخميس، 27 مايو، 1999، 
الساعة 2:00 مساءا
2141 مبنى رايبيرن هاوس

منذ فجر الخليقة كان هناك الخير والشر في قلوب الرجال والنساء. كلنا لدينا بذور الخير أو بذور العنف. لا يجب ان تكون وفاة ابنتي الرائعة "راشيل جوي سكوت"، و وفاة هذا المعلم البطل، و 11 طفلا اخرين باطلة. ان دمائهم تصرخ منتظرة عدالة السماء.
كلنا نعلم ان اول حادث عنف كان عندما قتل قابيل أخاه ، وسبب القتل لا يمكن إلا أن يكون موجودا في قلب قايين (وهو الشر). في الأيام التي تلت مأساة كولومباين، وأنا استغربت كيف سرعان ما بدأت الأصابع تشير الي جهات بعينها، واقصد بذلك هيئة الموارد الطبيعية. أنا لست عضوا في هيئة الموارد الطبيعية. أنا لست صيادا. أنا حتى لا أملك بندقية. أنا لست هنا لتمثيل أو الدفاع عن هيئة الموارد الطبيعية - لأنني لا أعتقد أنها مسؤولة عن وفاة ابنتي. لذا لا أعتقد أنها تحتاج لمن يدافع عنها. إذا اعتقدت في اي وقت ان لها علاقة بمقتل راحيل سأكون أقوى خصومهم.

أنا هنا اليوم لأعلن أن ما حدث ليس مجرد مأساة – بل انه كان حدثا روحيا ينبغي أن يدفعنا أن ننظر إلى حيث يكمن الخطأ الحقيقي! كثير من اللوم يقع هنا في هذه الغرفة. الكثير من اللوم الذي يكمن وراء اصابع الاتهام التي تشير الى المتهمين أنفسهم.

لقد كتبت قصيدة قبل فقط 4 ليال تعبر عن مشاعري بدرجة كبيرة. كتبتها قبل ان أعرف أنني سوف أتكلم هنا اليوم. وهي تقول:

قوانينكم تتجاهل أعمق احتياجاتنا.
كلماتكم هي الهواء الفارغ.
لقد ازلتم بعيدا تراثنا.
حظرتم الصلاة.

والآن الأعيرة النارية تملأ الفصول الدراسية ،
وأطفالنا الاعزاء يموتون.
و تسعون للحصول على اجابات،
وتطرحون السؤال "لماذا يحدث هذا "؟

لقد نظمنا القوانين لتحد من الشر،
ولكننا حتى الآن لم نتمكن من ادراك
أن الله هو ما نحتاج اليه!
نحن كرجال ونساء مخلوقون من 3 عناصر. 

نحن جميعا نتكون من الجسد، والنفس، والروح.
وعندما نرفض الاعتراف بثلث كياننا،
فإننا نخلق فراغا داخل انفسنا يسمح للشر والتعصب،
للكراهية والتدمير والتخريب بالدخول الى كياننا.

ان التأثير الروحي كان موجودا في أنظمتنا التعليمية معظم تاريخ أمتنا. فلقد بدأ العديد من الكليات الرئيسية لدينا كمدارس لاهوتية. هذه هي الحقيقة التاريخية. والسؤال هو: ماذا حدث لنا كأمة؟ لقد رفضنا تمجيد الله، وعندما فعلنا ذلك، فتحنا الأبواب للكراهية والعنف. 

وعندما يحدث شيء فظيع كما حدث في مأساة كولومباين، فان السياسيين فورا يبحثون عن كبش فداء، وفي حالتنا كان هو "هيئة الموارد الطبيعية" والتي سعت على الفور لتمرير المزيد من القوانين المقيدة للحريات.

نحن لا نحتاج قوانين أكثر تقييدا. لم تكن ليوقف اريك وديلان بواسطة أجهزة الكشف عن المعادن. أي قدر من قوانين حمل السلاح يمكن أن يوقف شخص ينفق شهور للتخطيط لهذا النوع من المجازر. الشرير الحقيقي يكمن داخل قلوبنا. المواقف السياسية والتشريعات المقيدة ليست هي الحلول. شباب أمتنا هم الحل. هناك صحوة روحية حادثة الآن والتي لن يخفت تأثيرها!

نحن لا نريد المزيد من الدين.. نحن لا نريد المزيد من المباني الكنيسة بملايين الدولارات، بينما يجري تجاهل ذوي الاحتياجات الأساسية. نحن بحاجة إلى تغيير القلب والاعتراف المتواضع أن هذه الأمة تأسست على مبدأ الايمان البسيط بالله!

