بيلاطس
يسجوب يسوع:
حصل
كل هذا في العراء امام دار الولاية.
وبعده
دخل الوالي ودعا المسيح. فساله
اولا بناءا على اتهام اليهود "اانت
ملك..؟"
ولم يجب
المسيح بنعم، لئلا يؤخذ الجواب على معنى
سياسي، بخلاف الواقع. ولم
يستطع ان يقل لا ، لاه بالحقيقة ملك اليهود،
بل ملك العالم كله بالمعنى الروحي.
اجابه
المسيح "امن
ذاتك تقول هذا، ام اخرون لك عني"
اي هل
تطلب ان تعرف حقيقتي ام انك تريد فقط ان
تعرف صدق الرؤساء؟ فنفى بيلاطس انه يريد
ان يعرف الحقيقة بقوله "العلى
انا يهودي؟ اي لماذا اهتم ان اعرف مسيح
اليهود. "امتك
ورؤساء الكهنة اسلموك اليّ.
ماذا
فعلت؟".
فحدثه
المسيح عن ملكه الروي. لكن
الوالي لم يكتف بهذا التصريح الروحي
المبهم عنده.فطلب
جوابا واضحا. فقال
المسيح "انت
تقول اني ملك. لهذا
قد ولدت انا. لاشهد
للحق..".
فقال
بيلاطس بمزيج من الاستخفاف والاحترام،
وهو خارج ليقابل اليهود في الفسحة الخارجية:
"ما
هو الحق؟" اي
من يقدر ان يعرف الحق بين الاراء الدينية
الكثيرة المتضاربة؟". هل
هو بجانب الفلاسفة اليونان المتعبدين
للجمال والهته ام الرومان المتعبدين
للقوة والهتها ام اليهود المتعبدين لاله
واحد هو روح لا صورة ظاهرة له ..
ام بجانبك
انت يا من تدّعي انك اتينت من السماء لتشهد
للحق؟
سال
بيلاطس "ما
هو الحق؟" لكنه
لم ينتظر ليعرف الجواب . ويوجد
في كل عصر امثاله .. خرج
الى اليهود ليخبرهم "لا
يوجد به علة". لقد
زرع فيه امراته ميلا الى المسيح.
والامر
ظاهر – انه كان يهاب المسيح.
عند
هذا التصريح حدد اليهود شكايات متنوعة
(لو23:
4 و5).
لم يرض
ان يجيب المسيح عنها. ولما
ساله الوالي لماذا لا يدافع عن نفسه، لم
يجبه بكلمة، لانه يعلم ان كلامه يكون
عبثا. وبهذا
يعطينا السيد درسا الا ندخل في جدالات
غبية. تعجب
الوالي من هذا السكوت، وجدد شهادته ببراءة
المسيح. فغضب
اليهود وجددوا الشكوى بانه يثير الفتنة
ليس فقط في ولاية بيلاطس بل ايضا في وطنه
اي ولاية هيرودس انتيباس.
ذكروا
الجليل لان الجليليين كان لهم سابقة في
اثارة الفتنة (لو13).
لكنهم
سرعان ما ندم الرؤساء على قولهم هذا، لانه
ادى الى بطء جديد في تنفيذ مخططهم.
فقد جعلوا
الوالي يفكر في التخلص من الورطة باحالتها
الى حاكم الجليل اليهودي، رغم ما بينهما
من الخلاف الشديد. وهو
يحسب انه بهذه الاحالة يتخلص من المسؤلية
ويريح ضميره، كما انه يكون فيها شئ من
الاسترضاء فينتهي العداء بينه وبين
هيرودس، فنجح في الغاية الثانية، ولم
ينجح في الاولى.
يسوع
يحاكم امام هيرودس:
(لو23:
6-12)
فرح
هيرودس برؤيته يسوع ، ليس فقط لافتخاره
بتنازل الوالي الروماني له، بل لانه منذ
زمان كثير يشتهي ان يرى المسيح..
وكم من
كثيرين يشتهون هذه الشهوة لكنهم لا
يتممونها – مع انها في مقدرتهم – اذ
تشغلهم مشاغل العالم الباطلة او انهم غير
جادين في مسعاهم.
فحص
هيرودس المسيح بكلام كثير لم يحفظ منه
شئ. كان
هيرودس قد اقط صوت الله من خلال المعمدان.
والان
لا يكلمه ابن الله بشئ.
بيلاطس
يحاول ان ينقذ يسوع
(لو23:
13- 25):
دعا
بيلاطس هذه المرة الشعب. لعله
يحصل منه على مساندة ضد مكيدة الرؤساء.
ثم اقترح
على اليهود "انا
اؤدبه واطلقه". بيلاطس
يؤدب المسيح بعد ان برأه تماما، الامران
ضدان. هذا
بداءة خطاه، الذي جره الى اخطاء اعظم.
كان
بيلاطس يظن ان الجمهور ليس مدفوعا كالرؤساء
بعوامل الحسد ليفضلوا لصا صانع فتنة على
صانع المعجزات .. ثم
دخل بعد سؤاله، وجلس على كرسي الولاية
ليعطي فرصة للجمهور ليقرروا.
وصية
زوجة بيلاطس (مت27:
19-26أ):
لابد
ان ذلك الحلم ترك اثره عليه، لانه ثل جميع
الوثنيين تحت سلطة الخرافات.
