رسالة يعقوب:
في حقيقتها موعظة او مجموعة مواعظ. نعم افتتاحيتها افتتاحية رسالة، لكن باقي الكتاب لا نجد اية اشارة تدل على انها رسالة. اسلوبها عملي ، ففيها 60 فعل امر من مجموع اعدادها ال 108 عددا. الكاتب يركز على الاخلاق دون ان يضع لها اساسا لاهوتيا مثلما فعل بولس الرسول. والرباط بين افكارها يعتمد على اللفظ وليس الفكرة والمعنى. وهذه طريقة الدارسين والربيين اليهود مما يسهل عليهم حفظ الامور.
وهي ترتبط بالعهد القديم. يقتبس الرسول يعقوب الاتي:
من (سي5: 11) "كن مسرعا الى الاستماع ولكن مبطئا في الاجابة" في (يع1: 19).
من (حك2: 4) "حياتنا ستمر كما يمر الغمام وسوف تتناثر كما يتناثر الضباب" في (4: 14).
يقتبس من الانجيل:
في (مت5-7) في تحذيره من خطية الادانة وفي تعليمه عن الصلاة، وتحذيره من القلق، و ..
لكن ماذا يميزها عن الرسائل الاخرى ان كانت تخلو من الحديث عن العقائد المسيحية؟
ان اهم ما يميز رسالة يعقوب ليس انها تعاليم عن يسوع ولكنها تعاليم يسوع نفسه.. انها تحتوي على اكبر كمية من تعاليم المسيح، اكثر من كل رسائل بولس مجتمعة. نعم انه لا يقول "قال الرب.." ولكنه يكتب عنها كبديهيات يعرفها القارئ مسبقا.
ولقد اختلف الدارسين في تقسيمها الا ان اغلبيتهم يرون فيها اربع مواعظ. يتخذ الكاتب لكل موعظة منها احد اقوال السيد المسيح اساسا.
الموعظة الاولى : التجربة (1: 2-18):
الجزء الاولى يبدو ظاهريا انه يناقض الثاني اذ يتكلم عن فوائد التجارب بينما الثاني عن مضارها. لكن كل هذا لا يقدم لاهوتا بل يبين اتجاهات مختلفة في الحياة. في الجزء الاول يبين ان المسيحي غير معفى من التجارب ولكنه يختلف عن الاخرين في انه يرى الله واقفا بجواره يقويه لكي ينتصر ويتزكى.فتكون تجربته عاملا على تقوية ايمانه وحياته. وهنايولد الايمان فيه صبرا وثباتا يجعله رجلا كاملا مصليا. في هذا الجزء يبين ان التجربة هي ظلم الاغنياء للفقراء ويضع في اطار هذا بعض المفاهيم التي سوف يحددها تفصيلا في باقي الرسالة.
اما الجزء الثاني الذي يحدد اضرار التجربة. يبدا بجواب لسؤال يمكن ان يلقى. اذا كان التجربة لها هذه الفوائد، فهي اذا من عمل الله. لكن خلافا لكل توقع يجيب بالنفي. "ان الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب احدا". ان التجربة قد لا تؤدي الى صبر ونضوجا للشخص بل سقوطا في الخطية. وعندها لا يمكن ان تكون من عمل الله بل تنبع من نفوسنا. اساس التجربة هنا الرغبة الشريرة.
الموعظة الثانية – ناموس المحبة:
اية العظة "تحب الرب الهك.."(مت22: 37- 40):
فكلمة الحق او الكلمة المغروة هي نفسها الناموس الكامل .. ناموس الحرية .. الناموس الملوكي. انها جميعا الوصية التي يجب ان يحفظها الانسان. وبهذا المعنى يختلف ع الناموس اليهودي او الناموس بالمعنى اليهودي الذي يعتبره المسيحيين ناموس العبودية لان نيره ثقيل.
بهذا المعنى يكون العمل الذي يطلبه الرسول هو عمل المحبة. ويعطي امثلة لذلك (1: 27) وكذلك عدم المحاباة (2: 1-9)
فالايمان المسيحي – بحسب رؤية يعقوب – هو بداءة، سماع الكلمة الحية ثم القيام باعمال المحبة. فبرهان الايمان هو اعمال المحبة (1كو13).
الوعظة الثالثة – الكلام الشرير:
اية العظة "ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم"(مت15: 11).
هذا ما يضعه الرسول امام السامعين الذين يريدون ان ياخذوا موقف المعلمين. ان مطلبهم ليس سهلا ولكنه مسئولية جسيمة. مسئولية هائلة نظرا لما يمكن ان يحدث لهم وللاخرين. انهم قد يؤدون خدمة عظيمة للمتعلمين،ولكنهم ايضا قد ينحرفون في كلامهم ويضعون عثرة لهؤلاء. ان عملهم هو الكلام.. لكنه عمل خطير. ولسانهم قد ينقذ السفينة ويقودها الى الامام كما تفعل الدفة، وقد تحولها الى الصخور حيث تلقى دمارها.
ولكن لماذا؟ لان اللسان – الذي يعبر عن الانسان كله – تتصارع فيه مظاهر الخير والشر. فتخرج منه الصلاة واللعنة.
هناك اذا حكمتان عند المعلمين: حكمة تجعل صاحبها يزرع البر والسلام، وحكمة ثمارها غيرة مرة وتحزب في القلب وكذب على الح، حكمة شيطانية تجعل صاحبها يزرع التشويش..
وهنا يلقي الرسول نظرة على المجتمعات اليهودية في ايامه، بمن فيها من اتباع موسى ومن تلاميذ المسيح، ويحذرهم بشدة مما يبدر منهم من خصومات .. ان هذا المجتمع الذي ينهش بعضه البعض هو ذات المجتمع الذي كلمه الرب .. مجتمع الكبرياء ومحبة العالم.
وهنا يرجع الرسول لاصل البلاء ويقدم الدواء الناجع، الذي هو الناموس الملوكي. فهناك من يكسر الناموس ويكذبه بان يذم اخاه ويدين اخاه، وهناك من يخضع لهذا الناموس، ناموس الحرية، فيحب الله ويحب اخاه (4: 12و13").
الموعظة الرابعة - الصبر:
الاية (مر13: 13) "ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص"
غالبا كانت هذه الاية، التي قيلت في اطار الخطاب الرؤوي او الاسخاتولوجي المذكورفي مر13 وما يقابله، في عقل الرسول وامام ناظريه عندما كتب او القى هذه العظة الاخيرة، لانه يقول فيها "فتانوا ايها الاخوة الى مجئ الرب". لقد رجع الى الوصية التي بها بدا عظاته (1: 12). ك انه يوجه اقسى الكلمات الى الاغنياء الظالمين.