الأحد، 29 ديسمبر 2013

وردة قايين


دعوني اخبركم عن باتريشيا. اخشى ان الذاكرة لن تفصل بين باتريشيا الزهرة الصغيرة وبين باتريشيا الشابة اليانعة. كان محياها رقيقا دقيقا، كان شعرها اسودا لامعا، وعيناها كنجمتين شديدتي الزرقة حتى يتخيلها الناظر سوداوين، تشرف عليها رموش طويلة، تختفي روحها وراءها احيانا كملاك طاهر يغوص الى عمق عينيها الهادئتين. كان هيكلها نحيفا لكن على غاية من التناسق، لا ينقصه امتلاء، ليست طويلة. كانت حادة في طبعها. لا انسى تلك النظرة نصف المحزنة في عينيها. 

كان والدها صديق لي تاجرا ميسور الحال. عاش فترة طويلة بما يكفي للاحتفال بعيد ميلادها السابع. 
تقدم اليها رجلا ثريا ولكنه في اواخر العقد الاربعين من عمره بينما هي في الثانية والعشرين. رفض عمها اما والدتها فقد وافقت وتوسلت الى عمها الا يتدخل فى سعادة ابنتها. كانت ام باتريشيا قد اكتسبت - كما كل النساء- تجربة كبيرة فى موضوعات الزواج والحب. نصحت باتريشيا قائلة "يا بنيتي، الأفضل أن تكونى تعيسة مع رجل ثرى من أن تكون سعيدة مع رجل فقير. وهناك لديك حظوظ أكبر فى ان تكونى ثرية سعيدة. 
أجابت باتريشيا - وهى فتاة أوسع ذكاء مما تتصور أمها وزوجها المقبل- على سبيل الأستفزاز. 
- أمى، ليست الامور بهذه السهولة، ثم أننى اريد الأنخراط فى مهنة فنية، لا أن أبحث عن زوج . 
نظرت اليها امها نظرة شبه يائسة ! 
- صحيح ان المهن الفنية ممتازة للفتيات الشابات، لكنها تدوم ما دمت جميلة وتنتهى تقريبا فى سن الثلاثين. استفيدى اذا من وجودك هناك، وحاولى ان تعثرى على شاب ثرى ويحبك. تزوجى، أتوسل اليك. لا تفكرى فى الحب. فى البداية، لم أكن أحب أباك، لكن المال مفتاح كل شئ، حتى الحب الحقيقى . 
بالطبع، كانت باتريشيا مقتنعة فى صميمها أن الحب أمر جوهرى، لكنها لم تنس النصحية التى نصحتها بها امها بخصوص المهن الفنية. لذا تحاول ألا يكون حديثها عن الحب الا على صفحات يومياتها. على أى حال، كانت تفتش يائسة عن الوسيلة التى تجعل منها الأفضل، وتؤهلها للحصول على الكثير من المال فى القليل من الوقت. 


وقررت أن تكرس وقتها المقبل للأنكباب على دراسة أدارة الاعمال. فتحت الكتاب بحماس، لكنها لم تستطع أن تركز على القراءة. وسرعان ما طرحته جانبا لأنه كان مضجرا للغاية..  عندما عادت الى المنزل كتبت في يومياتها:
"لم يخلق الكائن البشرى فقط لكى يفتش عن المعرفة، بل لكى يستمتع بالحياة ويسعد الاخرين ايضا. فى داخلى أمرأتان، أحداهما تسعى الى بلوغ السعادة والمغامرات التى يستطيع الوجود أن يوفرها لها، والثانية عبُدة الرتابة والحياة العائلية والأفعال الصغيرة التى يمكن التخطيط لها وتنفيذها". 

.... و بدأت تطرق المجال الفني.... وبسبب جمالها انفتح لها الباب على مصراعيه.. وفي مدة قصيرة اشتهرت. 



..... دخلت يوما الي احد دور العرض، كان المكان أنيقآ وكان ثمن المثلجات يفوق بثلاث مرات ثمنه فى الأماكن الأخرى. طلبت فنجان قهوة ، وجلست ارتشف منه ببطء.... من بعيد لمحتني باتريشيا وتعرفت عليّ فانا صديق للعائلة وبادرتني بقولها: 
- انا سعيدة، سعيدة جدا. يعاملني كل الناس بالحسنى، و لا يجرؤ احد ان يظن فيّ السوء. انا حرة طليقة كالعصفور. ولكن ان سقطت سأفقد كل شئ وسأتسفل الى مستوى بنات الهوى. ومادمت ارتدي رداء الشرف لا يهمني شئ. اخبرتني ازيد من هذا دون ان تذكر اسماء- انه قد قدم لها عطايا ثمينة ومغريات وهبات ولكنها رفضتها جميعا فهي تقدر الفن وتحترم مهنتها. 
عندما سألتها عما يشغله الفن من قلبها قالت: 
- انني اعشق الموسيقى من صغري. الموسيقى جزء من حضارة البشر، لكنها لغة ليست منطوقة فقط وإنما منغمة أيضاً.. احب الباليه ايضا. الباليه هو أيضا نوع من الموسيقى نظرا للحركات الهادئة التي توحي بأنها موسيقى صامتة... 
- ولكن كثير من الناس شغوفون بالملاهي اليوم. 
وقاطعتني: و لكن ألا ترى انه من التشدد الا يقف الانسان ليرتشف جرعة من التسلية ويكون هذا ترويحا عن النفس؟ 
- نعم، ولكن جعل الملاهي الغرض الاسمى في الحياة هو الخطأ الشنيع. غير انه مع الاسف هذا ما وصلت اليه الحياة، صار السؤال الاكبر "كيف نسلي انفسنا؟" والجواب عليه اصبح الغرض من حياة الملايين. واستطردت في نوع من التفلسف: لم يعد الناس يشعرون بضرورة طلب القوت، لكنهم يتهافتون على اماكن اللهو طالبين التسلية واحيانا ينحدر او ينحرف الامر بالبعض للتسلية الرخيصة.


سددت الحساب، ثم شكرت الخادمة، وتركت لها بقشيشا.. ...... 


فى احد الايام انفتح قلبها لاول مرة للحب احبت شابا وسيما عمل معها في نفس الفرقة الموسيقية. وفي ذلك اليوم بالذات ايقنت باتريشيا ان حدثا جللا قد حصل، فدونت فى يومياتها هذه العبارات التى انتقتها بعناية:

"عندما نلتقى أحدهم وتقع فى حبه، نشعر ان الكون كله يطاوعنا فى هذا الاتجاه. هذا ما حدث لى اليوم عند مغيب الشمس. لكن اذا حدث خلل ما، فان كل شئ عندئذ يتلاشئ ويختفى ! يبدو الكون كئيبا والموسيقى الصادحة تتحول الى الحان جنائزية. ترى، كيف يمكن للجمال الذى كان حاضرآ بقوة ان يختفى بهذه السرعة ويتلاشئ؟ حقا. الحياة تمر مسرعة وتنقلنا من الجنة الى الجحيم، ولا يحتاج الامر الا الى ثوان معدودات.

.. لم يطل الامر كثيرا، فقد فترت علاقتهما سريعا، ثم جاء يوما سمعت فيه انه ارتبط باخرى، ... تظاهرت بعدم الاكتراث، وضحكت بدورها، حتى لو كانت روحها تبكى. 

وقفت برهة كأنها سمرت في الارض. تذكرت كم كان وسيما – واي وسامة، و لكن يا لعمق العذاب! هو الذي اقسم على حبها الى الابد، وخانها..! زمجرت في نفسها ووقفت وهي تهز يدها وتصر على اسنانها في غيظ و غضب لا حول لها، ماذا تستطيع ان تعمل؟ 
فارقتها الرقة اللطيفة التي كانت طبيعة لها، استيقظ عوض ذلك شيطان لعين لا يتورع عن الجرائم الشنيعة، تعطشت للانتقام. كانت لا تزال جميلة، لم يعد جمالا نبيلا، بل جمالا باهرا ماكرا، تسلحت بالحقد و بقلب بارد كالثلج وان كان يشتعل بالنقمة .. 

كانت تقف على شاطئ البحر تتلاطم الأفكار فى عقلها كتلاطم أمواج البحر خلفها . ترتدى بنطالا أسود ضيق وتى شيرت بنفس اللون . حول خصرها حزام عريض، وبين يديها استقر مسدس ماركة (ريفولفر). 

اتصلت به وطلبت مقابلته في احد الكازينوهات المطلة على البحر، فورا. تحادثت معه وهي في غاية الهدوء تستفسر عن سبب هجره لها و تغير قلبه من نحوها. و لم يعطها تبريرات كافية حسب اعتقادها. لقد خدعها .. ثم قامت من على المائدة.. كان المكان هادئ ولم يبق فيه غيرهما والنادل.. وبصوت يشبه قصف الرعد قالت "ايها الشقي، أعلى هذا النحو تصون وعدك؟. مدت يدها و سحبت مسدس كان في حقيبتها و صوبته نحوه.. 
إستعدت للضغط على الزناد.... قبل أن يأتيها صوت من خلفها : 
- تفتكرى قرار صحيح ما تفعلينه ؟ 
كانت المتحدثة فتاة فى أوائل الثلاثينات ، طويلة القامة بيضاء البشرة سماء الشعر .. ظهرت فجاه كأنما ظهرت من العدم أو سقطت من السماء ، او خرجت من البحر الثائر فسقطت أمامها فجأة. 
سكتت باتريشيا ثانية ثم قالت : انه لا يستحق الحياة.. سأقتله و اقتل نفسي. 
كان النادل قد لفت انتباهه الامر وامسك بيدها من خلفها بطريقة تمنعها من التصويب نحوه وانطلقت عدة رصاصات في الهواء وتجمع المارة.. وتم اخطار القسم وحضرت الشرطة و القي القبض عليها ووضعت في الحبس بتهمة الشروع في قتل.. وسارت القضية في مسارها القانوني من النيابة والقضاء .. خلال هذه الفترة كانت كأنها في حلم او كابوس لم تفق منه حتى سمعت الحكم عليها بالسجن 
..........
في السجن اتتها دعوة الله على فم خادم مسئول عن افتقاد المساجين .. علم بقضيتها، و فكر في نفسه:
هل يمكن ان تتغير حياتها الشريرة الى الفضيلة؟
هل ما سمعته عن تغيير المجدلية والسامرية ومريم القبطية يمكن ان يحدث لها؟
هل تحويل الهدف من التراب الى السماء ومن اللذة الى العفة يمكن تحقيقه ايا كانت الحياة التى يحياها والظروف المحيطة به؟
هذه الاسئلة وغيرها كانت تدور في ذهنه وهو ينصت الى دعوة الله داخله لافتقادها.. وقرر ان يطرق بابها وقبل ذلك باب الله المفتوح دائما بالصلاة، فركع على ركبتيه يصلي:

