الأحد، 29 ديسمبر 2013

وردة قايين


دعوني اخبركم عن باتريشيا. اخشى ان الذاكرة لن تفصل بين باتريشيا الزهرة الصغيرة وبين باتريشيا الشابة اليانعة. كان محياها رقيقا دقيقا، كان شعرها اسودا لامعا، وعيناها كنجمتين شديدتي الزرقة حتى يتخيلها الناظر سوداوين، تشرف عليها رموش طويلة، تختفي روحها وراءها احيانا كملاك طاهر يغوص الى عمق عينيها الهادئتين. كان هيكلها نحيفا لكن على غاية من التناسق، لا ينقصه امتلاء، ليست طويلة. كانت حادة في طبعها. لا انسى تلك النظرة نصف المحزنة في عينيها. 

كان والدها صديق لي تاجرا ميسور الحال. عاش فترة طويلة بما يكفي للاحتفال بعيد ميلادها السابع. 
تقدم اليها رجلا ثريا ولكنه في اواخر العقد الاربعين من عمره بينما هي في الثانية والعشرين. رفض عمها اما والدتها فقد وافقت وتوسلت الى عمها الا يتدخل فى سعادة ابنتها. كانت ام باتريشيا قد اكتسبت - كما كل النساء- تجربة كبيرة فى موضوعات الزواج والحب. نصحت باتريشيا قائلة "يا بنيتي، الأفضل أن تكونى تعيسة مع رجل ثرى من أن تكون سعيدة مع رجل فقير. وهناك لديك حظوظ أكبر فى ان تكونى ثرية سعيدة. 
أجابت باتريشيا - وهى فتاة أوسع ذكاء مما تتصور أمها وزوجها المقبل- على سبيل الأستفزاز. 
- أمى، ليست الامور بهذه السهولة، ثم أننى اريد الأنخراط فى مهنة فنية، لا أن أبحث عن زوج . 
نظرت اليها امها نظرة شبه يائسة ! 
- صحيح ان المهن الفنية ممتازة للفتيات الشابات، لكنها تدوم ما دمت جميلة وتنتهى تقريبا فى سن الثلاثين. استفيدى اذا من وجودك هناك، وحاولى ان تعثرى على شاب ثرى ويحبك. تزوجى، أتوسل اليك. لا تفكرى فى الحب. فى البداية، لم أكن أحب أباك، لكن المال مفتاح كل شئ، حتى الحب الحقيقى . 
بالطبع، كانت باتريشيا مقتنعة فى صميمها أن الحب أمر جوهرى، لكنها لم تنس النصحية التى نصحتها بها امها بخصوص المهن الفنية. لذا تحاول ألا يكون حديثها عن الحب الا على صفحات يومياتها. على أى حال، كانت تفتش يائسة عن الوسيلة التى تجعل منها الأفضل، وتؤهلها للحصول على الكثير من المال فى القليل من الوقت. 


وقررت أن تكرس وقتها المقبل للأنكباب على دراسة أدارة الاعمال. فتحت الكتاب بحماس، لكنها لم تستطع أن تركز على القراءة. وسرعان ما طرحته جانبا لأنه كان مضجرا للغاية..  عندما عادت الى المنزل كتبت في يومياتها:
"لم يخلق الكائن البشرى فقط لكى يفتش عن المعرفة، بل لكى يستمتع بالحياة ويسعد الاخرين ايضا. فى داخلى أمرأتان، أحداهما تسعى الى بلوغ السعادة والمغامرات التى يستطيع الوجود أن يوفرها لها، والثانية عبُدة الرتابة والحياة العائلية والأفعال الصغيرة التى يمكن التخطيط لها وتنفيذها". 

.... و بدأت تطرق المجال الفني.... وبسبب جمالها انفتح لها الباب على مصراعيه.. وفي مدة قصيرة اشتهرت. 



