الأحد، 10 نوفمبر 2019

تفسير سفر ناحوم

عنوان السفر:
"وحى على نينوى" اعلان يتصف بالتهديد والدينونة لتلك البلد. لكن في زك12: 1 عندما يقول "وحي على اسرائيل" يكون التهديد لاعداءاسرائيل وليس لاسرائيل.

قصيدة (ع2-8):
في الكتاب المقدس بضع قصائد يبتدئ كل بيت منها بحرف من الاحرف المتعاقبة في الابجدية العبرية. ومثلا مز111 و122 و119 على الاخص. وربما كان هذا الترتيب مسهلا للحفظ غيبا.
موضوع القصيدة هو توكيد انتقام الله من الوثنيين. يؤكد النبي بتكرار تصاعدي ان الرب "منتقم". وهو يعلن ان غضب الرب بطئ الحمو، وذلك لانه سيكون بطئ البرود ايضا ، فهو "لا يبرئ البتة" بل سيضع المسئولية على الاشرار ويدينهم. فما اسرع ما يميل البشر الى الظن بان الله – لكونه يسمح بالشر الى حين – انه سيتغاضى عنه ايضا. 
ولكي يقنع ناحوم سامعيه برهبة الرب يلجا الى الظواهر المادية. وبلغة حية يرسم صورة للعاصفة والزوبعة والقحط والزلزلة والنار (4و5). اذ ان اقسى البشر لو واجهته هذه الظواهر لادركوا ضآلتهم وعجزهم. 

عقاب الاشرار:
فيما الانتقام الالهي يتهدد اعداء الرب هؤلاء، تبقى اذهانهم غير مذعنة، اذ ما برحوا يأبون التصديق اهن الله سيضربهم. انه على وشك ان يفعل، وستكون ضربته قاضية، بحيث لن تكون حاجة لان يضربهم مرة ثانية (9). 
وفي وصف هذا العقاب يستعمل ناحوم تشبيها محببا للانبياء (اش5: 24 ويؤ2: 5 وعو18) ويروق لعقلية المزارعين. ذلك ان اعداء الله سيجمعون كالاشواك فتلتهمهم النارالتهامها للقش اليابس بعد الحصاد (مت13: 30).
"منك خرج.. المشير بالهلاك"(11): يبدو ان ناحوم يرى شر الشعب الاشوري مجموعا في شخص واحد من قوادهم. وهو جدير بالازدراء حتى ان خزيا مخصوصا مذخّرا له (14). فاسرته ستنقطع عن الوجود، والهته ستطرح ارضا، وهو نفسه يصرع.
وكنتيجة لدحر اعداء الرب سيهل الفرح على الشعب المظلوم (12 ج و13). ووصول هذه البشارة معلن في صورة جميلة (15) ربما لكونه ضروريا ان تنقل البشارة الى اورشليم عبر طرقات الجبل اعلنها الانبياء بهذه الصورة (اش52: 7). وعرفانا بالجميل يحض النبي يهوذا على الاهتمام مجددا بحياتها الدينية. هنا يمكننا ان نضع 2: 2 "فان الرب يرد عظمة يعقوب.." ويمكن التعبير عنه هكذا "ستزهر كرمة يهوذا من جديد ككرمة اسرائيل، حتى وان كان السالبون قد سلبوه واتلفوا قضبان كرومه".
في الاصحاحين الباقيين يعود ناحوم الى موضوعه ليصف اتمامه بصور كلامية مستمدة من ساحة الحرب. وليس بين نصوص الادب العبري ما يضاهي هذا الوصف.

صورة ثلاثية
ا- الحصار:
ها قد زحف العدو على نينوى وحاصرها. كان الماديون، وهم شعب اري صلب، قد استقروا بين بحر قزوين وبلاد اشور. وبقيادة ملكهم سياكسار كانوا يضيقون على الشعوب السامية الاقدم منهم والتي اوهنها الترف والبذخ. وكانوا الان يقتربون من ابواب نينوى. فها هو الان ناحوم – بتهكم مرير – يحث اهل نينوى على الاستعداد للدفاع.
"قرمزيون" كان اللو القرمزي مفضلا لدى المحارين الماديين. "السرو" ترجمها البعض "سرو الرماح" فقد درجت المركبات على الطرقات العريضة في المناطق المعمورة بتحصينات نينوى المركزية. وكانت عديدة بحيث تدافعت وتزاحمت (4). ثم لما استولوا على القنوات والسدود التي جرت عبرها مياه النهر الى المدينة، فتحوا تلك السدود بغتة، فطاف على الابنية طوفان جارف فتزعزعت الاسس و "القصر قد ذاب" فعلا (6).

