الحرب العالمية والملاجئ
اعوام قليلة مضت على الاحداث التي ذكرناها وبدأ عام 1914، العام المصيري لاوربا. كان هناك شئ من الاضطراب بين المسؤلين، وحتى بين السكان في المدن الحدودية. كان الاقتصاد ضعيفا، وكان الناس يتحدثون عن غيمة الحرب القاتمة التي تظلل سماء اوربا. ولان عائلة وينبرج كانت تقطن بالقرب من الحدود الالمانية، فقد كانت تشعر بعدم ارتياح كبير، ولم يستطيعوا ان يقررواما اذا كان بامكانهم ترك المدينة هذا الربيع لزيارة والديهم ام لا.
واخيرا جاء اليوم المخيف، في الاول من اغسطس، عندما هبّ اعصار الحرب على البلد. وبسرعة توقدت البلاد كلها بنيران الحرب لسنوات كثيرة. وعبرت القوات الالمانية حدود روسيا. كانت القوات الروسية تتحرك في طوابير لا تنتهي داخل البلاد لتحمي البلاد. وهرب السكان الامنين من بلادهم الغالية في عجلة،حتى انهم لم يستطيعوا حتى حمل الاشياء الهامة التي تخصهم.
كانوا يتحركون في جماعات كبيرة خلال مختلف الطرق، من مدنهم الحدودية الى داخل البلاد متلهفين على ترك المناطق التي ابتليت برعب الحرب باسرع ما يمكن. لم يفكر احد في استخدم القطار، لان السكك الحديدية كلها كانت مخصصة لنقل الجيش والذخيرة الحية. وكانت القطارات في عودتها تحمل بالجرحى. وكان منظرا مالوفا ان ترى اطفالا يبكون لفقد والديهم، واباء وامهات لفقد اولادهم.
بين هؤلاء كانت عائلة وينبرج. ولكن استطاع السيد وينبرج ان يأخذ بعض المال والان هو يسير هو وزوجته وبناته في الطريق المترب، باحثا عن مكان امن داخل البلاد.
كان الجميع يتوقعون انه بعد اشهر قليلة سيعبر اعصار الحرب ويستقر الامن والامان في البلاد.
بعد عدة جدالات قررت عائلة وينبرج ان تختار مدينة جيم لبيتهم المؤقت. كان العديد من اليهود يعيشون هناك وكان للسيد وينبرج معاملات تجارية مع بعضهم.
لم يكن هناك وقت للتفكير في حالهم عندما كانوا يسرعون بالهرب من جحيم الحرب مع الجموع الهاربة، ولا حتى في الاربعة ايام السير المضني في الطريق السريع الرئيسي. في ذلك الوقت لم يكن يسيطر عليهم سوى الخوف الشديد من ان ياخذهم الالمان اسرى حرب، والرعب القاتل من ان يتيه واحدا منهم اثناء سيرهم في الطريق. ولكن الان اذ يحيون في امان فان لديهم الوقت الكافي ليفكروا ويحزنوا لخسارتهم الكبيرة.
جوديت كانت وقتها قد امضت عامين في الكلية، وكانتا اختاها الصغيرتان بالثانوية. كانت جوديت كثيرا ما تترك اختيها لتنضم الى والديها. كانت تنظر اليهما مشفقة بعينيها السوداوين الجميلتين.كانت تبلغ وقتها السادسة عشرة وبذكائها استطاعت ان تدرك حجم المشكلة التي يعاني منها والداها الحبيبان. ولم يمكنها ابداان تشترك في الاحاديث الضاحكة مع اختيها دون ان تفكر جديا في المستقبل. لكنها كانت تنظر الى المستقبل نظرة اكثر اشراقا من الجميع، فمنذ نعومة اظافرها تعلمت كيف ان الله اعان الاباء في وقت الضيق والالم. الالم سر لا يمكن حتى الان ان يكشف احد كنهه ولماذا يسمح به الله.. هي تؤمن الان ان الله لا يتغير ابدا، واذ كان الله اعان الاباء قديما فمن المؤكد انه سيعينهم في هذه الايام.
اسندت ظهرها الان الى الحائط وعادت بمخيلتها عبر القرون الى ارض مصر، وتأملت كيف ان اباءها الاولين في ليلة واحدة منطقوا احقاءهم وحملوا حقائبهم البدائية على اكتافهم وامسكوا عصيهم في ايديهم وجمعوا اولادهم حولهم، واذ تركوا بيوتهم خلفهم غادروا البلاد التي عاشوا فيها 4 قرون كاملة.
وبسرعة تأقلمت مع وضعهم الجديد. مرت سنتان واصبح افراد عائلة وينبرج مواطنون دائمون في مدينة "جيم"، وكانوا في اعمالهم ناجحون جدا، كبرت البنات وخاصة جوديت التي كانت دائما فخرالعائلة والفتاة المحبوبة في المجتمع اليهودي. وبقلب الام الفخور، كانت السيدة وينبرج تخبر زوجها احيانا انه لا توجد فتاة في مجتمعهم يمكن مقارنتها بجوديت.
كانت جوديت قد انهت دراستها بالكلية هذا العام، ولانها كانت التلميذة الاولى في تقديراتها فقد حصلت على الميدالية الذهبية. انهت جوديت دراستها في الكلية هذا العام.
كانت عائلة برنستاين هي اكثر العائلات قربا لديهم منذ وصولهم الي "جيم". كانالسيدبرنستاين تاجرا كبيرا. كانوا يلتقون كثيرا ولاكثر من مرة عبر السيد والسيدة برنستاين عن رغبة قلوبهم بخصوص ابنهم سولومون وجوديت حيث لا شئ يسعدهم اكثر من ارتباط الاثنين معا. كان سولومون وهو الابن الوحيد لعائلة برنستاين، شابا جذاباموهوبا، وقد كسب قلب عائلة وينبرج منذ اليوم الاول الذي التقوا فيه.
كانوا يرون ان سولومون مناسبا جدا لابنتهم. وبملاحظتهما وجدا ان سولومون وجوديت يحبان بعضهما بعضا. وفي احد ايام الصف جاء سولومون لزيارة عائلة وينبرج ليطلب يد ابنتهما.
وافقا في الحال واعلن خبر ارتباطهما للاصدقاء، وتقرر ان يعقد حفل الزواج في الربيع المقبل.