الهي الصالح.
انت الذي لا تشاء موت الخاطئ مثل ان يرجع ويحيا.
انت الراعي الصالح الذي تبحث عن الضال وتسترد المطرود وتجبر الكسير وتعصب الجريح.
انت الذي وعدتنا: من يقبل الىّ لا اخرجه خارجا .. وايضا قبلما تدعون استجيب وفيما تستغيثون اقول هانذا.
انت تستطيع ان تتكلم الى قلبها من خلالي.
استجيب يا الهي من اجل محبتك للخطاة وخلاصك العظيم.
لك المجد الى الابد. امين. 
 .......ذهب اليها وطلب زيارتها. 
- هل انت باتريشيا؟
 - نعم انا باتريشيا
- هل يمكن ان اتحدث معك قليلا.
اجابت بتهكم: وحضرتك عايز ايه؟
قال: انسان يترجى رحمة الله..
ضحكت ضحكة خاصة ثم قالت: اتفضل.
وبعد حوالي الساعة كان فيها الطرف الوحيد المتحدث بينما هي زائغة البصر، وشاردة الذهن، ولم تلفظ بكلمة، قالت:
لا امانع من زيارتك مرة اخرى.
وتكررت الزيارة مرة اخرى ليجدها بنفس المنظر تقريبا..
الى ان جاءت مرة بدأت تفرغ فيها ماض مظلم تحت قدمي الله في اعترف حقيقي بالخطايا.
احضر لها معه هذه المرة كتابا .. قرأت فيه هذه الكلمات:
"في المائدة المقدسة يعطي المخلص ذاته للنفس المؤمنة. انه سر مقدس واتحاد مقدس لا ينطق به. ان محبة العريس لعروسه مثال ارضي ضئيل. المسيح هو العريس السماوي وقلب المؤمن العروس، والحب الي يربطهما لا يعبر عنه، يملأ النفس ببركات هي عربون بركات السماء الكاملة".

ساكن المغارة

لحيته متركزة اسفل ذقنه، جبهته خالية من الشعر، عروق وجهه ويديه بارزة من تحت الجلد، يعتمم عمامة من القماش الابيض الرخيص، وجلبابه اسود، و اغلب الظن انه حافي القدمين! وسنلاحظ كيف يحاول باستماتة، و بكثير من حركات اليدين، ان ينقل الى الواقفين ما يريد ان يقوله فقد كانت مفرداته قليلة من اللغة العربية. هو في الاصل حبشي ترهب في الحبشة باسم "جبرا كريستو" وتعني "عبد المسيح". الرهبنة منتشرة في الحبشة فقد وصل عدد الرهبان في اوائل القرن العشرين الى اثنى عشر الفا و عدد الاديرة الى ثمانمائة دير، اما الكنائس فعددها يربو عن اثنى عشر الف كنيسة وعدد الكهنة يقدر بخمس عدد الذكور فيها حيث يصل عدد الكهنة في بعض الكنائس الى خمسمائة قس يعاونهم مائتي شماس. وتسمى الكنيسة هناك "بيتا كريستان" اي بيت المسيح، والكنائس تبنى من الخشب في شكل سداسي يتوسطه المذبح و هناك اكثر من ثلاثمائة كنيسة منحوتة في الصخر. والوجبة الرئيسية في الاديرة – وفي الواقع هي الوجبة الوحيدة في اليوم - عبارة عن مغرفة من الموز المطبوخ بعد تجفيفه حيث ينمو بكثرة هناك على ضفاف البحيرات.

جاء الى مصر في عام 1935م وابدى رغبته في الالتحاق بالدير للبابا يؤانس وهو الهدف الذي دفعه الى المجئ من الحبشة الى مصر سيرا على الاقدام. قطع المسافة سيرا على الاقدام في تسعة اشهر، والرحلة تستغرق في الاصل ثلاثة اشهر ولكنه كان يتخللها ايام يمكث فيها عند بعض الناس البسطاء الذين يرحبون بكل شخص غريب و يأوونه في بيوتهم عملا بقول المسيح "كنت غريبا فاويتموني" وايضا قول الانجيل "لاتنسوا اضافة الغرباء لانه بها اضاف اناس ملائكة وهم لا يعلمون". بحسب تعبيره البسيط يقول "المسيحيون رحبوا بي في قلاليهم". وحين كان يسأل عن سبب مجيئه من الحبشة الى مصر كان يجيب "كان فيه فلوس لكن لم يكن فيه اخرستوس" ويقصد ان المال كان وفيرا لكن لم يكن هناك علاقة قوية مع المسيح.

لم يطق أسوار الدير. طلب من رئيس الدير ان يأذن له في الاقامة بمغارة تبعد قليلا عن الدير، ولكنه رفض اذ انه غريب و لا يحمل اوراق رسمية. فما كان منه صنع حبلا من ليف النخيل وتسلق السور. خرج إلى الصحراء وأقام متوحدًا في مغارة. وعندما عرض عليه ابونا انطونيوس السرياني (البابا شنودة الثالث فيما بعد) ان يصنع بابا لمغارته رفض ببساطته المعهودة وقال "هل يصنع الذئب بابا لجحره؟!".. وعندما سأله بعض الرهبان كيف يقضي يومه اجاب بالتعبير المألوف في التدبير الرهباني "قليل صلاة.. قليل قراءة. قليل عمل" ولكن هذا القليل كان كثيرا جدا، واما القليل حقيقة فكان كلا من الطعام والنوم.. واما عن عمل اليد، فكان ضفر الخوص.حيث يصنع منه قففا صغيرة لحفظ الخبز الشخصي للراهب، كما كان يعمل في ضفر الليف ليصنع منها الحبال، وقدكان يرسل الحبال الى الدير لاستخدام العام في حين يهدي كل راهب جدي سلة خبز. وكان يبدأ في بعض الاوقات في عمل القفة وهو في طريقه من المغارة الى الدير ثم يكملها على باب الدير، ليتركها لاحد الاباء كهدية.

نحن نعرف ان الصلاة هي ترمومتر الحياة الروحية فمن كانت صلاته فاترة كانت قامته الروحية ضعيفة ومن كانت صلاته حارة كانت قامته الروحية عالية. وكان الاب عبد المسيح احد جبابرة البأس في الطريق النسكي، كان يقضي قسما كبيرا من يومه في الصلاة. ويروي احد الرهبان وكان يزوره كثيرا انه كان يحفظ المائة وخمسين مزمورا. ونحن نعرف ايضا ان الله يتعامل مع اولاده بطريقتين: الاول: تلبية الاحتياج. والثاني: اسقاط الاحتياج. بمعنى ان الله يلبي احتياجات المبتدئين ويسد اعوازهم، بينما مع المتقدمين في الطريق الروحي يسقط هذه الاحتياجات بمعنى انه يجعلهم لا يحتاجونها. وفي نسكه كان حكيما فقد كان يتناول طعاما جعله يواصل الحياة في الجسد حتى الثمانين.

في التدبير الرهباني هناك منهجان في الزهد، اولهما: التجرد من اية مقتنيات عملا بتعليم الانبا موسى الاسود الذي قال "محبة المقتنيات تزعج العقل، والزهد فيها يمنحها استنارة" والثاني هو: عدم التعلق بالمقتنيات والذي صاغه احد الاباء بقوله "لايضيرنا امتلاك الشئ، ولكن يضيرنا حزننا على فقدانه". العجيب انه لم يكن متشددا بلا فهم، او مغال في سلوكه وحسب، وانما كان مرنا فعلى الرغم من قناعته الشديدة بضرورة البعد عن العالم، نراه يترك مغارته عدة مرات، اما الى وادي النطرون او الى القاهرة او الى الاسكندرية، على انه يقضي الايام القليلة خارج مغارته بنفس طقسه وبالتالي يعود ثانية الى مغارته و كأنه لم يتركها!.. كانت الفضيلة راسخة في اعماقه فالفضيلة عمل روحي ولها جذور عميقة في نفس الانسان الروحي بينما العادة تأثير سطحي مجرد قشور نتيجة للجهد البشري وليس من ثمار الروح. قال مرة لاحد الرهبان: ان الله اعطانا السلطان لا لنقتل هذه المخلوقات (الثعابين والعقارب) بل لننجو من ضررها فقط. وعندما سأله احدهم مرة: "الا تخاف من ان يهاجمك ذئب، فاجاب بفرحوتعجب "وهل يهاجم الذئب ذئبا؟!"

