الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

حب التزين


حكاية خيالية سأحكيها لكم.
اجتمعت الشياطين في جامعة سلطان الظلام وكل يلقي اقتراحاته لتضليل الناس.
قال الاول: لقد وجدتها. سأضع الشهوة المدنسة في قلوب الناس.
وقال الثاني: سأملأ قلب الانساني انانية وعنادا.
وقال الثالث: سأتخذ قلب الانسان مسكنا لي. و افسده. فينقلب الكذب امامه حقا، و الرذيلة فضيلة، والمر حلوا والحلو مرا والشر خيرا ..
وقال الرابع: سأجعل حب الملابس والغرور طبيعة ثانية للبشر فيصير كالقرد يفرح من منظره ويضحك جيرانه منه.
فقال الزعيم: نعم. ان ما سبق من الاقتراحات كان نافع من بعض الوجوه ولكن لم تكن بسيطة بالدرجة التي تجوز معها على عقل الانسان وتخدعه. فمهما كان الانسان غبيا او فاسدا سيبقى في داخله شعور انه مخطئ. تذكروا انه يوجد شئ اسمه الضمير يحرس الانسان. وسيعمل الله كل شئ ليرد الناس الى الطريق المستقيم. ان حب التزين شئ ما اقل ضرره! انه خدعة بريئة جدا لا يرتاب الانسان فيها. فأي شئاكثر براءة من ان يقضي الانسان وقته امام المرايا في التزين.
ثم خلع الزعيم معطفه وقال:
سأعطيك جلدي وسأجعله متعدد الالوان فيتقبله البشر ولن يظنوا قط انه جلدي المسلوخ ولن يرتابوا انه له خطرا .. سيضيع الناس اعمارهم في اتباع طريق "الموضة" الباطل وسيكون لهم كل فترة "موضة جديد" الى انتهاء العالم.

تصالحوا مع الله

اتذكر ان تناولي الاول من الاسرار المقدسة كان باخلاص او باستعداد روحي جيد، لدرجة انني اعتقدت انني اعتليت الدرجة الاولى نحو السماء، ولكنني سرعان ما رجعت عن الطريق الروحي. على باب الكنيسة نفسه كان العالم ينتظرني بطريقه الواسع السهل المؤدي الى جهنم. وكم مرة من المرات في ايام شبابي ظهر انني ملئ بالامل ان اصير صالحا ولكني لم اصر ابدا. كانت للنعمة القدرة ان تمس قلبي، ولكن الجسد كان قويا وامسكتني الدنيا ببراثنها.. اوه، ان ذكريات انصاف الجهود هذه يصحبها ندم مرير.

اتذكر ما قاله ذلك القس في عظة ذلك القداس. كانت كلماته لها القدرة علي مس القلب. كان يومها يعظنا عن الآية التي تقول "تصالحوا مع الله". يا للحسرة لقد نسيت هذه الكلمات في وقتها. كيف امكنني ذلك؟ والان هذه الكلمات تتردد مرارا وتكرارا في ذهني. لازلت اذكر كلمات تلك العظة– ولكن لا استطيع ان استعيدها بالكامل لأن هوة عظيمة تفصل بين زمان تلك الكلمات والآن وحتى تذكري لها لا يفيدني لأنها تبدو الان خالية من التعزية والتعليم، عاجزة عن ان تمنحني سلاما. هذه الكلمات تدخل عقلي فقط اما قلبي فمغلق. ويبدو كما لو كانت هذه الكلمات جوفاء او بالحقيقة انا الاجوف الخالي ولا يملأني شئ.

"تصالحوا مع الله" ترن حولي هذه الكلمات ليست كصدى من الفردوس ولكن مثل لعنة في جهنم ... تصالحوا! .. لماذا يحتم علىّ ان اسمعها ولم يعد هناك باب للمصالحة وباب للرحمة مغلق. انه لعذاب مريع!

انني مثل ذلك الغني الذي ذكره المخلص في امثاله، اتعطش الى نقطة ماء ولكن ليس من يمنحها. ابذل جهدا مضنيا من اجل اي كلمة اتذكرها فاتألم لانني لا استطيع ان امسك بها. تتراءى لحيظة قريبة مني جدا، و عندما اريد ان آخذها لنفسي تكون قد اختفت عني. وهذا المجهود الشاق هو ايضا احد عذابات الجحيم.

