‏إظهار الرسائل ذات التسميات اﻻناجيل المتزامنة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اﻻناجيل المتزامنة. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 17 فبراير 2020

محاكمات يسوع


بيلاطس يسجوب يسوع:
حصل كل هذا في العراء امام دار الولاية. وبعده دخل الوالي ودعا المسيح. فساله اولا بناءا على اتهام اليهود "اانت ملك..؟" ولم يجب المسيح بنعم، لئلا يؤخذ الجواب على معنى سياسي، بخلاف الواقع. ولم يستطع ان يقل لا ، لاه بالحقيقة ملك اليهود، بل ملك العالم كله بالمعنى الروحي.
اجابه المسيح "امن ذاتك تقول هذا، ام اخرون لك عني" اي هل تطلب ان تعرف حقيقتي ام انك تريد فقط ان تعرف صدق الرؤساء؟ فنفى بيلاطس انه يريد ان يعرف الحقيقة بقوله "العلى انا يهودي؟ اي لماذا اهتم ان اعرف مسيح اليهود. "امتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليّ. ماذا فعلت؟".
فحدثه المسيح عن ملكه الروي. لكن الوالي لم يكتف بهذا التصريح الروحي المبهم عنده.فطلب جوابا واضحا. فقال المسيح "انت تقول اني ملك. لهذا قد ولدت انا. لاشهد للحق..".
فقال بيلاطس بمزيج من الاستخفاف والاحترام، وهو خارج ليقابل اليهود في الفسحة الخارجية: "ما هو الحق؟" اي من يقدر ان يعرف الحق بين الاراء الدينية الكثيرة المتضاربة؟". هل هو بجانب الفلاسفة اليونان المتعبدين للجمال والهته ام الرومان المتعبدين للقوة والهتها ام اليهود المتعبدين لاله واحد هو روح لا صورة ظاهرة له .. ام بجانبك انت يا من تدّعي انك اتينت من السماء لتشهد للحق؟
سال بيلاطس "ما هو الحق؟" لكنه لم ينتظر ليعرف الجواب . ويوجد في كل عصر امثاله .. خرج الى اليهود ليخبرهم "لا يوجد به علة". لقد زرع فيه امراته ميلا الى المسيح. والامر ظاهر – انه كان يهاب المسيح.
عند هذا التصريح حدد اليهود شكايات متنوعة (لو23: 4 و5). لم يرض ان يجيب المسيح عنها. ولما ساله الوالي لماذا لا يدافع عن نفسه، لم يجبه بكلمة، لانه يعلم ان كلامه يكون عبثا. وبهذا يعطينا السيد درسا الا ندخل في جدالات غبية. تعجب الوالي من هذا السكوت، وجدد شهادته ببراءة المسيح. فغضب اليهود وجددوا الشكوى بانه يثير الفتنة ليس فقط في ولاية بيلاطس بل ايضا في وطنه اي ولاية هيرودس انتيباس. ذكروا الجليل لان الجليليين كان لهم سابقة في اثارة الفتنة (لو13). لكنهم سرعان ما ندم الرؤساء على قولهم هذا، لانه ادى الى بطء جديد في تنفيذ مخططهم. فقد جعلوا الوالي يفكر في التخلص من الورطة باحالتها الى حاكم الجليل اليهودي، رغم ما بينهما من الخلاف الشديد. وهو يحسب انه بهذه الاحالة يتخلص من المسؤلية ويريح ضميره، كما انه يكون فيها شئ من الاسترضاء فينتهي العداء بينه وبين هيرودس، فنجح في الغاية الثانية، ولم ينجح في الاولى.
يسوع يحاكم امام هيرودس:
(لو23: 6-12)
فرح هيرودس برؤيته يسوع ، ليس فقط لافتخاره بتنازل الوالي الروماني له، بل لانه منذ زمان كثير يشتهي ان يرى المسيح.. وكم من كثيرين يشتهون هذه الشهوة لكنهم لا يتممونها – مع انها في مقدرتهم – اذ تشغلهم مشاغل العالم الباطلة او انهم غير جادين في مسعاهم.