عاش أبونا عبد المسيح قرابة خمسين عامًا في الرهبنة، قضي أغلبها كمتوحدٍ في مغارة بجوار دير البراموس. وإذ شعر بقرب رحيله من العالم أراد أن يموت بأورشليم، وكانت العلاقات بين مصر وإسرائيل مقطوعة وعدائية. ولكنه أصرّ أن يذهب إلى القدس علي قدميه، فكان من المستحيل تحقيق ذلك لأسباب سياسية. أخيرًا اقتنع بأن يمكث في القاهرة لحين عمل جواز سفر أثيوبي له وأخذ تأشيرة دخول لبنان وسوريا ومن هناك يذهب إلى القدس.عاش قرابة سنة في حجرة تحت السلم بمبنى الكلية الإكليريكية، ثم جاء إلى الإسكندرية للسفر من الميناء البحري. وبعد فترة قصيرة من وجوده باورشليم رحل إلى الفردوس.
مستوحاة من حياة ابونا عبد المسيح الحبشي

السبت، 21 ديسمبر 2013

خادم عظيم

الجميع قبلما يتكلمون يعرفون أنفسهم أولا .
أنا متخوف جدا .. بل مرتعب من هذه اللحظة،
فأنا أخشي أن يحدث ما يحدث في كل مرة ..
و أخاف أنكم بمجرد أن تعرفون اسمي تنفرون من قراءة بقية قصتي.
فما رأيكم ؟ .. هل أتشجع ؟ .. و هل تحتملون ؟
حسنا اسمي .. اسمي .. زفت.
مهلا أرجوكم ..
لا تلقوا بقصتي في الهواء .. انه اسمي و من منكم يختار اسمه في الميلاد ؟
لوني أسود قاتم .. رائحتي منفرة .. و هيئتي لا أحسد عليها غير أني لست سيئا تماما .
فأنا أحب الجميع الا ذاتي .. و أخدم الكل الا نفسي ..
حياتي كلها .. أخشي أن أقول كلها الام .. فلست أريد أن أضايقكم بدراما مشاكلي ..
دعوني أقول حياتي كلها صعاب ..
أكثر عمري أقضيه تحت الأرض خلف طبقاتها السحيقة في صورة بترول ..
و أظل تائها مجهولا لأزمنة بعيدة الي أن أكتشف بعد مجهود شاق أو بمحض الصدفة ..
و حينما يخرجونني أفرح، و أحسب أنني قد تحررت من سجني .. لكنهم فورا يودعونني أفرانا ساحقة الحرارة .. فأتعذب في جحيم نيرانها بهدف عندهم ..
ثم لا أكاد أهدأ حتي تنهال علي عمليات كيماوية كثيرة و معقدة يعملون بي فيها ما يحسن في أعينهم و أنا مستسلم تماما لا أعترض علي أي شئ يضيفونه الي ولا أتمسك بشئ ينزعونهعني .. و كلما يزدادون في سحقي أتذكر قول اشعياء النبي عن الرب يسوع "مسحوق لاجل أثامنا" (اش53).
***
في النهاية .. بعدما انسحق تماما .. و أكون كما يتمنون يلقونني هناك في الشوارع في الطرقات التي تحتاج الي تصليح و تجميل و تري ذلك عيناي فأتعجب ..
كيف يستخدم الله قتامي و سوادي في الاصلاح و يسخر قبحي لأجل التجميل؟
و هنا تذكرت قول عروس النشيد .. "أنا سوداء و جميلة" ( نش 5: 1 )
و يدفعني التعجب أن أشكر و أصبر .. احتمل و أتحمل ..
و تمضي ماكيناتهم الهندسية تسحقني تحتها و آلاتهم الثقيلة تطحنني كي يمهد بي الطريق ..
و كلما يمرون يعودون و كلما يذهبون يجيئون و أنا أعتصر ألما لكني أبقي فرحانا لأن الطريق يزداد جمالا وينتهي العمل و تبدأ مرحلة الآلام اليومية صباحا و مساء .. الكل يعبر , يمضي و يدوس و أنا أرقد صامدا تحت أثقالهم .. تطأني أقدام الجموع فلا أحتج ولا أتذمر فأتذكر قول النبي أرميا عن الرب يسوع: "أشبعني مرائر و أرواني أفسنتينا. جرش بالحصي أسناني .. كبسني بالرماد" (مراثي3: 15).
تحركت في الشكوي ذات يوم فلم أستسلم و أقمعت ذاتي و قلت:
طالما أنك يا الهي وضعتني هنا .. فلن أكون هناك
و طالما قد جعلتني لهذا .. فلن أكون لذاك و بقيت في مكاني سنوات طويلة مرت .. ,
لا أتذكر فيها أن شخصا ما قد أحني رأسه يوما يشكرني . أو أن انسانا قد جال بخاطره أن يبدي لي شيئا من الامتنان .
هم لا يهتمون بي .. الا اذا ظهر بي عيب ما .. حينئذ يثورون ويسخطون و قد يلعنونني أيضا قائلين .. ( طريق زي الزفت ) .. و هنا أتذكر قول الرسول بولس:
" نُشتم فنبارك .. نُضطهد فنحتمل .. يُفتري علينا فنعظ" ( 1 كو4: 12). و أتذكر قول الرسول بولس عن رب المجد يسوع: " الذي اذ شُتم لم يكن يشتم عوضا"(1بط 2: 21 ).
فما علي أنا الآن الا أن أصمت متشبها بالخادم الأعظم .. الخادم الصامت .. الرب يسوع. و هكذا فأني ان كنت سيئا أذم .. و ان كنت حسنا لا أُُمدح.
عفوا .. عفوا ..
تذكرت أمرا حدث ذات صباح ..
شيخ وقور ينظرني .. يشخصني بعمق صامتا .. مدفوعا يروح التأمل والخشوع .. يومها رقص قلبي مبتهجا .. رغم أن الشيخ لم ينطق الي بكلمة واحده . لكني اكتفيت أنه قد أهداني دقيقة من حياته .. غير أني حزنت أن الرجل مضي مغموما .. مكتئبا و لم يكن السبب أن شكلي يدعو للاكتئاب .. مع أنه كذلك فعلا .. لكن الرجل قد ساءه فعلا أن يشار اليه بالبنان و يقال عنه في شيخوخته أنه مجنون.

اعتقدت الأمر سيختلف هذه المرة .. فهذا طفل جميل برئ لست أدري لأي سبب انحني فوقي ينظرني فاحصا يميني و يساري بعين لاهثة قلت في نفسي ما أجمل الطفل .. ما أحلي براءته ..
اشتقت لو أن يجلس فوقي .. يكلمني .. يصاحبني ..
لكنه هب مفزوعا و انطلق فجأة يعبر الطريق .. و لم أكن قد فهمت شيئا .. حتي سمعت صوت صاحبه يناديه علي الجانب الآخر :
" تعال يا جون .. تعال .. لقد وجدت العشرة قروش هنا "
و عرفت ما كان يجذب الطفل الي .
لقد كان يبحث عن 10 قروش ضائعة وخابت آمالي .. لقد كنت أظنه يتأمل جمالي ..
و لكني نسيت نفسي فأين هو جمالي ؟
الجميع في زحمة مشغولياتهم ينسوني ..
لكن الأمر لا يعنيني كثيرا فأنا لا أسعي خلف الشكر ..
و لا ألهث وراء المديح ..
الحب الصادق أبلغ من كل الكلمات ..
و أعظم ما في الخدمة أن تكون صامتة .. لذا سأظل كما أنا دائما ..
أحب الكل و أخدم الجميع.
لا فرق عندي أن تدوسني سيارة ثري أو حذاء متهدل لفقير ..
و لست أسمح للأبرار بالمضي فوقي ثم أعترض الأشرار.
لا لست أفرق في محبتي ..
فللكل في قلبي مكان و مكانة ..
مهما اختلفوا لغة أو دينا أو جنسا ..
مهما نسوني أو تركوني أو انشغلوا بحياتهم عني ..
مهما ثقلت أوزانهم علي ..
حتي ان أُهنت منهم و صرت مثالا للقبح في تعبيراتهم.
حتي ان ثاروا يوما و اغتاظوا من أحمق بينهم فراحوا ينعتونه في غضب أنه: كالزفت. 
منقول عن منتديات يسوعنا.

الخميس، 19 ديسمبر 2013

القديسة سيسيليا


زواج عجيب:
وُلدت في بداية القرن الثالث. كانت من أشراف روما ونشأت نشأة مسيحية، وكانت تلبس ثوبًا خشنًا تحت الملابس التي تليق بطبقتها. وكانت تصوم عدة أيام في الأسبوع ووضعت في قلبها أن تظل عذراء من أجل محبة الله. ولكن والدها كان له رأي آخر، إذ زوجها من أحد شباب الأشراف اسمه فالريان Valerian. قبل زفافها بثلاثة أيام، دخلت سيسيل حجرتها وأغلقت على نفسها واعتكفت للصلاة تطلب مشيئة الله ومعونته لتحقيقها. طلبت منه أن يسندها في تحقيق نذرها له بأن تعيش بتولًا. كما طلبت منه أن يصنع رحمة مع خطيبها فيقبل الإيمان بالسيد المسيح وأن يحب حياة البتولية.

بعد صلوات حارة نامت سيسيل فرأت في حلمٍ ملاكًا يطمئنها بأن الرب قد استجاب طلباتها.

في يوم عُرسِها، وسط الموسيقى وصخب المدعوين جلست سيسيليا في أحد الأركان ترنم لله في قلبها وتصلي طالبة المعونة منه. حين اختلت مع زوجها في حجرتيهما استجمعت شجاعتها وقالت له برفق: "عندي سر لابد أن أقوله لك. يجب أن تعرف أن لي ملاك من الله يراقبني، وإذا اقتربت مني كزوج فإنه سيغضب منك ويؤذيك، ولكن إذا احترمت عذراويتي فسوف يحبك كما يحبني". أجابها فالريان: "أريني هذا الملاك، فإذا كان من الله فعلًا فسوف أبتعد عنكِ كما ترغبين". فقالت له القديسة: "إذا آمنت بالواحد الحيّ وقبلت المعمودية فسوف ترى الملاك".

وافق فالريان وذهب ليبحث عن الأسقف إربان Urban وسط الفقراء الذين استقبلوه بكل ترحاب، ثم ظهر الأسقف القديس يحمل المكتوب التالي: "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. واحد هو الله أبو كل أحد وفوق كل أحد وفي كل أحد".

سُئل فالريان: "هل تؤمن بهذا؟" ولما رد بالإيجاب عمَّده الأسقف، ثم عاد إلى سيسيليا فوجد إلى جوارها يقف ملاك، ثم تقدم الملاك ووضع على رأس كل منهما إكليل زهور. وعبقت رائحة جميلة لم يسبق أن اشتمها من قبل.


