السبت، 22 فبراير 2020

القيامة


القيامة:
راى النسوة الحجر الذي دحرج على القبر، لكنهن كن يجهلن ما عمله الرؤساء من ختم القبر واقامة الحراس عليه. بما ان صعوبة رفع الحجر التي يعرفنها لم تثنهن عن الواجب الحبي، ازال الله من امامهن ليس تلك فقط، بل ايضا ما خفي عنهن، من قبل العناية الالهية، رحمة بهن، لئلا يمنعهن عن تادية خدمتهن الشريفة. او ليس هناك الكثير مما تخفيه عنا العناية الالهية _ان لم نقل كله – رافة بنا؟
ارسل الله ملاكل ليفعل ما لاتستطيعه النسوة. لما وقع نظر المجدلية على القبر، ورات الباب مدحرجا. ظنت ان شخصا اخذ الجسد، فاسرعت تخبر التلاميذ. جاء يوحنا وبطرس مسرعين.. لم يكتف بطرس بنظرة من بعيد، بل دخله ليفحص بالتدقيق لعله يجد سببا يفسر فقدان الجسد. بعد المشاهدة مضى بطرس متعجبا، اما يوحنا فقد امن. بعد ان راى الدلالة الواضحة على ان غياب الجسد لم يكن عملا بشريا بل الهيا اي قيامة يقينية.
كان القبر الفارغ برهانا على القيامة. لانه لو ان الاعداء اخذوا الجسد، لفنّدوا القول انه قام، لان جسد الميت بحوزتهم. والمحبون لايجدون سبيلا الى اخذه لان ضعفهم وياسهم وختم الحكومةوالحراس وسطوة خصومهم موانع كافية تحول دون ذلك.
بعد ان راى بطرس ويوحنا القبر الفارغ رجع الى المدينة، اما النساء فمكثن عند القبر ثم دخلنه. وفيما هن محتارات ظهر لهن ملاك. وطمانهم ودعاهن لينظرن الموضع. وبينما هن خائفات ومنكسات وجوهن الى الارض ظهر لهن ملاكان بثياب براقة ، وبخاهن لانهن يطلبن الحي بين الاموات ودعاهن ليبشرن بقيامته التلاميذ وخص بالذكر التلميذ الساقط، بطرس.
عندما قام المسيح لم ترافقه الاكفان، فاكفان المسيح احدى صفحات قصة حياته، نام فيها حينا، لكنه تركها. وكل الذين يفتشون عنه في التاريخ – وكانه احد المشاهير القدماء – لا يجدونه. ذلك، لانه حاضر بيننا حيا غير منظور.والتاريخ لا يعلنه كما هو، بل تراه عينا الايمان. لان الماضي منه لا يفي بالمطلوب. نرى ذلك في تلاميذ المسيح، لان اختبارهم في المسيح قبل موته لم يف بالمطلوب . لانه صوّره لهم في قبره، فاحتاجوا لاختبار جديد يريهم اياه في جسد مجده.
المسيح يظهر لمريم المجدلية
كانت مريم المجدلية قد عادت الى القبر المقدس، بعد ان اخبرت بطرس ويوحنا فاخذها البكاء الشديد عند باب القبر. وانحنت لتنظر لاول مرة داخله، فما كان اعظم عجبها لرؤية ملاكين جالسين. لم يذكر انها دهشت كغيرها او جزعت عند رؤية الملاكين، لان تاثير الحزن الشديد في قلبها لم يترك للخوف مجالا.
وسالها الملاكين عن سبب بكاءها، ذلك لانها بكت لفراغ القبر، بينما هذا اعظم داع للسرور. كذلك نفعل مثلها، كم نحزن لامور حسبناها مصائب بينما هي اعظم بركات.
الظاهر ان رفيقاتها من النسوة ابتعدن، وانها لم تعلم بظهور الملاكين لهن. طلبت الجسد لتكفينه، فنالت اعظم من سؤالها. نظرت المسيح حيا، فاسرعت لتقبل قدميه. لكن المسيحج اوقفها، ليشعرها بالتغيير الكامل بعد قيامته واظهر لها السبب" لاني لم اصعد بعد الى ابي". اراد ان يفهمها ويفهمنا ان الواجب هو التمسك به بالروح لا بالجسد. فعلينا ان نعي ذلك "لان الله روح". فلا نطلب حضورا ملموسا له بالعيان. وانه عما قليل سيصعد الى ابيه (في طبيعته الالهية) والهه (فيطبيعته الانسانية).
شرّف المسيح تلاميذه بلقب جديد دلّ على لطفه وتواضعه. دعاهم قبلا تلاميذه واصدقاءه واحباءه، اما الان فيدعوهم "اخوتي". فما اعظمه من حب!
المسيح يظهر للنسوة :
ظهر المسيح ظهوره الثاني لا لتلاميذه بل للنساء وهن ذاهبات راكضان ليتممن وصية الملائكة.
حوّلت العناية الاهية شك التلاميذ الى اعظم براهين للقيامة. فشك التلاميذ زال شيئا فشيئا بتوال البراهين القاطعة. شكوا وقتا قصيرا لكيلا نشك نحن الى الابد.
الحراس يبلغون عن القيامة:
نسب الكهنة القيامة الى سرقة الجسد بينما كانت هي بالروح القدس. فصار ذلك تجديفا على الروح القدس. لو كان الايمان متوقفا على البراهين لامنوا لا محالة. لانهم راوا معجزاته 3 سنوات حتى انتهت باعظم اية- القيامة. الايمان هبة من الله اولا. وهو يتوقف على حالة القلب ومدى استعداده لقبول الهبة الالهية.فلا يتوهم صاحب البراهين انه يربح النفوس بمجرد الجدال، مهما كانت معارفة عظيمةولسانه طلق في البيان.