فحص هيرودس المسيح بكلام كثير لم يحفظ منه شئ. كان هيرودس قد اقط صوت الله من خلال المعمدان. والان لا يكلمه ابن الله بشئ.
بيلاطس يحاول ان ينقذ يسوع
(لو23: 13- 25):
دعا بيلاطس هذه المرة الشعب. لعله يحصل منه على مساندة ضد مكيدة الرؤساء. ثم اقترح على اليهود "انا اؤدبه واطلقه". بيلاطس يؤدب المسيح بعد ان برأه تماما، الامران ضدان. هذا بداءة خطاه، الذي جره الى اخطاء اعظم.
كان بيلاطس يظن ان الجمهور ليس مدفوعا كالرؤساء بعوامل الحسد ليفضلوا لصا صانع فتنة على صانع المعجزات .. ثم دخل بعد سؤاله، وجلس على كرسي الولاية ليعطي فرصة للجمهور ليقرروا.
وصية زوجة بيلاطس (مت27: 19-26أ):
لابد ان ذلك الحلم ترك اثره عليه، لانه ثل جميع الوثنيين تحت سلطة الخرافات. ولكن بينما كانت اسباب تبرئة المسيح تزيد في دار الولاية كان العكس تماما في خارجها لان الرؤساء بذلوا جهدهم لاقناع الجمهور بقتل المسيحي بداعي ان جريمة من جدف واراد ان ينقض الهيكل اعظم ممن اثار فتنة.
غير ان بيلاطس حاول ثلاثا ان يتخلص من المسؤلية دون جدوى. فقد اثار اقتراحه بتاديب المسيح طمعهم بان يجعلوا الوالي يرضخ تماما لارادتهم. واخيرا راى ان يلقي مسؤلية الدم على اليهود بطقس كان في شريعتهم. وعرف اليهود معنى غسل بيلاطس ليديه، وقبلوا ان يتحملوا هم المسؤلية.
جلد المسيح
(مت27: 26 ب – 30):
لعل بيلاطس كان يأمل ان اليهود بعدما يروا المسيح في هيئته وقد تغيرت بسبب الجلد. انهم يكتفون بهذا، لكن اليهود قساة القلوب ضضجوا طالبين ان يصلب.
كان بيلاطس قد تحقق من صلاح المسيح فلما سمع انه ابن الله ازداد خوفا، ورجع الى المسيح يسال "من اين انت؟". فقابل المسيح سؤال الوالي الجدي الجديد بالسكوت. لكن الوالي لم يتعود عدم اجابة اسئلته، وهو لا يحتمل ذلك فقال له "اما تكلمني؟ الست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك؟". من هذا الذي يدّعي بالسلطان؟ هل لبيلاطس سلطانا على القانون ليخالفه او العدالة ليدوسها؟ هل له سلطانا على نفسه ليقاوم خوفه او ليتبع ضميره؟ هل له سلطانا على ذلك المتهم الماثل امامه ليزحزحه قيد انملة عن استقامته وقصده؟ كان اشرف لبيلاطس الا يتلفظ بكلمة عن السلطان، في ساعة الخضوع لرعاياه في الظلم والقسوة.
راى المسيح ان هذا الادعاء يستحق الجواب، ويتطلب منه اظهار عظمته وسلطانه الحقيقيين. فقال له: "لم يكن لك عليّ سلطان البتة..لذلك الذي اسلمني لك له خطية اعظم". من هنا نعرف ان المسيح عظّم خطية الرئيس اليهودي على خطية بيلاطس. بيلاطس مدفوع من رئيس الكهنة لكن رئيس الكهنة مدفوع من عواطفه الشريرة.
هزت اجابة المسيح بيلاطس، فاراد ان يطلق يسوع حرا. وعندما فرغت كل حيل الرؤساء لجاوا الى التهديد.
لو كان بيلاطس صادقا لكان التهديد يزيد عزمه على مقاومتهم. لانه لا شئ يثبت المستقيم في عزمه قدر التهديد.
لكن اليهود هددوا بصراخهم "ان اطلقت هذا فلست محبا لقيصر". بالفعل كان قيصر ينتظر اي سبب لعزله. اناخت الضربة الاخرة بيلاطس تماما.