الجمعة، 1 أغسطس 2014

كيف عدت الى الله؟

فقدت ايمان الطفولة الوديع في وقت مبكر جدا. وكان اليأس قد بدأ فيّ منذ الثامنة من عمري، اذ كنت اصلي: "ربي الحبيب، خذني من هنا، فاني اريد الموت". كنت اطلب الموت رغم ما بعث الله فيّ من محبة و غبطة ظاهرة في بيت والديّ. فقد كنت اتلمس بصورة لا شعورية ما في هذا العالم من كآبة وسأم.
ولم يكن لي من عزاء سوى بعض الذكريات الجميلة. ومنها زيارتي لاحد اديرة موسكو، فكنت ادلف الى كنيسته الصغيرة الدافئة حيث السكون الصافي والرائحة الذكية وسلام الله.... وحيث قبّلتني ذات مرة "مبتدئة" مشرقة الوجنتين بكل رفق ومحبة.
واني لأتذكر خاصة شعوري بحضور المخلص اثناء عاصفة في قريتنا الصغيرة قريبا من موسكو. فكانت العاصفة تزمجر، والبرق يلمع، والرعد يدوي بكل شدة. وكانت اختى الكبيرة تحدثني عن السيد - له المجد - الذي سكّن العاصفة في البحر. فشاهدته – بقلبي – سائرا على الامواج وكله بهاء ونور!!
ولم يفارق ذهني ما اعتادت اختى ان ترويه لي ايضا عن مشاهدتها للمخلص نفسه في الكنيسة اثناء النشيد الشاروبيمي، وكيف شاهدت الملائكة ايضا باجنحتهم الشفافة والوضاءة كأشعة الشمس!!

وذات يوم، و بينما كنت اجري في حديقتنا الصغيرة مفتشة عن الازهار العابقة تحت الاشجار البيضاء، تمثلت من خلالها، وعلى حين غرة، خالق الكون العظيم. يا للبهاء الممتنع عن الادراك! ويا للعجب! ان قلب الطفولة في داخلي قد مجّد فنان الكون الجميل!

ولكني فقدت الايمان في الثالثة عشر من عمري. وكنت قد التحقت بالمدرسة، فماذا حدث لي فيها؟ كنا ندرس كل شئ، و لكن التعليم الديني كان جامدا لا حياة فيه، و سرعان ما اصبح الكتاب المقدس اسطورة في نظري. وفي الخامسة عشر فقدت الايمان تماما وانقطعت عن تناول الاسرار المقدسة.
وحين قرأت في الثامنة عشر وصف "روسو" لعظمة الخالق اثناء شروق الشمس فوق جبال الالب، قلت لنفسي : "ان الله موجود"، و لكني لم ارجع الى الكنيسة.


وفي الحادية والعشرين من عمري قلت اثناء بعض الاحاديث : "لو خلقت في زمان يسوع لكنت قد تبعته". وكان في هذا القول شئ من الغرور. ولكن هذه الجملة لم تفارق ذهني لسبب ما. و لو سئلت يوم ذاك عن الايمان لاجبت "لست ادري". ولم استطع ان اؤمن بالفداء، لاني لم اكن افهم حقيقة وجود الشيطان، كما وان فكرة الخطية لم تكن واضحة في ذهني. وقلما كنت اصلي، ولم اكن افعل ذلك الا بدافع لا شعوري.


وفي الرابعة والعشرين القى بي الرب على ابواب الموت في مرض مضن ليردني الى الايمان. والجدير بالذكر انني كنت قبل مرضي باسابيع اعيش في حالة غريبة واسمع صوتا في داخلي يقول لي : "متى تؤمنين بيسوع المسيح ابن الله؟ يجب ان تصلي"! وكنت التزم الصمت دوما تجاه هذا الصوت.


وفي ذات ليلة، اثناء خدمتى في مستشفى يوغسلافي، لمعت في خاطري فكرة كالبرق، فنظرت الى احد المرضى وقلت في نفسي : "لن يمضي وقت طويل حتى تهلك نفسه فكل شئ فان"، ثم بدأت اشعر ان جمال العالم ينهار في عينيّ. فهجرت المريض الذي اسهر عليه غير عابئة به وقصدت زيارة اختى في بلغراد.


لكن ساعة عقابي قددنت، ففي اليوم الثالث من سفري وقعت مريضة. وفي اليوم السابع دخلت مستشفى المدينة مصابة بالطاعون الاسود. وكانت فكرة الموت مسيطرة عليّ وتصارعها رغبتي الشديدة في الحياة. فكدت اقع في الهذيان والجنون.


ونظرت مرة الى اطار النافذة الرمادي ومن ورائه فراغ مظلم. فاذ بفكرة شيطانية : تتملك ذهني بصورة مباغتة : "ليس ثمة من اله، ليس هناك سوى العدم والفراغ والانحلال الى الابد..." وفقدت الشعور بالواقع! وانقطعت الروابط بيني وبين العالم الخارجي. وبدأت مرحلة عذاباتي النفسية والامي الداخلية.


ففقدت الاحساس بالمكان والزمان. واذا حقيقة الشيطان ماثلة امام عيني. ولست ادري كم من الزمن استمريت في هذا الحال. ومن ثم وقع بي ما هو ارهب من ذلك، فكاد يفلت مني شعور بنفسي وامتلأت كينونتي المدنسة، التي لم تتقدس بالاسرار منذ سنوات عديدة، بحقد رهيب! واخذ روح الشر فيّ يتهدد الله والسماء والكون بأسره!

