الله هو يهوة اي "الكائن". هو الابدي ، "هو امس واليوم والى الابد". "الذي كان ويكون وايضا ياتي"(رؤ٢). على هذا هو وحده ينظر الى المستقبل وكأنه ماض "يدعو الاشياء غير الموجودة كانها موجودة (رو٤: ٧). وجزء كبير من اسفار الانبياء هو وحي عن ممالك ومدن وامم .. فالقضاء الالهي والتعاملات الالهية سواء ، على المستوى الفردي والجماعي ..
في سفر اشعياء ذكر كل الممالك المحيطة بإسرائيل وتنبأ عنها. ذكرها لما لها من تأثير، ولكي يؤخذ منها عبرا. فشريعة الله ليست اوامر ونواهي، بل هي قصة بها تأديب الابوة او عقاب المعلم للتهذيب والتلمذة. لم يعش الانبياء في معزل عن شعبهم كأنهم طبقة اعلى من عامة الشعب، بل قدموا نبوتهم من خلال سيرة حياتهم، باوقات البهجة والاحزان، من خلال المراثي ومن خلال الاغاني والتسابيح.
لم يعش الانبياء كذلك بمعزل عن سياسة بلادهم وتداخلاتها مع السياسة الخارجية في الامم المجاورة.
هل كان اشعياء ينتحب عندما تكلم عن سقوط بابل وقال، "أحشائي تئن في..". او كان يمسك بالته الموسيقية وهو يقول "في ذلك اليوم يغنى بهذه الأغنية.."(٢٤). او هو يقدم الرجاء لصور بعد خرابها "في ذلك اليوم بتعهد الرب صور"()
في هذه المقالة نتجول عبر اصحاحات النبوات عن الممالك لنقدم لمحة سريعة.
١- وحي من جهة ادوم:
ذكر ادوم وسماه في السفر دومة وتعني (صمت) فبعد صراخ او ضجيج الخطية ساد صمت الخراب. يقول النبي "صرخ الي صارخ من سعير. يا حارس ما من الليل؟". كانت مملكة سعير مجاورة وكانوا يسمعون نبوات الانبياء عن مجد اسرائيل ومجئ الملك . فصرخ احدهم متهكما ، (كم مضى من الليل؟) او متى يطلع النهار الذي تقولون عليه؟ ومتى يأتي الملك؟ يا حارس ما من الليل؟ متى تشرق الشمس "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها"(ملا٣).
"اتي صباح" او "يأتي صباح". يأتي يقيناً ولكن سيأتي أيضاً ليل. الصباح سيأتي للمؤمنين للبقية التقية، لكن للأمم وللمرتدين يأتي ليل. ظهور الرب في يوم الرب إنما "هو يوم قتام وظلام" للانتقام من أعداء الرب لكنه بالنسبة للبقية الأمينة صباح. "قد تناهى الليل واقارب النهار". يقول الرب "انا اصل وذرية داود. انا كوكب الصبح المنير".
"اطلبوا. ارجعوا. تعالوا" هذا صوت النعمة للخطاة.
٢- وحى من جهة اورشليم:
وادي الرؤيا عبارة عن أورشليم، وهذا واضح من الكلام هنا. في الأصحاح السابق قال النبي عن بابل «برية بحر» وهذا تعبير استعاري من كون البحر يطمو ويخلف وراءه برية.
كان النبي عندما تكلم عن سقوط بابل قال، أحشائي تئن وتتوجع فبالأولى يبكي على خراب أورشليم. يقول "اقتصروا عني" ابتعدوا عني واتركوني "فابكي بمرارة، ولا تلحوا في تعزيتي". ثم يصف استعدادهم للحصار ونظرهم إلى الأسلحة والأسوار والمياه وعدم نظرهم إلى الرب. وفي الآية الثامنة تصوّر ما كان قد حدث كأنه حاضر فيقول «يكشف». ثم في الآية التاسعة ومما يليها يستعمل صيغة الماضي فيقول «رأيتم» الخ وأما زمان الحوادث فهو واحد. "يَكْشِفُ سِتْرَ يَهُوذَا" أي سنحاريب يظهر ضعف يهوذا. بَيْتِ ٱلْوَعْرِ الذي بناه سليمان ووضع فيه ثلاث مئة مجن من الذهب (1ملوك 10: 17). مَدِينَةِ دَاوُدَ حصن صهيون (2صموئيل 5: 7 و9). مِيَاهَ ٱلْبِرْكَةِ مياه أورشليم قليلة حتى اليوم وقبل هذه الحادثة بنحو 34 سنة اهتمّ الملك آحاز بهذا الأمر (ص 7: 3).
"وَعَدَدْتُمْ بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ" حتى يروا اي بيت يهدم واي بيت يترك، البيوت التي تهدم اخذوا حجارتها لتحصين الاسوار..
ثم يتوجه بالكلام عن شبنا مدير القصر الملكي الذي بنى لنفسه ضريحًا فخمًا، أو حفره في الصخر الكلسيّ حيث كان ملوك يهوذا يُدفَنون. فقد نوى هكذا أن يُخلِّد ذكره لدى الأجيال القادم. لكن الله الذي ينظر الى القلوب دان شبنا اذ عزل من منصبه وسبى الى ارض بعيدة ومات هناك. فلمن حفر قبره؟ ما الذي جلب الخراب لاورشليم؟ وما الذي اهلك شبنا؟
الاولى "لم تنظروا الى صانعه ولم تروا مصوره من قديم". كامت اعين الشعب نحو التحالف مع ممالك اخرى اي مصر لصد الهجوم الاشوري. كانت اهتماماتهم في التحصينات ونسوا الرب.