ولكن
بينما كانت اسباب تبرئة المسيح تزيد في
دار الولاية كان العكس تماما في خارجها
لان الرؤساء بذلوا جهدهم لاقناع الجمهور
بقتل المسيحي بداعي ان جريمة من جدف واراد
ان ينقض الهيكل اعظم ممن اثار فتنة.
غير
ان بيلاطس حاول ثلاثا ان يتخلص من المسؤلية
دون جدوى. فقد
اثار اقتراحه بتاديب المسيح طمعهم بان
يجعلوا الوالي يرضخ تماما لارادتهم.
واخيرا
راى ان يلقي مسؤلية الدم على اليهود بطقس
كان في شريعتهم. وعرف
اليهود معنى غسل بيلاطس ليديه، وقبلوا
ان يتحملوا هم المسؤلية.
جلد
المسيح
(مت27:
26 ب –
30):
لعل
بيلاطس كان يأمل ان اليهود بعدما يروا
المسيح في هيئته وقد تغيرت بسبب الجلد.
انهم
يكتفون بهذا، لكن اليهود قساة القلوب
ضضجوا طالبين ان يصلب.
كان
بيلاطس قد تحقق من صلاح المسيح فلما سمع
انه ابن الله ازداد خوفا، ورجع الى المسيح
يسال "من
اين انت؟". فقابل
المسيح سؤال الوالي الجدي الجديد بالسكوت.
لكن
الوالي لم يتعود عدم اجابة اسئلته، وهو
لا يحتمل ذلك فقال له "اما
تكلمني؟ الست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك
وسلطانا ان اطلقك؟". من
هذا الذي يدّعي بالسلطان؟ هل لبيلاطس
سلطانا على القانون ليخالفه او العدالة
ليدوسها؟ هل له سلطانا على نفسه ليقاوم
خوفه او ليتبع ضميره؟ هل له سلطانا على
ذلك المتهم الماثل امامه ليزحزحه قيد
انملة عن استقامته وقصده؟ كان اشرف لبيلاطس
الا يتلفظ بكلمة عن السلطان، في ساعة
الخضوع لرعاياه في الظلم والقسوة.
راى
المسيح ان هذا الادعاء يستحق الجواب،
ويتطلب منه اظهار عظمته وسلطانه الحقيقيين.
فقال له:
"لم
يكن لك عليّ سلطان البتة..لذلك
الذي اسلمني لك له خطية اعظم".
من هنا
نعرف ان المسيح عظّم خطية الرئيس اليهودي
على خطية بيلاطس. بيلاطس
مدفوع من رئيس الكهنة لكن رئيس الكهنة
مدفوع من عواطفه الشريرة.
هزت
اجابة المسيح بيلاطس، فاراد ان يطلق يسوع
حرا. وعندما
فرغت كل حيل الرؤساء لجاوا الى التهديد.
لو
كان بيلاطس صادقا لكان التهديد يزيد عزمه
على مقاومتهم. لانه
لا شئ يثبت المستقيم في عزمه قدر التهديد.
لكن
اليهود هددوا بصراخهم "ان
اطلقت هذا فلست محبا لقيصر".
بالفعل
كان قيصر ينتظر اي سبب لعزله.
اناخت
الضربة الاخرة بيلاطس تماما.
جلس
على كرسي الحكم وقال "هوذا
ملككم" ليثير
فيهم النخوة الدينية والوطنية.
فاجابوا
"ليس
لنا ملك الا قيصر". اعتبروا
ان مايقولونه حكمة سياسية.
ولم
يعرفوا ان بقولهم هذا ختموا على النبوة
بزوال قضيب الملك من نسل داود متى جاء
المسيح "شيلون"(تك49:
10).
المسيح
يسقط تحت حمل صليبه
(مت27:
31- 34):
كتبت
العبارة "يسوع
الناصري ملك اليهود" بثلاث
لغات: العبرانية،
لغة الدجين، فكان ابن داود وابن الله.
واليونانية
لغة الفلسفة والعلم لانه نور العالم والحق
الازلي. واللاتينية
لغة السياسة لانه ملك اسرائيل وملك الملوك
ورب الارباب.
اعترض
اليهود على ما كتبه. لكن
بيلاطس اراد بالتزوير انتقاما منهم بسبب
ضغطهم عليه. فصار
العار على اليهود الذين صلبوا ملكهم الذي
ينتظرونه من الاف السنين. اصر
بيلاطس على ما فعل. هذا
الذي سال استخفافا "ما
هو الحق؟" خدم
الحق وهو لا يدري.
اعترض
المسيح على بكاء النساء – مع ان هذا البكاء
هو الشئ الوحيد الذي يعبر عن مشاعر المحبة
في هذا اليوم. اعترض
عليه مع انه لم يعترض على شئ مما وقع من
عداء لانه المحب الصفوح. ان
البكاء على نفوسهم اولى. لانه
يرى ما سيحل بهم يجعل الناس يطوبون من لا
نسل له، وتجعلهم يرون الموت رحمة لا نقمة
بسبب النكبات التي تحل بهم.
لقد
فعل الرومان به هذا وهو عود رطب به صلاح،
فكيف يفعلون بهم وهم اشبه بالعود ليابس
الذي لا خير يرجى منه. راى
المسيح اليوم الذي تنصب فيه الصلبان
الكثيرة العدد والمعلقون عليهم هم صالبوه
وعيالهم.