مقدمة:
هل هي رسالة؟ ام عظة؟ ام نبذة لاهوتية؟ فمقدمته لا توحي بانها رسالة. ومع ذلك نجد في ختامه ارسال التحية لاشخاص معينيين.
لمن كتبت؟
جماعة لها تاريخ واضح وصلة بالكاتب (10: 33 و34 و13: 19 و23)
جماعة لها ظروف خاصة : لقد نالوا بركات وفيرة من الله : خلاص ابدي (2: 3)، مواهب الروح القدس (6: 4و5) ، معرفة الله (10: 26) ومع ذلك فهم في خطر الارتداد (2: 1 و3: 12) حتى انهم يشابهون الاسرائيليين قديما (4: 1و11) انهم في خطية الضلال التي صلبت المسيح نفسه (6:6).
انهم قسم من جماعة اكبر: كانوا ينبغي ان يكونوا معلمين (5: 12) وهذا دلالة انهم وسط جماعة اكبر. ومع ذلك فهم ليسوا الفئة الاهم في الكنيسة فما زال لهم مرشدون (13: 17 و24).
موقع الرسالة:
كاتب الرسالة كان لاهوتيا اصيلا. ولنا ان نقارن هذه الرسالة بخطاب استفانوس. ان الاساس اللاهوتي في خطاب اسطفانوس هو ان الله يتدخل في التاريخ لكي يقود الاحداث الى نقطة محددة تشير اليها كل المواعيد. وعندما عبر استفانوس عن هذا ذكر امران: الموعد والغربة. فكل الاباء تغربوا في ارض الوعد. بل ان الشعب نفسه كان متغربا في البرية منتظرا اتمام الموعد.
هذه الغربة نجدها هنا، اذ تبرز الرسالة ان حياة المسيحي هي غربة تتجه الى الله الحي (ص3 و4). اما في ص11 فاننا نجد جماعةاخرى متغربة يجدر ان نقتفي بها. ويعلن الكاتب صراحة ان المسيحي ليس له وطن هنا في الارض ولكنه يطلب العتيدة (13: 14) مثل الاباء. فالتغرب صفة تميز كل القديسين في العهد القديم والجديد. ولكننا نختلف عن الاباء لانهم لم ينالوا المواعيد.. ولكننا قد اتينا الى جبل صهيون والى مدينة الله الحي ..(12: 22) ولكن كمال الموعد سيكون في الملكوت حينما تزلزل السموات ذاتها (12: 26).
ان الكاتب يستخرج النهاية المحتومة التي يتجه اليها خطاب استفانوس اذ صل باليهود الى صلب المسيح. وهكذا يفعل المسيحيون الذين يرتدوا، انهم يصلبون ابن الله ثانية (6:5).
فالمسيح اعتق اولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت الموت (2: 14). نقصد الموت الروحي وهو لا يتباطئان يخلصهم ايضا من الام الموت الجسدي ويقف بجوارهم كالبطل الذي يدخل الساحة ليدافع عن المضطهدين -الذين يلقون هناك - ضد الوحوش. بهذا اتم النبوة القديمة "هل يفلت سبي المنصور؟.."(اش49: 24-26).
العهد الجديد ووسيطه:
هل يمكن ان تلك الجماعة ان ترتد الى اليهودية مرة اخرى؟ ان الكاتب يستخدم عبارات شديدة مرعبة ليصف هذا الارتداد "كيف ننجو نحن ان اهملنا خلاصا هذا مقداره؟".. ".. خاب منه" .. قريبة من اللعنة التي نهايتها الحريق (4: 1 و 6: 4-8). فلماذا هذا؟ وهل هناك فرق هائل بين اليهودية والمسيحية حتى ان من يرتد عن المسيحية يستحق ان يوصف هكذا؟
ان الكاتب بنى ذلك كله على ما اوضحه من سمو المسيحية وكمالها عن اليهودية. فيقدم الكاتب مناقشته هكذا:
ان الفرق الواضح بين الديانتين يكمن اساسا في الاعلان. كلاهما قام على اعلان. لكن الفرق الكبير يظهر في واسطة الاعلان. فهو بعد ان "كلم الاباء بالانبياء .. كلمنا في ابنه".
ينتقل لمقارنة الابن بالملائكة. فاليهود اعتقدوا ان الاعلان تم بواسطتين متاليتين: الملائكة ثم موسى. "هذا الذي كان في البرية مع الملاك.."(اع7: 38). "مرتبا بملائكة بيد وسيط"(غل3: 19). وما امجد المسيح عن الملائكة.
وان كان المسيح اعظ من الملائكة فهو كذلك اعظم من موسى. فهو اولا باني البيت. وغالبا يقصد بالبيت ترتيب الله كله اي بالنظام اليهودي كله. وهو داخل البيت ابن اما موسى خادم.
هنا يقدم رؤيته لنظام اليهودي . فهو اعلان يقوم على نظام طقسي كهنوتي يمثله هارون. ويتميز الكاهن ب 3 اشياء: اولا، مدعو من الله. ثانيا، ان يكون شفوقا ورحيما باخوته لانه مثلهم محاط بالضعف. ثالثا، يتقدم الى الله وفي يده شئ اي قرابين. وهذه الصفات اتصف بها السيد. فهو لم يسلب هذه الوظيفة مع انه كان من سبط اخر ، لان الله دعاه (5: 6 و7). ثانيا، كان من البشر وهكذا هو ايضا كان محاط بالضعف (5: 7 و8). والمقارنة لا تعني ان الاثنين متساويين ولكن المسيح اسمى فى الامور التالية:
اولا – رتبة كهنوته:
المسيح كان على رتبة ملكيصادق. هذا الرجل كان اعظم من ابينا ابراهيم نفسه. لانه هو من بارك، وهو الذي اخذ من ابراهيم عشرا دلالة على انه اعظم منه.
دعى من الله بواسطة قسم (7: 20 و21). وهذا الكهنوت باق. لان الرب عندما اراد ان يعلن ان قضاءه باق غير متغير اقسم بقسم. هذا يدل ايضا على عدم بقاء الكهنوت اللاوي لانه لم ياتي بقسم.
جمع السيد بين الكهنوت والملك (7: 11-17).
كمال المسيح وعصمته، فهو في غير حاجة الى تقديم ذبيحة عن نفسه اولا (8: 26-28).
ثانيا – سمو ذبيحته:
وهذا يتضح فيعنصرين:
الذبيحة لم تكن حيوانات لا ادراك لها، بل قدم ذاته الانسانية طائعا.
"بروح ازلي قدم ذاته" فهي ازلية، وعملها باق الى الابد.
ثالثا – سمو المسكن:
الكهنوت اللاوي تمم من خلال مسكن ارضي على مثال المسكن الاعظم وهو السماء نفسها "ليظهر الان امام وجه الله لاجلنا".
هذا هو سمو المسيح رئيس الكهنة: في شخصه، في كهنوته، في ذبيحته، وفي المسكن الذي دخل اليه.
فما الفرق بين العهدين؟
هنا يضع الكاتب نبوة ارميا (31: 31) في موضعين (8: 7-13 و 10: 6-18). العهد القديم ليس له الا ان يكشف للانسان خطته. هذا ما يفعله الناموس الادبي والطقسي والاجتماعي. انه غير كامل، ليس له سلطان ان يحرر الانسان من الخطية.