اما شبنا فقد اغتر بمنصبه وابتنى ضريحا، اراد "ان ينادوا باسمه"(مز..). فقبل الكسر الكبرياء..
٣- وحي على صور:
صور هي مدينة عظمى وصلت سفنها أبعد الأماكن المعروفة في العالم القديم كله. ومع أن صيدون كانت هي المدينة الأم، فلم تبلغ قط عظمة بنتها صور، وقد أقامها تجار غادروا صيدون وبنوا مدينة قسما منها على البر والاخر على جزيرة ثخرية غير بعيدة عن الشاطئ. كان يبدو أمرًا لا يصدّق في أيام نبوة إشعياء أن صور ستصير في خبر كان، ومع ذلك هذا ما تم.
وكان من شأن خراب هذه المدينة أن يؤثر في أمم قريبة إليها كمصر، ونائية عنها كترشيش، لأن سفن صور كانت الواسطة الأهم لنقل بضائع هذه الأمم.
ونلاحظ ان سفر الرؤيا يعيد ذكر هذه المدينة كرمز لكل تعظم معيشة.
ينتقل النبي في لمحة خاطفة الى "ارض الكلدانيين" بابل التي دمرت صور، فيذكر منشأها على يد اشور. فيايل هي من دمرت صور. ولكن بعد ٧٠ سنة "يتعهد الرب صور". لقد ظلت المدينة أثناء السبعين سنة التي ظلَّت إسرائيل فيها في بلاد السّبي في حالة انحطاط وانهيار. ولكن صور، بعد موت نبوخذ نصَّر ووقوع بابل بعد بضعة أعوام في أيدي مادي وفارس كانت قد رممت الى حد كبير وعلى ذلك تأتي النبوة لتخبر بتحالفاتها مع الممالك الاخرى وكأنها زانية تغني لتجتذب عشاقها "احسني العزف، اكثري الغناء". ولكن النبوة تمتد الى العصر الماسياني حيث "تأتي بمجدها وكرامتها إلى موطئ قدمي الرب". وهذا الأمر مُنبأ به هنا، وأيضًا في مز٤٥
٤- وحي على اسرائيل:
يعود في ص٢٤ ليصف حال الشعب "انسحقت... تشققت... تزعزعت... ترنحت» كأنه لم يجد كلمة واحدة تعبر عن انفعالاته الشديدة. كَٱلْعِرْزَالِ موضع يتخذه الناطور في أطراف الشجرة خوفاً من الوحوش. "ثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا" ذنب الإنسان ثقل على الارض.
"الرب يطالب جند العلاء في العلاء". جند العلاء هم المرتفعون من الناس كالملوك والكهنة والرب يطالبهم حتى في أماكن مجدهم فلا يقاومون. ان الملوك كانوا كالدمي في ايدي الملأئكة الاشرار ولذلك سيدانون في اخر الزمان كما اوضح سفر الرؤيا.
وجند السماء هي الافلاك التي عبدها الناس والرب سيظهر بطلها.
وبعد القضاء (ص٢١-٢٤) نجد التسبيح (ص٢٥-٢٦). "يا رب الهي اعظمك..". و "في ذلك اليوم يغنى بهذه الأغنية..".
"مقاصدك منذ القديم امانة وصدق". هي "قبل تأسيس العالم" ولا تغير .. يصنع الرب "وليمة سمائن" بها كل المسرات الروحية "ويفنى النقاب..". يرفع حجاب الجهل، برقع العمى الشيطانيِ الذي ضلل كُلّ الأمم.
"يبلع الموت الى الابد".
جوهر الإيمان هو نيل المواعيد، هو الرجاء، فيقول المؤمن أن الله هو إلهي وأبي وأن المسيح مات لأجلي "انتظرناه فخلصنا" لم نلجأ الى غيره ولم نشك في صدق وعده.
٥- وحي عن مؤاب:
"يداس مواب" ذكر مؤاب ولم يذكر اشور او مصر لانها قريبة وعداوتها قديمة ، وهي كناية عن كل اعداء الرب.
"يجعل الخلاص اسوارا..".
"يتعلم سكان المسكونة العدل". اللطف يقسي القلب الشرير. نقرأ في سفر الجامعة «لأن القضاء على العمل الردىء لا يجرى سريعاً فلذلك قد امتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر» (جا8: 11) أي أن لسان حالهم لا يوجد قضاء.ان إنجيل النعمة موضوع للمؤمنين، انجيل الغفران والميل الثاني وتحويل الخد لمن يلطم. أما عن العالم فيقول الرسول في رومية 13: 4 أن السلطان «لا يحمل السيف عبثاً إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذى يفعل الشر» فحكم الأرض بالسيف للقضاء على الشر. يقول الشيوعي الحرب هي التي تثبت الممالك، لكن في الدائرة المسيحية تملك النعمة، لان "ملكوت الله ليس اكلا وشربا بل برا وفرحا ويلاما".
"سكبوا مخافتة عند تأديبك" اي سكبوا قلوبهم بالصلاة السرية بصوت خافت عندما أدبهم. طلبوا الرب في وسط الضيق.
"تحيا أمواتك تقوم الجثث». هذا بالمقابلة مع الأعداء الذين قال عنهم "أنهم أموات لا يحيون" لكن هنا يقول «تحيا أمواتك».
عجيب أن ينسب أموات للرب. هل هو اله اموات؟ لقد ماتوا روحيا ولكنه سيقيمهم ، مثل عظام ترقد ، لذلك يناديهم "استيقظوا". و " والأرض تسقط الأخيلة". أي تلفظ الأموات.