..... دخلت يوما الي احد دور العرض، كان المكان أنيقآ وكان ثمن المثلجات يفوق بثلاث مرات ثمنه فى الأماكن الأخرى. طلبت فنجان قهوة ، وجلست ارتشف منه ببطء.... من بعيد لمحتني باتريشيا وتعرفت عليّ فانا صديق للعائلة وبادرتني بقولها: 
- انا سعيدة، سعيدة جدا. يعاملني كل الناس بالحسنى، و لا يجرؤ احد ان يظن فيّ السوء. انا حرة طليقة كالعصفور. ولكن ان سقطت سأفقد كل شئ وسأتسفل الى مستوى بنات الهوى. ومادمت ارتدي رداء الشرف لا يهمني شئ. اخبرتني ازيد من هذا دون ان تذكر اسماء- انه قد قدم لها عطايا ثمينة ومغريات وهبات ولكنها رفضتها جميعا فهي تقدر الفن وتحترم مهنتها. 
عندما سألتها عما يشغله الفن من قلبها قالت: 
- انني اعشق الموسيقى من صغري. الموسيقى جزء من حضارة البشر، لكنها لغة ليست منطوقة فقط وإنما منغمة أيضاً.. احب الباليه ايضا. الباليه هو أيضا نوع من الموسيقى نظرا للحركات الهادئة التي توحي بأنها موسيقى صامتة... 
- ولكن كثير من الناس شغوفون بالملاهي اليوم. 
وقاطعتني: و لكن ألا ترى انه من التشدد الا يقف الانسان ليرتشف جرعة من التسلية ويكون هذا ترويحا عن النفس؟ 
- نعم، ولكن جعل الملاهي الغرض الاسمى في الحياة هو الخطأ الشنيع. غير انه مع الاسف هذا ما وصلت اليه الحياة، صار السؤال الاكبر "كيف نسلي انفسنا؟" والجواب عليه اصبح الغرض من حياة الملايين. واستطردت في نوع من التفلسف: لم يعد الناس يشعرون بضرورة طلب القوت، لكنهم يتهافتون على اماكن اللهو طالبين التسلية واحيانا ينحدر او ينحرف الامر بالبعض للتسلية الرخيصة.


سددت الحساب، ثم شكرت الخادمة، وتركت لها بقشيشا.. ...... 


فى احد الايام انفتح قلبها لاول مرة للحب احبت شابا وسيما عمل معها في نفس الفرقة الموسيقية. وفي ذلك اليوم بالذات ايقنت باتريشيا ان حدثا جللا قد حصل، فدونت فى يومياتها هذه العبارات التى انتقتها بعناية:

"عندما نلتقى أحدهم وتقع فى حبه، نشعر ان الكون كله يطاوعنا فى هذا الاتجاه. هذا ما حدث لى اليوم عند مغيب الشمس. لكن اذا حدث خلل ما، فان كل شئ عندئذ يتلاشئ ويختفى ! يبدو الكون كئيبا والموسيقى الصادحة تتحول الى الحان جنائزية. ترى، كيف يمكن للجمال الذى كان حاضرآ بقوة ان يختفى بهذه السرعة ويتلاشئ؟ حقا. الحياة تمر مسرعة وتنقلنا من الجنة الى الجحيم، ولا يحتاج الامر الا الى ثوان معدودات.

.. لم يطل الامر كثيرا، فقد فترت علاقتهما سريعا، ثم جاء يوما سمعت فيه انه ارتبط باخرى، ... تظاهرت بعدم الاكتراث، وضحكت بدورها، حتى لو كانت روحها تبكى. 

وقفت برهة كأنها سمرت في الارض. تذكرت كم كان وسيما – واي وسامة، و لكن يا لعمق العذاب! هو الذي اقسم على حبها الى الابد، وخانها..! زمجرت في نفسها ووقفت وهي تهز يدها وتصر على اسنانها في غيظ و غضب لا حول لها، ماذا تستطيع ان تعمل؟ 
فارقتها الرقة اللطيفة التي كانت طبيعة لها، استيقظ عوض ذلك شيطان لعين لا يتورع عن الجرائم الشنيعة، تعطشت للانتقام. كانت لا تزال جميلة، لم يعد جمالا نبيلا، بل جمالا باهرا ماكرا، تسلحت بالحقد و بقلب بارد كالثلج وان كان يشتعل بالنقمة .. 

كانت تقف على شاطئ البحر تتلاطم الأفكار فى عقلها كتلاطم أمواج البحر خلفها . ترتدى بنطالا أسود ضيق وتى شيرت بنفس اللون . حول خصرها حزام عريض، وبين يديها استقر مسدس ماركة (ريفولفر). 

