الخميس، 7 يوليو 2016

العزاء الحقيقي


كانت الشمس تشرق على مهل.. وكان ظلام الليل بدأ يتلاشى تدريجيا امام اشعة الشمس الوليدة.. كنت قد كلفت ان اخبر الصغيرة ان امها قد رحلت الى السماء..! قابلت الطفلة التي لا يتجاوز عمرها العاشرة .. في عمر زهرة تتفتح.. كانت تبتسم مبتهجة بلقائي .. سألتني: 
- متى ستأتي ماما؟ متى ستخرج من المستشفى؟ كانت خالية الذهن عما حدث .. وادركت ان المهمة صعبة صعوبة الموت ذاته.. وتساءلت في نفسي حزينا:
- هل سأوجه لهذه الطفلة لطمة قاسية .. على حين غرة؟
اجلستها بجانبي .. ربت على كتفيها واللوعة تحز في قلبي .. والدموع تتلاعب في مقلتي .. فقلت لها بما ازعم انه رفق..
- ألم تكن امك تعاني الام المرض مدة طويلة يا ابنتي؟
- نعم
- الم تكن تحتاج الى علاج .. وحقن.. واشياء اخرى كثيرة مثل هذه؟
- قالت: نعم   
كانت الابتسامة موجودة على شفتيها .. ولكنها تغيرت على الفور الى شئ اخر..
قلت والكلمات تتراجع بسرعة مذهلة :
- حينما يمرض الانسان اكثر .. ولا يكون في مقدورنا علاجه واراحته  الا يتدخل الله..؟
نظرت الى وجهي نظرة غريبة لكأنما ادركت المعنى .. لكنها لا تريد ان تصدق ذكاءها ..!!
قلت: ان ماما يا صغيرتي .. حينما وجدها الرب تتألم قال لها "ان علاجك ليس في الارض، تعالي اليّ .. سأشفي كل امراضك واضمد كل جراحاتك واريحك من كل اتعابك"
واستطردت بنبرة لم استطع ان اهدئ فيها من ألمي وقلت بسرعة حتى لا تخذلني شجاعتي:
- .. انها .. انها الان في السماء .. يا ابنتي .. مع المسيح..
انفجرت الطفلة تبكي .. ولم يعد في مقدور احد على الارض ان يهبها العزاء..! لقد فقدت اعز ما تملك في الوجود.. انها الام! ولم يعد في العالم - بكل اتساعه - صدر يحن لها .. او قلب ينبض بالحب لها .. او ابتسامة هي الوحيدة التي تعرف معناها..!
قلت لها وكانت كلماتي تذهب في فراغ الكون اللانهائي بلا معنى.. وبلا فائدة:
- انظري يا صغيرتي هذه الشجرة المورقة الجميلة .. الم تكن بذرة صغيرة؟ ثم وضعت في الارض .. فماتت وانبتت لنا هذه الشجرة وانضجت لنا هذه الثمار؟ كذلك نحن يا ابنتي .. استمعى الى كلام الرب الجميل "ان لم تقع حبة الحنطة في الارض وتمت فهي تبقى وحدها  ولكن ان ماتت تأتي بثمر كثير"
لكن الطفلة كانت تبكي بشدة قائلة:
- اريد ماما..
قلت لها : انها معنا.
قالت : اريدها هنا معي.. اريد ان اراها!
ادركت انه من المستحيل على البشر ان يهب الصبر والعزاء للانسان حتى لو كان هذا الانسان طفلة صغيرة .. انما العزاء الحقيقي يهبه الله.. بل ويسكبه على قلب الانسان.
رفعت قلبي الى السماء مصليا :
يا رب! اسكب عزاءك في قلب هذه الطفلة .. عرفنا يا رب ان الموت هو الباب الذي يدخل منه الانسان اليك.
ثم انصرفت وانا اشعر بالاسى ليس من اجل الام .. ولكن من اجل الطفلة. وتقابلت مع الطفلة في اليوم التالي .. وكانت قد كفت عن البكاء ولكن حزن الفراق ما زال يبدو في عينيها المتورمتين ووجهها الشاحب .. قالت:
- رأيت ماما بالامس..!
ونظر باندهاش بينما استمرت الطفلة :
- كانت ترتدي الفستان الذي احبه ..!
وماذا قالت يا صغيرتي ؟
قالت: انني لم امت .. لقد هربت فقط من عذابهم.. وعلّقت قائلة: تقصد الاطباء..
وماذا قالت ايضا ؟
قالت: انا الان لست مريضة .. انا مرتاحة واتمتع بكل الصحة ..
تعجبت .. شاكرا الله .. لقد عزى الطفلة في لمحة واحدة رائعة .. وبطريقته التي نعجز نحن عنها .. اراها امها وقد برأت من كل ضعف .. ونسج لها رداءا سماويا جميلا، واكد للطفلة ان امها وديعة عنده .. ويمكنها ان تراها في اي وقت تشاء..! ما اعجبك يا يسوع! رجاء من ليس له رجاء .. عزاء صغيري القلوب.

