الاثنين، 17 فبراير 2020

فصول الباراقليط



الحديث اﻻخير:
بعد ان رسم المسيح فريضة العشاء الرباني نجده يلقي حديثا شمل ص14-16 وتسميها الكنيسة فصول الباراقليط. نراها كلاما مدهشا من انسان يعلم جيدا ان تلاميذه يتشتتون وقبل غروب شمس الغد يكون هو جسدا معلقا على صليب. فباي حق يتكلم كغالب وليس كمغلوب. اي تفسير سوى انه الله الذي ظهر في الجسد.
ثم تنتقل افكاره من تلاميذه الى ما يجري في المدينة ، لانه يرى ما لا يرونه ، ويرى خلف المؤامرات التي تتم، ابليس فيقول "رئيس هذا العالم ات، وليس له فيّ شئ". كان للشيطان في كل نبي شئ ولكن المسيح كان بلا خطية.
ثم علّم المسيح ان علاقته بهم متينة كعلاقة اصل الكرمة باغصانها. وعلمهم ان اهم شئ فيهم وفيه هو الاثمار لانه بهذا يتمجد الاب.ثم صرح بركن متين لايمانهم- لقد اختارهم قبل ان يختاروه. وجعل مقياس حبهم له هو حفظ وصية المحبة الاخوية. وشجعهم لاجل سني الاضطهاد التي ستحيق بهم.
حزن التلاميذ لانه فوق حزنهم على مفارقته لهم، يطلب اليهم ان يتوقعوا الاضطهاد المميت. فنبههم الى فوائد المصيبة الاولى: "خير لكم ان انطلق،لانه ان لم انطلق لا ياتيكم المعزي".
الصلاة الشفاعية
بعد ان انتهى المسيح من تعليمه نجده يرفع عينيه نحو السماء في صلاة. والتي هي اعظم ما كتب من صلوات، وتستحق ان تطالع بدقة وان يلاحظ ارتباطها مع الخطاب الذي سبقها. ملاى باصوات المجد والابتهاج .
الصليب والقيامة
كل قادم وراءه نور ، يسبقه ظله. فالصليب قادم ووراءه نور الخلاص، لذلك يظهر ظله الان كثيفا. كانت هذه المشاهد في جثسيماني ضرورية لاعلان بشريته كما كان مشهد التجلي ضروريا لاعلان لاهوته. قد اراهم المسيح في جبل التجلي شمس عظمته في افقها الارضي، وهو هو في جثسيماني يريهم بدايءة كسوفها في الام اتضاعه، كسوفا لا يقل عجبا عن مجدها.
يهوذا يقود الرؤساء:
نعود الى يهوذا. لقد قضى ساعات مع رؤساء الكهنة يخطط لنجاح مشروعهم. طمان الرؤاء ان المسيح لن يستخدم قوته المعجزية ليتخلص منهم، اذ قد اعلن مرارا نيته ان يسلم نفسه للصليب. لكنهم لم يجدوه في العلية، فراى ان يفتشوا عنه في بستان جثسيماني، حيث يرجح وجوده. اذ ان السيد قضى كثير من الليالي هناك. ولئلا يقع خطا فيقبضوا على احد التلاميذ، اتفقوا ان يعطيهم علامة تقيهم حدوث خطا.
عمل السيد عملا لينقذ يهوذا من شروره اذ يخاطبه بهذه العبارة "يا صاحب.." ثم يتساءل عن سب مجيئه.. وعلى الفور يعلن انه يعرف كل الخفايا. وما عمله السيد فيه درس لكل صيادي النفوس، اذ يجعلهم يتمسكون الى النهاية بتخليص النفوس الهالكة مهما توغلت في الاثام.
يظهر ان يهوذا وبعض القادة دخلوا لبستان، بينما بقى الاخرون ينتظرون خارجا اوامر القادة. وعندما خرج يهوذا مع المسيح من البستان راى المسيح الجمع المحتشد بالاسلحة فكان همه الاول ان يحمي تلاميذه من الضرر فقال:
"من تطلبون؟" اجابوه "يسوع الناصري". فقال لهم: "انا هو" فرجعوا الى الوراء وسقطوا. بهذا اتضح لهم انهم لن يقدروا ان ياخذوه بدون ارادته.
ولما نهضوا اعاد السيد السؤال، فاجابوا بنفس الكلام، دون ان يجرؤا على التقدم. لذا قال لهم "قد قلت لكم اني انا هو. فان كنتم تطلبوني فدعوا هؤلاء". وقف امامهم كامر فاطاعوا.
لم ينصرف التلاميذ عن قول السيد "دعوا هؤلاء يذهبون" اذ انهم تذكروا وعودهم السابقة له.. ولما راوا السيد يوثق. سالوا بحماس بعبارة التعظيم امام الخصوم "يا رب، انضرب بالسيف؟".
ولم ينتظر بطرس سماع الاجابة فضرب العبد المتقدم على راسه ولكنه اصاب اذنه فقط. واهتم المسيح باصلاح الخطا اولا، فاجرى معجزة. ثم اظهر استياءه مما فعله بطرس وقال "رد سيفك..". وذكره بالحكمة القديمة "الذين ياخذون السيف بالسيف يؤخذون". ثم علمه انه لا يحتاج الى بشر ليخلصونه. فهو ممكن ان يطلب من ابيه فيرسل 12 فرقة من الملائكة. او لا يعلم بطرس ان ما يحدث انما لكي تتم النبوات؟
بطرس ينكر المسيح
لما راى بطرس شدة الخطر المحيق به وعرف ان الانكار البسيط كالسابق لا يكفيه، اخذ يحلف ويلعن مؤكدا انه لا يعرف المسيح.