اتصلت به وطلبت مقابلته في احد الكازينوهات المطلة على البحر، فورا. تحادثت معه وهي في غاية الهدوء تستفسر عن سبب هجره لها و تغير قلبه من نحوها. و لم يعطها تبريرات كافية حسب اعتقادها. لقد خدعها .. ثم قامت من على المائدة.. كان المكان هادئ ولم يبق فيه غيرهما والنادل.. وبصوت يشبه قصف الرعد قالت "ايها الشقي، أعلى هذا النحو تصون وعدك؟. مدت يدها و سحبت مسدس كان في حقيبتها و صوبته نحوه.. 
إستعدت للضغط على الزناد.... قبل أن يأتيها صوت من خلفها : 
- تفتكرى قرار صحيح ما تفعلينه ؟ 
كانت المتحدثة فتاة فى أوائل الثلاثينات ، طويلة القامة بيضاء البشرة سماء الشعر .. ظهرت فجاه كأنما ظهرت من العدم أو سقطت من السماء ، او خرجت من البحر الثائر فسقطت أمامها فجأة. 
سكتت باتريشيا ثانية ثم قالت : انه لا يستحق الحياة.. سأقتله و اقتل نفسي. 
كان النادل قد لفت انتباهه الامر وامسك بيدها من خلفها بطريقة تمنعها من التصويب نحوه وانطلقت عدة رصاصات في الهواء وتجمع المارة.. وتم اخطار القسم وحضرت الشرطة و القي القبض عليها ووضعت في الحبس بتهمة الشروع في قتل.. وسارت القضية في مسارها القانوني من النيابة والقضاء .. خلال هذه الفترة كانت كأنها في حلم او كابوس لم تفق منه حتى سمعت الحكم عليها بالسجن 
..........
في السجن اتتها دعوة الله على فم خادم مسئول عن افتقاد المساجين .. علم بقضيتها، و فكر في نفسه:
هل يمكن ان تتغير حياتها الشريرة الى الفضيلة؟
هل ما سمعته عن تغيير المجدلية والسامرية ومريم القبطية يمكن ان يحدث لها؟
هل تحويل الهدف من التراب الى السماء ومن اللذة الى العفة يمكن تحقيقه ايا كانت الحياة التى يحياها والظروف المحيطة به؟
هذه الاسئلة وغيرها كانت تدور في ذهنه وهو ينصت الى دعوة الله داخله لافتقادها.. وقرر ان يطرق بابها وقبل ذلك باب الله المفتوح دائما بالصلاة، فركع على ركبتيه يصلي:

الهي الصالح.
انت الذي لا تشاء موت الخاطئ مثل ان يرجع ويحيا.
انت الراعي الصالح الذي تبحث عن الضال وتسترد المطرود وتجبر الكسير وتعصب الجريح.
انت الذي وعدتنا: من يقبل الىّ لا اخرجه خارجا .. وايضا قبلما تدعون استجيب وفيما تستغيثون اقول هانذا.
انت تستطيع ان تتكلم الى قلبها من خلالي.
استجيب يا الهي من اجل محبتك للخطاة وخلاصك العظيم.
لك المجد الى الابد. امين. 
 .......ذهب اليها وطلب زيارتها. 
- هل انت باتريشيا؟
 - نعم انا باتريشيا
- هل يمكن ان اتحدث معك قليلا.
اجابت بتهكم: وحضرتك عايز ايه؟
قال: انسان يترجى رحمة الله..
ضحكت ضحكة خاصة ثم قالت: اتفضل.
وبعد حوالي الساعة كان فيها الطرف الوحيد المتحدث بينما هي زائغة البصر، وشاردة الذهن، ولم تلفظ بكلمة، قالت:
لا امانع من زيارتك مرة اخرى.
وتكررت الزيارة مرة اخرى ليجدها بنفس المنظر تقريبا..
الى ان جاءت مرة بدأت تفرغ فيها ماض مظلم تحت قدمي الله في اعترف حقيقي بالخطايا.
احضر لها معه هذه المرة كتابا .. قرأت فيه هذه الكلمات:
"في المائدة المقدسة يعطي المخلص ذاته للنفس المؤمنة. انه سر مقدس واتحاد مقدس لا ينطق به. ان محبة العريس لعروسه مثال ارضي ضئيل. المسيح هو العريس السماوي وقلب المؤمن العروس، والحب الي يربطهما لا يعبر عنه، يملأ النفس ببركات هي عربون بركات السماء الكاملة".

ساكن المغارة

لحيته متركزة اسفل ذقنه، جبهته خالية من الشعر، عروق وجهه ويديه بارزة من تحت الجلد، يعتمم عمامة من القماش الابيض الرخيص، وجلبابه اسود، و اغلب الظن انه حافي القدمين! وسنلاحظ كيف يحاول باستماتة، و بكثير من حركات اليدين، ان ينقل الى الواقفين ما يريد ان يقوله فقد كانت مفرداته قليلة من اللغة العربية. هو في الاصل حبشي ترهب في الحبشة باسم "جبرا كريستو" وتعني "عبد المسيح". الرهبنة منتشرة في الحبشة فقد وصل عدد الرهبان في اوائل القرن العشرين الى اثنى عشر الفا و عدد الاديرة الى ثمانمائة دير، اما الكنائس فعددها يربو عن اثنى عشر الف كنيسة وعدد الكهنة يقدر بخمس عدد الذكور فيها حيث يصل عدد الكهنة في بعض الكنائس الى خمسمائة قس يعاونهم مائتي شماس. وتسمى الكنيسة هناك "بيتا كريستان" اي بيت المسيح، والكنائس تبنى من الخشب في شكل سداسي يتوسطه المذبح و هناك اكثر من ثلاثمائة كنيسة منحوتة في الصخر. والوجبة الرئيسية في الاديرة – وفي الواقع هي الوجبة الوحيدة في اليوم - عبارة عن مغرفة من الموز المطبوخ بعد تجفيفه حيث ينمو بكثرة هناك على ضفاف البحيرات.