جلس على كرسي الحكم وقال "هوذا ملككم" ليثير فيهم النخوة الدينية والوطنية. فاجابوا "ليس لنا ملك الا قيصر". اعتبروا ان مايقولونه حكمة سياسية. ولم يعرفوا ان بقولهم هذا ختموا على النبوة بزوال قضيب الملك من نسل داود متى جاء المسيح "شيلون"(تك49: 10).
المسيح يسقط تحت حمل صليبه
(مت27: 31- 34):
كتبت العبارة "يسوع الناصري ملك اليهود" بثلاث لغات: العبرانية، لغة الدجين، فكان ابن داود وابن الله. واليونانية لغة الفلسفة والعلم لانه نور العالم والحق الازلي. واللاتينية لغة السياسة لانه ملك اسرائيل وملك الملوك ورب الارباب.
اعترض اليهود على ما كتبه. لكن بيلاطس اراد بالتزوير انتقاما منهم بسبب ضغطهم عليه. فصار العار على اليهود الذين صلبوا ملكهم الذي ينتظرونه من الاف السنين. اصر بيلاطس على ما فعل. هذا الذي سال استخفافا "ما هو الحق؟" خدم الحق وهو لا يدري.
اعترض المسيح على بكاء النساء – مع ان هذا البكاء هو الشئ الوحيد الذي يعبر عن مشاعر المحبة في هذا اليوم. اعترض عليه مع انه لم يعترض على شئ مما وقع من عداء لانه المحب الصفوح. ان البكاء على نفوسهم اولى. لانه يرى ما سيحل بهم يجعل الناس يطوبون من لا نسل له، وتجعلهم يرون الموت رحمة لا نقمة بسبب النكبات التي تحل بهم.
لقد فعل الرومان به هذا وهو عود رطب به صلاح، فكيف يفعلون بهم وهم اشبه بالعود ليابس الذي لا خير يرجى منه. راى المسيح اليوم الذي تنصب فيه الصلبان الكثيرة العدد والمعلقون عليهم هم صالبوه وعيالهم.

فصول الباراقليط



الحديث اﻻخير:
بعد ان رسم المسيح فريضة العشاء الرباني نجده يلقي حديثا شمل ص14-16 وتسميها الكنيسة فصول الباراقليط. نراها كلاما مدهشا من انسان يعلم جيدا ان تلاميذه يتشتتون وقبل غروب شمس الغد يكون هو جسدا معلقا على صليب. فباي حق يتكلم كغالب وليس كمغلوب. اي تفسير سوى انه الله الذي ظهر في الجسد.
ثم تنتقل افكاره من تلاميذه الى ما يجري في المدينة ، لانه يرى ما لا يرونه ، ويرى خلف المؤامرات التي تتم، ابليس فيقول "رئيس هذا العالم ات، وليس له فيّ شئ". كان للشيطان في كل نبي شئ ولكن المسيح كان بلا خطية.
ثم علّم المسيح ان علاقته بهم متينة كعلاقة اصل الكرمة باغصانها. وعلمهم ان اهم شئ فيهم وفيه هو الاثمار لانه بهذا يتمجد الاب.ثم صرح بركن متين لايمانهم- لقد اختارهم قبل ان يختاروه. وجعل مقياس حبهم له هو حفظ وصية المحبة الاخوية. وشجعهم لاجل سني الاضطهاد التي ستحيق بهم.
حزن التلاميذ لانه فوق حزنهم على مفارقته لهم، يطلب اليهم ان يتوقعوا الاضطهاد المميت. فنبههم الى فوائد المصيبة الاولى: "خير لكم ان انطلق،لانه ان لم انطلق لا ياتيكم المعزي".
الصلاة الشفاعية
بعد ان انتهى المسيح من تعليمه نجده يرفع عينيه نحو السماء في صلاة. والتي هي اعظم ما كتب من صلوات، وتستحق ان تطالع بدقة وان يلاحظ ارتباطها مع الخطاب الذي سبقها. ملاى باصوات المجد والابتهاج .
