في
درب الصليب:
كان
4 عساكر
يسوقون المصلوب الى حيث يصلب.
فلما
راوا عجز يسوع عن حمل صليبه سخروا رجلا
قيروانيا ليؤدي هذه المهمة.
لم يوجد
من يتبرع بهذه المساعدة بسبب ما يحمله
الصليب من عار ولعنة. لكن
ما كان عارا تحول فخرا. واصبح
سمعان في مقدمة جيش من الشرفان لا يحصى
لهم عدد من حاملي صليب المسيح.
المسيح
يطلب الغفران لصاليبه:
كان
الجنود معتادين على صراخ الغضب والشتائم
والالفاظ الكفرية التي يصبها المصلوبون
على رؤسهم والمرجح ان اللصين ماثلا غيرهما
في ذلك. اما
المسيح فسمعوه يصلي لاجلهم صلاة محبة في
كلمته الاولى "يا
ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا
يفعلون". ملتمسا
لهم العذر. لكن
المسيح لم يطلب لهم المعذرة والتبرئة
بحجة جهلهم ما يفعلون لكنه طلب لهم الغفران
بحجة ان خطيتهم اخف مما كانت لو عرفوا
تماما من هو الذي يصلبونه.
نذكر قول
الرسول "لو
عرفوا لما صلبوا رب المجد"(1كو2:
8).
كان
المسيح عادة يلفظ الغفران كمن له سلطان
على ذلك. لكنه
الان يتكلم كمن يسامحه في حقه عليهم ويهتم
بان يصرف عنهم الغضب الالهي.
لم
يكن العسكر الروماني يعلمون ماذا يفعلون،
لانهم في ظلام العبادة الوثنية..
ولا عرف
رؤساء اليهود ماذا يفعلون، لانهم اغمضوا
عيونهم عمدا ، فاتاهم العمى الذي ياتي كل
من يحبس البصر طويلا.
هذا
المصلوب مكلل بتاج من شوك.
وكل ذي
بصيرة يرى تيجانا اخرى تزين جمال محياه
. في
التاج الشوكي نرى رمزها. نراه
متوجا بالحكمة العظيمة والقدرة الالهية
والقداسة السماوية. وكان
هذه التيجان
تختلط لتؤلف تاجه الاعظم، تاج حبه الفدائي.
وقد برهن
العسكر الروماني – عن غير قصد – ان هذا
المصلوب هو مسيح اليهود الحقيقي لانهم
حين اقتسموا ثيابه اتموا النبوة "يقتسمون
ثيابي بينهم". ولما
وصلوا الى القميص المنسوج بغير خياطة
اقترعوا عليه فاتموا بقية النبوة "على
لباسي يقترعون". وبنزع
ثيابه عنهم اتموا النبوة "احصوا
كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون فيّ".
ما
اعظم السخرية التي سمعها المسيح على
الصليب. سخروا
اولا على ما حرّفوه من كلامه عن نقض الهيكل
وثانيا على قوله انه ابن الله وثالثا انه
مخلص البشر ورابعا انه المسيح مختار الله
وخامسا انه يدّعي انه يتكل على الله ،
وسادسا لانه لما ساله بيلاطس "اانت
ملك اليهود؟" اجاب
بالايجاب.
حسب
افكارهم السطحية كان الصليب تكذيبا كافيا
لهذه التهم الستة..
لكن هذا
الاستهزاء كان تميما للنبوة "كل
الذين يرونني يستهزئون بي.."
اما
استهزاء
اللصين فيلقى عذرا اكثر ن غيره، لان
تعذيبهما هيّج الشر في قلبيهما، ولانهما
يفكران ان يحمسا هذا القدير ليخلص ذاته
ان امكن فيخلصهما معه .
المسيح
يرفض المخدر
(مت27:
33 و34):
لما
بلغ الموكب محل الصلب قدموا مزيجا مخدرا
له. كان
اليهود يستهجنون عادة العقاب بالصلب.
لذا الّف
نساؤهم فرقة لاجل تخفيف الام من يصلب من
قومهم، واستشهدوا بنصيحة سليمان في ام31:
6 فكان
يمزجون اعشابا مخدرة ويقدمون هذا الشراب
للمحكوم عليهم قبل ان يبداوا تعذيبهم.
لكن
المسيح قصد ان يشرب كاس الالم حتى ثمالتها.
ورفض اقل
تخفيف في صفاء فكره، لان عليه ان يوجه من
هذا المنبر الجديد الذي يعتليه ان يوجّه
كلاما جوهريا لسامعيه، وصلاة لابيه، وهذا
يقتضي حفظ القوى العقلية سالمة تماما من
التدهور. فلما
ذاق الشراب وعرف ما هو رفض ان يشرب.