ربما تفهمون الآن كيف انه من الممكن ان اتكلم عن الاشياء المتعلقة بملكوت السموات، واذكر المخلص المصلوب، واتحدث عن التوبة والايمان – لكن دون ان يمسني اي نصيب من بركاتها. اذكرها بشفتي فقط بينما يملأ الحزن قلبي. هي الان مجرد مخارج الفاظ، لا معنى لها عندي. فمثلا اعرف انه يوجد "المخلص" ولكن لا اعرفه.. انها معرفة فارغة، حتى اسمه نفسه اصبحت لا اعرفه. في الواقع لا استطيع ان اتذكر سوى اثنين. اعرف شيئا عن الآب وشيئا عن المخلص، ولكن اما كان هناك شخص ثالث يعينني ان اقول "يا ابانا" و "يا مخلصي"؟ - الذاكرة تخونني وتجعل تذكر الشئ الثالث يعذبني.

اكره نفسي الان، و اعرف انني استحق ما انا فيه من عذاب ولكن ذلك الندم لا ثمر له. توبة بلا دموع مطهرة. اما عن الايمان – فطبعا اؤمن – بل محتم علىّ ان اؤمن. ولكن ايمان ميت. ألا تؤمن الشياطين؟- بل محتم عليهم ان يؤمنوا ويقشعرّروا. في الواقع هناك ثلاثة امور اجتهد ان اعيدها الى قلبي – الايمان والرجاء والمحبة ، لكن دون جدوى.

"تصالحوا مع الله"! اي قوة كانت لهذه الكلمات عندما سمعتها لأول مرة. لقد شعرت في تلك الساعة ان غرض الانسان الوحيد في حياته على الارض ان يتصالح مع الله حتى اذا تم ذلك يهرع اليه مجتازا وادي الموت.

الخميس، 16 أكتوبر 2014

المدخل


"المدخل" اسم على مسمى، هو بالحقيقة "مدخل" فانك تدخل منه، ولا تستطيع مهما حاولت ان تخرج منه ولو انه مفتوح على مصراعيه. ليس هناك منظر امعن في بعث التعاسة في النفس من مراقبة هذا المدخل!
وهذا المدخل يحيط به فراغ يملأه ضباب كثيف تعبر منه الارواح باستمرار وكلهم عرايا. لا يتميز الملك عن الشحاذ بشئ، يصل الى هنا كلاهما في عري بائس. وجميع اولاد ادم الاتين الى هنا - مهما اختلفت مراكزهم في الحياة- وصلوا عن طريق واحد- انه الطريق الواسع: الواسع في اوله والرهيب في نهايته.

خطابات


ذهبت الى مكتب البريد. اكتشفت ان هذه المصلحة لها ما يشبهها هنا ايضا في الجحيم . كل شئ موجود هنا ولا ينقصنا اي شئ هنا الا الحياة و الرجاء. ذهبت لاسأل عن خطابات..
لاشك انكم تعرفون ما حدث لاوريا (1صم11: 14، 15). يوجد اناس كثيرون يخونون جيرانهم عن طريق الكتابة. هذا السبيل معروف من قبل تاريخ هذا الخطاب الشهير المشئوم. بدأه ابو الكذابين (الشيطان) اولا. هو الذى اوحى بهذه الطريقة للخيانة كما اوحى ليهوذا بقبلته و الخيانة عن طريق الكتابة ذائعة الان في كل انحاء العالم. يوجد من يتباهون ببراعتهم في تحرير مثل هذا الخطاب و يفخرون بمهارتهم في خداع غيرهم.
فلتعلموا ان اي خطاب من هذا النوع يأتي الى جهنم على نفقة الكاتب و بعد قليل او كثير يتبعه لا المرسل اليه بل الراسل بمستثنيات قليلة -اولها داود الملك- اذ محت التوبة الحقة ما كتبه.
هذا عمل مكتب البريد هنا. من المحتقر جدا ان يرى المرء ما تحويه هذه الخطابات. لانه حتى هنا نعرف مقدار خسة هذه الكتابات. و عقاب كاتبها انه مضطر ان يداوم قراءتها باضطراب لا ينقطع.
و لا يرد الى هنا هذا النوع من الخطابات فقط. بل ايضا الوثائق الكاذبة، و الامضاءات المزيفة يوجد هنا ما لا يحصى منها.
فليحذر الناس كيف يضعون القلم على الورق. فالكتابة لها خاصية مريعة. انها تتعلق بالنفس و لا يستطيع احد ان يمحوها الا الله.