الاثنين، 17 فبراير 2020

رسالة بطرس اﻻولى


رسالة بطرس الاولى: "الكهنوت الملوكي"
رسالة يعقوب تتكلم عن الناموس الملوكي وتنبّر عليه، اما الاهتمام الاول لرسالة بطرس الاول فهو الكهنوت الملوكي، وهو الموضوع الذي اتخذه الكاتب اساسا لرسالته. هذه الرسالة هي احدى رسالتين تنسبان الى الرسول بطرس، ومع انه كان تلميذا ورسولا له الاولوية بين التلاميذ الا ان رسالتيه صغيرتان.
لم تظهر هذه الرسالة في قائمة الموراتوري بالكنيسة الغربية ويلوّح انها نهاية هذه القائمة قد تهرات فلم تظهر رسالتي بطرس بها ولا العبرانيين والا يعقوب.
كاتب الرسالة:
رغم شهادة التقليد الكنسي القوية من اباء مثل اكلمنضس السكندري وترتليان .. وشهادة الرسالة في افتتاحيتها (1: 1)، فان علماء العصر الحديث ينكرون نسبتها الى بطرس. ونجمل اعتراضاتهم والرد علبها في 3 نقاط هي:
ا- لغة الرسالة واسلوبها:
يدل على ان الكاتب تاثر بالترجمة السبعينية واقتبس منها اقتباسا مباشرا. والى جانب ذلك تتميز بغزارة مفرداته وسهولة تعبيره وصحة لغته من حيث القواعد والتراكيب، حتى ان اسلوبه اعتبر اكثر سهولة من اسلوب بولس الرسول نفسه.
هذا الاسلوب لا يمكن ان يصدر عن شخص وصف انه عامي (اع4: 13). على ان الاعتراض يمكن الرد عليه. فالرسالة نفسها تشهد بان الرسول استعان بسلوانس (5: 12). ولعله هو نفسه سيلا رفيق بولس.
ب- صعوبة تاريخية:
ذكرت الرسالة ان من وجهت اليهم الرسالة يعانون الاضطهاد ووصفتها بانها "بلوى محرقة"اي انه اضطهاد رسمي للدولة. ومعروف ان اضطهاد نيرون اقتصر على روما ولم يشمل – حسبما ذكرت الرسالة – المتغربين في بنتس و.. اي ان الاضطهاد كان اوسع مدى. ولهذا فان الرسالة تقصد اضطهادا متاخرا اي دومتيان (81- 96) او تراجان (98 – 117م).
الرد: ان الرسالة لم تذكر انه اضطهاد رسمي. والبلوى المحرقة قد تكون احدى الحوادث الفردية التي منى بها المسيحيون في مكان ما نتيجة كراهية الناس لهم.
اما الصعوبة التاريخية الثانية فهي ان الرسول لم يبشر هذه الكنائس ولكن الرد هوة انه ليس مستبعدا ان يكتب اليهم الرسول معزيا بعد ان فقدوا رسولهم العظيم بولس.
الصعوبة العقيدية:
يوجد تشابه مع افكار بولس. والرد انه لا يستغرب هذا وقد استعان بطرس بمرقس وسلوانس رفيقي بولس الرسول.
تاريخ كتابة الرسالة:
الرسالة تعكس حادث ضخم جعل المسيحيون يهربون هنا وهناك، فيسميهم الرسول "المتغربين من شتات بنتس و.." ويعتقد ان هذا الحادث هو قتل يعقوب اخي الرب بيد اليهود ، وهو امر حدث قبل خراب الهيكل سنة 7- م.
وهنام شاهد اخر هو موقف الرسول من الدولة اذ يقول "اخضعوا لكل ترتيب بشري من اجل الرب..". هذا الموقف كان مقبولا حتى عام 64 م حين شن نيرون اضطهاده.
مكان الكتابة:
ان الغالبية العظمى من العلماء توافق ان الرسول كتبها من روا . اما اسم بابل المذكور فقد كان شائعا عنها بين المسيحيين. او لان بابل هي رمز السبي والتغرب.
مضمون الرسالة:
لقد ادخل الامم ضمن اسرائيل الجديد.
1 – شعب في الشتات:
بينما يكتب يعقوب الى المسيحيين من اصل يهودي في كل العالم، يكتب بطرس الى الامم في مناطق محدودة ذكرها بالاسم (1:1).
شعب الطاعة:
يبني كلامه على ما حدث في (خر24: 7) حين تعهد الشعب بالطاعة. فالمسيحيون اذن اولاد الطاعة (1: 14). هذه الطاعة تطهرهم "طهروا انفسكم في طاعةالحق.."(1: 22).
شعب الكهنوت والهيكل:
ص2 و3 قسمين، الاول نظري والثاني تطبيقي.في القسم اللاهوتي يستخدم عدة اصطلاحات هامة يبنى عليها لاهوته. منها الخمر – البيت الروحي – لكهنوت المقدس. اما الحجر فانه يشير الى المسيح. وهو مقتبس من (اش28: 16) حيث يصفه انه كريم وفي (مز118: 2) يصفه انه مرفوض وفي اش8: 14 يصفه انه حجر عثرة. على ان هذا الحجر المرفوض بنى المؤمنين وجعلهم بيتا روحيا كهنوتا مقدسا (2: 5). هيكل مقدس تقدم فيه العبادة.

صلب المسيح



في درب الصليب:
كان 4 عساكر يسوقون المصلوب الى حيث يصلب. فلما راوا عجز يسوع عن حمل صليبه سخروا رجلا قيروانيا ليؤدي هذه المهمة. لم يوجد من يتبرع بهذه المساعدة بسبب ما يحمله الصليب من عار ولعنة. لكن ما كان عارا تحول فخرا. واصبح سمعان في مقدمة جيش من الشرفان لا يحصى لهم عدد من حاملي صليب المسيح.
المسيح يطلب الغفران لصاليبه:
كان الجنود معتادين على صراخ الغضب والشتائم والالفاظ الكفرية التي يصبها المصلوبون على رؤسهم والمرجح ان اللصين ماثلا غيرهما في ذلك. اما المسيح فسمعوه يصلي لاجلهم صلاة محبة في كلمته الاولى "يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون". ملتمسا لهم العذر. لكن المسيح لم يطلب لهم المعذرة والتبرئة بحجة جهلهم ما يفعلون لكنه طلب لهم الغفران بحجة ان خطيتهم اخف مما كانت لو عرفوا تماما من هو الذي يصلبونه. نذكر قول الرسول "لو عرفوا لما صلبوا رب المجد"(1كو2: 8).
كان المسيح عادة يلفظ الغفران كمن له سلطان على ذلك. لكنه الان يتكلم كمن يسامحه في حقه عليهم ويهتم بان يصرف عنهم الغضب الالهي.
لم يكن العسكر الروماني يعلمون ماذا يفعلون، لانهم في ظلام العبادة الوثنية.. ولا عرف رؤساء اليهود ماذا يفعلون، لانهم اغمضوا عيونهم عمدا ، فاتاهم العمى الذي ياتي كل من يحبس البصر طويلا.
هذا المصلوب مكلل بتاج من شوك. وكل ذي بصيرة يرى تيجانا اخرى تزين جمال محياه . في التاج الشوكي نرى رمزها. نراه متوجا بالحكمة العظيمة والقدرة الالهية والقداسة السماوية. وكان هذه التيجان تختلط لتؤلف تاجه الاعظم، تاج حبه الفدائي. وقد برهن العسكر الروماني – عن غير قصد – ان هذا المصلوب هو مسيح اليهود الحقيقي لانهم حين اقتسموا ثيابه اتموا النبوة "يقتسمون ثيابي بينهم". ولما وصلوا الى القميص المنسوج بغير خياطة اقترعوا عليه فاتموا بقية النبوة "على لباسي يقترعون". وبنزع ثيابه عنهم اتموا النبوة "احصوا كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون فيّ".
ما اعظم السخرية التي سمعها المسيح على الصليب. سخروا اولا على ما حرّفوه من كلامه عن نقض الهيكل وثانيا على قوله انه ابن الله وثالثا انه مخلص البشر ورابعا انه المسيح مختار الله وخامسا انه يدّعي انه يتكل على الله ، وسادسا لانه لما ساله بيلاطس "اانت ملك اليهود؟" اجاب بالايجاب.
حسب افكارهم السطحية كان الصليب تكذيبا كافيا لهذه التهم الستة.. لكن هذا الاستهزاء كان تميما للنبوة "كل الذين يرونني يستهزئون بي.."
اما استهزاء اللصين فيلقى عذرا اكثر ن غيره، لان تعذيبهما هيّج الشر في قلبيهما، ولانهما يفكران ان يحمسا هذا القدير ليخلص ذاته ان امكن فيخلصهما معه .
المسيح يرفض المخدر
(مت27: 33 و34):
لما بلغ الموكب محل الصلب قدموا مزيجا مخدرا له. كان اليهود يستهجنون عادة العقاب بالصلب. لذا الّف نساؤهم فرقة لاجل تخفيف الام من يصلب من قومهم، واستشهدوا بنصيحة سليمان في ام31: 6 فكان يمزجون اعشابا مخدرة ويقدمون هذا الشراب للمحكوم عليهم قبل ان يبداوا تعذيبهم. لكن المسيح قصد ان يشرب كاس الالم حتى ثمالتها. ورفض اقل تخفيف في صفاء فكره، لان عليه ان يوجه من هذا المنبر الجديد الذي يعتليه ان يوجّه كلاما جوهريا لسامعيه، وصلاة لابيه، وهذا يقتضي حفظ القوى العقلية سالمة تماما من التدهور. فلما ذاق الشراب وعرف ما هو رفض ان يشرب.
صلبوه بين لصين (مت27: 35-38):
يقال ان اللصين كان زميلا باراباس وان صلب المسيح كان معدا لرئيسهما بارباس، فحل المسيح محله. ويقال ان اسم بارباس كان يشوع اي مخلص – وباراباس كان اسمه الثاني ومعناه (ابن الاب)، وان اسمه جعله يتوهم انه يقدر ان يخلص شعبه من النير الروماني.