إيمان أخ زوجها:

كان لفالريان شقيق اسمه طيبورتيوس أو تيبورتيوس Tiburtius، فتكلم فالريان مع شقيقه عن الله الواحد الحقيقي. أظهر طيبورتيوس في البداية عنادًا وكان يسأل: "من هو الذي قام من القبر حتى يخبرنا عن تلك الحياة الأخرى؟" فأخذت سيسيليا تكلمه طويلًا وحدثته عن السيد المسيح، فآمن هو الآخر ونال المعمودية وللحال اختبر أشياءً مدهشةً. من تلك اللحظة كرَّس الشقيقان نفسيهما للكرازة بالسيد المسيح وأعمال البرّ.


القبض على الزوج وأخيه:
بسبب غيرتهما وحماسهما في دفن أجساد الشهداء قُبِض عليهما وأُحضِرا أمام ألماخيوس Almachius الوالي. بدأ الوالي يستجوبهما، فأجابه فالريان أنه هو وشقيقه يؤمنان بيسوع المسيح ابن الله، ثم بدأ يقارن بين أمجاد السماء الأبدية وأفراح العالم الزمنية. لكن ألماخيوس قاطعه وأمره أن يُخبِر المحكمة إن كان يوافق أن يذبح للآلهة فيطلق سراحه. أجابه الشقيقان بصوت واحد: "ليس للآلهة بل لله الواحد نقدم له ذبيحة يومية".

أمر الحاكم بجلدهما فذهبا فرحين، وكان فالريان يقول للمسيحيين الحاضرين: "لا تجعلوا تعذيبنا يخيفكم ويبعدكم عن طريق الحق بل اثبتوا في الله الواحد، واطرحوا تحت أقدامكم الأوثان الخشب والحجارة التي يعبدها لماخيوس". ومع هذا كان الحاكم مستعدًا للعفو عنهما إن هما تراجعا.


استشهادهما:
مستشار الحاكم أخبره بأنهما سيستفيدان من الوقت في توزيع ممتلكاتهما وبهذا يحرمان الدولة منها، فحكم عليهما بالموت وقطعوا رأسيهما على بعد أربعة أميال من روما. واستشهد معهما أحد المسئولين في الدولة اسمه ماكسيموس Maximus الذي أعلن إيمانه المسيحي حين عاين شجاعة الشهيدين وثباتهما.


سيسيليا الكارزة:
دَفَنت سيسيليا أجساد الشهداء الثلاثة، ثم جاء دورها لكي يُطلَب منها أن تنكر إيمانها، وبدلًا من أن تفعل ذلك استطاعت أن تحوّل كل الذين أتوا إليها لهذه المهمة، حتى أن الأسقف إربان حين أتى لزيارتها في منزلها عَمَّد 400 شخصًا.

كان أحدهم ويدعى جورديان Gordian رجل ذو مكانة في الدولة، أنشأ كنيسة في منزله كرَّسها الأسقف إربان فيما بعد.


استشهادها:
أخيرًا أُحضِرت القديسة إلى المحكمة، فأخذ ألماخيوس يجادلها محاولًا التأثير عليها، فكانت تسخر منه ومن كلامه، فحكم عليها أن تُخنَق في حمام منزلها، ومع أن النيران حُمِّيَت سبعة أضعاف إلا أن القديسة ظلت يومًا وليلة دون أن يصيبها أية أذية، فأرسل الوالي إليها أحد الجنود ليقطع رأسها.

ضربها الجندي ثلاث مرات على عنقها وتركها ملقاة ظنًا منه أنها ماتت، إلا أنها ظلت حيّة ثلاثة أيام تنزف دمًا، أتى خلالها المسيحيون ليكونوا إلى جوارها، وسَلَّمت الأسقف إربان منزلها ليكون تحت رعايته، ثم دُفِنت بعد ذلك في عام 230 م. العيد يوم 22 نوفمبر.

القديس دون بوسكو


القديس يوحنا دون بوسكو: ولد في سنة 1815 في تورينو بإيطاليا. وكان والداه فلاحين فقيرين ممتازين بالتقوى وصلاح السيرة وهما فرنسيس بوسكو ومرغريتا أكيانا. وصبغاه بمياه المعمودية في اليوم الثاني لميلاده. وما أن بلغ أبوه العقد الثالث من سنيه حتى توفي كهلاً فاحتضنته أمه العطوف. وهكذا ذاق مرارة اليتم ولوعة الفقر وهو بعد في ربيعه الثاني. لكن الله اعده ليربي ألوفاً من اليتامى المهملين. اعتكفت مرغريتا على الشغل في الحقل لتنهض بمعيشة أيتامها البنين الثلاثة، وجعلت تلقنهم مبادئ التعليم المسيحي وتسهر على آدابهم بكل قواها، ولم تقتصر على ذلك بل مرنتهم على الحراثة وعلى الشغل ليكسبوا معيشتهم بعرق جباههم. 
وما أن بلغ يوحنا الربيع التاسع من عمره حتى جرى له حادث خطير دبرته العناية الإلهية وحملته على التفكر فيه في كل أدوار حياته. فقد رأى حلماً أثر فيه تأثراً شديداً. فشاهد نفسه واقفاً أمام منزله يحف به جم غفير من فتيان يضجون ويعجون ويقذفون من أفواههم شتائم قبيحة وتجاديف فظيعة. فحاول أن يسكتهم ويردعهم بالنصح ثم بالتهديد والضرب واللطم فلم يصغوا أليه ولم يرتدعوا. ثم شاهد شيخاً جليلاً يدنو منه ويقول له: "إن شئت اكتساب صداقة هؤلاء الفتيان ومحبتهم فأرفق بهم ينقادوا إليك باللين لا بالخشونة ". فأمتثل يوحنا أمر الشيخ، ثم شاهد في حلمه وحوشاً ضارية استحالت إلى خراف وديعة، وسمع صوتاً رخيماً كأنه نغمة قيثارة سماوية تترنم به عذراء شهية وتقول له: " خذ عصاك وأمضِ إلى المرعى. وستدرك فيما بعد مغزى هذه الرؤيا". وعند الصباح قص يوحنا على أقاربه ما حلم به فقالت له والدته: " لعلك يا بني تصير كاهناً ". فرد على أمه بالقول: " يا أماه إذا بلغت الكهنوت فسأضحي بحياتي حباً للأحداث. سأحبهم وأحببهم إليّ. سأبذل لهم النصائح المفيدة وأعتني بخلاص نفوسهم!". 
باقي السيرة تجدها في الرابط التالي:
http://www.marnarsay.com/News_2010/Tethkarat/Tethkart_080.htm

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

الاب اناتولي

في مكان ما في شمال روسيا في احد الاديرة الارثوذكسية عاش رجل غير عادي . تصرفاته كانت غريبة بالنسبة لاخوته الرهبان. الذين كانوا يزورون الدير كانوا يعتقدون في قداسته: قدرته على شفاء الامراض و اخراج الشياطين و التنبؤ بالمستقبل. و مع ذلك كان يعتبر نفسه انه غير مستحق بسبب خطية ارتكبها في شبابه.

لتحميل القصة اضغط هنــــــا

الخميس، 24 أكتوبر 2013

الامل الكاذب


اجتهد ان اختم هذه الرسالة قبل ان يغيب النور.
انا ضال! مفقود! ان هذه الكلمة تشمل كل اهوال جهنم انا مفقود! و الى الابد؟ يقول صوت في داخلي ليس الان. "الى الابد" لم تأت بعد. لكن الا يوجد امل؟ الا يوجد اي احتمال للخلاص؟ لا استطيع القول انني احيانا اجتهد ان اتمسك بخيط واه من الرجاء، و لكنه يخترق نفسي كما لوان صاعقة خاطفة لا استطيع الركون اليه. احيانا اخرى عندما تصل الامي و عذاباتي الى الحد الاقصى اكاد اشعر بشئ من الهدوء. هل اجرؤ ان اقول بشئ من السلام؟ لكن سرعان ما يجئ هذا الشعور حتى يذهب. فأشك ان كنت شعرت بشئ منه ابدا.
انه الله اله العدل و نحن ننال جزاء اعمالنا. و لكنه ايضا اله الرأفة فربما تحنن على شقاءنا!
اخشى ان يكون هذا الامل كاذبا، و انه جزء من عذابنا تغرينا به النفس الغارقة في الاثام؟ الويل لي اين طار ذلك الامل الذي شاع في نفسي لحظة. انه ضاع. انه طار مثل سراب كاذب تبتلعه الحقيقة المرة!
استسلم لليأس. يكاد قلبي ينفطر و ينكسر. لكن لا، لا شئ ينكسر هنا. و قلوبنا قوية تتحمل اي مقدار من البؤس.

افكار شريرة تحوط قلبي و تحاصره من كل جانب كما فعل الرومان القساة بمدينة داود البائسة. و مثل هذا الحصار ينتهي ايضا بخراب ذريع و عذاب مريع لا مثيل له في الدنيا و لن يرى مثله.
كما في السالف امضيت الليل الطويل ارتعد و ارتعش من البرد الذي في الخارج بينما تلتهب النيران الحامية في داخلي.
نسيت اريد ان اختم هذه الرسالة. ربما ستطول الايام جدا قبل ان تسمعوني ثانية. سأظل ادعوكم اصدقائي. و لكن هذه الصلة يجب ان تنقطع ايضا.
الوداع يا اصدقائي. ارجو الا نتقابل ابدا....!