جاء الى مصر في عام 1935م وابدى رغبته في الالتحاق بالدير للبابا يؤانس وهو الهدف الذي دفعه الى المجئ من الحبشة الى مصر سيرا على الاقدام. قطع المسافة سيرا على الاقدام في تسعة اشهر، والرحلة تستغرق في الاصل ثلاثة اشهر ولكنه كان يتخللها ايام يمكث فيها عند بعض الناس البسطاء الذين يرحبون بكل شخص غريب و يأوونه في بيوتهم عملا بقول المسيح "كنت غريبا فاويتموني" وايضا قول الانجيل "لاتنسوا اضافة الغرباء لانه بها اضاف اناس ملائكة وهم لا يعلمون". بحسب تعبيره البسيط يقول "المسيحيون رحبوا بي في قلاليهم". وحين كان يسأل عن سبب مجيئه من الحبشة الى مصر كان يجيب "كان فيه فلوس لكن لم يكن فيه اخرستوس" ويقصد ان المال كان وفيرا لكن لم يكن هناك علاقة قوية مع المسيح.

لم يطق أسوار الدير. طلب من رئيس الدير ان يأذن له في الاقامة بمغارة تبعد قليلا عن الدير، ولكنه رفض اذ انه غريب و لا يحمل اوراق رسمية. فما كان منه صنع حبلا من ليف النخيل وتسلق السور. خرج إلى الصحراء وأقام متوحدًا في مغارة. وعندما عرض عليه ابونا انطونيوس السرياني (البابا شنودة الثالث فيما بعد) ان يصنع بابا لمغارته رفض ببساطته المعهودة وقال "هل يصنع الذئب بابا لجحره؟!".. وعندما سأله بعض الرهبان كيف يقضي يومه اجاب بالتعبير المألوف في التدبير الرهباني "قليل صلاة.. قليل قراءة. قليل عمل" ولكن هذا القليل كان كثيرا جدا، واما القليل حقيقة فكان كلا من الطعام والنوم.. واما عن عمل اليد، فكان ضفر الخوص.حيث يصنع منه قففا صغيرة لحفظ الخبز الشخصي للراهب، كما كان يعمل في ضفر الليف ليصنع منها الحبال، وقدكان يرسل الحبال الى الدير لاستخدام العام في حين يهدي كل راهب جدي سلة خبز. وكان يبدأ في بعض الاوقات في عمل القفة وهو في طريقه من المغارة الى الدير ثم يكملها على باب الدير، ليتركها لاحد الاباء كهدية.

نحن نعرف ان الصلاة هي ترمومتر الحياة الروحية فمن كانت صلاته فاترة كانت قامته الروحية ضعيفة ومن كانت صلاته حارة كانت قامته الروحية عالية. وكان الاب عبد المسيح احد جبابرة البأس في الطريق النسكي، كان يقضي قسما كبيرا من يومه في الصلاة. ويروي احد الرهبان وكان يزوره كثيرا انه كان يحفظ المائة وخمسين مزمورا. ونحن نعرف ايضا ان الله يتعامل مع اولاده بطريقتين: الاول: تلبية الاحتياج. والثاني: اسقاط الاحتياج. بمعنى ان الله يلبي احتياجات المبتدئين ويسد اعوازهم، بينما مع المتقدمين في الطريق الروحي يسقط هذه الاحتياجات بمعنى انه يجعلهم لا يحتاجونها. وفي نسكه كان حكيما فقد كان يتناول طعاما جعله يواصل الحياة في الجسد حتى الثمانين.

في التدبير الرهباني هناك منهجان في الزهد، اولهما: التجرد من اية مقتنيات عملا بتعليم الانبا موسى الاسود الذي قال "محبة المقتنيات تزعج العقل، والزهد فيها يمنحها استنارة" والثاني هو: عدم التعلق بالمقتنيات والذي صاغه احد الاباء بقوله "لايضيرنا امتلاك الشئ، ولكن يضيرنا حزننا على فقدانه". العجيب انه لم يكن متشددا بلا فهم، او مغال في سلوكه وحسب، وانما كان مرنا فعلى الرغم من قناعته الشديدة بضرورة البعد عن العالم، نراه يترك مغارته عدة مرات، اما الى وادي النطرون او الى القاهرة او الى الاسكندرية، على انه يقضي الايام القليلة خارج مغارته بنفس طقسه وبالتالي يعود ثانية الى مغارته و كأنه لم يتركها!.. كانت الفضيلة راسخة في اعماقه فالفضيلة عمل روحي ولها جذور عميقة في نفس الانسان الروحي بينما العادة تأثير سطحي مجرد قشور نتيجة للجهد البشري وليس من ثمار الروح. قال مرة لاحد الرهبان: ان الله اعطانا السلطان لا لنقتل هذه المخلوقات (الثعابين والعقارب) بل لننجو من ضررها فقط. وعندما سأله احدهم مرة: "الا تخاف من ان يهاجمك ذئب، فاجاب بفرحوتعجب "وهل يهاجم الذئب ذئبا؟!"

