الجمعة، 20 مارس 2015

رجعت اليه ذاكرته

تحدثت الصحف عن رجل نسى اسمه فجأة، وظل يبتعد ولم يعرف انه تائه ولم يعرف الى اين كان ذاهبا. ولم يكن الرجل من العاطلين المجهولين. كلا ، بل كان يعمل محاميا، توغل في الريف وكان يعيش على القليل او على اقل من القليل، كان يرفض ان يجلس على المائدة مع الاخرين بل كان يكتفي ان يأكل واقفا كمتشرد او شحاذا. واخيرا وجد شغلا متواضعا جدا.
وفي كل ذلك الوقت كانت زوجته واصدقاؤه في اشد القلق، ولما طال البحث عنه بدون جدوى ظنوا انه قتل. ولكن صديقا قديما له لم يشأ ان يصدق انه مات، وظل يبحث عنه نهارا وليلا، واخيرا عثر على اثر له ظل يتتبعه الى ان وصل الى المكان الذي كان الرجل يشتغل فيه، فوجده جالسا يعمل ازرار من صدف السمك. وبدون تردد تقدم الصديق وناداه باسمه وفي الحال عرف الرجل الضال صديقه، وتذكر اسمه وشخصه وبيته، ولا يمكنكم ان تدركوا تماما دهشته من وجوده في ذلك المكان الحقير ، وكيف اسرع راجعا الى مكانه مع صديقه، وكيف ابتهج بفرح لا يوصف عندما اجتمع مع عائلته واصدقائه.
في الانجيل نقرأ قصة مشابهة الى حد كبير للقصة التي ذكرتها الصحف، وهي قصة شاب ترك بيته، ولم يقل لاحد الى اين هو ذاهب، او ماذا ينوى ان يفعل، او متي سيعود.. كان معه اموال كثيرة واصدقاء كثر، لكن امواله تبخرت سريعا وتخلى عنه اصدقاء السوء ، بحث عن عمل، و اخيرا العمل الذي وجده هو رعي الخنازير.
وفي احد الايام بينما كان في الحقل وحده جائعا وعطشانا، خيّل اليه انه يسمع شخصا يناديه باسمه ، فالتفت الى هنا وهناك ولكنه لم ير حدا ، الا انه كان موقنا انه سمع صوتا يناديه باسمه. وتقول القصة انه رجع الى نفسه، اي افاق الى نفسه وكأنه كان فاقدا وعيه او الادق فاقدا رشده، تماما كما عادت الى الرجل الذي يصنع الازرار الصدفية اليه ذاكرته، حينئذ عرف اين كان، ومن دون انتظار ومن دون ان يفكر في توديع صاحب الحقل، اسرع الى بيته حيث كان ابيه واقف على رأس الطريق في انتظاره.