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

القديس باتريك مبشر ايرلندا

ولد بترك Patrick عام 389 من أب فلاح يعمل في أرضة في وادي نهر سيفرن في إنجلترا، وكانت جيوش الدولة الرومانية تخشى تلك المناطق بسبب القراصنة، وفعلاً حدث أن هاجم هؤلاء القراصنة بلدة بترك وحملوه عبداً باعوه في ايرلندا، ولم يحمل معه شيئاً إلا حديث أبيه كالبرنيوس عن الله وعظمته وجلاله، فكان يصلي إلى هذا الإله وهو يرعي الخنازير لسيده الذي اشتراه وكان وثنياً، فكان كثير الاختلاء في الغابات والصلاة ليلاً في ضوء القمر، ولذا كان يضربة سيده أما هو فكانت كلماته "شكراً لله" وبعد غربة ستة سنوات استطاع أن يهرب في سفينة ليلاً تحمل كلاب صيد لبيعها في إنجلترا، قذفته علي الشاطئ دون أن يعرف أين هو.
بعد شهور من التيه وصل إلى أبيه وبعد فترة أحس انه يريد أن يبشر الايرلندين بالمسيح، فذهب إلي بلاد الغال حيث تعلم اولا الكثير عن المسيح حيث كانت هناك الأديرة ومدارس الدين وذلك ليعد نفسه ثم اصبح مرسلاً إلى ايرلندا فوصلها عام 432، وكان قد وصلها من قبلها بزمن بعيد رهبان القديس اثناسيوس، فبني لهم كنائس من الخشب ودعاهم الي المسيح فتجمع كثير من الشبان الذين ترهبوا وعلمهم بعض المهن كي يتعيشوا منها.
اما ملك الجزيرة فاذ كان رجلا شريرا فقد اعد له كمينا هو واتباعه ولكن الرب نجاه منه وأسس هناك أسقفية اذ تكاثر عدد المؤمنين.

الخميس، 15 أغسطس 2013

قايين قاتل اخيه


هناك شخص مرعب يقابله المرء احيانا في انحس الاماكن الموحشة. رجل طويل القامة نصف عار.. تبدو نظرة عينيه تائهة و يمسك عصا غليظة في يده. ليس لانه محتاج اليها للدفاع عن نفسه. انه هارب دائما في خوف مستمر ان يقتل.
يرتعب كل من يقابله. يخشى من اضعف المخلوقات فيسرع هاربا. وحيدا دائما. تجده في كل مكان و لا تجده في اي مكان. كان على الارض هاربا ملعونا و هو في جهنم هارب ملعون. انه قايين قاتل اخيه

الخميس، 9 مايو 2013

خلاص من فخ ابليس


كان والدايّ يذهبان الى الكنيسة بانتظام و كنت اذهب معهما و لكن هذا كان بلا معنى. و كان يسوع غامضا بعيدا. و عندما سألت والداي عن الله اسكتاني قائلين: "اسئلتك لا تنتهي. اسكتى و اقبلي ما نقول". و لم اقبل هذا. و بالنسبة لي لم تقدم الكنيسة شيئا. و ظللت ابحث عن شئ يملأ فراغ حياتي . و في السابعة عشرة من عمري قابلت "وسيطة روحية" قالت لي: "الطريقة الوحيدة للحياة هي في الكوتشينة و خريطة البروج. تعال لاريك".
و تبعت صديقتي الجديدة بحماس. فقد بدا ان روحا غريبة تتسلط عليها. فكانت في شبه غيبوبة تحرك اوراق الكوتشينة و تحكي لي حوادث حدثت معي في الماضي، كما كان لها قوة على شفاء الامراض، حتى ان بعض الاطباء كانوا يرسلون لها بعض المرضى.
وذات يوم ارتني كيف اقرأ الكوتشينة. و اوصتني انه في مطلع كل يوم على ان استشير الورق و افسر ما يقول لي. و تعلمت الكثير من ربط معاني الورق معا، حتى اصبحت قادرة على قراءة الطالع و المستقبل.
و مضى الوقت و هذه السيدة الغامضة تسيطر على شيئا فشيئا ، حتى قادتنى الى "العالم الروحى" و قالت : "الان انت واحدة منا. هل تحلفين يمين الولاء؟". و جاوبت بالايجاب و انا مسلوبة الارادة. و دون ان اعلم ما اعمله جرحت اصبعي و كتبت بدمي" "ايها الشيطان اعطيك قلبي و جسدى و نفسي".
و عشت معتمدة على قراءة الورق و خريطة البروج، و ما كنت اجرؤ حتى على التنفس بدون استشارتها . و استولى الشيطان على نفسي و عذبني بلا انقطاع، و بدأت امارس اشياء لا اجرؤ على ذكرها، و عندما بلغت التاسعة عشرة من عمري كنت قد بلغت حالة شديدة من الفوضى الاخلاقية، و تملكني اليأس و المنخوليا (السوداء)، و لم اقدر ان اركز على عملي كممرضة بسبب عذابي النفسي.
وفي مارس 1960 قالت لي خريطة البروج انني يجب ان انتحر يوم 26 يوليو، لان حياتي (كما قالت خريطة البروج) لم تعد لها فائدة. 

و في مساء 25 يوليو كنت اجول في الشوارع مرتعبة من فكرة الموت. وفي اثناء تجوالي سمعت موسيقى جميلة كانت تنبعث من اجتماع ديني في خيمة كبيرة، فدخلت. وبعد نهاية الموسيقى وقف الواعظ (ليندر بنر) و قال : "سأحدثكم الليلة عن قوة الانجيل العجيبة". و اردت ان اجري ، لكني كنت خائرة  القوى. و طيلة السنوات التي ذهبت فيها للكنيسة لم اسمع ابدا عن المسيح المخلص الشخصي الذي مات عني شخصيا. و كم اشتقت ان اكسر قبضة الشيطان علي.... و مضى الواعظ يقول: "قوة المسيح وحدها هي القادرة على كسر قوة الشيطان". ثم دعا  سامعيه للتقدم للامام للاعتراف بالمسيح فدفعت نفسي للامام و سألت : "هل هناك امل لخاطئة مثلي؟ ايها الواعظ، لو ان ما تقوله صحيح فاني اريد النجاة. صل لاجلي".
و صلى الواعظ معي، و اكد لى ان المسيح قادر ان يغفر لاكبر الخطاة لو طلب منه.
واقتبس لي من (يوحنا 6: 37) "من يقبل اليّ لا اخرجه خارجا" و لكني لم اقدر ان اطلب عون المسيح ،  ففي كل مرة حاولت كانت يد غير منظورة تطبق على عنقي. فقال لي الواعظ: "عودي للبيت، و سنعقد اجتماعا خاصا للصلاة من اجلك. عودي مساء الغد". و حاولت ان اصرخ و اقول : "غدا سيكون الوقت قد ضاع" و لكنى لم افعل. و رجعت للبيت مرتعبة. و مضت ليلة طويلة من الرعب، و لم انم بالمرة، و كنت اخشى طلوع الصباح و لكن الضوء ملأ غرفتي، و بدون تفكير اخرجت الكوتشينة و جعلت اقرأ ما يجب ان افعله في نهاري.
وعندما عبرت النهر لاذهب للمستشفى حيث اعمل ارتعب بدني كله، فهنا - كما يقول طالعي - يجب ان انتحر اليوم. ووصلت الى عملي وحاولت ان اهرب من معذبي. و بيد مرتعشة ادرت قرص التليفون لاطلب الواعظ ، و قلت له" "ارجو ان تجئ الان. المسألة خطيرة للغاية" . و عندما وصل سألته: "هل عند مسيحك قوة اكبر من قوة الشيطان؟" . فأكد لى ان عنده تلك القوة!
و ناولته الصندوق و به خريطة البروج و قلت له : "لو ان مسيحك لم ينقذني اليوم فسيتحتم عليّ ان ألقي بنفسي في النهر بعد ظهر اليوم - لقد اختاروا لي الزمن و المكان و الطريقة التي يجب ان انتحر بها".
و صلى بحرارة ، و شعرت كأني اتمزق، و كنت ارتعش دون سيطرة على نفسي، و عجزت عن مد يدى للمسيح. حاولت ان اصلي و لكن قوة غير منظورة خنقتني فصرخت: "لا فائدة ! لا تحاول" فقال الواعظ: "انت عاجزة لكن يسوع قادر" و ظل يصلي نصف ساعة ، و احتدمت المعركة داخلي. و في التواءة قاسية جثوت على ركبتيّ و طلبت من الله ان ينقذني من الشيطان الذي يسيطر عليّ . و انتصرت قوة المسيح، و غمر احساس بالسلام نفسي، فادركت انني اقدر ان اعيش.
و قد ظللت اسبوعا في صراع حتى حصلت على الشجاعة لاعيش بدون ادوات السحر، و سلمت حقيبة الادوات للواعظ! و بدأت بعد ذلك اتسلق الطريق الصاعد الى الاستقرار و الاطمئنان الروحيين. ولقد حدثت معى نكسات في الطريق، و شعرت احيانا بمحضر الشرير، و لكن قوة المسيح كانت كافية دائما عندما كنت اطلبها.
و اني اليوم اشكر نعمة الله. و اقوم الان بالعمل في مركز لتوزيع النبذات الدينية، و صلاتي اليومية هي : من فضلك يا رب، اجعلني بركة لشخص لا يزال مستعبدا للشيطان" 
ملحوظة: صاحبة الاختبار لم ترد ذكر اسمها.

