مقدمة:
سفر النشيد يتألف من 8 اصحاحات تحتوي حوارات بين حبيب وحبيبته، ومن
وقت الى اخر نسمع اصواتا تتخلل حوار الحبيبين. ويذكر في السفر كل اعضاء الجسد من
القدمين الى شعر الراس:
بالنسبة للحبيبة:
- ما اجمل القدمين بالنعلين يا بنت الامير (7: 2).
- دائرتا فخذيك عقدان نظمتهما يدان ماهرتان (7: 2)
- سرتك كاس مدورة لا يفرغ من الخمور.
- نهداك توامي ظبية – او عنقودا دالية.
- عنقك برج عاج.
- ما اطرب الصوت واروع الطلعة.
- شفتاك سمط قرمزي، وشهدا قطران.
- فمك تحت الحجاب شق في رمانة.
- اسنانك قطيع نعاج، وتحت لسانك لبن وعسل.
- عيناك يمامتان.
- سبيت قلبي يا اختي العروس سبيته بغمزة عين وقلادة واحدة من عنقك.
- ما اجمل بالقرطين خديك.
- شعرك قطيع معز منحدر على
سفوح جلعاد.
- اختي العروس جنة مغلقة ينبوع مختوم.
- اغراسك فردوس رمان وكل جني شهي.
- ما احسن حبك يا اختي العروس. كم محبتك اطيب من الخمر. وكم رائحة
ادهانك اطيب من كل الاطياب.
- قد دخلت جنتي يا اختي العروس. قطفت مري مع طيبي. اكلت شهدي مع
عسلي. شربت خمري مع لبني.
ولا يهمل السفر وصف الحبيب ايضا. فتقول العروس:
- شبهتك يا حبيبي بالظبي او بغفر الايائل.
- حبيبي، طلعته كلبنان وكالارز ليس له نظير.
- راسه ذهب خالص وضفائره متموجة حالكة كالغراب.
- عيناه يمامتان – كعيني الحبيبة – على مجاري المياه.
- يداه سواران ذهبيان وبطنه عاج وياقوت.
- رائحة ادهانك طيبة.
قد يقتصر حب النشيد على زيارة ليلية ليس لها مردود (5: 2 الى 6:
1)، وقد يحول الحياء او الخوف من ذم الناس عن منح قبلة في العلن (8: 1). ولكن اذا
احتجب الحبيبان فلا قانون لهذا الحب سوى الحب، لا ذكر لزواج ولا انجاب الاولاد ،
فالحب طريق الى الزواج وليس الزواج طريق الى الحب، وكأن هذا الحب غاية في ذاته. على
ان هذا الحب، اذا ما اباح كل لقاء جسدي فهو يتقيد بقيود ويتصف بصفات اهمها:
1- وحدة الحبيب والحبيبة: انا لحبيبي وحبيبي لي فلا مكان لثالث.
2- ديمومة الحب: حب النشيد حب وفي قوي كالموت متقد كاللهيب، لا الماء
يطفئه، ولا الزمن يفسده، ولا المال يشتريه (8: 6-7).
3- مساواة المرأة بالرجل: اصبحت المرأة صنو الرجل في الحب باحثة عنه
بحثه عنها ، مالكة له ملكه لها. واذا ما تساوت المراة والرجل في مجالات الحب فقد
تساويا في كل المجالات.
4- براءة الحب لجسدي: ينظر النشيد الى الحب الجسدي نظرة سليمة، نظرة
الله اليه، فالله خلق الانسان ذكرا وانثى وجعل من لقائهما الجسدي سبيلا الى نضج
الحب والى بقاء النوع البشري ونموه، فكيف ننعت هذا اللقاء بالحيواني، او كيف
نستقبح وصف اعضاء الجسد ودورها في اثارة الحب الطبيعي؟ ليس الحب البشري جسديا بحتا،
ولا روحيا بحتا، بل هو انساني، جسدي وروحي معا.
هل كانت هذه الاناشيد تنشد في الاعراس؟ من الصعب اثبات ذلك. اما
استعمال هذه الاناشيد في طقس عيد الفصح اليهودي فلا شاهد عليه قبل القرن الخامس
الميلادي.
تفسيرات النشيد:
اولا- التفسير المجازي او الرمزي:
التفسير المجازي وهو يعتبر السفر حوارا بين الله وشعبه في العهد
القديم.
- الملك هو يهوة وكذلك الحبيبة هي اورشليم.
- القطيع هم اسرائيل ومساكن الرعاة هو جبل صهيون.
- الثعالب هي الممالك المجاورة لاسرائيل.
- الحراس هم جنود الاحتلال المسيطرون على اورشليم، وبيت امي هو قدس
الاقداس في الهيكل.
- جبل الاطياب وتلة البخور هما جبل الهيكل.
- الجنة هي اسرائيل.
- النهدان هما جبلا عيبال وجرزيم او الملاكان الحارسان للهيكل. السرة
هي اورشليم والبطن هي جبل يهوذا.
يرتكز التفسير المجازي على رؤية للعالم المنظور على انه صورة لعالم
روحي لا محسوس اصدق واسمى. ولا يعد هذا احتقارا للعالم فهو يرتبط بالعالم الروحي
الاسمى وبفضله يختبر الانسان العالم الاسمى. لا يحتاج الملائكة الى رموز لهذا
العالم الروحي لانهم بداخله، اما الانسان فيحتاج الى عالم محسوس ليدرك العالم
اللامحسوس. العالم المادي واسطة والروحي غاية. لذا لا يمكننا ان نفهم هذا السفر
الا اذا كنا روحانيين راسخين في المعرفة الروحية، ومعتبرين العالم المادي ثانويا
وعابرا.
