بالايمان سقطت اسوار اريحا"(عب11: 20)
كان الهلاك الشامل الذي حل بسكان اريحا
اتماما لاوامر الرب تالتي اصدرها للشعب عن يد موسى من قبل والخاصة بسكان كنعان حيث
يقول "ويكون ان ضربتهم انك تحرمهم" "واما مدن هؤلاء الشعوب فلا
تستبق منها نسمة"(تث7: 2 و 20: 16). كان الكنعانيون قد انغمسوا في احط
العبادات الوثنية وانجسها. وكان قد اعطى لهم فرصة كافية للتوبة، اذ قبل ذلك
باربعين سنة حدث انشقاق البحر الاحمر والضربات التي حلت بمصر وهذين الامرين برهنا
على قدرة اله اسرائيل. كما ان هزائم ملوك مديان وجلعاد وباشان برهنت على ان الرب
فوق الهة الامم. ثم ان قداسة صفاته برهنت عليها العقوبات التي حلت بشعب اسرائيل
جزاء اشتراكهم في الطقوس الرجسة الخاصة ببعل فغور. كل هذه الحوادث كانت معروفة لدى
سكان اريحا (يش5: 1). وكان كثيرون قد شاركوا راحاب في اقتناعها وكلامها
"سمعنا فجزعت قلوبنا" ولكنهم للاسف رفضوا اطاعة الرب. فكانوا قريبي
الشبه بالعالم ايام الطوفان اذ عاشوا ليجدفوا على اله السماء ولينجسوا الارض.
ما اعظم السهولة التي اسقطت بها اجناد السماء
اسوار اريحا. ان رئيس جند الرب لم يعلن نفسه للجماعة كلها بل ليشوع فقط. وكان
عليهم ان يصدقوا ما يقوله يشوع. كان يمكنهم ان يقولوا مثلا "ما هذا الدوران
حول المدينة الذي لا معنى له!" ولكن هذا التدبير اعطاهم فرصة للتفكير
والتامل. كان الرب يريد ان يطبع عقولهم ان قوتهم ليست في الحكمة او القوة البشرية
بل فيه.
نلاحظ ان عزيمة اهل اريحا كانت قد فترت وذاب
قلبهم فيهم. لم يمكنهم حشد قواتهم او اخراج رجال للحرب، ولم يتمكنوا من مباغتة جيش
اسرائيل ليلا.
ومن الناحية الاخرى فان اسرائيل ربما يكونوا
قد ملوا الانتظار وتاقوا للاندفاع الى الحرب. ولكنهم كان يجب ان يتعلموا ان الارض
تمتلك بالايمان لا بالحرب. كل ما اراده الله ان يطيعوا وينتظروا ويثقوا به.
"فقال الرب ليشوع. انظر قد دفعت بيدك اريحا".
يقينا ان هذا كان اعجب مشهد شهدته حامية تحرس
مدينة..!!
وفي اليوم السابع "اهتفوا لان الرب قد
اعطاكم المدينة"
في عدة نواح نجد ما يوازي هذ الحادث العجيب.
اولا - في الحياة المسيحية:
اصمت:
اننا كثيرا ما نفضي باسرارنا الى الاخرين بعد
اخذ التعهد عليهم بعدم افشاءها ولكننا بع ذلك نتحقق بالم مرير "ما ناديتم به
الاذن في المخادع ينادى به على السطوح"
ان القلب الهادئ الصامت هو وحده الذي يستطيع
التامل في سماء عناية الله التي تظللنا. حينما نسككت انفسنا كفطيم من اللبن حينئذ
فقط نصل الى الموقف الذي يتدخل الله فيه لمعونتنا. ليس المطلوب ان نكون صامتين
امام الله بل كحمامة صامتة وسط الغرباء، كنعجة صامتة امام جازيها "كفوا
(اصمتوا) واعلموا اني انا هو الله. اتعالى بين الامم. اتعالى في الارض"(مز46:
10).
اطع:
كما راينا في هذه القصة يجب ان يكون هناك
تعاون بين الله والانسان. الله وحده هو الذي يستطيع ان ينمي الحبة لكن لابد من
الحرث والزرع. في بعض الاحيان نرفض الطاعة. وهناك خطر لا يقل عن هذا وهي اننا نريد
ان نقدم اكثر مما ينبغي. كان نحاول ان نتسلق الاسوار التي امرنا بان ندور
حولها فقط، وان نهتف قبل ان يصدر الينا الامر بالهتاف. او ان ندور حول
المدينة اكثر من المرة الواحدة التي امرنا بها يوميا. ليس من الامر الهين
ان نتعلم انه ان اقتصرنا على الحد المطلوب – ولو كان ضئيلا في اعيننا – يكون العمل
اتم واكمل. واننا بذلك نوفر الوقت والجهد ونسترح في خيامنا صامتين. وانه
"باطل لكم التبكير في القيام والتاخر عن الرقاد.. يمنح احباءه
نوما"(مز127).
اذا فكل ما تقتضيه ارادة الل ه - سواء بالعمل
او الامتناع عن العمل يجب علينا الطاعة السريعة.
الايمان:
حوّل النظر عما حولك الى الله نفسه تجد
الاسوار سقطت، تجد الباب الحديد قد فتح من تلقاء ذاته، والحجر قد دحرج من على
القبر. ثق ان الله يجعل العراقيب طرقا سهلة وانك سوف ترى مجد الله ان امنت (يو11)
ثانيا - في الخدمة المسيحية:
يتحدث الينا الرسول عن الحصون التي يجب
هدمها، وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ويؤكد ان اسلحة محاربتنا ليست جسدية (2كو10). الكنيسة
في العصر الرسولي لم تحارب سوى بما ترمز اليه هذه الحادثة البسيطة. الثياب
الكهنوتية النقية البيضاء، وكان هناك الهتاف بالبوق اي اذاعة رسالة الانجيل. بمثل
هذه الاسلحة تلاشت الرجاسات الشنيعة وتبددت الوثنية كما يتبدد ضباب الصباح امام
اشعة الشمس. باية حسرة والم ينظر شهداء وقديسو الكنيسة الاولى الطرق التي نتخذها
اليوم لمحاربة الانواع المختلفة من الرذائل والقبائح التي تواجهنا.
ثالثا- في تاريخ الكنيسة:
يقينا ان قصة اريحا تتكرر. نحن نعلم ان
العالم كله وضع في قبضة الشرير. وانه يفتخر باسواره الحصينة وابوابه المنيعة.
ويبدو الامر كما لو انه لن ياتي الوقت الذي يترنم فيه المفديون بسقوط اسواره. وفي
نفس الوقت يدور المؤمنون حول الاسوار معرضين للهزء والسخرية. يقينا ان الايام
السبعة اوشكت على الانتهاء. لعل امتلاك ارض كنعان ليس الا صورة مصغرة لما هو عتيد
ان يحدث في المستقبل القريب.
ف. ب. ماير