لم يفرغ بطرس من انكاره الفظيع الا وصاح الديك ثانية. وكان المسيح ينتظر هذا الصياح لينقذ تلميذه من الوهدة التي سقط فيها. فحوّل اهتمامه من عذابه في تلك المحاكمة ليسل عن نفس هذا البطل الساقط، وادار وجهه عن رئيس الكهنة والرؤساء لينظر باتجاه الدار الخارجية التي تجمع فيها الخدم. التفت الى بطرس والتقت عينا المسيح بعينا تلميذه. واسر المسيح قلب بطرس بلفتة الحب المقترن بالحزن، فبدات دموعه تسيل نهرا. وحلت التوبة محل الجحود والانكار، فعلم ان خطيته غفرت وان صلاة المسيح لاجله استجيبتالمسيح الذي خلص بطرس ينجي كل من ينظر اليه بالايمان.
محاكمة المسيح صباحا:
كانت المحاكمة في الليل غير قانونية – وما ان اشرق صباح يوم الجمعة حتى قرر شيوخ اليهود ان يصدروا حكمهم الذي اتفقوا عليه خلال الليل. ولما عقدوا جلستهم الرسمية سألوه ان كان هو المسيح المنتظر، فاجابهم: "ان قلت لكم لا تصدقون، وان سالت لا تجيبوني". ثم كرر عبارته السابقة بخصوص جلوسه عن يمين القوةفحكم هذا المجلس على المسيح بالاعدام لارتكابه التجديف.
كان لابد ان يصادق الوالي الروماني على هذا الحكم. ولما كان اليوم التالي من ايام عيد الفصح التي تدوم اسبوعا. كان عليهم ان يسرعوا للحصول على موافقة بيلاطس، لانه لو لم ينفذ هذا الحكم يوم الجمعة لاقتضى الامر تاجيله اسبوعا كاملا. ومن يدري ماذا يحدث خلال هذا الاسبوع؟ سيحاول الشعب ان يخلصه من الحاكم الظالم.
ما هذه الصورة المؤسفة؟ ها رؤساء الشعب معلمو الشريعة يسيرون في مقدمة جمع في شوارع المدينة المقدسة ليسلموا مسيحهم ورجاءهم الوحيد، ورجاء العالم اجمع الى وال قاس وثني ليصلبه.
يهوذا ينتحر:
لما راى يهوذا المحاكمة ماضية وان المسيح ماض للموت.. القى بالفضة في وجه الرؤساء. ولكن تمسكهم الظاهري بالشريعة جعلهم يرفضون اعادتها للخزانة، فتغلبوا على المشكلة بان اشتروا حقل جعلوه مقبرة للغرباء.
ولما راى يهوذا ذلك ندم ، لكن ندمه كان مختلفا عن ندم بطرس، فقد سعى ليصلح امره مع البشر فقط. اعترف للبشر اولا، فلقى الفشل الذي يصيب كل من يقدم للبشر اولا اعترافه. توهم انه قادر ان يصلح ما فعل وهذا مستحيل. كان عليه ان يطلب من الله الغفران وان يصلح ما افسده هو.
مضى وخنق نفسه فسقط على وجهه وانشق من وسطه فانسكبت احشائه. هذه لمحة من عذاب جهنم ابرق منها على العالم عبرة ومثالا. فمن ذا لا يتعظ بها؟
يسوع يحاكم امام بيلاطس:
اهتم الرؤساء ان يتصرف بيلاطس معهم – حسب عادته – فلا يفحص القضية. كانوا يخشون ان فحص القضية يلغي حكمهم الظالم. ولما كانت شريعتهم تقول ان دخولهم دار الولاية ينجسهم، تساهل الوالي فخرج اليهم.
كانت التهمة الاولى – انه يفسد الامة ؟.. ولكن لو صح هذا لكان بيلاطس عرف ذلك بواسطة جواسيسه دون تدخل الرؤساء الذين لا تسيئهم الفتنة ضد الحكومة.
كانت الجريمة الثانية – انه يمنع ان تعطى جزية لقيصر. وهذا ما حاولوا ان يجعلوا المسيح يقوله. لكن المسيح قال "اعطوا ما لقيصر لقيصر..".
التهمة الثالثة – "انه يقول انه مسيح ملك" وهذا ايضا كذب. فالمسيح رفض ان يصير ملكا. كما ان بيلاطس يعلم انهم لن يسلموا اليه شخصا للقتل بهذه التهمة لو كان صحيحا فطالما سعوا الى التخلص من الحكم الروماني.
فاجابهم الوالي بنفور: "خذوه انتم واحكموا عليه سب ناموسكم". مع انه لا علاقة بهذه الجرائم والناموس. وكانه يقول لهم "لا تستطيعون ان تفعلوا ما تشاءون بدوني، وانا لا لخضع لمطلبكم بدون فحص". فاضطر الرؤساء الى التذلل "لا يجوز لنا ان نقتل احدا" اي غير مسموح لنا، فقد سلب الحكمالروماني هذا الحق منهم.