اليوم تكون معي في الفردوس:
لقد راى اللص تصرفات المسيح: سكوته وصبره وصلاته لاجل صاليبه، واحتماله تعييرات معيّريه وتعييرات رفيقه المصلوب معه، فامن وبدا يدافع عن المسيح بجراة عظيمة.
ما اغرب هذا الصوت في اذان السامعين، ولا سيما اذان المستهزئين. لص يقول للص "او انت لا تخاف الله؟". ويعترف بانه يستحق الصلب لاجل اثامه. ويسمي المصلوب بجانبه ربا وان له ملكوتا عتيدا. فصارت دموع اسفه على ماضيه كالعدسات في التلسكوب ، تمكنه من رؤية ما كان بعيدا عن ابصار الاخرين. لقد راى بالايمان ملكوتا روحيا ملكه هذا المصلوب.
كم من الالاف استفادوا وتشجعوا وخلصوا بسبب قدوة هذا اللص ومثاله. وكم من خاطئ قدم توبة وخلص ، لانه سمع بقبول توبة هذا اللص. اصبح هذا اللص كارزا بمثال توبته العجيب.
في الكتاب المقدس حادث واحد يشجّع الذي لم يتب في حياته السابقة على ان يقدم التوبة عند مماته. لكنه حادث وحيد لئلا يطمع كل خاطئ بسببه ويؤجل توبته الى ساعة مماته.
وعد المسيح اللص بسعادة بعد موته حالا. سعادة، يكون هو رفيقه فيها وفي هذا تمت نبوة اشعياء "وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين واثامهم هو يحملها".
مثل اللصان الجنس البشري باسره. اللص الهالك الهالكين. والص الذي خلص المخلصين. فبينما الكهنة في تلك الساعة يقدمون في الهيكل الحزمة التي هي باكورة حصاد الشعير قدم رئيس كهنتنا للاب السماوي باكورة حصاد الذين دعاهم بموته الى الخلاص.
المسيح يهتم بامه:
كان منظر تلك الام التي قارت الخمسين من عمرها ووجهها يمتلئ بالدموع السخينة، حقا مؤثرا. وحقا لا يعلم الا الله حزنها المفرط. فاهتمام المسيح بمقاصده الروحية واحتماله لالامه لم يشغله عن امه واحتياجاتها الجسدية والنفسية.
فنظر اليها بالحنان البنوي ثم نظر الى يوحنا لعلمه بانه افضل من يقوم بواجب الابن – حتى مما يفعله اخوته فاختاره وخصّه بهذا الشرف. ومن عدم ذكرها مع النساء اللاتي انزلن جسد المخلص من على الصليب نستدل ان المسيح امر يوحنا ان ياخذها حالا من هذا الموقف القاسي.
الهي ، لماذا تركتني:
لما انتصف النهار دخل المسيح في دور جديد فاق كل ما سبقه اهمية، فقد تمم نبوة اشعياء (اش53). وهنا اظلمت الشمس فكان الطبيعة لبست الحداد.
عند دخول المسيح الى العالم ظهر كوكب ليعلن مجيئه. وعند خروجه انحجبت الشمس لتعلن قرب تسليمه روحه. وبدلا من النور الباهر الذي اضاء ليلا على سهول بيت لحم عند ولادته ، هبط على النهار ظلام عم الارض كلها عند موته. والسر الطبيعي المكتوم في كيفية اظلام الشمس يقابله السر الاعمق في كيفية حلول الغضب الالهي على المسيح الانسان الكامل وابن الله.
والامر الذي يزيل كل ريب في تفسير هذا الظلام، هو كلمة المسيح الرابعة "الهي الهي، لماذا تركتني؟". سمع صرخته هذه عدد كاف من الناس فقد قالها بصوت عظيم، فعلموا ان الاب تركه في تلك الساعة، ليعلم العالم ان ذلك كان لاجل التكفير عن خطايا البشر. خصوصا وان صلاته اختلفت تماما عن كل صلاة اخرى ذكرت له. لم يصل كعادته "ايها الاب" او "يا ابتاه". بل "الهي الهي" – اي انه يشعر بفقاصل وقتي بينه وبين الاب، يمنع عنه حق مخاطبة ابيه. وذلك افضل برهان لتغيير العلاقة في تلك الساعة بينه وبين الاب – فقد كان في موقف النائب عن الجنس البشري . وفي هذا حقق النبوة (مز22: 1).
انا عطشان:
هوذا معطي ماء الحياة يقول "انا عطشان". لان عطشه كان جسديا، والماء الذي يعطيه هو للروح.
رفض المسيح ان يشرب هذا الشراب المنعش، لانه قصد ان يسلم روحه بكل ما يمكن من النشاط. فعند كلمته الخامسة تمت نبوة اخرى تقول "في عطشي يسقونني خلا"(مز69: 21).
قد اكمل:
قد اكمل الناموس الموسوي وانتهى العهد القديم وبدا الجديد. من الان فصاعدا لن يعود يخالط البشر كما كان يفعل، بل يظهر ظهورات متقطعة في جسد مجده الجديد امام تلاميذه فقط. ثم بعد ذلك يتوارى عن انظار العالم الى يوم مجيئه.
في يديك استودع روحي:
كانت الكلمة الرابعة تعبر عن انفصال وقتي بينه وبين الاب.. فبصراخ اخر عظيم مثله، يعلن للجميع زوال ذلك الانفصال تماما، ورضا ابيه بموته على الصليب، لانه يقول مصليا "في يديك استودع روحي". فاتم بهذه الكلمة نبوة جاءت في (مز31: 5). واظهر رجوع علاقته مع الاب لانه يقول "يا ابتاه". وبهذه العبارة المؤثرة والتي رددها بعده عدد غفير من تلاميذه في ساعات الاحتضار، ختم المسيح حياته.
لقد علق المسيح على الصليب ساعة تقديم الذبيحة الصباحية واسلم الروح في ساعة تقديم الذبيحة المسائية. ولم يكن الصلب يميت المصلوبين عادة في نفس اليوم.
الزلزلة وانشقاق حجاب الهيكل:
ارتجفت الطبيعة لموت رب الحياة. وانشق حجاب الهيكل اشارة لانتهاء العهد قديم. كان وجود الحجاب معناه عدم رضى الله وان السبيل اليه مغلق. الا ان رئيس الكهنة استثنى لانه يمثل رئيس الكهنة الحقيقي، ابن الاب. وكان الحجاب ايضا يرمز لجسد المسيح لانه يحجب ويعلن طبيعته الالهية في ان واحد. فبتمزيق جسد بن الله انفتح باب السماء. وكان لشق الحجاب ايضا معنى كبير يشمل زوال النظام الموسوي. المسيح في القبر
اسلم المسيح الروح قبل ان يبدا العيد العظيم بساعتين. كانت ثمة نبوة "عظم لا يكسر منه" فكيف تتم هذه النبوة بعد امر الوالي "ان يكسروا السيقان ويرفعوا". حين جاء العسكر الى يسوع وجدوا انه مات. لكن لو ترك المسيح لنقضت براهين موته. وهذا امر مهم. لانه وجد اناس انكروا حقيقة القيامة مدعين ان المسيح لم يمت بل كان مغشيا عليه ثم استفاق في قبره. فاستدركت العناية شكوكا كهذه ، فان واحدا طعن المسيح بحربة في جنبه فخرج دم وماء "والذى راى هذا شهد..".
مات فعلا:
حوّل المسيح بلمسة منه الاجسام السقيمة الى سليمة. وكذلك حول بلمسه صليبه الذي كان شعار اللعنة الى رمز التمدن وموضع الاكرام. هذا جعل الرسول يصرخ "اما انا فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح". واليوم يزداد الافتخار جيلا بعد جيل بالصليب.
دفن يسوع:
مع ان يوسف الرامي لم يتبع المسيح زمن انتصاره، الا انه تبعه يوم انكساره. قال الكتاب "تجاسر ودخل الى بيلاطس". فاثبت شرفه الحقيقي وصدق ايمانه. اشترك معه ايضا نيقوديموس باحضاره (مئة منا اي 15 رطلا من الطيب). مات المسيح مصلوبا منبوذا لكنه دفن كملك. يقول الكتاب "وجعل مع الاشرار محله ومع غني عند موته". فبالنظر الى غنى يوسف كان قبره "مغارة كبيرة".
حراسة القبر:
لا باس من تحويل النظر قليلا عن التلاميذ المحبين الى شيوخ اليهود المبغضين. كان ما سمعوه وراوه يوم الصليب مربكا لافكارهم، ماذا لو يكون كلام المسيح انه يقوم صحيحا؟ لذا فقد اخذوا اذن الوالي ان يحرسوا القبر. ولابد انهم افهموا الحراس ان عملهم الاساسي هو ان يقتلوا يسوع متى راوه قام من الموت كما قال.

