السبت، 29 يوليو 2017

لمحات من حياة ارميا النبي

تعريف الوطنية:
هي كل عمل يعمله الانسان بدافع وطني، اي مصلحة وطنه.
كثيرا ما يتهم اشخاص ، في المجال السياسي، بالخيانة وعدم الوطنية. كثيرا ما تكون هذه التهم باطلة. 
كان ارميا النبي احد انبياء العهد القديم الكبارالذين شاركوا في العديد من الجدالات الدينية والسياسية التي دارت في ايامه. اخذ النبوة من الله فقد لمس الله شفتاه وقال له: "الى كل من ارسلك تذهب وتتكلم بكل ما امرك به"(ار1). طلب من الله ان يعفيه من ادائها بسبب صغر سنه. ولكن الله شجعه قائلا : "لا تخف من وجوههم"(ار1). وبالفعل كانت المهمة الملقاة عليه كبيرة. 
في الواقع، ان الله لمس شفتيه ليعطيه القدرة على التحدث عنه والشهادة له، في هذا الزمن الصعب، وامام هؤلاء القساة القلوب وصلاب الرقاب. ومن هنا تنبأ أرميا ونطق بالنبوءات التي دونها في سفر باسمه ( سفر ارميا وسفر المراثي ، ويرجح ايضا ان يكون قد كتب اسفار الملوك الاول والثاني).. تنبأ عن السبي البابلي وذكر مرتين في سفره انه سيستمر سبعين سنة، وهذا حدث بالفعل عندما ظهرت الكتابة على الجدار في وليمة اقامها بيلشاصر للالهة الوثنية. وفي تلك الليلة قتل وبدأت الامبراطورية الفارسية على يد كورش الفارسي. ويعتبر سفره "مراثي ارميا" من اجل الاسفار الشعرية. 
لقد ذكر لنا السفر انه كان هناك سجال ديني واخر سياسي. ويهمني هنا ان اسجل شيئا عن السجال السياسي في تلك الفترة. تنبأ ارميا بأن البابليين سوف ينتصرون، وانهم سيدخلون المدينة العظيمة اورشليم، وان علي الملك والرؤساء تسليم المدينة لهم.. كل هذا يبدو للبعض انه عمل "غير وطني". وهذا ايضا ما حدث ايام النبي. 
وقد يسأل البعض: هل من المعقول فعلا ان يقوم النبي بهذا الامر؟
انها رسالة صعبة. وغير منطقية وخيانة للبلد.
فما الذي دفع النبي لاتمام هذه الرسالة؟
الحقيقة اننا لن نتعجب، ان عرفنا ان في زمانه اعتمد الشعب الاسرائيلي على الممالك الاخرى لمساعدتهم ، وليس على الله. ارادوا ان يستمروا في شرورهم، وان يعتمدوا على "ذراع البشر" لتخليصهم من الاخطار. لجأوا الى التدابير والخطط، بدلا من ان يتوبوا ويتركوا شرورهم. الا نفعل مثلهم؟
وهذه بعض الشواهد:
"ها ان جيش فرعون الخارج اليكم لمساعدتكم يرجع الى ارضه الى مصر. ويرع الكلدانيون ويحاربون هذه المدينة ويأخذونها ويحرقونها بالنار"(ار36: 7 و 8).
اذن هم ارادوا الاستعانة بفرعون مصر لحمايتهم من ملك بابل. ارادوا عقد تحالف عسكري مع مصر.
صدقيا الملك نفسه عرف ان مصلحة وطنه ان يسلم المدينة الى ملك بابل، بدون قتال. لكنه للاسف لم يفعل. يقول الوحي:
"فارسل الملك صدقيا واخذ ارميا النبي .. وقال الملك لارميا انا اسألك عن امر. لا تخف عني شيئا. فقال ارميا لصدقيا اذا اخبرتك افما تقتلني قتلا. واذا اشرت عليك فلا تسمع لي. فحلف الملك صدقيا لارميا سرا قائلا: حي هو الرب الذي صنع نا هذه النفس اني لا اقتلك ولا ادفعك الى ايدي هؤلاء الرجال الذين يطلبون نفسك.. ان كنت تخرج خروجا الى رؤساء ملك بابل تحيا نفسك ولا تحرق هذه المدينة بالنار بل تحيا انت وبيتك.. 
فقال صدقيا: اني اخاف من اليهود الذين قد سقطوا للكلدانيين لئلا يدفعوني ليدهم فيزدروا بي. فقال ارميا: لا يدفعونك.. فقال صدقيا: لا يعلم احد بهذا الكلام لئلا تموت"(ار38: 14- 25).
لاحظوا معي ان الملك رفض كلام النبي بتسليم المدينة، خوفا على حياته هو، وليس خوفا على مصلحة المدينة التي علم انها ستحرق.
ما يدل على وطنية ارميا انه رغم تعرضه للاضطهاد والاذى لم يغير كلامه. فقد القاه في جب حتى كاد يموت.


هناك ايضا جانب، وهو ان الملك كان يعلم بضعف مملكته وانها لا تقوى على الصمود. ومع ذلك سار مع التيار المرائي للوزراء والمستشارين وكل رجال السياسة في دولته. لانه كان ضعيف الشخصية، عاجزا عن اتخاذ قرار جرئ بعكس التيار. كان جمع الساسة يخشون من بعضهم، يخشون من ان يتهموا بالخيانة، فانحدروا ببلدهم الي النهاية المؤسفة.
اقول هذا: ان السياسة عمل صعبي. يحتاج الى اشخاص ذوي عقليات جبارة للتفكير وعدم الخوف..
نشكر الله ان في كل عصر هناك اشخاص امناء في كل بلد. لكن بلادنا مصر تحتاج الى كثرة من هؤلاء. من يسيرون عكس التيار، لانهم مقتنعون بان ما يفعلونه صواب.