صلبوه
بين لصين (مت27:
35-38):
يقال
ان اللصين كان زميلا باراباس وان صلب
المسيح كان معدا لرئيسهما بارباس، فحل
المسيح محله. ويقال
ان اسم بارباس كان يشوع اي مخلص – وباراباس
كان اسمه الثاني ومعناه (ابن
الاب)،
وان اسمه جعله يتوهم انه يقدر ان يخلص
شعبه من النير الروماني.
اليوم تكون معي في الفردوس:
لقد
راى اللص تصرفات المسيح: سكوته
وصبره وصلاته لاجل صاليبه، واحتماله
تعييرات معيّريه وتعييرات رفيقه المصلوب
معه، فامن وبدا يدافع عن المسيح بجراة
عظيمة.
ما
اغرب هذا الصوت في اذان السامعين، ولا
سيما اذان المستهزئين. لص
يقول للص "او
انت لا تخاف الله؟". ويعترف
بانه يستحق الصلب لاجل اثامه.
ويسمي المصلوب
بجانبه ربا وان له ملكوتا عتيدا.
فصارت دموع اسفه
على ماضيه كالعدسات في التلسكوب ، تمكنه
من رؤية ما كان بعيدا عن ابصار الاخرين.
لقد راى بالايمان
ملكوتا روحيا ملكه هذا المصلوب.
كم
من الالاف استفادوا وتشجعوا وخلصوا بسبب
قدوة هذا اللص ومثاله. وكم
من خاطئ قدم توبة وخلص ، لانه سمع بقبول
توبة هذا اللص. اصبح
هذا اللص كارزا بمثال توبته العجيب.
في
الكتاب المقدس حادث واحد يشجّع الذي لم
يتب في حياته السابقة على ان يقدم التوبة
عند مماته. لكنه
حادث وحيد لئلا يطمع كل خاطئ بسببه ويؤجل
توبته الى ساعة مماته.
وعد
المسيح اللص بسعادة بعد موته حالا.
سعادة، يكون هو
رفيقه فيها وفي هذا تمت نبوة اشعياء "وعبدي
البار بمعرفته يبرر كثيرين واثامهم هو
يحملها".
مثل
اللصان الجنس البشري باسره. اللص
الهالك الهالكين. والص
الذي خلص المخلصين. فبينما
الكهنة في تلك الساعة يقدمون في الهيكل
الحزمة التي هي باكورة حصاد الشعير قدم
رئيس كهنتنا للاب السماوي باكورة حصاد
الذين دعاهم بموته الى الخلاص.
المسيح
يهتم بامه:
كان
منظر تلك الام التي قارت الخمسين من عمرها
ووجهها يمتلئ بالدموع السخينة، حقا مؤثرا.
وحقا لا يعلم الا
الله حزنها المفرط. فاهتمام
المسيح بمقاصده الروحية واحتماله لالامه
لم يشغله عن امه واحتياجاتها الجسدية
والنفسية.
فنظر
اليها بالحنان البنوي ثم نظر الى يوحنا
لعلمه بانه افضل من يقوم بواجب الابن –
حتى مما يفعله اخوته فاختاره وخصّه بهذا
الشرف. ومن
عدم ذكرها مع النساء اللاتي انزلن جسد
المخلص من على الصليب نستدل ان المسيح
امر يوحنا ان ياخذها حالا من هذا الموقف
القاسي.
الهي
، لماذا تركتني:
لما
انتصف النهار دخل المسيح في دور جديد فاق
كل ما سبقه اهمية، فقد تمم نبوة اشعياء
(اش53).
وهنا اظلمت الشمس
فكان الطبيعة لبست الحداد.
عند
دخول المسيح الى العالم ظهر كوكب ليعلن
مجيئه. وعند
خروجه انحجبت الشمس لتعلن قرب تسليمه
روحه. وبدلا
من النور الباهر الذي اضاء ليلا على سهول
بيت لحم عند ولادته ، هبط على النهار ظلام
عم الارض كلها عند موته. والسر
الطبيعي المكتوم في كيفية اظلام الشمس
يقابله السر الاعمق في كيفية حلول الغضب
الالهي على المسيح الانسان الكامل وابن
الله.
والامر
الذي يزيل كل ريب في تفسير هذا الظلام،
هو كلمة المسيح الرابعة "الهي
الهي، لماذا تركتني؟". سمع
صرخته هذه عدد كاف من الناس فقد قالها
بصوت عظيم، فعلموا ان الاب تركه في تلك
الساعة، ليعلم العالم ان ذلك كان لاجل
التكفير عن خطايا البشر. خصوصا
وان صلاته اختلفت تماما عن كل صلاة اخرى
ذكرت له. لم
يصل كعادته "ايها
الاب" او
"يا
ابتاه". بل
"الهي
الهي" – اي
انه يشعر بفقاصل وقتي بينه وبين الاب،
يمنع عنه حق مخاطبة ابيه. وذلك
افضل برهان لتغيير العلاقة في تلك الساعة
بينه وبين الاب – فقد كان في موقف النائب
عن الجنس البشري . وفي
هذا حقق النبوة (مز22:
1).