محاكمات يسوع


بيلاطس يسجوب يسوع:
حصل كل هذا في العراء امام دار الولاية. وبعده دخل الوالي ودعا المسيح. فساله اولا بناءا على اتهام اليهود "اانت ملك..؟" ولم يجب المسيح بنعم، لئلا يؤخذ الجواب على معنى سياسي، بخلاف الواقع. ولم يستطع ان يقل لا ، لاه بالحقيقة ملك اليهود، بل ملك العالم كله بالمعنى الروحي.
اجابه المسيح "امن ذاتك تقول هذا، ام اخرون لك عني" اي هل تطلب ان تعرف حقيقتي ام انك تريد فقط ان تعرف صدق الرؤساء؟ فنفى بيلاطس انه يريد ان يعرف الحقيقة بقوله "العلى انا يهودي؟ اي لماذا اهتم ان اعرف مسيح اليهود. "امتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليّ. ماذا فعلت؟".
فحدثه المسيح عن ملكه الروي. لكن الوالي لم يكتف بهذا التصريح الروحي المبهم عنده.فطلب جوابا واضحا. فقال المسيح "انت تقول اني ملك. لهذا قد ولدت انا. لاشهد للحق..".
فقال بيلاطس بمزيج من الاستخفاف والاحترام، وهو خارج ليقابل اليهود في الفسحة الخارجية: "ما هو الحق؟" اي من يقدر ان يعرف الحق بين الاراء الدينية الكثيرة المتضاربة؟". هل هو بجانب الفلاسفة اليونان المتعبدين للجمال والهته ام الرومان المتعبدين للقوة والهتها ام اليهود المتعبدين لاله واحد هو روح لا صورة ظاهرة له .. ام بجانبك انت يا من تدّعي انك اتينت من السماء لتشهد للحق؟
سال بيلاطس "ما هو الحق؟" لكنه لم ينتظر ليعرف الجواب . ويوجد في كل عصر امثاله .. خرج الى اليهود ليخبرهم "لا يوجد به علة". لقد زرع فيه امراته ميلا الى المسيح. والامر ظاهر – انه كان يهاب المسيح.
عند هذا التصريح حدد اليهود شكايات متنوعة (لو23: 4 و5). لم يرض ان يجيب المسيح عنها. ولما ساله الوالي لماذا لا يدافع عن نفسه، لم يجبه بكلمة، لانه يعلم ان كلامه يكون عبثا. وبهذا يعطينا السيد درسا الا ندخل في جدالات غبية. تعجب الوالي من هذا السكوت، وجدد شهادته ببراءة المسيح. فغضب اليهود وجددوا الشكوى بانه يثير الفتنة ليس فقط في ولاية بيلاطس بل ايضا في وطنه اي ولاية هيرودس انتيباس. ذكروا الجليل لان الجليليين كان لهم سابقة في اثارة الفتنة (لو13). لكنهم سرعان ما ندم الرؤساء على قولهم هذا، لانه ادى الى بطء جديد في تنفيذ مخططهم. فقد جعلوا الوالي يفكر في التخلص من الورطة باحالتها الى حاكم الجليل اليهودي، رغم ما بينهما من الخلاف الشديد. وهو يحسب انه بهذه الاحالة يتخلص من المسؤلية ويريح ضميره، كما انه يكون فيها شئ من الاسترضاء فينتهي العداء بينه وبين هيرودس، فنجح في الغاية الثانية، ولم ينجح في الاولى.
يسوع يحاكم امام هيرودس:
(لو23: 6-12)
فرح هيرودس برؤيته يسوع ، ليس فقط لافتخاره بتنازل الوالي الروماني له، بل لانه منذ زمان كثير يشتهي ان يرى المسيح.. وكم من كثيرين يشتهون هذه الشهوة لكنهم لا يتممونها – مع انها في مقدرتهم – اذ تشغلهم مشاغل العالم الباطلة او انهم غير جادين في مسعاهم.
فحص هيرودس المسيح بكلام كثير لم يحفظ منه شئ. كان هيرودس قد اقط صوت الله من خلال المعمدان. والان لا يكلمه ابن الله بشئ.
بيلاطس يحاول ان ينقذ يسوع
(لو23: 13- 25):
دعا بيلاطس هذه المرة الشعب. لعله يحصل منه على مساندة ضد مكيدة الرؤساء. ثم اقترح على اليهود "انا اؤدبه واطلقه". بيلاطس يؤدب المسيح بعد ان برأه تماما، الامران ضدان. هذا بداءة خطاه، الذي جره الى اخطاء اعظم.
كان بيلاطس يظن ان الجمهور ليس مدفوعا كالرؤساء بعوامل الحسد ليفضلوا لصا صانع فتنة على صانع المعجزات .. ثم دخل بعد سؤاله، وجلس على كرسي الولاية ليعطي فرصة للجمهور ليقرروا.
وصية زوجة بيلاطس (مت27: 19-26أ):
لابد ان ذلك الحلم ترك اثره عليه، لانه ثل جميع الوثنيين تحت سلطة الخرافات. ولكن بينما كانت اسباب تبرئة المسيح تزيد في دار الولاية كان العكس تماما في خارجها لان الرؤساء بذلوا جهدهم لاقناع الجمهور بقتل المسيحي بداعي ان جريمة من جدف واراد ان ينقض الهيكل اعظم ممن اثار فتنة.
غير ان بيلاطس حاول ثلاثا ان يتخلص من المسؤلية دون جدوى. فقد اثار اقتراحه بتاديب المسيح طمعهم بان يجعلوا الوالي يرضخ تماما لارادتهم. واخيرا راى ان يلقي مسؤلية الدم على اليهود بطقس كان في شريعتهم. وعرف اليهود معنى غسل بيلاطس ليديه، وقبلوا ان يتحملوا هم المسؤلية.
جلد المسيح
(مت27: 26 ب – 30):
لعل بيلاطس كان يأمل ان اليهود بعدما يروا المسيح في هيئته وقد تغيرت بسبب الجلد. انهم يكتفون بهذا، لكن اليهود قساة القلوب ضضجوا طالبين ان يصلب.
كان بيلاطس قد تحقق من صلاح المسيح فلما سمع انه ابن الله ازداد خوفا، ورجع الى المسيح يسال "من اين انت؟". فقابل المسيح سؤال الوالي الجدي الجديد بالسكوت. لكن الوالي لم يتعود عدم اجابة اسئلته، وهو لا يحتمل ذلك فقال له "اما تكلمني؟ الست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك؟". من هذا الذي يدّعي بالسلطان؟ هل لبيلاطس سلطانا على القانون ليخالفه او العدالة ليدوسها؟ هل له سلطانا على نفسه ليقاوم خوفه او ليتبع ضميره؟ هل له سلطانا على ذلك المتهم الماثل امامه ليزحزحه قيد انملة عن استقامته وقصده؟ كان اشرف لبيلاطس الا يتلفظ بكلمة عن السلطان، في ساعة الخضوع لرعاياه في الظلم والقسوة.
راى المسيح ان هذا الادعاء يستحق الجواب، ويتطلب منه اظهار عظمته وسلطانه الحقيقيين. فقال له: "لم يكن لك عليّ سلطان البتة..لذلك الذي اسلمني لك له خطية اعظم". من هنا نعرف ان المسيح عظّم خطية الرئيس اليهودي على خطية بيلاطس. بيلاطس مدفوع من رئيس الكهنة لكن رئيس الكهنة مدفوع من عواطفه الشريرة.
هزت اجابة المسيح بيلاطس، فاراد ان يطلق يسوع حرا. وعندما فرغت كل حيل الرؤساء لجاوا الى التهديد.
لو كان بيلاطس صادقا لكان التهديد يزيد عزمه على مقاومتهم. لانه لا شئ يثبت المستقيم في عزمه قدر التهديد.
لكن اليهود هددوا بصراخهم "ان اطلقت هذا فلست محبا لقيصر". بالفعل كان قيصر ينتظر اي سبب لعزله. اناخت الضربة الاخرة بيلاطس تماما.
جلس على كرسي الحكم وقال "هوذا ملككم" ليثير فيهم النخوة الدينية والوطنية. فاجابوا "ليس لنا ملك الا قيصر". اعتبروا ان مايقولونه حكمة سياسية. ولم يعرفوا ان بقولهم هذا ختموا على النبوة بزوال قضيب الملك من نسل داود متى جاء المسيح "شيلون"(تك49: 10).
المسيح يسقط تحت حمل صليبه
(مت27: 31- 34):
كتبت العبارة "يسوع الناصري ملك اليهود" بثلاث لغات: العبرانية، لغة الدجين، فكان ابن داود وابن الله. واليونانية لغة الفلسفة والعلم لانه نور العالم والحق الازلي. واللاتينية لغة السياسة لانه ملك اسرائيل وملك الملوك ورب الارباب.
اعترض اليهود على ما كتبه. لكن بيلاطس اراد بالتزوير انتقاما منهم بسبب ضغطهم عليه. فصار العار على اليهود الذين صلبوا ملكهم الذي ينتظرونه من الاف السنين. اصر بيلاطس على ما فعل. هذا الذي سال استخفافا "ما هو الحق؟" خدم الحق وهو لا يدري.
اعترض المسيح على بكاء النساء – مع ان هذا البكاء هو الشئ الوحيد الذي يعبر عن مشاعر المحبة في هذا اليوم. اعترض عليه مع انه لم يعترض على شئ مما وقع من عداء لانه المحب الصفوح. ان البكاء على نفوسهم اولى. لانه يرى ما سيحل بهم يجعل الناس يطوبون من لا نسل له، وتجعلهم يرون الموت رحمة لا نقمة بسبب النكبات التي تحل بهم.
لقد فعل الرومان به هذا وهو عود رطب به صلاح، فكيف يفعلون بهم وهم اشبه بالعود ليابس الذي لا خير يرجى منه. راى المسيح اليوم الذي تنصب فيه الصلبان الكثيرة العدد والمعلقون عليهم هم صالبوه وعيالهم.