عاش أبونا عبد المسيح قرابة خمسين عامًا في الرهبنة، قضي أغلبها كمتوحدٍ في مغارة بجوار دير البراموس. وإذ شعر بقرب رحيله من العالم أراد أن يموت بأورشليم، وكانت العلاقات بين مصر وإسرائيل مقطوعة وعدائية. ولكنه أصرّ أن يذهب إلى القدس علي قدميه، فكان من المستحيل تحقيق ذلك لأسباب سياسية. أخيرًا اقتنع بأن يمكث في القاهرة لحين عمل جواز سفر أثيوبي له وأخذ تأشيرة دخول لبنان وسوريا ومن هناك يذهب إلى القدس.عاش قرابة سنة في حجرة تحت السلم بمبنى الكلية الإكليريكية، ثم جاء إلى الإسكندرية للسفر من الميناء البحري. وبعد فترة قصيرة من وجوده باورشليم رحل إلى الفردوس.
مستوحاة من حياة ابونا عبد المسيح الحبشي

السبت، 21 ديسمبر 2013

خادم عظيم

الجميع قبلما يتكلمون يعرفون أنفسهم أولا .
أنا متخوف جدا .. بل مرتعب من هذه اللحظة،
فأنا أخشي أن يحدث ما يحدث في كل مرة ..
و أخاف أنكم بمجرد أن تعرفون اسمي تنفرون من قراءة بقية قصتي.
فما رأيكم ؟ .. هل أتشجع ؟ .. و هل تحتملون ؟
حسنا اسمي .. اسمي .. زفت.
مهلا أرجوكم ..
لا تلقوا بقصتي في الهواء .. انه اسمي و من منكم يختار اسمه في الميلاد ؟
لوني أسود قاتم .. رائحتي منفرة .. و هيئتي لا أحسد عليها غير أني لست سيئا تماما .
فأنا أحب الجميع الا ذاتي .. و أخدم الكل الا نفسي ..
حياتي كلها .. أخشي أن أقول كلها الام .. فلست أريد أن أضايقكم بدراما مشاكلي ..
دعوني أقول حياتي كلها صعاب ..
أكثر عمري أقضيه تحت الأرض خلف طبقاتها السحيقة في صورة بترول ..
و أظل تائها مجهولا لأزمنة بعيدة الي أن أكتشف بعد مجهود شاق أو بمحض الصدفة ..
و حينما يخرجونني أفرح، و أحسب أنني قد تحررت من سجني .. لكنهم فورا يودعونني أفرانا ساحقة الحرارة .. فأتعذب في جحيم نيرانها بهدف عندهم ..
ثم لا أكاد أهدأ حتي تنهال علي عمليات كيماوية كثيرة و معقدة يعملون بي فيها ما يحسن في أعينهم و أنا مستسلم تماما لا أعترض علي أي شئ يضيفونه الي ولا أتمسك بشئ ينزعونهعني .. و كلما يزدادون في سحقي أتذكر قول اشعياء النبي عن الرب يسوع "مسحوق لاجل أثامنا" (اش53).
***
في النهاية .. بعدما انسحق تماما .. و أكون كما يتمنون يلقونني هناك في الشوارع في الطرقات التي تحتاج الي تصليح و تجميل و تري ذلك عيناي فأتعجب ..
كيف يستخدم الله قتامي و سوادي في الاصلاح و يسخر قبحي لأجل التجميل؟
و هنا تذكرت قول عروس النشيد .. "أنا سوداء و جميلة" ( نش 5: 1 )
و يدفعني التعجب أن أشكر و أصبر .. احتمل و أتحمل ..
و تمضي ماكيناتهم الهندسية تسحقني تحتها و آلاتهم الثقيلة تطحنني كي يمهد بي الطريق ..
و كلما يمرون يعودون و كلما يذهبون يجيئون و أنا أعتصر ألما لكني أبقي فرحانا لأن الطريق يزداد جمالا وينتهي العمل و تبدأ مرحلة الآلام اليومية صباحا و مساء .. الكل يعبر , يمضي و يدوس و أنا أرقد صامدا تحت أثقالهم .. تطأني أقدام الجموع فلا أحتج ولا أتذمر فأتذكر قول النبي أرميا عن الرب يسوع: "أشبعني مرائر و أرواني أفسنتينا. جرش بالحصي أسناني .. كبسني بالرماد" (مراثي3: 15).
تحركت في الشكوي ذات يوم فلم أستسلم و أقمعت ذاتي و قلت:
طالما أنك يا الهي وضعتني هنا .. فلن أكون هناك
و طالما قد جعلتني لهذا .. فلن أكون لذاك و بقيت في مكاني سنوات طويلة مرت .. ,
لا أتذكر فيها أن شخصا ما قد أحني رأسه يوما يشكرني . أو أن انسانا قد جال بخاطره أن يبدي لي شيئا من الامتنان .
هم لا يهتمون بي .. الا اذا ظهر بي عيب ما .. حينئذ يثورون ويسخطون و قد يلعنونني أيضا قائلين .. ( طريق زي الزفت ) .. و هنا أتذكر قول الرسول بولس:
" نُشتم فنبارك .. نُضطهد فنحتمل .. يُفتري علينا فنعظ" ( 1 كو4: 12). و أتذكر قول الرسول بولس عن رب المجد يسوع: " الذي اذ شُتم لم يكن يشتم عوضا"(1بط 2: 21 ).
فما علي أنا الآن الا أن أصمت متشبها بالخادم الأعظم .. الخادم الصامت .. الرب يسوع. و هكذا فأني ان كنت سيئا أذم .. و ان كنت حسنا لا أُُمدح.
عفوا .. عفوا ..
تذكرت أمرا حدث ذات صباح ..
شيخ وقور ينظرني .. يشخصني بعمق صامتا .. مدفوعا يروح التأمل والخشوع .. يومها رقص قلبي مبتهجا .. رغم أن الشيخ لم ينطق الي بكلمة واحده . لكني اكتفيت أنه قد أهداني دقيقة من حياته .. غير أني حزنت أن الرجل مضي مغموما .. مكتئبا و لم يكن السبب أن شكلي يدعو للاكتئاب .. مع أنه كذلك فعلا .. لكن الرجل قد ساءه فعلا أن يشار اليه بالبنان و يقال عنه في شيخوخته أنه مجنون.

