إن المسيحية لا تؤمن بوحدانية الله فحسب، بل تؤمن بشخصيته أيضا أو في لغة أخرى أنها لا تؤمن إن هذا الإله الواحد مجرد قوة أو شيء، بل تؤمن انه شخص حي عاقل واجب الوجود، له كل مقومات الشخصية في أكمل ما يمكن إن تشمل عليه هذه المقومات من معان. وإذا كان من المسلم به إن الشخصية تقوم على الدوام على ثلاثة أركان – لا أكثر ولا اقل- هي الفكر والشعور والإرادة، وان الله هو الشخصية الوحيدة الكاملة إذا قورن بغيره من شخصيات خلائقه ،كان لابد إن نعرف شخصية الله، بأنها الشخصية الكاملة الفكر والشعور والإرادة..
الله المفكر:
إن المسافة الكاملة بين إدراك الإنسان نفسه وإدراك إي إنسان أو ملاك وإدراك الله أكثر بما لا يقاس بين إدراك الإنسان نفسه وإدراك الملاك.. أو المسافة القائمة بين إدراك الطفل وإدراك الرجل المحنك أو الفيلسوف!! .. الم يقل الكتاب انه ينسب إلى ملائكته حماقة ؟ ووصف لآساف نفسه في ضوئه بالقول: "وانأ بليد لا اعرف صرت كبهيم عندك "(مز73 :22) وقال مرنم إسرائيل الحلو :"الظلمة أيضا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور" (مز129:12).
فإذا كانت الحقائق تبدو أمامنا كالأشباح، وإذا كان ما نعرف اقل كثيرا وأضأل بالقياس إلى ما يغيب عن إبصارنا وإدراكنا، فمرجع ذلك يرجع إلى التفاوت غير المحدود واللانهائي القائم بين شخصيتنا المفكرة وشخصيته هو.
الله الشاعر:
الشعور هو ذلك الإحساس العام الذي ينهض في أعماق الشخصية، ويعبر عما بها من عواطف وانفعالات، وهو بهذا المعنى أساس كل ما نعرف أو نختبر من لذة أو شوق أو حنين أو حب أو كراهية أو نفور أو ما إلى ذلك من أحاسيس والذي من دونه يفقد الفكر حوافزه والإرادة دوافعها ومحركها، وإذا جاز للشعور البشري إن يتبلد أو ينقص أو يخمد أو يبيد، فان مشاعر الله هي النار الآكلة والوقائد الأبدية. وإذا كان سمة تراجع أو تقلب في عواطف الناس، الأمر الذي ينزه عنه الله إطلاقا، فان هذا يرجع إلى مشاعرهم البدائية الساذجة الواهنة الضعيفة إذا قورنت بشعوره تعالى الكامل الغير محدود.
الله المريد:
في الواقع إن الإرادة – كما وصفها احدهم – ما هي إلا النفس في العمل أو النفس حين تضبط نفسها. ولا يمكن للأفكار أو المشاعر إن تنساب إلى الواقع العملي، ما لم تكن هناك إرادة تحولها إلى ذلك. ونقص الشخصية البشرية يرجع إلى عدم التوازن بين القوى الثلاث في النفس، فقد يفكر الإنسان ما شاء له إن يفكر، وقد يبني في خياله قصورا، وعوالم لانهاية لها، وقد تتمشى عواطفه قليلا أو كثيرا مع كل هذه الأفكار والخيالات، ولكن هذه كلها لا يمكن إن تتبلور إلى حقائق، ما لم تكن هناك إرادة قوية تتكافأ مع هذه جميعا، الأمر الذي لا يمكن إن نجده سوى في شخصية الله الكاملة فكرا وشعورا وإرادة، ومن ثم يحق له إن يقال عنه وحده "القادر على كل شيء الذي به كل شيء مما كان".
وغاية ما نصل إليه من الإيمان بشخصية الله، إن إلهنا شخص حي عاقل ممتلئ العواطف والمشاعر قادر على كل شيء ولا يعسر عليه أمر، وانه تباعا لذلك، المشوق إلى خلائقه والذي يسعى إلى الاتصال بهم. والتجاوب معهم في شتى الظروف والأحوال والذي يحق له الإجلال والإكرام والتعبد والسجود.
لقراءة باقي المقال اضغط هنــــــــــــا