الصليب والقيامة
كل قادم وراءه نور ، يسبقه ظله. فالصليب قادم ووراءه نور الخلاص، لذلك يظهر ظله الان كثيفا. كانت هذه المشاهد في جثسيماني ضرورية لاعلان بشريته كما كان مشهد التجلي ضروريا لاعلان لاهوته. قد اراهم المسيح في جبل التجلي شمس عظمته في افقها الارضي، وهو هو في جثسيماني يريهم بدايءة كسوفها في الام اتضاعه، كسوفا لا يقل عجبا عن مجدها.
يهوذا يقود الرؤساء:
نعود الى يهوذا. لقد قضى ساعات مع رؤساء الكهنة يخطط لنجاح مشروعهم. طمان الرؤاء ان المسيح لن يستخدم قوته المعجزية ليتخلص منهم، اذ قد اعلن مرارا نيته ان يسلم نفسه للصليب. لكنهم لم يجدوه في العلية، فراى ان يفتشوا عنه في بستان جثسيماني، حيث يرجح وجوده. اذ ان السيد قضى كثير من الليالي هناك. ولئلا يقع خطا فيقبضوا على احد التلاميذ، اتفقوا ان يعطيهم علامة تقيهم حدوث خطا.
عمل السيد عملا لينقذ يهوذا من شروره اذ يخاطبه بهذه العبارة "يا صاحب.." ثم يتساءل عن سب مجيئه.. وعلى الفور يعلن انه يعرف كل الخفايا. وما عمله السيد فيه درس لكل صيادي النفوس، اذ يجعلهم يتمسكون الى النهاية بتخليص النفوس الهالكة مهما توغلت في الاثام.
يظهر ان يهوذا وبعض القادة دخلوا لبستان، بينما بقى الاخرون ينتظرون خارجا اوامر القادة. وعندما خرج يهوذا مع المسيح من البستان راى المسيح الجمع المحتشد بالاسلحة فكان همه الاول ان يحمي تلاميذه من الضرر فقال:
"من تطلبون؟" اجابوه "يسوع الناصري". فقال لهم: "انا هو" فرجعوا الى الوراء وسقطوا. بهذا اتضح لهم انهم لن يقدروا ان ياخذوه بدون ارادته.
ولما نهضوا اعاد السيد السؤال، فاجابوا بنفس الكلام، دون ان يجرؤا على التقدم. لذا قال لهم "قد قلت لكم اني انا هو. فان كنتم تطلبوني فدعوا هؤلاء". وقف امامهم كامر فاطاعوا.
لم ينصرف التلاميذ عن قول السيد "دعوا هؤلاء يذهبون" اذ انهم تذكروا وعودهم السابقة له.. ولما راوا السيد يوثق. سالوا بحماس بعبارة التعظيم امام الخصوم "يا رب، انضرب بالسيف؟".
ولم ينتظر بطرس سماع الاجابة فضرب العبد المتقدم على راسه ولكنه اصاب اذنه فقط. واهتم المسيح باصلاح الخطا اولا، فاجرى معجزة. ثم اظهر استياءه مما فعله بطرس وقال "رد سيفك..". وذكره بالحكمة القديمة "الذين ياخذون السيف بالسيف يؤخذون". ثم علمه انه لا يحتاج الى بشر ليخلصونه. فهو ممكن ان يطلب من ابيه فيرسل 12 فرقة من الملائكة. او لا يعلم بطرس ان ما يحدث انما لكي تتم النبوات؟
بطرس ينكر المسيح
لما راى بطرس شدة الخطر المحيق به وعرف ان الانكار البسيط كالسابق لا يكفيه، اخذ يحلف ويلعن مؤكدا انه لا يعرف المسيح.
لم يفرغ بطرس من انكاره الفظيع الا وصاح الديك ثانية. وكان المسيح ينتظر هذا الصياح لينقذ تلميذه من الوهدة التي سقط فيها. فحوّل اهتمامه من عذابه في تلك المحاكمة ليسل عن نفس هذا البطل الساقط، وادار وجهه عن رئيس الكهنة والرؤساء لينظر باتجاه الدار الخارجية التي تجمع فيها الخدم. التفت الى بطرس والتقت عينا المسيح بعينا تلميذه. واسر المسيح قلب بطرس بلفتة الحب المقترن بالحزن، فبدات دموعه تسيل نهرا. وحلت التوبة محل الجحود والانكار، فعلم ان خطيته غفرت وان صلاة المسيح لاجله استجيبتالمسيح الذي خلص بطرس ينجي كل من ينظر اليه بالايمان.