اعتقدت الأمر سيختلف هذه المرة .. فهذا طفل جميل برئ لست أدري لأي سبب انحني فوقي ينظرني فاحصا يميني و يساري بعين لاهثة قلت في نفسي ما أجمل الطفل .. ما أحلي براءته ..
اشتقت لو أن يجلس فوقي .. يكلمني .. يصاحبني ..
لكنه هب مفزوعا و انطلق فجأة يعبر الطريق .. و لم أكن قد فهمت شيئا .. حتي سمعت صوت صاحبه يناديه علي الجانب الآخر :
" تعال يا جون .. تعال .. لقد وجدت العشرة قروش هنا "
و عرفت ما كان يجذب الطفل الي .
لقد كان يبحث عن 10 قروش ضائعة وخابت آمالي .. لقد كنت أظنه يتأمل جمالي ..
و لكني نسيت نفسي فأين هو جمالي ؟
الجميع في زحمة مشغولياتهم ينسوني ..
لكن الأمر لا يعنيني كثيرا فأنا لا أسعي خلف الشكر ..
و لا ألهث وراء المديح ..
الحب الصادق أبلغ من كل الكلمات ..
و أعظم ما في الخدمة أن تكون صامتة .. لذا سأظل كما أنا دائما ..
أحب الكل و أخدم الجميع.
لا فرق عندي أن تدوسني سيارة ثري أو حذاء متهدل لفقير ..
و لست أسمح للأبرار بالمضي فوقي ثم أعترض الأشرار.
لا لست أفرق في محبتي ..
فللكل في قلبي مكان و مكانة ..
مهما اختلفوا لغة أو دينا أو جنسا ..
مهما نسوني أو تركوني أو انشغلوا بحياتهم عني ..
مهما ثقلت أوزانهم علي ..
حتي ان أُهنت منهم و صرت مثالا للقبح في تعبيراتهم.
حتي ان ثاروا يوما و اغتاظوا من أحمق بينهم فراحوا ينعتونه في غضب أنه: كالزفت. 
منقول عن منتديات يسوعنا.