فصول الباراقليط



الحديث اﻻخير:
بعد ان رسم المسيح فريضة العشاء الرباني نجده يلقي حديثا شمل ص14-16 وتسميها الكنيسة فصول الباراقليط. نراها كلاما مدهشا من انسان يعلم جيدا ان تلاميذه يتشتتون وقبل غروب شمس الغد يكون هو جسدا معلقا على صليب. فباي حق يتكلم كغالب وليس كمغلوب. اي تفسير سوى انه الله الذي ظهر في الجسد.
ثم تنتقل افكاره من تلاميذه الى ما يجري في المدينة ، لانه يرى ما لا يرونه ، ويرى خلف المؤامرات التي تتم، ابليس فيقول "رئيس هذا العالم ات، وليس له فيّ شئ". كان للشيطان في كل نبي شئ ولكن المسيح كان بلا خطية.
ثم علّم المسيح ان علاقته بهم متينة كعلاقة اصل الكرمة باغصانها. وعلمهم ان اهم شئ فيهم وفيه هو الاثمار لانه بهذا يتمجد الاب.ثم صرح بركن متين لايمانهم- لقد اختارهم قبل ان يختاروه. وجعل مقياس حبهم له هو حفظ وصية المحبة الاخوية. وشجعهم لاجل سني الاضطهاد التي ستحيق بهم.
حزن التلاميذ لانه فوق حزنهم على مفارقته لهم، يطلب اليهم ان يتوقعوا الاضطهاد المميت. فنبههم الى فوائد المصيبة الاولى: "خير لكم ان انطلق،لانه ان لم انطلق لا ياتيكم المعزي".
الصلاة الشفاعية
بعد ان انتهى المسيح من تعليمه نجده يرفع عينيه نحو السماء في صلاة. والتي هي اعظم ما كتب من صلوات، وتستحق ان تطالع بدقة وان يلاحظ ارتباطها مع الخطاب الذي سبقها. ملاى باصوات المجد والابتهاج .
الصليب والقيامة
كل قادم وراءه نور ، يسبقه ظله. فالصليب قادم ووراءه نور الخلاص، لذلك يظهر ظله الان كثيفا. كانت هذه المشاهد في جثسيماني ضرورية لاعلان بشريته كما كان مشهد التجلي ضروريا لاعلان لاهوته. قد اراهم المسيح في جبل التجلي شمس عظمته في افقها الارضي، وهو هو في جثسيماني يريهم بدايءة كسوفها في الام اتضاعه، كسوفا لا يقل عجبا عن مجدها.
يهوذا يقود الرؤساء:
نعود الى يهوذا. لقد قضى ساعات مع رؤساء الكهنة يخطط لنجاح مشروعهم. طمان الرؤاء ان المسيح لن يستخدم قوته المعجزية ليتخلص منهم، اذ قد اعلن مرارا نيته ان يسلم نفسه للصليب. لكنهم لم يجدوه في العلية، فراى ان يفتشوا عنه في بستان جثسيماني، حيث يرجح وجوده. اذ ان السيد قضى كثير من الليالي هناك. ولئلا يقع خطا فيقبضوا على احد التلاميذ، اتفقوا ان يعطيهم علامة تقيهم حدوث خطا.
عمل السيد عملا لينقذ يهوذا من شروره اذ يخاطبه بهذه العبارة "يا صاحب.." ثم يتساءل عن سب مجيئه.. وعلى الفور يعلن انه يعرف كل الخفايا. وما عمله السيد فيه درس لكل صيادي النفوس، اذ يجعلهم يتمسكون الى النهاية بتخليص النفوس الهالكة مهما توغلت في الاثام.
يظهر ان يهوذا وبعض القادة دخلوا لبستان، بينما بقى الاخرون ينتظرون خارجا اوامر القادة. وعندما خرج يهوذا مع المسيح من البستان راى المسيح الجمع المحتشد بالاسلحة فكان همه الاول ان يحمي تلاميذه من الضرر فقال:
"من تطلبون؟" اجابوه "يسوع الناصري". فقال لهم: "انا هو" فرجعوا الى الوراء وسقطوا. بهذا اتضح لهم انهم لن يقدروا ان ياخذوه بدون ارادته.
ولما نهضوا اعاد السيد السؤال، فاجابوا بنفس الكلام، دون ان يجرؤا على التقدم. لذا قال لهم "قد قلت لكم اني انا هو. فان كنتم تطلبوني فدعوا هؤلاء". وقف امامهم كامر فاطاعوا.
لم ينصرف التلاميذ عن قول السيد "دعوا هؤلاء يذهبون" اذ انهم تذكروا وعودهم السابقة له.. ولما راوا السيد يوثق. سالوا بحماس بعبارة التعظيم امام الخصوم "يا رب، انضرب بالسيف؟".
ولم ينتظر بطرس سماع الاجابة فضرب العبد المتقدم على راسه ولكنه اصاب اذنه فقط. واهتم المسيح باصلاح الخطا اولا، فاجرى معجزة. ثم اظهر استياءه مما فعله بطرس وقال "رد سيفك..". وذكره بالحكمة القديمة "الذين ياخذون السيف بالسيف يؤخذون". ثم علمه انه لا يحتاج الى بشر ليخلصونه. فهو ممكن ان يطلب من ابيه فيرسل 12 فرقة من الملائكة. او لا يعلم بطرس ان ما يحدث انما لكي تتم النبوات؟