عن كتاب (الاختبار المسيحي- القس منيس عبد النور)

الجمعة، 26 أبريل 2013

ذكرياتي عن عمتي


كانت غير قوية الصحة و مع ذلك لم تكن تبال بنفسها ما دامت قادرة ان تخفف من احمال الاخرين.
و لم يكن شئ يثير غضبها سوى ان تطلب منها ان تعتني بنفسها فكانت تعتبر ان ما طلب منها افدح المطالب. كان الحب طبيعة ثانية لها.
ان سألتها ابسط الاسئلة عن الايمان و الرجاء و المحبة لادهشتك باجوبتها الجهولة البسيطة و لكن هذه الفضائل الثلاثة كانت متوفرة لديها مما جعلها ابنة للسماء.
في احدى الليالي  كنت انا و عمتى جالسين قرب النافذة و كانت السماء رائعة النجوم تلمع بضياء شديد. اثار هذا المنظر عقلي الصغير و اردت ان اتفهم ما هي النجوم؟ فاخذت تحدثني عن مسكن ابينا السماوي و قصوره العديدة التي لا توصف و انني سأذهب الى هناك يوما.. اردت ان اعلم اكثر و كان خيال عمتى اخصب من ان ينضب .. سألتها عن هذا المسكن السماوي و عن شكله؟
فقالت لي : ان وراء النجوم يا طفلي العزيز ردهة متسعة جدا بهاؤها لم تره العيون، و هناك يجلس الله على عرشه  وعن يمينه ابنه الوحيد، و في وسط الردهة شجرة عيد ميلاد كبيرة اعلى من اعلى جبل على الارض. و الشجرة مملوءة بالانوار و اجمل الهدايا. و من تظن الذين يلتفون حول الشجرة؟
نعم كل الاولاد الطيبين الذين بعد ان عاشوا عيشة طاهرة اصبحوا اولاد الله. و هم هناك يسبحون الله بترانيم جديدة فترن اصواتهم الجميلة في فضاء السموات. و الهدايا التي على الشجرة هي لهم، اقصد انها تعطي لهم دائما و الشجرة لا تفرغ من الهدايا.
عاودتها الى سؤالي "ما هي النجوم؟"
النجوم يا ولدي؟ - نعم سأحدثك عنها. في جوانب هذه الردهة يوجد العديد من الطاقات الصغيرة يتسرب منها الى الارض ضوء شجرة الميلاد. و نحن نسمى هذه الطاقات النجوم.
و عندما ينتهى الاولاد الملائكة من ترانيمهم يطلون من هذه الطاقات ليروا ان كان الاولاد و البنات على الارض يجتهدون ان يكونوا طيبين و عليه فكلما رأيت النجوم يجب ان تتذكر ان من كل واحدة منها يطل ملاك عليك. و لهذا السبب تومض النجوم كما ترمش عيناك البريئتان. فيجب ان تكون مطيعا طيبا و الا فان احد الملائكة يذرف الدموع عليك.
اثر بي كلامها حتى ان الدموع فاضت من عيني و ارتميت في حضنها انتحب . و لكن اسكنني حبي لمعرفة المزيد، فقلت - "و لكن ماذا يحل بالاولاد الاردياء؟"
كاد هذا السؤال يربكها فعلا اذ كان قلبها ارحم من ان تحدثني عن جهنم و اهوالها و عليه اجابت - "الاولاد الاردياء! اظن انهم يتركون في مكان مظلم بعيدين جدا جدا عن الله و ابنه الحبيب"
لم يقنعني هذا الجواب و ارتأيت شيئا اخر . فقالت "الاولاد الاردياء يحبسون في حجرة حقيرة كريهة ، باردة جدا،  تصطك فيها اسنانهم و هي مظلمة جدا حتى ليرتجفون من الخوف و يصرخون و يقرعون الابواب بكل ما اوتوا من قوة و لكن لا يسمع لهم احد"
شعرت بالخوف و قلت لها "انا خائف" و انكمشت بجانبها.
فقالت لى انظر الى النجوم فيزول خوفك


ذكرياتي عن ماري


كانت كلها قلبا .. كانت كلها روحا..
كان لها قلب الاطفال و لا اشك مطلقا انها لو عاشت طويلا لما تركت قلب الاطفال.
انها من الذين يسيرون على الارض فيحفظون ثيابهم ناصعة البياض مهما كثرت حولهم الاوحال. و لو زججت بهم في اماكن الاثم لخرجت و طهارتها لم تمس.
كانت روحها اعلى من ان تتلوث.
كانت تعرف الخطية حسبما يوحي لها عقلها الصالح الصبياني.
كانت تحب قصص الكتاب المقدس اكثر من سواها.
كان هذا طعام لنفسها المستيقظة.
لم يؤثر بها شئ اعمق من موت ابن الله على الصليب، اعنى محبته للخطاة و بذله نفسه عنهم. و لا اشك ان ملاكا قد احصى دموعها التي ذرفتها كلما وقفت امام الصليب.
علمتنى آنا انه توجد في الحياة اشياء احسن بكثير من ارضاء النفس و اشباع الجسد. و يوما بعد يوم كان حديثها معى يرفعني .. كنت اتدرج لاصبح صالحا. جذبتني وراءها! ما هذه القوة او ما هذا التأثير المنبعث منها؟!.. لم تبذل مجهودا بل كنت اتبعها و كأنما روحها مصباح ينير لي الظلام.
انفتحت امام عيني دنيا جديدة - دنيا الروح - و بدأ يتمثل امامي رؤيا الحياة الابدية.
تحت تأثيرها راجعت الماضي مع نفسي - فكنت اشعر بخجل و خزي مما كنت اسميه حبا. كان حبا من النوع الذي يمكن ان يدنس تلك الكلمة المقدسة.

الأربعاء، 24 أبريل 2013

ايدى ملطخة بالدم


سأصف لكم بعض الافراد هناك في الجحيم. ساخبركم عن النهر الاسود نهر الاكاذيب. لقد جلست يوما على شاطئه. كنت افكر في الماضي الاسود، و المستقبل الاشد سوادا. و جرت مياه النهر النهر العكرة بثقل.
وفجأة رنت تأوهات قطعت السكوت المحيط بي.
بغتني منظر شخص غريب يعمل شئ اغرب. كان رجلا ذا هيئة خلابة بل بادي الجمال، و لكن في حالة يرثى لها. جلس الى النهر يغسل يديه اللتين تقطران دما.
ورغم الغسيل المتوالى عجز عن ازالة اللون الاحمر المخيف من بين اصابعه. بمجرد ان يرفع يديه من الماء يقطر الدم القاني منهما ثانية. انه منظر يستدر الشفقة.
يبدو انه شعر بوجودي لانه استدار نحوي فجأة قائلا: "ما هو الحق؟" لم اجبه في الحال لأنه سؤال لا يستحب الرد عليه بخفة..
لكنه رفع صوته و كرر بضجر "ما هو الحق؟"
اجبته "الحق؟ الحق المحزن هو ان الوقت قد فات للسؤال عن الحق"
لم تعجبه الاجابة فهز رأسه و اشاح عني و جلس ليغسل يديه من جديد .
تركته. علمت من هو من الحلة الارجوانية التى يرتديها و الخاتم الذى في اصبعه - انه بيلاطس البنطي!
انه يقضي الوقت في غسل يديه، و يسأل كل عابر نفس السؤال الذى سأله من قبل للمسيح "ما هو الحق؟"(يو18: 38). و لم ينتظر اجابته من فم المخلص! انه يسأل ثم يهز رأسه لكل اجابة. انه لا يرغب ان يعرف الحقائق ..
و يا لها من مفارقة مؤلمة. بيلاطس البنطي يسأل عن الحق بينما يغسل يديه في نهر الاكاذيب.

الجمعة، 15 فبراير 2013

اللحظة العظمى تقترب



كانت اللحظة العظمى تقترب. كانت الظلمة تبتلع في الهاوية بسرعة، شع علينا النور مل فجر مضئ، لكن من بعيد ... بعيد جدا ... عبر الهاوية. كان نور النهار يستولى على ظلمة الليل. قيل لي ان ارض المباركين على وشك ان تعلن لنا. كان النور باهرا يتزايد سريعا، يرمي على الناحية الاخرى الوانا من الضوء لا يوصف جمالها، لا يمكن للنفس البشرية ان تتصور شبيها لها الا في الاحلام و ربما عندما تستهويهم موسيقى سامية.
استولى على جهنم ذعر و كأنها سحرت. و انحصر وجودها في شعور من الرهبة و الخوف. شخصت ملايين من الارواح متعطشة نحو هدف واحد. وقف البعض دون حراك كعامود من ملح ينظرون الى النور المتزايد، و ركع البعض، و سقط البعض على الارض يرتجي تغطية وجهه بينما تحدى البعض – و لكن دون جدوى – رافضين ان ينظروا. اما انا فوقفت ارتعد من الخوف مذهولا عن كل شئ الا المنظر الاتي.

فجأة ظهر كما لو ان نقابا كثيفا قد تمزق او حجابا قد انشق و فاضت سيول من النور، و كان النعيم قد بان مثل كرة من لامع الضياء. شهقت ملايين الارواح المفقودة و ناحت بعويل مؤلم ارجف القلوب و رددت اصداه اركان جهنم. لم اسمع و لم ار بعد ذلك شيئا، و قعت على الارض كانسان بغتته صاعقة.

لا اعلم كم من الزمن بقيت، و لكن عندما فتحت عيني الكليلتين مرة ثانية رأيت نورا ثابتا لطيفا – ضياءا مريحا – يمكن النظر خلاله، و ليس ذلك الضوء الذي يغشي البصر، و مع ذلك كان على ان ادرب نفسي على النظر خلاله. ظهر لي كمحيط عظيم من النور اتخذ رويدا رويدا لونا و شكلا، و انفرج امام بصرى كدنيا من اللطف و الجمال – ما لم تره عين او يخطر على قلب بشر. لم اشك لحظة، انها دنيا المباركين، تفتح النعيم امام عيني، ظهرت لي في ذلك الضوء البعيد اولا جزائر عديدة شواطئها جميلة، و تسبح حولها الوان بديعة متناسقة. بعد قليل ظهر لي ان تلك الاجزاء المنفصلة قد اتصلت فصارت مجمعا واحدا... دنيا البركة. كانت واسعة شاسعة، الا انها مملكة واحدة، جنة مليئة بالبركة و الجمال و المسرة، اجمل بقاع الارض صحراء قفراء بالنسبة لها. ليس عندي كلمة لوصفها. كي اصفها تماما على حقيقتها وجب ان اكون ملاكا و انتم تعلمون من انا .. انسان كان في استطاعته ان يكون ملاكا ... و الآن ... هالك محكوم عليه الى الابد.