الخميس، 19 ديسمبر 2013

القديسة سيسيليا


زواج عجيب:
وُلدت في بداية القرن الثالث. كانت من أشراف روما ونشأت نشأة مسيحية، وكانت تلبس ثوبًا خشنًا تحت الملابس التي تليق بطبقتها. وكانت تصوم عدة أيام في الأسبوع ووضعت في قلبها أن تظل عذراء من أجل محبة الله. ولكن والدها كان له رأي آخر، إذ زوجها من أحد شباب الأشراف اسمه فالريان Valerian. قبل زفافها بثلاثة أيام، دخلت سيسيل حجرتها وأغلقت على نفسها واعتكفت للصلاة تطلب مشيئة الله ومعونته لتحقيقها. طلبت منه أن يسندها في تحقيق نذرها له بأن تعيش بتولًا. كما طلبت منه أن يصنع رحمة مع خطيبها فيقبل الإيمان بالسيد المسيح وأن يحب حياة البتولية.

بعد صلوات حارة نامت سيسيل فرأت في حلمٍ ملاكًا يطمئنها بأن الرب قد استجاب طلباتها.

في يوم عُرسِها، وسط الموسيقى وصخب المدعوين جلست سيسيليا في أحد الأركان ترنم لله في قلبها وتصلي طالبة المعونة منه. حين اختلت مع زوجها في حجرتيهما استجمعت شجاعتها وقالت له برفق: "عندي سر لابد أن أقوله لك. يجب أن تعرف أن لي ملاك من الله يراقبني، وإذا اقتربت مني كزوج فإنه سيغضب منك ويؤذيك، ولكن إذا احترمت عذراويتي فسوف يحبك كما يحبني". أجابها فالريان: "أريني هذا الملاك، فإذا كان من الله فعلًا فسوف أبتعد عنكِ كما ترغبين". فقالت له القديسة: "إذا آمنت بالواحد الحيّ وقبلت المعمودية فسوف ترى الملاك".

وافق فالريان وذهب ليبحث عن الأسقف إربان Urban وسط الفقراء الذين استقبلوه بكل ترحاب، ثم ظهر الأسقف القديس يحمل المكتوب التالي: "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. واحد هو الله أبو كل أحد وفوق كل أحد وفي كل أحد".

سُئل فالريان: "هل تؤمن بهذا؟" ولما رد بالإيجاب عمَّده الأسقف، ثم عاد إلى سيسيليا فوجد إلى جوارها يقف ملاك، ثم تقدم الملاك ووضع على رأس كل منهما إكليل زهور. وعبقت رائحة جميلة لم يسبق أن اشتمها من قبل.


إيمان أخ زوجها:

كان لفالريان شقيق اسمه طيبورتيوس أو تيبورتيوس Tiburtius، فتكلم فالريان مع شقيقه عن الله الواحد الحقيقي. أظهر طيبورتيوس في البداية عنادًا وكان يسأل: "من هو الذي قام من القبر حتى يخبرنا عن تلك الحياة الأخرى؟" فأخذت سيسيليا تكلمه طويلًا وحدثته عن السيد المسيح، فآمن هو الآخر ونال المعمودية وللحال اختبر أشياءً مدهشةً. من تلك اللحظة كرَّس الشقيقان نفسيهما للكرازة بالسيد المسيح وأعمال البرّ.


القبض على الزوج وأخيه:
بسبب غيرتهما وحماسهما في دفن أجساد الشهداء قُبِض عليهما وأُحضِرا أمام ألماخيوس Almachius الوالي. بدأ الوالي يستجوبهما، فأجابه فالريان أنه هو وشقيقه يؤمنان بيسوع المسيح ابن الله، ثم بدأ يقارن بين أمجاد السماء الأبدية وأفراح العالم الزمنية. لكن ألماخيوس قاطعه وأمره أن يُخبِر المحكمة إن كان يوافق أن يذبح للآلهة فيطلق سراحه. أجابه الشقيقان بصوت واحد: "ليس للآلهة بل لله الواحد نقدم له ذبيحة يومية".

أمر الحاكم بجلدهما فذهبا فرحين، وكان فالريان يقول للمسيحيين الحاضرين: "لا تجعلوا تعذيبنا يخيفكم ويبعدكم عن طريق الحق بل اثبتوا في الله الواحد، واطرحوا تحت أقدامكم الأوثان الخشب والحجارة التي يعبدها لماخيوس". ومع هذا كان الحاكم مستعدًا للعفو عنهما إن هما تراجعا.


استشهادهما:
مستشار الحاكم أخبره بأنهما سيستفيدان من الوقت في توزيع ممتلكاتهما وبهذا يحرمان الدولة منها، فحكم عليهما بالموت وقطعوا رأسيهما على بعد أربعة أميال من روما. واستشهد معهما أحد المسئولين في الدولة اسمه ماكسيموس Maximus الذي أعلن إيمانه المسيحي حين عاين شجاعة الشهيدين وثباتهما.


