كلمة الكولونيل جيمس اروين عن رحلته الى الفضاء في 26 يوليو سنة 1971م:
لقد احببت الطيران والطائرات منذ نعومة اظافري. وكانت لي فرصة لدراسة الطيران، واصبحت طيرانا محاربا.. واخذ حبي للطيران يزداد حتى وصل بي الامر اني تمنيت لو اتيحت لي الفرصة ان اطير بكل انواع الطائرات. وتحققت امنيتي اذ اخترت لاجرب اسرع واعلي طائرة في العالم. فكنت بذلك فخورا بل اقول مغرورا ، وكان علي ان ادرك انه بعد هذا سيأتي السقوط لان "قبل الكسر الكبرياء" وكان هذا ما حدث فعلا. اذ كنت مع بعض الطلاب في طائرة بسيطة وصغيرة، فاذا بها تسقط ولولا تدخل عناية الله لاصطدمت بالارض واحترقت. اصبنا جميعا اصابات بالغة . استيقظت لاجد نفسي فوق سرير بمستشفي. كنت منذهلا. كيف يحدث هذا لاعظم طيار؟! حينئذ توجهت بقلبي الى الله وقلت "انت رفعتني عاليا جدا، وها انت تنزل بي الى اقل درجة. انا اعلم لماذا سمحت بهذا؟ وعلى سريري صليت بهذا طالبا الفهم والشفاء والخلاص.
واستجاب الله لدعائي وعدت مجددا للحياة بسرعة. لقد كان وراء محبتي للطيران محبتي الاماكن العالية اذا اشعر هناك بانني اقرب الى الله. فبعد شفائي وخروجي من المستشفي استطعت ان اقنع المسئولين بسلاح الطيران بانني قادر على التحليق في السماء مرة اخرى. وقد تم هذا بعد اربعة عشر شهرا.
كانت هناك قائمة باسماء طيارين اخرين، الى ان وصلت الى مرحلة قيادة الطائرة السريعة جدا والتي بها اصبح الانسان اقدرعلى التحليق في الفضاء، وكانت روسيا ايضا قد نجحت في ذلك سنة 1957. وكانت الولايات المتحدة تسعى نحو الغرض. وكان طبيعيا ان تستثيرني هذه الفرصة فقدمت طلبي لكي اصبح رائا للفضاء. وتكرر هذا الطلب اكثر من مرة حتى كانت سنة 1969 حين بدأت تدريبي كملاح فضاء، واصبحت احيا حياة مختلفة كل الاختلاف عن الحياة التي عشتها من قبل.. واستمر التدريب ما يقرب من خمسة اعوام.
لقد كان تدريبا شاقا في مجالات مختلفة، كان تدريبا لجسدي ولعقلي ولروحي، الا انني كنت اطلب في صلواتي اليومية من الله ان يعينني على هذه التدريبات.
ولقد استجاب الله ففي يوم 26 يوليو 1971 انطلقت في رحلة للقمر. انها لحظة حاسمة.. لقد خطط لهذه الرحلة اعظم العقول ، ولكن الاعظم من هذا اننا كنا ندرك انه تساندنا صلوات من جميع انحاء العالم، فكان لابد مه هذه الصلوات ان ننعم باعظم رحلة.
الى اليوم الذي كانت فيه رحلتي الى الفضاء.
كانت فعلا اعظم رحلة، ما اجملها مناظر ولكن الاجمل منها جميعا منظر الكرة الارضية اذ ننظرها كرة صغيرة معلقة في الفضاء.مضاءة بالوانها الزاهية الطبيعية، الوان الرمال والصحاري والجبال وزرقة المياه وبياض السحاب، بدأت وكأنها قطعة من قطع الزينة التي تعلق على الشجرة. لقد شاهدناها تنكمش في حجمها الى حجم كرة القدم الى حجم البرتقالة الى حجم الليمونة.
لقد فكرت طويلا، كيف ان كل اهتماماتنا وامالنا معلقة بهذا الجزء الصغير! لقد احسست بتغير كلي في داخلي، ان هذا المنظر يدفع الانسان الى اعادة تقديره للارض ووضعها في حجم الحقيقي، والوقوف على حقيقة قدر عظمة الله وحكمته وقدرته، اذ انه يتحكم في هذا كله.