اختطفت نظرة من الفردوس و انا ارتعد هلعا، نظرت تعمقت حتى شملت الاف الاميال، فانه على قدر غرابة المنظر صارت لنا قوة ابصار اغرب. روحي تسبح في دوائر متسعة جدا من المجد جمالها الفائق مكشوف امام حواسي المجلوة. شعرت بنسيم منعش سمعت حفيف الاشجار و خرير المياه... كانت هناك موسيقى توقع لغة الطبيعة الممجدة ... و كل الاصوات تتصايح بتناسق فني فتان. لم اشاهد للان نفوسا حية، و لكن اناشيد السرور و التسابيح الرخيمة تتردد في كل مكان. الطبيعة و الارواح تتحد في مزمور حلو النغم، ماذا اقول؟ النعيم بما فيه من السعادة و السلام جعل السرور يطفر في قلبي و لكن بألف خنجر من التشوق.

هذه اذا عدن. اخال انني فيها... لكن ما ابعدها! ما ابعدها! من كل هذا البهاء لا شعاع واحد لي، و لا زهرة .... بل و لا نقطة ندى! ايتها السماء المباركة الا نقطة ماء! الا نقطة دموع.

لكن اين هم؟ اين الارواح التي لا تعد؟ اين المفديون المخلصون؟ لم ار واحدا منهم بعد، ظهرت لى الجنة كأن لم تطأها قدم منذ اليوم الذي طرد منها ادم و حواء بسيف لهيب النار. صرخ قلبي من اجلهم تائقا متعطشا لهم و قلت "اين انتم يا اعزائي ان كنت لا ابصركم في السماء؟" ..

ان المباركين في الفردوس قد اعفوا حتى من الافتكار في جهنم و كل ما فيها من مخاوف و اهوال، غير ان الهوة السحيقة التي بيننا لا تفصلني حتى عن ادق افكارها- الويل لي!
ان نصيبي اليومي هو فقدان الرجاء و هو مثل النار الاكلة يلتهم نفسي حتى اشعر انني صرت رمادا. و لكن و يا للحسرة لا افنى او اموت. و في اللحظة التي اشاهد فيها هذا المنظر الحلو – المر، زاد اللهيب اتقادا بحطب من الجحود هو لب جهنم. تتحول هنا النعمة و المسرة الى يأس. ان وجودى نفسه اصبح عذابا يأكلني... كالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله.
كانت الصرخة المدوية المستمرة لروحى المعذبة "انظر ! ما عساه ان كان نصيبك... و لكنك فقدته ...فقدته".

عربون المحبة الابدية

تعلمون بلاشك – وقد اختبرتم- ان رائحة الزهور توقظ التذكارات- وخاصة المشاعر العذبة السعيدة- و ربما ايضا تثير النزوات النائمة، و هذا على الارض تشوبه بعض الغضاضة اما هنا فجهنم!
لا تتصوروا انه توجد ازهار في هذا المكان. كلا، ليس هنا بل ليس هنا زرع من اي نوع، و لا توجد هنا ازهار و لا حتى الذابلة.
ايها البشر الحمقى! ان دنياكم تفتح الازهار و لكنكم لا تبصرون، و مع كل ما فيها من متاعب و اشجان فهي موطن مبارك! ان حب ابكم السماوي الذي يفيض باستمرار هو الذي يخلق هذه الازهار. هذه الملايين من البراعم ذات الرائحة الزكية هي عربون المحبة الابدية، انها الحبيبات اللؤلؤية الفائضة من الكأس المترع الممنوح من الله للناس.
ما اسعدكم ايها الاحياء، تسيرون و النجوم فوقكم، و الازهار تحتكم، و لكنكم تطرقون سبلكم غير مبالين بالنجوم، غير آبهين بالازهار. مهتمين فقط بانفسكم المسكينة، و مشاغلها التافهة في اغلب الاحيان، ايها الرجال الجهلاء!
لايوجد هنا ما يزهر، و لكن جزء من عذابنا ان تفوح علينا رائحة طيبة من زهرة بعيدة... خيال بالطبع... و هذا يزيد في تأثيرها. الرائحة الزكية لها قوة اثارة لا الشعور فقط ولكن ايضا المناظر التي نود اطالة التطلع اليها، هي رموز المتع المفقودة. هل تفهمون؟ كما من سحر يعاودنا فيض من اللذة الغابرة بينما نحن فريسة للموت و البؤس الذي لا نهاية له.
هل ممكن ان تكون هناك صلة ما ... رابطة روحية بين الارواح المباركة هناك (في الفردوس) و الارواح الهالكة هنا. رابطة معنوية مثل عبير الزهور؟ انه لتصور سعيد... دعوني اتمسك به ... لكنه انمحى و طار ... مثل الرائحة الزكية الوقتية، تعطر ثم تزول.

سأرجع قبل فوات الاوان

اذكر اوقات التوبة الصادقة في حياتي. كنت اشعر ليس فقط بالانكسار و التواضع و لكن ايضا بقلق النفس. في تلك الاوقات كان حمل قلبي يكاد يطحنني. كنت ارى بطل اغراضي و دناءة اعمالي. كنت احس انني سائر في الطريق المؤدي الى الهلاك، كنت احيانا اسمع اصواتا تحذرني "ارجع ... ارجع مادام هناك وقت!" و كانت نفسي تجاوب "سأرجع قبل فوات الاوان!" لم يكن حينئذ – وهذه الانذارات تحذرني – لم يكن الوقت قد فات، و كان القلق الداخلي يتطلب السلام، و كان ممكنا ان اصبح انسانا جديدا من جراء هذه الحرب ... لو انني حاربت و قاومت باخلاص. و لكنني لم افعل. على احسن تقدير كنت اقوم بجهود ضعيفة. في بعض الاحيان كنت افكر بخطاياي بكدر، بل في بعض الاوقات كنت افكر فيها بحزن، و لكن سرعان ما كانت تعاودني افكار الخفة و العبث و تعطل ضرب الاوتار الرقيقة التي للافكار العميقة الخاصة بالحياة الابدية. و بعدم اكتراث مجدد كنت اغوص ازيد فأزيد في تيار الملذات و استطيع بحق مما اختبرته في نفسي و ما رأيته في الاخرين ان اشهد بهذا الواقع المريع ان الروح الشرير له سلطان على ارواح البشر. كم من المرات يعتزم الانسان طريق الصلاح و يلتزم افضل العهود، و ان يترك الخطية، و يتوق الى سبل الحياة الابدية ثم يدخل المجرب قلبه، فيسقط اشد من الماضي. ويقولون انه لا شيطان! شيطان! ان الشيطان هو الذي يجرنا الى جهنم. الشيطان موجود. و عدده لجئون.
ربما تقول "كيف ان الله القوي، العادل، الشفوق يسمح للشرير بمثل هذه القوة المريعة للسيطرة على ارواح البشر؟ أ يكون هو الاب الكلي الحب، الكلي الرحمة و لا يخطفهم من مهلكهم حتى في لحظة ضعفهم؟"
أتشك في الله يا صديقي؟ أليس هو الذي يرسل ملائكته الاطهار لتحرس باب قلبك؟ من الذي وضع الضمير في داخلك؟ من الذي يجعلك تشعر و ترتعب من ثقل خطيتك؟ ان روحه هو العامل فينا. عندما نشعر اننا اخطأنا و عندما نشتاق ان نرقى الى حياة افضل، انه هو الذي يرينا اننا نستطيع ان نرقى الى حياة افضل ... ان كنا نريد....!

ولكن ارادتنا هي الخاطئة، اخلاصنا هو الخاطئ! ان ما يعمله الله لنا حتى في اللحظات الدقيقة اعظم بما لا يقاس مما يقدر ان يفعله بنا الشيطان و لكننا لا نصغي اليه رغم عظم محبته لنا. اننا لا نلتفت لغنى بركات النعمة التي يريد بها ان يخلصنا، اما الشيطان فيكفيه ان يزمر لنا حتى نهرع لاتباع اوامره.

الخميس، 7 فبراير 2013

سياحة المسيحي

لتحميل ملف باوربوينت عن "سياحة المسيحي" اضغط على هذا الرابط 
المسيحي يخرج من مدينة الهلاك:
بينما كنت اتجول في برية العالم جئت الى بقعة حيث وجدت مغارة فدخلت فيها لاستريح، فأخذتني سنة من النوم، فحلمت حلما فا بي ارى رجلا امسك كتابا بيده و اخذ قرأ و عندئذ ابتدأ يصرخ "ماذا ينبغي ان افعل؟" و في هه الحالة السيئة عاد الى بيته.

ماذا ينبغي أن أفعل؟
حاول المسيحيّ في البداية أن ينطوي على نفسه قدر المستطاع، حتّى يخفي بؤسه فلا يُلاحظ أحدٌ اضطرابه. لكنّه لم يستطع الاستمرار في كتم الأمر لأنّه ازداد اضطراباً وحزناً. فاضطرّ أخيراً لأن يفصح عمّا في نفسه لزوجته وأولاده، فقال لهم: "إنّني إنسانٌ هالِكٌ بسبب حِملٍ ثقيل يُثقِل كاهلي. وقد علمت بالتّأكيد أن ّمدينتنا هذه ستحترق بنار من السّماء، وفي هذا الدّمار المروّع، سوف نهلك جميعاً، أنا وأنتم، إن لم نجد وسيلةً ننجو بها من الهلاك".

فلمّا سمعوا كلامه عقدت الدّهشة ألسنتهم لأنّهم اعتقدوا أنّه قد أصيب بالجنون، فهم لم يسمعوه يتكلّم كلاماً كهذا من قبل. وإذ كان اللّيل قد هبط، أخذوه إلى فراشه لعلّ النّوم يُهدّئ من روعه، آملين أن تتحسّن حاله في الصّباح. ولمّا حلَّ الصّبح، إذا به قد صار إلى حالٍ أردأ ممّا كان عليه.

ولمّا عاد إلى حديثه معهم ،أظهروا تجلّدهم وبدأوا يلومونه ويوبّخونه. وعوضاً من مساندته، قابلوه بالجفاء والتّهكّم والسّخرية، ممّا اضطرّه إلى الانعزال في حجرته ليصلّي ويطلب الرّحمة لأجلهم. فالرّبّ هو خير ملاذ حتّى حين نواجه الاضطهاد من أفراد العائلة أو من الأصدقاء.