بطرس ينكر المسيح
لما راى بطرس شدة الخطر المحيق به وعرف ان الانكار البسيط كالسابق لا يكفيه، اخذ يحلف ويلعن مؤكدا انه لا يعرف المسيح.
لم يفرغ بطرس من انكاره الفظيع الا وصاح الديك ثانية. وكان المسيح ينتظر هذا الصياح لينقذ تلميذه من الوهدة التي سقط فيها. فحوّل اهتمامه من عذابه في تلك المحاكمة ليسل عن نفس هذا البطل الساقط، وادار وجهه عن رئيس الكهنة والرؤساء لينظر باتجاه الدار الخارجية التي تجمع فيها الخدم. التفت الى بطرس والتقت عينا المسيح بعينا تلميذه. واسر المسيح قلب بطرس بلفتة الحب المقترن بالحزن، فبدات دموعه تسيل نهرا. وحلت التوبة محل الجحود والانكار، فعلم ان خطيته غفرت وان صلاة المسيح لاجله استجيبتالمسيح الذي خلص بطرس ينجي كل من ينظر اليه بالايمان.
محاكمة المسيح صباحا:
كانت المحاكمة في الليل غير قانونية – وما ان اشرق صباح يوم الجمعة حتى قرر شيوخ اليهود ان يصدروا حكمهم الذي اتفقوا عليه خلال الليل. ولما عقدوا جلستهم الرسمية سألوه ان كان هو المسيح المنتظر، فاجابهم: "ان قلت لكم لا تصدقون، وان سالت لا تجيبوني". ثم كرر عبارته السابقة بخصوص جلوسه عن يمين القوةفحكم هذا المجلس على المسيح بالاعدام لارتكابه التجديف.
كان لابد ان يصادق الوالي الروماني على هذا الحكم. ولما كان اليوم التالي من ايام عيد الفصح التي تدوم اسبوعا. كان عليهم ان يسرعوا للحصول على موافقة بيلاطس، لانه لو لم ينفذ هذا الحكم يوم الجمعة لاقتضى الامر تاجيله اسبوعا كاملا. ومن يدري ماذا يحدث خلال هذا الاسبوع؟ سيحاول الشعب ان يخلصه من الحاكم الظالم.
ما هذه الصورة المؤسفة؟ ها رؤساء الشعب معلمو الشريعة يسيرون في مقدمة جمع في شوارع المدينة المقدسة ليسلموا مسيحهم ورجاءهم الوحيد، ورجاء العالم اجمع الى وال قاس وثني ليصلبه.
يهوذا ينتحر:
لما راى يهوذا المحاكمة ماضية وان المسيح ماض للموت.. القى بالفضة في وجه الرؤساء. ولكن تمسكهم الظاهري بالشريعة جعلهم يرفضون اعادتها للخزانة، فتغلبوا على المشكلة بان اشتروا حقل جعلوه مقبرة للغرباء.
ولما راى يهوذا ذلك ندم ، لكن ندمه كان مختلفا عن ندم بطرس، فقد سعى ليصلح امره مع البشر فقط. اعترف للبشر اولا، فلقى الفشل الذي يصيب كل من يقدم للبشر اولا اعترافه. توهم انه قادر ان يصلح ما فعل وهذا مستحيل. كان عليه ان يطلب من الله الغفران وان يصلح ما افسده هو.
مضى وخنق نفسه فسقط على وجهه وانشق من وسطه فانسكبت احشائه. هذه لمحة من عذاب جهنم ابرق منها على العالم عبرة ومثالا. فمن ذا لا يتعظ بها؟
يسوع يحاكم امام بيلاطس:
اهتم الرؤساء ان يتصرف بيلاطس معهم – حسب عادته – فلا يفحص القضية. كانوا يخشون ان فحص القضية يلغي حكمهم الظالم. ولما كانت شريعتهم تقول ان دخولهم دار الولاية ينجسهم، تساهل الوالي فخرج اليهم.
كانت التهمة الاولى – انه يفسد الامة ؟.. ولكن لو صح هذا لكان بيلاطس عرف ذلك بواسطة جواسيسه دون تدخل الرؤساء الذين لا تسيئهم الفتنة ضد الحكومة.
كانت الجريمة الثانية – انه يمنع ان تعطى جزية لقيصر. وهذا ما حاولوا ان يجعلوا المسيح يقوله. لكن المسيح قال "اعطوا ما لقيصر لقيصر..".
التهمة الثالثة – "انه يقول انه مسيح ملك" وهذا ايضا كذب. فالمسيح رفض ان يصير ملكا. كما ان بيلاطس يعلم انهم لن يسلموا اليه شخصا للقتل بهذه التهمة لو كان صحيحا فطالما سعوا الى التخلص من الحكم الروماني.
فاجابهم الوالي بنفور: "خذوه انتم واحكموا عليه سب ناموسكم". مع انه لا علاقة بهذه الجرائم والناموس. وكانه يقول لهم "لا تستطيعون ان تفعلوا ما تشاءون بدوني، وانا لا لخضع لمطلبكم بدون فحص". فاضطر الرؤساء الى التذلل "لا يجوز لنا ان نقتل احدا" اي غير مسموح لنا، فقد سلب الحكمالروماني هذا الحق منهم.