محاكمة المسيح صباحا:
كانت المحاكمة في الليل غير قانونية – وما ان اشرق صباح يوم الجمعة حتى قرر شيوخ اليهود ان يصدروا حكمهم الذي اتفقوا عليه خلال الليل. ولما عقدوا جلستهم الرسمية سألوه ان كان هو المسيح المنتظر، فاجابهم: "ان قلت لكم لا تصدقون، وان سالت لا تجيبوني". ثم كرر عبارته السابقة بخصوص جلوسه عن يمين القوةفحكم هذا المجلس على المسيح بالاعدام لارتكابه التجديف.
كان لابد ان يصادق الوالي الروماني على هذا الحكم. ولما كان اليوم التالي من ايام عيد الفصح التي تدوم اسبوعا. كان عليهم ان يسرعوا للحصول على موافقة بيلاطس، لانه لو لم ينفذ هذا الحكم يوم الجمعة لاقتضى الامر تاجيله اسبوعا كاملا. ومن يدري ماذا يحدث خلال هذا الاسبوع؟ سيحاول الشعب ان يخلصه من الحاكم الظالم.
ما هذه الصورة المؤسفة؟ ها رؤساء الشعب معلمو الشريعة يسيرون في مقدمة جمع في شوارع المدينة المقدسة ليسلموا مسيحهم ورجاءهم الوحيد، ورجاء العالم اجمع الى وال قاس وثني ليصلبه.
يهوذا ينتحر:
لما راى يهوذا المحاكمة ماضية وان المسيح ماض للموت.. القى بالفضة في وجه الرؤساء. ولكن تمسكهم الظاهري بالشريعة جعلهم يرفضون اعادتها للخزانة، فتغلبوا على المشكلة بان اشتروا حقل جعلوه مقبرة للغرباء.
ولما راى يهوذا ذلك ندم ، لكن ندمه كان مختلفا عن ندم بطرس، فقد سعى ليصلح امره مع البشر فقط. اعترف للبشر اولا، فلقى الفشل الذي يصيب كل من يقدم للبشر اولا اعترافه. توهم انه قادر ان يصلح ما فعل وهذا مستحيل. كان عليه ان يطلب من الله الغفران وان يصلح ما افسده هو.
مضى وخنق نفسه فسقط على وجهه وانشق من وسطه فانسكبت احشائه. هذه لمحة من عذاب جهنم ابرق منها على العالم عبرة ومثالا. فمن ذا لا يتعظ بها؟
يسوع يحاكم امام بيلاطس:
اهتم الرؤساء ان يتصرف بيلاطس معهم – حسب عادته – فلا يفحص القضية. كانوا يخشون ان فحص القضية يلغي حكمهم الظالم. ولما كانت شريعتهم تقول ان دخولهم دار الولاية ينجسهم، تساهل الوالي فخرج اليهم.
كانت التهمة الاولى – انه يفسد الامة ؟.. ولكن لو صح هذا لكان بيلاطس عرف ذلك بواسطة جواسيسه دون تدخل الرؤساء الذين لا تسيئهم الفتنة ضد الحكومة.
كانت الجريمة الثانية – انه يمنع ان تعطى جزية لقيصر. وهذا ما حاولوا ان يجعلوا المسيح يقوله. لكن المسيح قال "اعطوا ما لقيصر لقيصر..".
التهمة الثالثة – "انه يقول انه مسيح ملك" وهذا ايضا كذب. فالمسيح رفض ان يصير ملكا. كما ان بيلاطس يعلم انهم لن يسلموا اليه شخصا للقتل بهذه التهمة لو كان صحيحا فطالما سعوا الى التخلص من الحكم الروماني.
فاجابهم الوالي بنفور: "خذوه انتم واحكموا عليه سب ناموسكم". مع انه لا علاقة بهذه الجرائم والناموس. وكانه يقول لهم "لا تستطيعون ان تفعلوا ما تشاءون بدوني، وانا لا لخضع لمطلبكم بدون فحص". فاضطر الرؤساء الى التذلل "لا يجوز لنا ان نقتل احدا" اي غير مسموح لنا، فقد سلب الحكمالروماني هذا الحق منهم.