القس جرجس توفيق

موضوعات ذات صلة :
جيما جلجاني

الأربعاء، 6 يوليو 2016

شهادات ايمانية - راؤول كاميرير


اغرورقت عينا راؤول كاميرير بالدموع عندما تذكر كيف تغيرت حياته وتحولت الى الله. فعندما كان يستقل الاتوبيس في كوردوبا بالارجنتين، في طريقه الى احدى الحفلات، في اللحظة التي كاد فيها الاتوبيس ان يتحرك من المحطة، اذا بيد تحمل كتيبا صغيرا تصل اليه، ويقول راؤول: "التقطت الكتيب بسرعة قبل ان يغلق السائق باب الاتوبيس، لم ستطع الا ان ارى يد المرأة.. لانها سحبت يدها بسرعة قبل ان يغلق باب الاتوبيس عليها، ثم وضعت الكتيب في جيبي".

لقد كان راؤول شاب يائس وليملا فراغ قلبه انغمس في العاب كالملاكمة وكرة القدم وغيرها من الرياضات الاخرى وكذلك حضور الحفلات ولكن كل هذا لم يجلب له السعادة ..

وبعد ساعة تذكرت الكتاب فاخرجته من جيبي وادركت انه انجيل متى ثم بدأت اقرأ ببطء وبدأ جسدي يرتجف بينما كنت اتأمل الكلمات وفي هذه اللحظة بدأ هذا الشاب يفقد كل احساس بالزمان والمكان . نسى انه ما زال في الاتوبيس ونسى حتى ان هناك حوله في الاتوبيس .. لقد كانت كلمات الرب حية بالنسبة له .. يقول: "احسست ان يسوع يعلمني ويقول لي "طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السموات. طوبي لانقياء القلب لانهم يعاينون الله" بدأت الدموع تسيل على خديه وقال وفي هذه اللحظة احسست بالله يضمنى الى صدره كابن ضال .. ما احسسته لم يكن خبالا بل ايمانا غير حياتي ..

وعندما سئل راؤول عن اعظم امنية في حياته .. قال "اريد ان ارى وجه يسوع في السماء، وحينئذ سأطلب منه ان يريني وجه صاحبة اليد المجهولة التي استخدمها في توصيل كلمته الي".

الأحد، 3 يوليو 2016

هل كنتي تعلمين؟


ايتها الام الحنون
هل كنت تعلمين ان ابنك سيفدي العالمين
هل كنت تعلمين انه اتي ليذبح عوض الاشرار
وليصير دمه كفارة عن خطايا الاثمين
هل كنت تعلمين انه سيجلد بسياط رومانية
وسيقطع من لحمه وسيحرث الحارثين على ظهره
وسيطيلون اتلامهم حتى تصل عميقا الى عظامه

هل كنت تعلمين انه جراحاته ستصير بلسما شافيا
واننا بجراحاته سنشفي من لدغات الحية
وان دماءه ستغسل ذنوبنا
وتبيض ثيابنا التي تدنست

هل كنت تعلمين ان جنبه المرضوض سيسيل دماء وماء
جنبه المفتوح سيصير نبعا لا ينضب للماء والدم
مياه المعمودية التي تلدنا من جديد
وتصيرنا خليقة جديدة
ودماء قانية تحمل الى البشرية النازفة الحياة
البشرية المجروحة للموت
والقلب الظمآن
والروح العليل
والكيان الجريح