التفسير الحرفي:
اصحاب هذا الرأي يرون ان السفر واضح ولا مجال لتعقيده او ترميزه.
انه نشيد الحب الجسدي لا اكثر ولا اقل. ولا نفتشن عن تفسير رمزي او ليتورجي او
دراماتيكي. انه انشودة واقع يحدث كل يوم في حياة الانسان الذي خلقه الله جسدا
وروحا ليكون واحدا لا يتجزأ. هذا هو المعنى الحرفي المباشر لنشيد الاناشيد. انما
المعنى الحرفي لا ينفصل مطلقا عن المعنى الالهي الكامل، اذ لكل رواية او اية في
الانجيل معنى مزدوج: المعنى الحرفي وهو المعنى التاريخي او الواقعي، الطبيعي
المباشر، والمعنى الالهي الكامل وهو المعنى الاهوتي والروحي الملازم للمعنى
الحرفي.
االحب الجسدي ليس غريبا عن الحب الالهي. الحب الجسدي هو قبس من حب
الله. وتعبير انساني عنه. ومن المفترض ان يجسد حب الله. هذا هو جوهر لاهوت نشيد
الاناشيد: من الحب الانساني الى الحب الالهي، ومن الحب الجسدي الى الحب الصوفي. لا
حب الهي بدون حب انساني، ولا حب انساني تام دون حب الله.
وباختصار يقدم نشيد الاناشيد هذا الحب الطبيعي المتفجر طبيعيا في
كل فتى وفتاة. هو عطية الله . لا ب انساني صادق الا ويصب حتما في حب الله.
فاذا ورد المجاز اذا فعليه ان ينطلق من المعنى الحرفي الواقعي
التاريخي لنشيد الاناشيد لنكتشف فيه، لا اضافة اليه، المعنى اللاهوتي الكامل الذي
هو ضمنا فيه. وس التجسد هنا هو المبدأ الشامل الذي منه نستخلص الحقيقة: حب بشري في
حب الهي، وحب الهي يتجسد في حب بشري.
+++
تأمل في بعض الايات :
"سريرنا اخضر" = الحب اهنأ في حضن الطبيعة، في ربيعها
وزهورها وطيوبها، وما اكثر ما اخرج الحبيبان اليها.
"جوائز بيتنا ارز وروافدنا سرو" = الارز والسرو رموز
اكثر منها واقع، وهي تعني رغبة الحبيبين التمتع بالحب في احضان الطبيعة.
"انا نرجس شارون" = الحبيبة والبادية نرجستان، ويجمع
بينهما بهجة الحب. تفرح الحبيبة بلقاء حبيبها، وتفرح البادية بمجئ ربها ومحررها
"لتفرح البرية والقفر ولتبتهج البادية وتزهر كالنرجس"(اش35: 1)، ومصدر
الفرحين الحب.
"قومي يا حبيبتي.. لان الشتاء قد مر وزال" = اتى الحبيب
يدعو الحبيبة ان تصحبه فيتجاور الربيعان: ربيع الطبيعة وربيع الحب. على الحبيبة ان
تتخلى عن ذاتها، وتطلب الطمأنينة والحماية بين ذراعي حبيبها، فتعيش هكذا اعجوبة
تحول وتجل، كتحول الارض في الربيع وتجليها.
"الى ان يفيح النهار"= قبل ان يهب نسيم النهار وينقشع
الظلام. كن ظبيا او غفر الايائل على الجبال المشعبة".
"بين السوسن يرعى" السوسن هو الحبيبة نفسها.
"في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي.." = يرى بعض
المفسرون ان حديث الحبيبة هنا حلم لا واقع، لان طواف فتاة ليلا بحثا عن حبيبها
والمجئ به الى بيت امها لينعما بالحب، سلوك مناف لاعراف عصرها، وتقاليد مجتمعها.
انما يبدو ان هذه التقاليد والقيود لم تكن قائمة في العهود السابقة، حيث كانت
المرأة حرة في التنقل خارج البيت، وفي لقاء الرجال. صبايا كثيرات التقين برجال على
ابار الماء (تك24: 14 و 29: 10 و خر2: 16 و 1صم 9: 11). او في الحقل (را3). وكأن
الحبيبة تعود الى تلك العهود فتضيق بالاعراف والتقاليد.
تطوف الحبيبة في الشوارع والساحات، نطوف في الليل، وون حجاب، وتسأل
الحراس عن حبيبها دون اي حياء: الحب الصادق العميق اقوى من الخوف ومن الموت، صريح،
جرئ، ولا يسكن ابدا القلب الجبان.
لم تجد الحبيبة حبيبها على فراشها (3: 1) ولا دلّها عليه الحراس
(3: 2)، ولكنها لم تيأس، وظلت تطوف حتى وجدته: الحب يتخطى كل الصعوبات "يحتمل
كل شئ ويصبر على كل شئ"(1كو13: 4).
"امسكته ولم ارخه (اطلقه)" = للفعلين طابع
بوليسي، فالحبيبة تلاحق حبيبها، تطارده الى ان تجده، فتمسكه ولن تطلقه.