انا
عطشان:
هوذا
معطي ماء الحياة يقول "انا
عطشان". لان
عطشه كان جسديا، والماء الذي يعطيه هو
للروح.
رفض
المسيح ان يشرب هذا الشراب المنعش، لانه
قصد ان يسلم روحه بكل ما يمكن من النشاط.
فعند كلمته الخامسة
تمت نبوة اخرى تقول "في
عطشي يسقونني خلا"(مز69:
21).
قد
اكمل:
قد
اكمل الناموس الموسوي وانتهى العهد القديم
وبدا الجديد. من
الان فصاعدا لن يعود يخالط البشر كما كان
يفعل، بل يظهر ظهورات متقطعة في جسد مجده
الجديد امام تلاميذه فقط. ثم
بعد ذلك يتوارى عن انظار العالم الى يوم
مجيئه.
في
يديك استودع روحي:
كانت
الكلمة الرابعة تعبر عن انفصال وقتي بينه
وبين الاب.. فبصراخ
اخر عظيم مثله، يعلن للجميع زوال ذلك
الانفصال تماما، ورضا ابيه بموته على
الصليب، لانه يقول مصليا "في
يديك استودع روحي". فاتم
بهذه الكلمة نبوة جاءت في (مز31:
5). واظهر رجوع علاقته
مع الاب لانه يقول "يا
ابتاه". وبهذه
العبارة المؤثرة والتي رددها بعده عدد
غفير من تلاميذه في ساعات الاحتضار، ختم
المسيح حياته.
لقد
علق المسيح على الصليب ساعة تقديم الذبيحة
الصباحية واسلم الروح في ساعة تقديم
الذبيحة المسائية. ولم
يكن الصلب يميت المصلوبين عادة في نفس
اليوم.
الزلزلة
وانشقاق حجاب الهيكل:
ارتجفت
الطبيعة لموت رب الحياة. وانشق حجاب الهيكل اشارة لانتهاء العهد قديم. كان
وجود الحجاب معناه عدم رضى الله وان السبيل
اليه مغلق. الا
ان رئيس الكهنة استثنى لانه يمثل رئيس
الكهنة الحقيقي، ابن الاب. وكان
الحجاب ايضا يرمز لجسد المسيح لانه يحجب
ويعلن طبيعته الالهية في ان واحد.
فبتمزيق جسد بن الله
انفتح باب السماء. وكان
لشق الحجاب ايضا معنى كبير يشمل زوال
النظام الموسوي. المسيح
في القبر
اسلم
المسيح الروح قبل ان يبدا العيد العظيم
بساعتين. كانت
ثمة نبوة "عظم
لا يكسر منه" فكيف
تتم هذه النبوة بعد امر الوالي "ان
يكسروا السيقان ويرفعوا". حين
جاء العسكر الى يسوع وجدوا انه مات.
لكن لو ترك المسيح
لنقضت براهين موته. وهذا
امر مهم. لانه
وجد اناس انكروا حقيقة القيامة مدعين ان
المسيح لم يمت بل كان مغشيا عليه ثم استفاق
في قبره. فاستدركت
العناية شكوكا كهذه ، فان واحدا طعن المسيح
بحربة في جنبه فخرج دم وماء "والذى
راى هذا شهد..".
مات
فعلا:
حوّل
المسيح بلمسة منه الاجسام السقيمة الى
سليمة. وكذلك
حول بلمسه صليبه الذي كان شعار اللعنة
الى رمز التمدن وموضع الاكرام.
هذا جعل الرسول يصرخ
"اما انا
فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع
المسيح". واليوم
يزداد الافتخار جيلا بعد جيل بالصليب.
دفن
يسوع:
مع
ان يوسف الرامي لم يتبع المسيح زمن انتصاره،
الا انه تبعه يوم انكساره. قال
الكتاب "تجاسر
ودخل الى بيلاطس". فاثبت
شرفه الحقيقي وصدق ايمانه. اشترك
معه ايضا نيقوديموس باحضاره (مئة
منا اي 15 رطلا
من الطيب). مات
المسيح مصلوبا منبوذا لكنه دفن كملك.
يقول الكتاب "وجعل
مع الاشرار محله ومع غني عند موته".
فبالنظر الى غنى
يوسف كان قبره "مغارة
كبيرة".
حراسة
القبر:
لا
باس من تحويل النظر قليلا عن التلاميذ
المحبين الى شيوخ اليهود المبغضين.
كان ما سمعوه وراوه
يوم الصليب مربكا لافكارهم، ماذا لو يكون
كلام المسيح انه يقوم صحيحا؟ لذا فقد
اخذوا اذن الوالي ان يحرسوا القبر.
ولابد انهم افهموا
الحراس ان عملهم الاساسي هو ان يقتلوا
يسوع متى راوه قام من الموت كما قال.