الإرشاد إلى الطّريق
لقد تفرّد "المسيحيّ" ببؤسه وشقائه، وصار يسير منفرداً في الحقول، لا يفكّر سوى في الدّينونة والغضب الآتيَين. وبينما كان يقرأ في كتابه ويصلّي صرخ كما فعل من قبل: " ماذا أفعل لكي أخلُص؟" راح يتلفّت هنا وهناك كما لو كان يريد الهرب، لكنّه وقف جامداً لأنّه لم يتمكّن من معرفة طريق الخلاص. فأتى إليه رجل يُدعى "المبشِّر" (المرسَل مِن الله) وسأله عن سبب صراخه. فأجابه "المسيحيّ" أنّه لا يريد أن يموت لأنّه لا يقدر على مواجهة الدّينونة، ويخشى من أنْ ينزل به الحِمل الّذي على ظهره إلى مكان أعمق من القبر فيذهب إلى الجحيم ("تُفتَةَ" بحسب إشعياء 30: 33).
عندئذٍ أعطاه "المبشِّر" دُرجاً ملفوفاً مكتوباً فيه: "اهْرُبوا مِنَ الغَضَب الآتي"، وأشار بإصبعه نحو بابٍ ضيّق طالِباً إليه أن يهرب إلى ذلك الباب ويقرع، وهناك سيُقال له ماذا ينبغي أن يفعل. فأخذ "المسيحيّ" يجري بعيداً عن بيته. لقد غادر مدينة الدّمار على الرّغم من توسّلات عائلته وأصدقائه ليرجع.
انْظُروا أن لا تَستَعفوا من مُرسَلي الله الّذين يكلّمونَكم بكلام الله.

بالوعة اليأس:
رافق "المسيحيّ" في طريقه واحدٌ من جيرانه يُدعى "المرِن". وفيما هما يتحدّثان، اقتربا من حمأة الأوحال تُعرف ببالوعة اليأس، وإذ لم ينتبها سقطا كلاهما في الطّين. ولأنّ "المسيحيّ" كان مُثقَلاً بحمله، غاص في الحمأة أكثر من زميله. وابتدأ "المرِن" يتذمّر ويحاول أن ينجو بنفسه، فقام بمحاولة خطرة وخرج من الوحل من جانب الحمأة الّذي في اتّجاه بيته، ومضى راجعاً.

أمّا "المسيحيّ" فظلّ يتخبّط في "بالوعة اليأس" بمفرده وهو يحاول الخروج من الجانب البعيد عن البيت والّذي يؤدّي الى الباب الضّيّق، ولكنّه لم يستطع بسبب حِمله. فجاء إليه رجلٌ يُدعى "المُنجِد" وسأله عمّا أصابه. فأخبره المسيحيّ أنّه كان في عجَلَة للوصول إلى الباب الضّيّق هرباً من الغضب الآتي، وإذ لم يتحفّظ لخطواته جنح عن الطّريق المرصوف وسقط في الوحل. مدّ "المُنجِد" يده فأمسك بالمسيحيّ وجذبه خارجاً، ثمّ أقامه على أرضٍ صلبة وأمره بأن يمضي في طريقه.
دعا "بنيان" هذه الحمأة "بالوعة اليأس" لأنّه عندما يتنبّه الخاطىء إلى حالته ويتيقّن من أنّه هالِك، تقوم في نفسه مخاوف كثيرة وشكوك وأفكار غير مشجِّعة لأنّ قلبه يبدو كحمأة مليئة بالزّبد والقذارة.
شكراً للرّبّ لأجل الإنجيل الّذي يُعطي الأمل للّذين تَبَكَّتوا على خطاياهم ويقودهم إلى الخلاص من حمأة الذّنوب.

بيت الناموسي
قابل المسيحي بعد ذلك رجلا يدعى"الحكيم الدنيوي" و هو يقطن مدينة "الحكمة الجسدية" الذي سأله عن حاله و نصحه ان يتخلص من الحمل الذي على ظهره اما المسيحي فاجابه : "ان هذا ما اسعى اليه، لكنني لا استطيع ان افعل هذا بنفسي و لهذا فانني اسير ف هذا الطريق لكي انال الخلاص من حملي"
الحكيم الدنيوي:"كيف شعرت لاول مرة بحملك هذا؟"
المسيحي :"بعدما قرأت في الكتاب الذي بيدي"
الحكيم الدنيوي: "و لكن لماذا تسير في هذه الطريق المحفوفة بالمخاطر ..ان في تلك القرية التي تسمى "الاخلاق" يقيم رجل مهب يدعى "الناموسي"، له مهارة فائقة في مساعدة الناس في التخلص من احمالهم"
المسيحي: "وكيف الوصول يا سيدي الي ذلك الرجل؟"
الحكيم الدنيوي: "سر في محاذاة هذه التلة و اول بيت يصادفك هو بيت الرجل
و عندئذ حول المسيحي وجهته ليطلب مساعدة "الناموسي" و لكنه ظهر له ان التلة شاهقة الارتفاع فتراجع عن المسير خوفا من ان تسقط فوقه و رأى بروقا و السنة من النيران تخرج فخاف ان يحترق، فوقف و هو مرتعب و مرتعد.
وعندئذ ابصر المبشر قادما نحوه و لامه على انحرافه عن الطريق .. فقال له المسيحي:"اسألك يا سيدي هل هناك امل في خلاصي؟ و هل في الامكان ان ارجع و اتجه نحو الباب الضيق؟"
المبشر:"فقط تحفظ لنفسك لئلا تبتعد مرة اخرى "فتبيد من الطريق لانه عن قريب يتقد غضبه"

المسيحي يدخل من الباب الضيق

و عندئذ استعد المسيحي لاستئناف السفر و ركض مسرعا و لم يطمئن حتى وصل الى الطريق الاولى و في وقت قصير وصل الى الباب الضيق فقرعه و هو يقول:
"يا ذا الصلاح و صاحب الاحسان
جئت بابك طالبا الغفران
هل تفتحن لي منعما
فاغدو لك شاكرا مرنما"

فتح الباب شخص يدعى "الاحسان" و هو يقول "ماذا تريد؟"
اجاب المسيحي "انني خاطئ و مسكين انوء تحت حمل ثقيل اتيت من مدينة الهلاك قاصدا الجبل المقدس لانجو من الغضب الاتي"
الاحسان:"ان امامك بابا مفتوحا لا يستطيع احد ان يغلقه" و اخذ يسأله عن حاله و اسرته و قصته و المسيحي يحكي له ما جرى له و كيف تبعه المرن لفترة ثم تركه و كيف مر بالحكيم الدنيوى و ببيت الناموسي ...
الاحسان: "اننا لا نعترض على احد فمهما كانت اعماله السالفة فمن يأتي الى هنا لا اخرجه خارجا و الان هلم معى فأريك الطريق التي تسلكها"
المسيحى: لكن الا توجد به شعاب تجعل المسافر يضل طريقه!"
الاحسان "بلى، هناك شعاب كثيرة تتفرع منه لكنها متعرجة وواسعة، و عليك ان تميز بين الطريق الصحيح و الطريق الخاطئ في ان الاول مستقيم و ضيق.. اما من جهة حملك فعليك ان تقنع به حتى تأتى الى مكان الخلاص و هناك سيسقط من تلقاء نفسه"

و عندئذ منطق المسيحي حقويه و استعد للرحيل و قال له الاحسان انه عند ذهابه سيصادف في طريقه بيت المفسر فحين يقرع بابه سيريه امورا عجيبة.



بيت المفسر
البهو المغبر
و بالفعل قرع المسيحي بيت المفسر.. اخذه بيده الى بهو (غرفة فسيحة) مغبر (تعلو ارضيتها طبقة من الغبار). امر المفسر احد الخدام ان يكنسه فما كان الا ان علا الغبار و ملأ الجو حتى كاد المسيحي يختنق فاسرع و طلب من فتاة كانت تقف بالقرب منه ان تحضر ماءا و ترش الحجرة فلما فعلت ذلك تم كنس الحجرة بسهولة "
فقال المسيحى :"وما معنى ذلك؟"
فاجاب المفسر: "الغبار يشير الى الخطية الاصلية و الفساد الداخلى في القلب و الشخص الذي رأيته يكنس في الاول هو الناموس الذي لم يكن في امكانه ان ينظف الغرفة اي القلب من الخطية بل قد احياها (رو7: 9) و اعطاها قوة (1كو15: 56) هذا بالرغم من انه يكشف عن وجودها و ينهي عنها ولكنه لا يعطي قوة لاخضاعها. و اما الفتاة فهى نعمة الانجيل في القلب فكما رأيت انه عندما رشت المياه اخمدت الغبار كذلك تنهزم الخطية بعمل الايمان..


المسيحي يصل الي الصليب
وما ان وصل الى الصليب حتى انحلت ربط النير و سقط الحمل من على منكبيه و ظل يتدحرج حتى وصل الى فم القبر فاختفى هناك. و عندئذ ابتهج المسيحي و طفر فرحا و بينما هو كذلك اذ بثلاثة رجال منيرين مقبلين اليه فحيوه قائلين :"سلام لك"

و قال له الاول "قد غفرت خطاياك"

و نزع الثاني عنه الثياب القذرة و البسه رداءا مزخرفا (زك3: 4)

اما الثالث فوضع سمه على جبهته (رؤ7: 3، 1يو2: 20, 27) و اعطاه درجا عليه ختم و امره ان يقرأ فيه فاذا ما وصل الى باب المدينة السماوية سلمه هناك.

وقفز المسيحي من الفرح و مضي يترنم قائلا:
بحثت عن الراحة و تعبت في التنقيب
فلم اجدها الا بجانب الصليب
حملى الثقيل ولىّ و قلبي استراح
و بدل الهموم حلت بي الافراح

سار المسيحي في طريقه فرحا..