وكانت تراودني من حين الى اخر فكرة الفناء، وتتراءى لي ذنوبي فاضطرب ولا ارى سبيلا لمحوها او املا بالحياة. "صرير الاسنان" ذاك الغضب الالهي هو عقاب خطاياي، وذاك الشقاء سوف يدوم ابدا، ولن يكون لعذابي تخفيف او رأفة. فكأنه احساس سابق بالعذاب الابدي.


واخذت انظر الى جسدي فأرعبني تبدل ملامحي، فكأن الوحش الذي يعذبني يطل من خلال اعضائي. وتملكتني فكرة الانتحار فحطمت مرآة ظنا مني انها نافذة كنت قد حاولت ان اقفز منها واستسلم للموت. واخبرتني الراهبات فيما بعد انني كنت امتلك قوة غير بشرية، حتى اضطررن الى تقييدي بوثاق للمحافظة عليّ. في ذلك الوقت اندلعت نيران الحرب فاجتاحنى عطش هائل للدماء، وكان روح الشر فيّ يسر برؤية ملايين الضحايا.


بقيت هكذا طويلا في الظلمات حتى كفّ روح الحقد عن تعذيبي وظهرت امام عيني رؤية لا تقل هولا و رهبة عما اصابني،الا وهي رؤية موتي وتفسخي.وقد اراني الله تفاهة الجسد الذي اتعلق به. فتمزقت اعضائي وامتلأت غرفتي برائحة كريهة واصبح جسدي كتلة عديمة الشكل و رأسي جمجمة قبيحة. فهتفت في وسط يأسي: "يا رب، يا رب. كيف يقدر لي ان ارى تفسخي وانا ما زلت حية!" فكان الجواب ان تلاحقت ذنوبي امام ناظري، و بصورة خاصة خطيتي الاخيرة الا وهى هجران المرضى واهمالي لهم.


وهكذا كنت كقتيل تتلهف للعودة الى الحياة: "آه لو ان معجزة تحدث فقط! لو ان المرء يستطيع ان يخلص من دياجير القبر... لو استطيع ان انظر مرة واحدة الى وجه اختي... اواه، يارب، لأود ان اعيش وان...." ومددت ذراعي نحو النور الذي يشرف امامي، حيث رأيت الراهبات الهادئات السعيدات و تمنيت ان اعيش فأصير راهبة تعرض عن كل ملذات الدنيا! و لشدة ما حسدت تلك الراهبات الباسمات الساكنات قاطعة هذا العهد عالى نفسي من صميم الفؤاد، فأستعدت حواسي فجأة.


وتطلعت الى جسدي كشي مستجد كل الجدة. و تذكرت صليبي الصغير الذي اعطيته في المعمودية، وكنت قد رميته بحقد على الارض، فبدا لي طافحا بالمعاني! وطلبت من الراهبات ان يعطينني الانجيل الي لم اقرأه منذ طفولتي، فاتين الىّ بمؤلفات القديس اغسطينوس. وتذكرت بعض الصلوات التي كنت احفظها فرحت اكررها بكل فرح.


وبعد ايام قلائل ابصرت حلما غريبا ولكنه مشجع، كنت اقاتل فيه مخلوقا رهيبا و قبيحا. فرسمت اشارة الصليب وهتفت باسم الله طالبة معونته، ومن ثم تناولت سكينا وطعنته. فسمعت صوتا قائلا: "لقد قتلت الشيطان بمعونة الله".


وانتهت ايام نقاهتي، ومع ذلك لم احصل على الانجيل بالرغم من حنيني المتزايد اليه. بل كنت اتلقى كتيبات تتردد فيها اصداء المسيح فتؤثر في حتى البكاء.

وهكذا اخذت تتلاشى الظلمات من حولي فالمخلص محب البشر قد كشف لي انا الخاطئة عن نفسه بطريقة عجائبية فجعلني اتحقق في نفسي اعجوبة التجلي.

وبعد اسبوعين تلقيت الانجيل هدية من اختي واخذت اقرأ فيه بشئ من الصعوبة لأن فكري الذي لم يطهر بعد من سم الادب المعاصر الفاسد. لم يكن قابلا لتلقي الحقيقة بالايمان فقط. لكن قلبي المتجدد كان يشق دربه يوما بعد يوم متقدما نحو الله.

وفي يوم عيد البشارة تلقيت الاسرار المقدسة بعد انقطاع تسع سنوات، وكنت مترددة في البدء، اتساءل ما اذا كان من الواجب ان انتظر حتى تتلاشى شكوكي نهائيا؟ لكن فتاة روسية قالت لي: "عندما تقتربين من الكنائس قولي : انا اؤمن يارب لكن اعن ضعف ايماني". ولقد فعلت. ومن ذلك الحين تبدل العالم في عيني وصرت اشعر اكثر فأكثر ان الله هو الحياة الحقيقية وهو كلي القدرة وجزيل التحنن والفائق الجمال. وفهمت انه لا يمكننا ان نجد الله عن طريق العقل البارد المتغطرس بل عن طريق القلب المتواضع- بالايمان – كطفل صغير.

عن كتاب "قصص مسيحية من واقع الحياة" - دار مجلة مرقس