أيّها الجُرحُ الفاغِرُ شَفَتَيه



أيّها الجُرحُ الفاغِرُ شَفَتَيه! ما من قدرة على الأرض، ما من عِلم، ما من معرفة، ما من حكمة، ما من جمال، ما من حبّ على الأرض هَداني إلى الله الآب إلاّ حبّ الإبن، يسوع المسيح، يسوع المسيح مصلوبًا، حبًّا بي أنا "المغتّر" الخاطئ. كنتُ أستحقّ جهنّم ألف مرّة وكان هو يحبني. جذبني كل شيء في يسوع ذاته: تجسده، فقره، حكمته،  عظته على الجبل، طوبياته،  معجزاته، قدرته،  وداعته،  أُلوهيته ...  طعنة الحربة في جنبه...
أيّها الجُرحُ الفاغِرُ شَفَتَيه! في الجَنبِ المرضوضِ. جنبِ رَبّي وإلهي يسوعَ ابنِ مريمَ وابنِ اللهِ المسيح. إنَّ عَينيَّ المسكينتين المخلوقتين للنورِ والجَمالِ لا تقدران أَنْ تَفتَرِقا عَنْكَ. قدرَ ما جُرحُكَ هذا يَجرحُني، يُفجِّرُ شهقاتي. قدرَ ما جُرحُكَ هذا، في صَمتِهِ، يَخترقُني، يَتغلغلُ فيَّ، يجتاحُني بِكُليَّتي، يُكلِّمُني، يُحدِّثُني عن السِرّ، عن الغَيبِ. السرِّ سِرِّ الله، الحيِّ الحقِّ المُحيي في كيانِهِ، في حُبِّهِ. الله الكائنِ
الحُبِّ. الله المجروحِ للموتِ، بسبب حُبِّهِ. الله التاركِ الانسانَ يَطعَنُهُ لهذا الحدِّ فيتدفَّقَ في القلبِ الظمآنِ، في الكيانِ الجريحِ، في الروحِ العَليلِ حُبُّهُ.. .. حياتُهُ.

أيّها السِّرُّ، سِرُّ الله الكاشفِ ذاتَهُ للانسانِ.. الانسانِ الذي خُلِقَ من محبته. السرُّ الذي ابتَدَعَهُ الله مِن أجلي، وإياهُ أهداني.

آهٍ! كنتَ تَعلَمُ يا يسوعُ العَذْبُ أَنَّ لا شيء لا كلمَتَكَ ولا عجائبَكَ ولا قداسَتَكَ ولا أُلوهيتَكَ، لا شيءَ إطلاقًا مِنكَ وفيكَ كان بإمكانه أبدًا
أَنْ يخترقني الى العُمقَ، هذا يُخَلخِلَني، يَشُقَّني فأَنفتحَ أخيرًا على حُبِّكَ ، على رَحمَتِكَ ، على غُفرانِكَ ، على جَسدِكَ ، على لَحمِكَ ودَمِكَ، على روحِكَ ، عليكَ أَنتَ شَخصًا  

فقط صَمتُ هذا الجرحِ الفاغرِ شَفَتَيه اللامتناهي في جَنبِكَ المَرضوضِ، يَسيلُ دمًا وماءً دون قياسِ، دون خَريرٍ، دون  نقطاعٍ إلى اللانهاية. فقط هذا الجرحُ في سكوتِهِ الرهيبِ كان بإمكانه أن يَصفَعَ بَصَري الشاردَ فيُحَدِّقَ، وجِفْنَيَّ الجامِدَينِ فيَنخَفِضا على انكسار  بريائي. وإذ بي أرى وأتَفَهَّمُ وأَنظُرُ وأتَبَصَّرُ وأتأمَّلُ وأُدرِكُ فأُفيقَ. أَستَحلِفُكُنَّيا بناتِ أورشَليمَ بِظِباءِ وأيائِلِ الصحراءِ أَنْ لا تُنهِضْنَ ولا تُنَبِّهْنَ الحبيبةَ حتى تَشاءَ.

فقط هذا الجرحُ الفاغرُ شَفَتَيهِ الرهيبُ يَجذُبُني بِكُلِّيَّتي فأَقتربُ بعدَ طول ابتعاد وأُلصِقُ شَفَتَيَّ الدَنِسَتَينِ على شَفَتَيهِ الدامِيَتَينِ مُستَسلِمًا في قُبلَةٍ محيية، فأتَسَلَّمَ هكذا الحياةَ  منك أنتَ والروحَ والآبَ.

منقول عن موقع كفن المسيح
http://www.kafanalmassih.org/Malik.php