السبت، 15 فبراير 2020

المسيح يأكل الفصح مع نلاميذه


راينا المسيح فيما سبق له سلطانا على الهيكل فطهّره، وعلى السبت فحرره، وعلى الشريعة ففسرها، والان نراه يتسلط على الفصح العبراني ويغيّره. قضت الفريضة في التوراة ان تمارس كل عائلة العشاء الطقسي معا، ولكن المسيح فضّل العلاقات الروحية عن الجسدية. فجعل تلاميذه اهل عائلته وفقا لقوله: "من امي واخوتي؟ من يصنع مشيئة الله هو اخي واختي وامي". لقد كانت امه وقت الفصح في اورشليم ومعها اخوته. فيكونوا قد مارسوا الفصح في مكان اخر منفصلين عن قرينهم الاعظم. 
في هذا العشاء امتزج الفرح والحزن. ابتهج يسوع فقال "شهوة اشتهيت ان اكل هذا الفصح معكم". ابتهج وهو يقيم هذا الطقس الملئ بالمعاني والذي يرمز الى عمله الخلاصي، الذي سيتممه سريعا، لان ساعته اقتربت. 
ولكن مع بهجته هذه نراه يكتئب، لان سعيه كل هذه المدة لاصلاح يهوذا ذهب ادراج الرياح. ومرارة هذه الخيانة اصعب من مرارة مقاومة الرؤساء. يكتئب لانه يعرف ان تلاميذه يشكون فيه تلك الليلة وتتحقق النبوة "اضرب الراعي فتتبدد الرعية. وهو يكتئب كابن للانسان، لما يعرف انه ينتظره من الام جسدية، والام نفسية هي الاصعب.
غمس السيد لقمة بالاعشاب المرة وناولها ليهوذا. ومع تناول يهوذا اللقمة "دخله الشيطان". اي قوّى سيطرته عليه.
خهرج يهوذا للوقت "وكان ليل". اي ليل هذا؟! انه ليل ليس بعده الا ليال اظلم منه بما لا يقاس في الدينونة الابدية. واي مقام شريف هبط منه يهوذا الى الخيانة ، ثم بعدها الى الياس والعذاب والعقاب الابدي؟!
سقط يهوذا من هذا النعيم الى هذا الجحيم تدريجيا كغيره. كان سهلا عليه ان يقاوم ميوله الفاسدة وان يقبل الوسائط الحسنة والفرص الكثيرة التي قدمها له السيد، ولكنه رفض فقويت عليه ميوله واهلكته.
خرج الاسخريوطي ليبحث عن شركائه الجدد ويخبرهم بمكان المسيح. وهنا ارتفع عن قلب السيد ثقل فقال "الان تمجد ابن الانسان وتمجد الله فيه؟. وان الله سيمجده في ذاته سريعا".
هنا تاكد التلاميذ ان سيدهم سيسلم الى صالبيه. لكنهم لم يدركوا معنى ذلك. فاوضح لهم ذلك المعنى بواسطة فريضة حسية هي العشاء الرباني الجديد، الذي ربطه بعشاء الفصح القديم، ليسهل عليهم قبوله.
اخذ المسيح قطعة من خبز الفطير الذي يشير الى الخلو من الخمير العتيق والشر. في الشكر ذكر انه عند تناول خيرات الارض نشكر رب السماء. في التكسير نذكر انه كما ان الخبز لا يحي الاجساد الا بعد كسره، كذلك لا يحيي المسيح موتى الخطية الا بعد صليبه. وفي المباركة ذكرهم انه صاحب السلطان المعطي للبركة. وفي اعطائه لهم ذكرهم انه "الطريق الوحيد للاب. وفي قوله "خذوا كلوا" ذكرهم ان ما يفعله لا ياتي بنتيجة ان لم ياخذوه روحيا بفعل روحي يماثل الاكل الجسدي.