السبت، 15 فبراير 2020

المسيح يأكل الفصح مع نلاميذه


راينا المسيح فيما سبق له سلطانا على الهيكل فطهّره، وعلى السبت فحرره، وعلى الشريعة ففسرها، والان نراه يتسلط على الفصح العبراني ويغيّره. قضت الفريضة في التوراة ان تمارس كل عائلة العشاء الطقسي معا، ولكن المسيح فضّل العلاقات الروحية عن الجسدية. فجعل تلاميذه اهل عائلته وفقا لقوله: "من امي واخوتي؟ من يصنع مشيئة الله هو اخي واختي وامي". لقد كانت امه وقت الفصح في اورشليم ومعها اخوته. فيكونوا قد مارسوا الفصح في مكان اخر منفصلين عن قرينهم الاعظم. 
في هذا العشاء امتزج الفرح والحزن. ابتهج يسوع فقال "شهوة اشتهيت ان اكل هذا الفصح معكم". ابتهج وهو يقيم هذا الطقس الملئ بالمعاني والذي يرمز الى عمله الخلاصي، الذي سيتممه سريعا، لان ساعته اقتربت. 
ولكن مع بهجته هذه نراه يكتئب، لان سعيه كل هذه المدة لاصلاح يهوذا ذهب ادراج الرياح. ومرارة هذه الخيانة اصعب من مرارة مقاومة الرؤساء. يكتئب لانه يعرف ان تلاميذه يشكون فيه تلك الليلة وتتحقق النبوة "اضرب الراعي فتتبدد الرعية. وهو يكتئب كابن للانسان، لما يعرف انه ينتظره من الام جسدية، والام نفسية هي الاصعب.
غمس السيد لقمة بالاعشاب المرة وناولها ليهوذا. ومع تناول يهوذا اللقمة "دخله الشيطان". اي قوّى سيطرته عليه.
خهرج يهوذا للوقت "وكان ليل". اي ليل هذا؟! انه ليل ليس بعده الا ليال اظلم منه بما لا يقاس في الدينونة الابدية. واي مقام شريف هبط منه يهوذا الى الخيانة ، ثم بعدها الى الياس والعذاب والعقاب الابدي؟!
سقط يهوذا من هذا النعيم الى هذا الجحيم تدريجيا كغيره. كان سهلا عليه ان يقاوم ميوله الفاسدة وان يقبل الوسائط الحسنة والفرص الكثيرة التي قدمها له السيد، ولكنه رفض فقويت عليه ميوله واهلكته.
خرج الاسخريوطي ليبحث عن شركائه الجدد ويخبرهم بمكان المسيح. وهنا ارتفع عن قلب السيد ثقل فقال "الان تمجد ابن الانسان وتمجد الله فيه؟. وان الله سيمجده في ذاته سريعا".
هنا تاكد التلاميذ ان سيدهم سيسلم الى صالبيه. لكنهم لم يدركوا معنى ذلك. فاوضح لهم ذلك المعنى بواسطة فريضة حسية هي العشاء الرباني الجديد، الذي ربطه بعشاء الفصح القديم، ليسهل عليهم قبوله.
اخذ المسيح قطعة من خبز الفطير الذي يشير الى الخلو من الخمير العتيق والشر. في الشكر ذكر انه عند تناول خيرات الارض نشكر رب السماء. في التكسير نذكر انه كما ان الخبز لا يحي الاجساد الا بعد كسره، كذلك لا يحيي المسيح موتى الخطية الا بعد صليبه. وفي المباركة ذكرهم انه صاحب السلطان المعطي للبركة. وفي اعطائه لهم ذكرهم انه "الطريق الوحيد للاب. وفي قوله "خذوا كلوا" ذكرهم ان ما يفعله لا ياتي بنتيجة ان لم ياخذوه روحيا بفعل روحي يماثل الاكل الجسدي.
سبق له ان قال لهم منذ سنة في مجمع كفرناحوم عن اكل جسده (يو6). ويكفي الكلام القديم لتفسير ما قاله لهم للتو.
ثم قال المسيح عن الكاس "هذا دمي". كان للدم اهمية عظمى منذ قبول الله ذبيحة هابيل الدموية ورفضه ذبيحة قايين غير الدموية. وكان سفك الدم اساسي النظام الموسوي كله. ينقذ حمل الله الخاطئ من الهلاك الابدي.
في قوله "اصنعوا هذا لذكري" اوجب على المؤمنين في كل عصور اقامة هذا السر المقدس.
وهذا العشاء دليل ايضا الاشتراك الاخوي بين المؤمنين وعربونه ايضا. لذلك قال المسيح بعدها "يا اولادي، وصية جديدة انا اعطيكم؟، ان تحبوا بعضكم بعضا". هذا هو الحب الاخوي كقول الرسول "اننا اعضاء بعضنا بعض.. جسد واحد لاننا نشترك في الخبز الواحد"01كو10).
لما قال المسيح انه سيفارقهم اعترض بطرس وتحمس كعادته. وكان كلامه جميلا نابعا عن نية صادقة وحب قلبي، لكنه لم يكن مدركا لضعفه. لذا قال له المسيح اانه سينكره.. ولئلا يشمت التلاميذ ببطرس اردف: "كلكم تشكون فيّ.." اي تتركوني.. كان المسيح قد اوصاهم للتو ان "يحبوا بعضهم بعضا" فخالف بطرس هذه الوصية حينما افرز نفسه من بين التلاميذ بقوله "وان شك الجميع فيك فانا لا اشك". انه خالف روح هذه الوصية حينما دفع عن نفسه التهمة ولم يدافع عن اخوته. انه سلم ضمنيا بسقوط اخوته وعدم سقوطه هو ولم يتعظ بتحذير سليمان "قبل الكسر الكبرياء.."(ام16: 18).
اراد المسيح ان يشجع بطرس ويعطيه نافذة رجاء بعد سقوطه الوشيك فقال "لكني طلبت من اجلك لكي لا يفنى ايمانك.. وانت متى رجعت ثبت اخوتك". 
من قول المسيح "الشيطان طلبكم" نعلم ان ابليس يخطط وان الله يسمح له احيانا لمقاصد خيرية بحتة. ميّز المسيح بطرس بشفاعته. لان سقوطه سيكون اشر من باقي التلاميذ. وطلبته لم تكن "لئلا يتزعزع ايمانه" بل لئلا يفنى – وهذا درس يحتاجه بطرس ليتعلم التواضع.
علم المسيح بطرس ان عليه الاهتمام باخوته حين ينهض من كبوته، فيعطيهم من اختباره مثالا نافعا. كرر بطرس انكاره لكلام المسيح مرة اخرى وثلثا.. وهو لا يعلم انه بهذا يجعل المسيح كاذبا. فارتقاء المؤمن النجاح الروحي عليه ان ينتبه لنصيحة الرسول "من هو قائم فليحذر الا يسقط".
ثم ذكّر المسيح تلاميذه بعنايته لهم ، فانه عندما ارسلهم للكرازة لم يحتاجوا لشئ، لكن الاحوال تغيرت الان. فعندما ارسلهم للكرازة الاولى كان ذلك لفترة قصيرة وتم في وطنهم، اما الان فانهم يسافرون طويلا ليكرزوا بين الغرباء، فيلزم ان يتغير الامر. فلياخذوا معهم نقودا. ومن ليس له نقود فليبع ثوبه ويشتري سيفل للدفاع عن النفس ضد اللصوص. والمسيح يقصد ان يستخدم المؤمن حكمته في الدفاع عن نفسه، عندما يقف العالم ضده.
وواضح ان المسيح لم يتكلم عن دفاع تلاميذه عنه بالسيف، لذلك حينما قال "يا رب ههنا سيفان" قال لهم "يكفي" وهي كلمة كان علماء اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض تلاميذهم. اذا لم يفهم التلاميذ قصد المعلم، لذلك قال "من ياخذ بالسيف بالسيف يهلك". اذا لم يكن المسيح يطالب تلاميذه بالعنف.