سيسيليا الكارزة:
دَفَنت سيسيليا أجساد الشهداء الثلاثة، ثم جاء دورها لكي يُطلَب منها أن تنكر إيمانها، وبدلًا من أن تفعل ذلك استطاعت أن تحوّل كل الذين أتوا إليها لهذه المهمة، حتى أن الأسقف إربان حين أتى لزيارتها في منزلها عَمَّد 400 شخصًا.

كان أحدهم ويدعى جورديان Gordian رجل ذو مكانة في الدولة، أنشأ كنيسة في منزله كرَّسها الأسقف إربان فيما بعد.


استشهادها:
أخيرًا أُحضِرت القديسة إلى المحكمة، فأخذ ألماخيوس يجادلها محاولًا التأثير عليها، فكانت تسخر منه ومن كلامه، فحكم عليها أن تُخنَق في حمام منزلها، ومع أن النيران حُمِّيَت سبعة أضعاف إلا أن القديسة ظلت يومًا وليلة دون أن يصيبها أية أذية، فأرسل الوالي إليها أحد الجنود ليقطع رأسها.

ضربها الجندي ثلاث مرات على عنقها وتركها ملقاة ظنًا منه أنها ماتت، إلا أنها ظلت حيّة ثلاثة أيام تنزف دمًا، أتى خلالها المسيحيون ليكونوا إلى جوارها، وسَلَّمت الأسقف إربان منزلها ليكون تحت رعايته، ثم دُفِنت بعد ذلك في عام 230 م. العيد يوم 22 نوفمبر.

القديس دون بوسكو


القديس يوحنا دون بوسكو: ولد في سنة 1815 في تورينو بإيطاليا. وكان والداه فلاحين فقيرين ممتازين بالتقوى وصلاح السيرة وهما فرنسيس بوسكو ومرغريتا أكيانا. وصبغاه بمياه المعمودية في اليوم الثاني لميلاده. وما أن بلغ أبوه العقد الثالث من سنيه حتى توفي كهلاً فاحتضنته أمه العطوف. وهكذا ذاق مرارة اليتم ولوعة الفقر وهو بعد في ربيعه الثاني. لكن الله اعده ليربي ألوفاً من اليتامى المهملين. اعتكفت مرغريتا على الشغل في الحقل لتنهض بمعيشة أيتامها البنين الثلاثة، وجعلت تلقنهم مبادئ التعليم المسيحي وتسهر على آدابهم بكل قواها، ولم تقتصر على ذلك بل مرنتهم على الحراثة وعلى الشغل ليكسبوا معيشتهم بعرق جباههم. 
وما أن بلغ يوحنا الربيع التاسع من عمره حتى جرى له حادث خطير دبرته العناية الإلهية وحملته على التفكر فيه في كل أدوار حياته. فقد رأى حلماً أثر فيه تأثراً شديداً. فشاهد نفسه واقفاً أمام منزله يحف به جم غفير من فتيان يضجون ويعجون ويقذفون من أفواههم شتائم قبيحة وتجاديف فظيعة. فحاول أن يسكتهم ويردعهم بالنصح ثم بالتهديد والضرب واللطم فلم يصغوا أليه ولم يرتدعوا. ثم شاهد شيخاً جليلاً يدنو منه ويقول له: "إن شئت اكتساب صداقة هؤلاء الفتيان ومحبتهم فأرفق بهم ينقادوا إليك باللين لا بالخشونة ". فأمتثل يوحنا أمر الشيخ، ثم شاهد في حلمه وحوشاً ضارية استحالت إلى خراف وديعة، وسمع صوتاً رخيماً كأنه نغمة قيثارة سماوية تترنم به عذراء شهية وتقول له: " خذ عصاك وأمضِ إلى المرعى. وستدرك فيما بعد مغزى هذه الرؤيا". وعند الصباح قص يوحنا على أقاربه ما حلم به فقالت له والدته: " لعلك يا بني تصير كاهناً ". فرد على أمه بالقول: " يا أماه إذا بلغت الكهنوت فسأضحي بحياتي حباً للأحداث. سأحبهم وأحببهم إليّ. سأبذل لهم النصائح المفيدة وأعتني بخلاص نفوسهم!". 
باقي السيرة تجدها في الرابط التالي:
http://www.marnarsay.com/News_2010/Tethkarat/Tethkart_080.htm

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

الاب اناتولي

في مكان ما في شمال روسيا في احد الاديرة الارثوذكسية عاش رجل غير عادي . تصرفاته كانت غريبة بالنسبة لاخوته الرهبان. الذين كانوا يزورون الدير كانوا يعتقدون في قداسته: قدرته على شفاء الامراض و اخراج الشياطين و التنبؤ بالمستقبل. و مع ذلك كان يعتبر نفسه انه غير مستحق بسبب خطية ارتكبها في شبابه.

لتحميل القصة اضغط هنــــــا