اثناء اﻻجتماع اﻻسبوعي لدرس الكتاب، وكان الموضوع عن "يوم الخميس الكبير" والدراسة كانت من يو13، تطرق الحاضرون للحديث عن يهوذا اﻻسخريوطي، وذكر احدهم ان يهوذا كان يحب المسيح بدليل انه "لما رأى انه قد دين ندم ورد الفضة، ومضى وشنق نفسه". واعتبر ان انتحار يهوذا دليل على محبته للمسيح. وافقته سيدة اخرى على كلامه وكذلك شخص اخر وصمت اﻻخرون.
اعترضت واظهرت ان شخصية يهوذا لا يجب على اﻻطلاق ان تمدح او ينسب لها هذه الفضيلة التي تعتبر قمة الفضائل "المحبة التي هي رباط الكمال"(كو3: 14). والتي ان احببنا ان نصف الله بكلمة واحدة نقول "الله محبة".
دعونا نظهر يهوذا على حقيقته ونحلل شخصيته:
اوﻻ، كان ماكرا وخبيثا:
اكثر ما اثارني هو موقفه حينما اخبر يسوع عن ان واحدا منهم سيسلمه يقول الكتاب ان يهوذا فعل كما فعل باقي التلاميذ، كان كل منهم يقول "هل هو انا يا رب؟" وكأن كل واحد منهم يشك في نفسه، وهذا ان دلّ يدل على نقاوتهم، فلا واحد منهم كان يفكر ان يسلمه، ومع ذلك تشككوا في محبتهم للسيد. اما يهوذا وهو يعلم تماما ما كان مزمعا ان يفعل، بل ما فعل، فالحديث هنا كان يوم الخميس، بينما كان اتفاقه مع اليهود قد تم يوم اﻻربعاء. وﻻ ننس انه هو من تطوع وبادر وذهب الى رؤساء اليهود ليعقد هذه الصفقة المشبوهة، صفقة الخيانة، وهو يقول لهم "ماذا تعطوني وانا اسلمه اليكم؟". ونسأل: اين المحبة هنا؟
ثانيا- كان خائنا:
هل تتفق صفة الخيانة مع فضيلة المحبة؟ هل من قيل عنه النبي "الذي اكل خبزي رفع عليّ عقبه" هل هذا فعل محبة؟ وﻻ يفوتنا ان نقول باقي كلمات النبوة "كلماته سيوف مسلولة وقلبه قتال" و "انعم من الزيت كلماته وهي سهام" و "احب اللعنة فاتته ولم يسر بالبركة فتباعدت عنه".. الخ.
ثالثا- انه اصبح رمزا للغدر:
استخدم يهوذا علامة المحبة وهي القبلة والسلام لتكون اداة لفعل خيانته. حتى ان السيد وجه له هذا العتاب الرقيق "ابقبلة تسلم ابن اﻻنسان؟" اﻻ يترك هذا تاثيرا مقبضا في كل نفس.
رابعا- لم تكن الخيانة وليدة اللحظة:
خلال احداث اﻻسبوع اﻻخير من حياة الرب نلاحظ التدرج المريع، وكأن يهوذا كرة تتدحرج من فوق جبل باقصى سرعة. فرد فعله في حادثة سكب الطيب.. وفي شاء الفصح.. تدل على انه فوّت كل فرص خلاصه. وصوﻻ الى اللحظة التي قال فيها المسيح له "مانت فاعله فافعله باقصى سرعة". انت تعلم ان الرب يعلم ما انت تخطط له، وهو بهذه الكلمات يحذرك، ومع ذلك، يستمر..
اﻻ ان هذا السقوط كان منذ بداية اختياره كتلميذ، حيث نقرأ: "قال يسوع:«اليس اني انا اخترتكم، الاثني عشر؟ وواحد منكم شيطان!»(يو6: 70). وفي مرة اخرى "انتم طاهرون ولكن ليس كلكم"(يو13). اتخيل بعد قول الرب هذه العبارات ان كل واحد من التلاميذ كان ينظر الى نفسه ويسأل "هل انا شيطان؟" وفي المرة الثانية "هل انا دنس؟".. ويبدأ يفتش داخل نفسه.. انها فرصة يدعونا الرب فيها الى ان نفحص نفوسنا.
نقطة اخرى بخصوص الانحدار، وهي ان الانجيل كان دقيقا في استخدام التعبيرات. المرة اﻻولى يقول "القى الشيطان في قلب يهوذا" و الثانية يقول "دخله الشيطان".. فلنحذر من اﻻنحدار!
نعود الى عنوان موضوعنا، وهو السؤال: لماذا شنق يهوذا نفسه؟
1- تملكه ابليس: بعد ان قرأنا في اﻻنجيل العبارة "دخله الشيطان"، ماذا ننتظر ممن تملك عليه ابليس، سوى هذا!
2- سلك سلوك اﻻشرار: انه شابه بهذا تصرف اخيتوفل صديق داود، ونلاحظ ان النبوات التي قيلت كانت تنطبق على تصرف اخيتوفل ايضا.
3- الكبرياء وقسوة القلب: كان فعل اخيتوفل منبعه الكبرياء: فلما رأى ان مشورته لم يؤخذ بها فعل ما فعل. ولما افاق يهوذا الى نفسه، لم يستعيد اي كلمة من كلمات الرب عن قبوله للخطاة، للزناة والعشارين.. بل في قسة قلب مضى وقتل نفسه، مثلما يفعل المنتحرون في كل عصر، وكل من يقتل نفسه باﻻدمان والخطية..
4- عدم التوبة: "قد اخطأت اذ اسلمت دما بريئا". اذن عليك ان تحاول ان تصلح خطأك، او على اﻻقل اذا شعرت انه ﻻ يمكنك ذلك، ان تلجأ الى الله، وهو يقدر على كل شئ، واذا لم يكن لك اﻻيمان ان الله يمكنه ان يقوّم المعوج، يمكنك ان تطلب منه الغفران، لكن لم يفعل شئ من هذا. نتعلم ان ليس كل من يعترف بخطأه ينال الخلاص، فقد سبق ان قال نفس لكلمة فرعون، وعاخان بن كرمي وكلاهما هلك. على المعترف ان يمزج اعترافه وتوبته بالرجاء.
5- عدم الرجاء او اليأس: نجد ان الرب قال لبطرس "ابعد عني يا شيطان!" ومع ذلك نجد فرق كبير بين تصرف بطرس حتى بعد انكاره للمسيح ويهوذا. يهوذا ندم وبطرس تاب "بكى بكاءا مرا".
6- عدم اﻻيمان: يقول القديس اغسطينوس وهو يقارن بين اعتراف الشيطان بالمسيح واعتراف بطرس "اعتراف الشيطان لم يكن ممزوجا بايمان، واعتراف بطرس ممزوجا باﻻيمان". ونقيس على هذا توبة يهوذا لم تكن ممزوجة بايمان: ايمانه بالوهية المسيح واتمامه للنبوات.. وايمانه بقبوله للخطاة.
موضوعات ذات صلة:
قبلة الخائن
موضوعات ذات صلة:
قبلة الخائن