2- النهب:
"هصّب" اي الملكة وربما احدى الالهات. وفيما هي تساق تبعها جواريها وهن يتنهدن كحمامات هادلات في الغابة. مرت سنوات ونينوى خزان تصب فيه سيول السلع والذهب من كل جهة، وهكذا صارت "كبركة ماء" تغذيها روافد عدة (8). كان سكانها مختلفي المشارب  جمعتهم معا فرص اكتساب الثروة التي تتيحها لهم عزة نينوى. فاذا وقعت الواقعة لا يبقى ما من شأنه ان يجعل هؤلاء السكان يتضامنون. بل انهم يهربون الى كل صوب ، كما تندفق المياه اذا انهار سد. ويحاول قليلون ان يلموا الشعث للدفاع صارخين "قفوا قفوا"، غير ان السكان يفروا مجفلين، وليس من يلتفت منهم الى الوراء (8). ثم يبدأ النهب بيتا فبيتا – "فضة" "ذهبا" الثراء المجموع طيلة قرون، كله ينهب، واذا المدينة بلقع قفر. والناجون الاقلاء المروعون يرمقون الاطلال حزانى (10).

3- الهزيمة:
يختم ناحوم قصيدته بصورة رائعة لغابة من الاسود ابيدت عن بكرة ابيها (11). فلقد كانت نينوى قاسية ومتعطشة للدماء ولكن اشبالها احرقت وذهبت بالسيف. فلن تفترس الامم المحيطة بعد.

***
نشيد حرب
شر نينوى:
مظهران اخران لشر نينوى يشار اليهما هنا وهما الغش في التجارة والسطوة الشريرة (1). ثم تلقى طاياها عقابا في "حرب الشوارع"(2و3). هذان العددان من اكثر مشاهد المعارك حيوية في الادب العبري.
ومن ثم يتحدث عن نينوى مستعيرا لها صورة الزانية (4-7). هذه الصورة محببة للانبياء وكانت تستعمل احيانا لوصف عبادة الاصنام. وقد شبه اسرائيل به (لا17: 7). وكذلك عند وصف محاكاتهم للامم (حز23: 3). ولشجب الخرافات (لا20: 6)، واخيرا استعملت صورة للمبادلات التجارية.
من الواضح ان نينوى سعت لتعزيز مكانتها التجارية فعرضت بضاعتها – خدعت الشعوب الاخرى باكاذيبها واغوتهم ببذخها. وكزانية افسدتهم بفجورها. فعوض الرغد ستحتقر 5و6).

مقارنة مع مصر:
اقناعا لنينوى بحتمية خرابها، يذكّرها ناحوم "بنوامون الجالسة" او العامرة والمستقرة (8). هذه المدينة يصفه هوميروس في الالياذة بانها كانت ذات مئة بابز كانت مزينة بالمعابد والمسلات. وما زالت عجائب هذه المدينة واضحة في معبد الكرنك والاقصر. ويشير ناحوم الى نهرها الضخم وقنواتها العظيمة بقوله طالجالسة بين الانهار – حولها المياه"(8). وارتبطت بالحبشة ارتباطا وثيقا. وقد شكلت مصر حاجزا بين طيبة واعدائها الاشوريين في الشمال. وكان في عون نوامون ايضا "فوط ولوبيم". ذلك ان فوط مترجمة "لبياس" في اللاتينية والسبعينية فيظن انها "ليبيا". ان نينوى بالمثل سيتبدد مجدها كالغمام – "انت ايضا تطلبين حصنا"(11) اذ تسعى لاقامة تحالفات دفاعية مثلما فعلت طيبة.