على العموم فقد استغرقت رحلتنا ثلاثة ايام، الى ان نزلنا على سطح القمر في واد بين ثلاثة جبال. لقد ألقت الشمس باشعتها الذهبية عليه .. احسنا بالسعادة والجديد في احساسي في هذا المكان انني شعرت ان الله كان هنا. لذا كنت اشعر بسرعة استجابة الله لصلواتي التي كنت ارفعها خاصة كلما صادفتني مشكلة ما. لقد كنا مكلفين من العلماء باحضار صخر ابيض وهي الصخور المميزة للقمر. وحينما رأينا ان جميع الصخور مغطاة بالرمال، ادركنا اننا نواجه صعوبة في تنفيذ ما كلفنا به.. ولكن شاءت عناية الله ان لا يضيع تعبنا باطلا، تطلعت فوجدت صخرة بيضاء عند منخفض صغير مكشوفة امامنا وكأنها تصرخ "هانذا خذوني". لذا فقد اسميناا صخرة التكوين. هذه اذن اقدم الصخور التي وجدت في هذا الكون . وتذكرت الاية التي تقول "ارفع عيناي الى الجبال من حيث يأتي عوني".
لقد كان اختبارا عظيما في حياتي ان اخطو فوق القمر.ولكني حينما عدت الى الارض ادركت ان الله قد اعدني ليوجهني الى خدمته. لقد سمح الله ان اذهب الى القمر ثم اعود الى الارض لاتشارك مع الاخرين هذا الاختبار، وان اعلن مجده وقدرته لكل انسان. لقد تكلم الله في العالم الخارجي والفضاء الخارجي، افما يتكلم الله في داخل الانسان!! ان رسالتي اليكم بسيطة وفحواها "ان الله موجود وحي ، ليس فقط على ارضنا هذه بل وفوق القمر. انه يستجيب لمخلوقاته في جميع انحاء العالم. واينما ذهب الانسان سيجد الله لانه موجود في كل مكان. ولكن اهم ما اريد ان اقوله هو "ان الله يحب كل منا. يريدنا جميعا ان نحيا معه. انه يحبك ويحبني ويريدنا ان تمتع بالحياة الحقيقية الاخرى. ان حياتنا لها اصل ومعنى. ولكي نتمتع بهذه الحياة لابد من معرفته وان ندعه يسكن في قلوبنا"
تعليق قداسة البابا شنودة الثالث على كلمة الكولونيل جيمس اروين:
اود باسمكم جميعا ان اشكر الكولونيل جيمس اروين على محاضرته.. انكم تتأثرون عندما تسمعون كلاما روحيا من رجل دين ولكن عندما تسمعون كلاما روحيا من غير رجال الدين يكون له تأثير اكبر.
الارتفاع عن الارض بالطائرة العادية اعطاه التأمل في الارتفاع عن الارض الى السماء الحقيقية. ونحن نشكر الله ان هذا الطيار له هذا الايمان العميق. لقد تكررت كلمات المسيح كثيرا على فمه. الكتاب المقدس هو صخرة اعظم من كل صخور القمر. والروح اهم من المعرفة، والحياة الروحية اهم من العالم. بالنسبة للروحيين العلم يعطيهم عمقا اكثر. فكلما زادت معرفة الانسان وجد نفسه صغيرا ضئيلا امام معرفة الله.
لقد عرف المسيح منذ الثانية عشرة من عمره، وتدرج في محبته من صغره. وحسنا ان الله اختار هذا الانسان التقي ليصعد الى السماء. ان الله يعلن نفسه لمحبيه. ويعلن نفسه للذين يحبونه بقلب متضع.
كل شئ طاهر للطاهرين. العلم يمكن ان ينفخ البعض ويمكن ان ينفع البعض الاخر. رحلات الفضاء يمكن ان تملا البعض غرورا وتملأ البعض الاخر محبة لله. انسان يعلو فيمتلئ غرورا واخر فيعلو ليزداد حبا لله. لقد استطاع العقل البشري ان يصل الى القمر. لكن لا يجب ان ننسى ان هذا العقل من صنع الله. ان الله هو مصدر الفهم وهو مصدر حياتنا كلها.