وعد السيد المسيح كنيسته ان تكون مؤسسة على الصخر، فلا تؤثر بها انواء وعواصف واضطرابات الحياة. وبالفعل صمدت الكنيسة امام طغيان اباطرة وملوك في القرون الثلاثة الاولى. ولما رأى ابليس ان كل ما لاقاه المسيحيون من اضطهادات لم يثنهم عن ايمانهم بل زادهم رسوخا ، وكانت دماء الشهداء بذارا للايمان ونموا وانتشارا للكنيسة، لذا فقد لجأ الى استخدام سلاح اخر وهو الهرطقات، فكانت هرطقة اريوس، الذي كان كاهنا في الاسكندرية، وكانت له موهبة كبيرة في الخطابة والشعر، انكر لاهوت المسيح واعتبرها الها ولكنه ليس مساويا للاب. عقد المجمع المسكوني الاول في نيقية 325م لمناقشة اريوس في بدعته، وتك حرمه.. ولكن بعد مرور سنوات عاد اريوس يتودد الى الملوك وبالفعل حصل على اذن بالعودة الى وظيفته، واستبعد اثناسيوس الذي اتهم باطلا بتهم خطيرة.
بمجرد استبعاد القديس أثناسيوس، تم استقبال آريوس بشكل صوري وكئيب، وكان بالفعل في طريقه من مجمع بأورشليم إلى الإسكندرية، وقد زادت آماله بسبب خلو كرسي الكرازة، ولكن كان الشعب حزيناً جدًا بسبب وصوله وأيضًا بسبب نفي أثناسيوس. ولذلك ظهرت مشاكل كبيرة، ولهذا السبب استدعى الإمبراطور آريوس إلى القسطنطينية، وذلك إما -كما يذكر سقراط- لكي يحاسبه على الثورات التي تحدث في الإسكندرية، أو أن اليوسابيين كانوا قد خططوا أن يوقعوا تأثيراً في قبول الهرطوقي في القسطنطينية. وإذ لم يكن ألكسندر أسقف تلك الإيبارشية يميل بأي حال إلى رغباتهم، لذلك فقد دبَّروا أن يستدعي قسطنطين آريوس أمامه. فاختبر قسطنطين إيمان آريوس مرة أخرى وجعله يوقّع صيغة إيمان أرثوذكسي، وأقسم آريوس أن العقيدة التي بسببها قد تم حرمه منذ أكثر من عشر سنوات من قِبَل ألكسندر أسقف الإسكندرية لم تكن له. ولكن الإمبراطور لدى انصراف آريوس قال:
"لو أن إيمانك كان صحيحًا، فقد أقسمتَ حسنًا، وإن كان باطلاً فليحكم الله عليك بحسب تجديفك!".
وعلى ذلك، فإن قسطنطين تحت ضغط اليوسابيين، قد أعطى أمراً لأسقف القسطنطينية بقبول آريوس في شركة الكنيسة، وقد هدَّدَ اليوسابيون الأسقف بالطرد والنفي؛ إذا أبدى إعتراضاً. وأعلنوا أنهم في اليوم التالي (الموافق السبت) -سواء شاء أم أبى- سيحتفلون بالخدمة الإلهية مع آريوس. وأدرك الأسقف ألكسندر أنه لا معين له في هذه المحنة سوى الصلاة، فذهب لكنيسة القديسة إيريني
وصلى إلى الله قائلاً:
"دعني أموت قبل أن يأتي آريوس إلى الكنيسة، ولكن إن شئتَ أن تشفق على كنيستك، فامنع هذه الجريمة، أن لا تدخل الهرطقة إلى الكنيسة مع آريوس!".
يذكر قداسة البطريرك الأنطاكي المتنيح مار إغناطيوس يعقوب الثالث (مار سويريوس يعقوب توما مطران بيروت من قبل) في كتابه "تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية" أنه في الوقت نفسه اقترح مار يعقوب أسقف نصيبين السرياني -الذي وُجد في القسطنطينية في ذلك الحين- على مؤمني القسطنطينية أن يصوموا سبعة أيام من أجل أسقفهم، ففعلوا.
وبعدها بساعات قليلة، وفي مساء السبت نفسه، ذهب آريوس مع حراسة كبيرة عبر المدينة، وعندما اقترب إلى بلاط قسطنطين، اضطر أن ينزوي في مرحاض ليلبي نداء الطبيعة، وهناك مات فجأة بسبب انسكاب أحشائه، وذلك في سنة 336م، وشهد الكثيرون موتَه كعقاب من السماء. وقد أجمع أغلب المؤرخين على أن موت آريوس بهذه الطريقة كان معجزة إلهية. وهذا ليس بغريب على كنيستنا (أقصد هذا التدخل الإلهي بصورة معجزية) ويذكر لنا التاريخ أمثلة عديدة.
ويذكر المؤرخ سوزومين (أرَّخ للفترة ما بين324 و 439م وقد دوَّن ما كتبه ما بين 439 و450م) مقالة عن موت آريوس كتبها القديس أثناسيوس يقول فيها:
"كان الرب هو القاضي، وأعلن ذاته ضد الظلم"؛ وأن آريوس "فَقَد استعادة الشركة وحياته معاً في آنٍ واحد".
كما يذكر سقراط الذي عاش من (380- 450م) بعد أن وصف الطريقة البشعة التي مات بها آريوس كما ذكرناها، يعلّق قائلاً:
إن موضع هذه المأساة (الفاجعة) مازال يُشاهد في القسطنطينية، كما ذكرت، خلف الخرائب في صف الأشجار: ولأن الناس يشيرون بالأصبع على المكان، فهناك ذكرى دائمة محفوظة لذلك النوع غير العادي من الموت.