في عيد الحب


في اجتماع الشباب وكان اليوم يوافق عيد الحب، او عيد الفالانتين العالمي، وهو يوافق يوم 14 فبراير من كل عام. عيد الحب من اوسع الاعياد انتشارا واعظمها بهجة، اذ تمتلئ محلات الهدايا بالقلوب الحمراء ومختلف الهدايا الاخرى التي يتهادى بها المحبين.
بطبيعة الحال كانت الكلمة التي القيت من الخادمة امل ظريف عن عيد الحب. بدأت بالسؤال للحاضرين، عمن يعرف لماذا سمى العيد بالفالانتين. وكانت الاجابة معروفة من الجميع تقريبا، انه ينسب للقديس فالانتينوس. وكانت قصة العيد، ان الامبراطور كلوديوس الثاني الروماني اصدر قرارا بمنع الجنود من الزواج، اعتقادا منه ان الزواج يجعل الجنود يقصرون في اداء عملهم العسكري، ويثبط من عزيمتهم وشجاعتهم عند خوض المعارك. وكان الاب فالانتينوس يقوم بعقد سر الزيجة للجنود راغبي الزواج، لانه عرف ان قرار الامبراطور ضد مشيئة الله. حينما عرف الامبراطور ذلك، القاه في السجن باقي حياته وفي رواية اخرى انه امر باعدامه.
السؤال التالي مباشرة كان: ما هو تعريف الحب؟
وطبعا اختلفت التعريفات بين الشباب والشابات، فكل شخص له رؤية خاصة للحب. لكن ما يلفت النظر ان الاجابة من جانب 3 فتيات كانت واحدة وهي الاحتواء. طبعا انا ككاتب لهذه التدوينة، ولاني رجل، لا اعرف ماذا تقصد الفتاة بهذه الكلمة. احد الشباب اجاب، "الحب فراغ". كانت اجابة صادمة للوهلة الاولى. لكن الصدمة تزول حينما سألته مس امل عما يقصد بكلمة "الحب فراغ". اجاب انه فراغ في القلب، يجعله يشعر ان هناك فراغا في حياته يحتاج لشخص اخر ليملأه. وافقته المتكلمة وكذا الكثيرين بان "الحب احتياج نفسي". الحاجة الى الحب احد درجات هرم ماسلو الشهير لاحتياجات الانسان الاساسية في الحياة.
انتقلت المتكلمة الى استطراد لهذه الفكرة "الحب حاجة". بان ذكرت ما يدعمها من قصة الخلق. الله قبل ان يخلق حواء. انتظر على ادم حتى شعر بهذه الحاجة. "واما ادم فلم يجد له نظيرا". كان ممكن بالطبع ان يخلق الاثنان معا من البداية. لكنه جعل حواء تخرج من ادم بهذه الطريقة الفريدة، اصبحت حواء جزء منه ، حتى قال ادم "هذه عظم من عظامي ولحم من لحمي". لذا حين يتحدان معا من خلال سر الزيجة المقدس، لا يشعر اي منهما انه غريب عن الاخر.
سألتها: لماذا يوجد عيدين للحب وليس عيد واخد كباقي الاعياد؟
اجابت: يوجد العيد العالمي 14 فبراير، ويوجد عيد مصري للحب يوم 4 نوفمبر.
سالها احدهم: وما الفرق بينهما؟
اجابت ساخرة: مثلما نقول "ما تقولش كوكاكولا. بل قل: بيبسي كولا".
انتقل الكلام بطبيعة الحال عن دوافع الحب واسبابه. وذكر احدهم الحب يجب ان يكون "حبا غير مشروط".
ذكرتني هذه العبارة بمقولة سمعتها من الاعلامي اللبناني الشهير جورج قرداحي وهي "الحب ليس له سبب". واكّدت المتكلمة على ان الحب لا يكون "احبك لاجل كذا.." بل "احبك بالرغم من كذا.."
وهنا انتقل الكلام الى : هل يمكن لشاب مقبل على الارتباط ان يتغاضى عن عيوب الطرف الاخر او العكس.
اجاب : انا لي اولويات...
اردفت مس امل: انا لم اجد محبة غير مشروطة او محبة حقيقية..
وذكر احدهم محبة الام.
قاطعته: 
- حتى محبة الام لا تنطبق على هذه الصفة. كثير من الامهات تقولن لاطفالن "استذكر دروسك لكي احبك.. اعمل كذا و كذا..".
قلت: 
- لكن هي تفعل ذلك لانها تريد من تحبه في افضل حال". لكني استدركت وقلت "عل العموم محبة الام غريزة وضعها الله فيهن. فحتى الحيوانات توجد فيها غريزة الامومة". 
بادرت بسؤال:
- لكن هل يعرف احدكم لماذا محبة الام غريزة؟
- ما من مجيب.
لانها لو لم توجد .. صمتت ثوان قبل ان تجيب: كن قتلن اطفالهن.
اجبتها: 
- يوجد بالفعل ام قتلت اطفالها الخمسة في الولايات المتحدة..
- فعلا، اصعب شئ التربية..
- بالنسبة لي، حاولت ان الفت نظر المتكلمة الى ان الحب يجعل الانسان لا يشعر انه سعيد او في حالة حسنة بمفرده، وهذا يدعمه ما جاء ايضا في قصة الخلق حين قال الله "ليس حسنا ان يكون ادم وحده"(تك2: 18). حين خلق الله اي شئ كان يقول "وراى الله ما خلق واذا هو حسن". والشئ الوحيد الذي قيل عنه انه "ليس حسن". هو ان يترك ادم بمفرده.
اردفت مس امل بسرعة – وكانها شعرت انني اعطي معنى حالم جدا للحب – فقالت:
في لحظات التوهج العاطفي والرومانسية الشديد يقول كلا الطرفين لبعضهما: "انا لا استطيع العيش بدونك" و "انا مستعد اضحي بكل شئ ن اجلك.. وكلام اخر كثير.. ولكن اعرف مشاكل كثيرة للمرتبطين. 
اجبتها ضاحكا: ونجد امثلة لمحبين لا يطيقون كلا منهما الاخر ويطلبون الانفصال الذي يصبح امنية حياتهم..
وتابعت تقول:
احد الامثلة: لشخص تظاهر بالتدين .. يروح الكنيسة واتخذ اب اعتراف.. وبعد الزواج انقلب 180 درجة. ليس فقط انه ابتعد عن الله ولكنه ايضا اصبح يضايق زوجته بطريقة مريعة وجعل حياتها مرا وشقاء.
وختمت كلامها بنصيحة قائلة:
ولذلك يا فتيات دققوا في اختياركم شريك الحياة. وليكن لكم علاقة بالله. ليس علاقة "القرارات المصيرية في الحياة" فقط. اي تاتي لتقرعين باب الله قائلة "يا رب، ادخل ثانوية علمي ولا ادبي؟ يا رب اختار الوظيفة هذه ام الاخرى؟ .. يا رب، اريد ان اعرف ينفع ارتبط بهذا الشخص ام لا؟". حينها لا يحق لك ان تشكين من انك لا تستمعين جواب من الله لسؤالك. لانه يجب ان يكون علاقة الانسان بالله اعمق من هذا.

مقاﻻت ذات صلة