سبق له ان قال لهم منذ سنة في مجمع كفرناحوم عن اكل جسده (يو6). ويكفي الكلام القديم لتفسير ما قاله لهم للتو.
ثم قال المسيح عن الكاس "هذا دمي". كان للدم اهمية عظمى منذ قبول الله ذبيحة هابيل الدموية ورفضه ذبيحة قايين غير الدموية. وكان سفك الدم اساسي النظام الموسوي كله. ينقذ حمل الله الخاطئ من الهلاك الابدي.
في قوله "اصنعوا هذا لذكري" اوجب على المؤمنين في كل عصور اقامة هذا السر المقدس.
وهذا العشاء دليل ايضا الاشتراك الاخوي بين المؤمنين وعربونه ايضا. لذلك قال المسيح بعدها "يا اولادي، وصية جديدة انا اعطيكم؟، ان تحبوا بعضكم بعضا". هذا هو الحب الاخوي كقول الرسول "اننا اعضاء بعضنا بعض.. جسد واحد لاننا نشترك في الخبز الواحد"01كو10).
لما قال المسيح انه سيفارقهم اعترض بطرس وتحمس كعادته. وكان كلامه جميلا نابعا عن نية صادقة وحب قلبي، لكنه لم يكن مدركا لضعفه. لذا قال له المسيح اانه سينكره.. ولئلا يشمت التلاميذ ببطرس اردف: "كلكم تشكون فيّ.." اي تتركوني.. كان المسيح قد اوصاهم للتو ان "يحبوا بعضهم بعضا" فخالف بطرس هذه الوصية حينما افرز نفسه من بين التلاميذ بقوله "وان شك الجميع فيك فانا لا اشك". انه خالف روح هذه الوصية حينما دفع عن نفسه التهمة ولم يدافع عن اخوته. انه سلم ضمنيا بسقوط اخوته وعدم سقوطه هو ولم يتعظ بتحذير سليمان "قبل الكسر الكبرياء.."(ام16: 18).
اراد المسيح ان يشجع بطرس ويعطيه نافذة رجاء بعد سقوطه الوشيك فقال "لكني طلبت من اجلك لكي لا يفنى ايمانك.. وانت متى رجعت ثبت اخوتك". 
من قول المسيح "الشيطان طلبكم" نعلم ان ابليس يخطط وان الله يسمح له احيانا لمقاصد خيرية بحتة. ميّز المسيح بطرس بشفاعته. لان سقوطه سيكون اشر من باقي التلاميذ. وطلبته لم تكن "لئلا يتزعزع ايمانه" بل لئلا يفنى – وهذا درس يحتاجه بطرس ليتعلم التواضع.
علم المسيح بطرس ان عليه الاهتمام باخوته حين ينهض من كبوته، فيعطيهم من اختباره مثالا نافعا. كرر بطرس انكاره لكلام المسيح مرة اخرى وثلثا.. وهو لا يعلم انه بهذا يجعل المسيح كاذبا. فارتقاء المؤمن النجاح الروحي عليه ان ينتبه لنصيحة الرسول "من هو قائم فليحذر الا يسقط".
ثم ذكّر المسيح تلاميذه بعنايته لهم ، فانه عندما ارسلهم للكرازة لم يحتاجوا لشئ، لكن الاحوال تغيرت الان. فعندما ارسلهم للكرازة الاولى كان ذلك لفترة قصيرة وتم في وطنهم، اما الان فانهم يسافرون طويلا ليكرزوا بين الغرباء، فيلزم ان يتغير الامر. فلياخذوا معهم نقودا. ومن ليس له نقود فليبع ثوبه ويشتري سيفل للدفاع عن النفس ضد اللصوص. والمسيح يقصد ان يستخدم المؤمن حكمته في الدفاع عن نفسه، عندما يقف العالم ضده.
وواضح ان المسيح لم يتكلم عن دفاع تلاميذه عنه بالسيف، لذلك حينما قال "يا رب ههنا سيفان" قال لهم "يكفي" وهي كلمة كان علماء اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض تلاميذهم. اذا لم يفهم التلاميذ قصد المعلم، لذلك قال "من ياخذ بالسيف بالسيف يهلك". اذا لم يكن المسيح يطالب تلاميذه بالعنف.