الخميس، 3 يناير 2019

التجلي


يسوع يتجلى فوق الجبل
(مت17: 1-9)
يشعر يسوع جيدا ان كلامه عن الصليب لا يستوعبه تلاميذه بسهولة. فالجو المعنوي يثقل في جماعته الصغيرة – قد يحسن اذن ان يرفع من روحها المعنوية. ان يظهر لها ان الله ذاته يصدّق على قول يسوع، ويؤكد ان رسالة يسوع هي حقا التي وصفها وعرضها عليهم.
وعليه اختار يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا. وفي المساء، بينكا كانت القافلة قد حطت في سفح التل لتخيّم، دعا الثلاثة الى رفقته صعودا الى القمة.
واذ خلال الليل استيقظ المحظوظون ووجدوا انفسهم محاطين بسحابة نيّرة. تجلى يسوع امامهم. فظهرت ثيابه متلالئة ناصعة البياض ساطعة كالنور.. هكذا تحقق حلم البشرية القديم الذي عبّرت عنه كل خيالات الشعراء.. والاخصاء الثلاثة اضحوا شهودا لاعلان باهر عن شخصية يسوع والعالم الاتي. وتراءت هنا بالقرب من يسوع شخصيتان بارزتان من العهد القديم: موسى وايليا. كان الاثنان قد حظيا بلقاء مع الله على جبل سيناء.. وان كنا هنا، فليتحدثا مع يسوع عن الميتة التي سيلقاها في اورشليم.. حتى يقنعا الاخصاء الثلاثة.
كنا نود ان نعرف تفاصيل اكثر عن هذه الرؤية. لكن، كيف يكون تعبيرنا للكلام عن التجلي؟ .. الكلام عاجز والكقارنات باهتة الى حد الياس. وهي تماثل موقفنا عندما نريد ان نعبّر لمن ولدوا عكيانا عن جمال العالم الذي نعيش فيه.
في التجلي فهم التلاميذ ان يسوع هو حقا المرسل من الله، واكثر من ذلك، اوحى اليهم كما اوحى الى يوحنا المعمدان عندما كان يعمّد يسوع في الاردن، ان الله حاضر في يسوع، ومثل المعمدان سمعوا هذا الاعلان:
"هذا هو ابني الحبيب، وهو منبع كل سروري.. فله اسمعوا!".
انتهى التجلي وتلاشت الرؤيا. وانكفا الثلاثة بوجوههم الى الارض.. واجالوا الطرف في ما حولهم، فلم يروا الا يسوع وحده .. في هيئته المعتادة.
ان "التجلي" مثلما عاشه التلاميذ الثلاثة، هو نوع من الاختبارات السرية، ونموذج لاوقات الاستنارات التي يخص الله بها بعض الذين يبحثون عنه.. لابد لتلميذ المسيح ان يصص لنفسه اوقاتا للتامل والصلاة التي تنير تفاهة الحياة اليومية. وتشدده في مواجهة الصعوبات اليومية.

تجربة ابليس


تجارب شيطانية
(مت16: 21-23 و 4: 1-11 و لو9: 21-23)
عبر يسوع وتلاميذه السامرة وها هم في اليهودية، سائرين نحو اورشليم.
يرى يسوع ان من الضروري ان ينقذ تلاميذه من تفكيرهم الخاطئ. فهو يعلمهم انه بدلا من الركوض نحو نجاح رائع، فهو يسير نحو الموت.
اجل، نحن صاعدون الى اورشليم، وكل ما تنبأ به الانبياء عني سيتحقق. سوف اقدم الى محكمة الكتبة والكهنة والشيوخ، ويحكم عليّ بالموت. حينذاك سوف يسلمونني الى الرومان الذين سيقتلونني وبعد 3 ايام سوف اقوم من الموت.
غير ان التلاميذ الذين نسوا ما تنبأ عن المسيح سيتألم ويوحنا الذي تكلم عن حمل الله الذي يحمل خطايا العالم.. يجيب بطرس كنائب عن التلاميذ:
لا.. هذا محال! .. لن يحصل امر مثل هذا.. ولن يسمح الله به. بالعكس نحن سائرون نحو النصر.. ارجو منك، يا يسوع دعك من الخور والياس.
فغضب يسوع وصرخ في بطرس:
ابتعد عني يا شيطان! .. ان ابليس هو الذي يلقنك هذه الكلمات. ان الطريق الذي تريد ان تجذبني اليه ليس هو طريق الله بل طريق البشر.
عندما تريدون ان تكرهوني على ان اكون مسيحا يفرض نفسه بالشهرة والقوة تذكرونني بهجوم الشيطان المجرب اثناء الفترة التي امضيتها في البرية للنامل والصوم.
كان يهمس في اذني: "انت جوعان. لكن بما اتك المسيح، يكفي ان تقول كلمة واحدة فيتحول حصى الصحراء الى خبز".
قاومت هذه التجربة التي كانت تشير الى ان اكون مسيحا خاليا من كل الم، حتى من الم الجوع، وان اؤمّن الرفاهية لانصاري موفرا لهم الاطعمة الارضية بكثرة.
اجبت المجرب بكلمة كتبنا المقدسة: "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل ايضا بكلمة الله".
في زمن اخر رايت نفسي قائما على قمة الهيكل، مطلا من العلاء على جمهور الحجاج..
فهمس الشيكان في اذني: "الق بنفسك الى اسفل، كانك ات من السماء وبدون ان يحصل لك ضرر. وبما انك المسيح لن تتعرض لاي خطر.
قاومت هذه التجربة التي تحث على القيام بمعجزة تستهدف لفت الانظار، وتجعل الناس يحملونني على الاكتاف. فلا يجرّب الله هكذا كان الانسان يرغمه على القيام باعجوبة.
اخير رايت نفسي على جبل عال:
وهمس الشيطان في اذني: "انظر هذه الممالك وثرواتها وسلطانها. اعطيك هذا كله ان خررت لي ساجدا".
فجبته: ابتعد عني يا شيطان. وقاومت هذه التجربة التي كانت تعرض عليّ سلطانا على العالم احصل عليه اذا قمت بعبادة الالهة الكزيفة، الهة السلطة والثروة، الهة العنف والظلم، الهة الخداع والكذب. عليك ان تعبد الله الحق واياه وحده.
انظروا يا اصدقائي، لا تتمثلوا بالشيطان المجرب".
لم يكن في مقدور احد ان يعرف تجارب يسوع هذه لو لم يتكلم عنها بنفسه. واتى كلامه في لغة تصويرية، راويا نوعا من صراع دار بينه وبين ابليس.
بالنسبة الى ابليس، لا يصح ان نظن انه شخصية خيالية: يسوع يدعوه "سيد هذا العالم". هو الخصم المخيف. نرى ارواح معادية لله والخير، تبث سمومها في بنيان المجتمع، وبالمثل في قلب كل انسان. وجاء يسوع يحررنا من قبضة الشيطان، شريطة ان يوافق على ذلك كل واحد منا.. اذ ان تضليل الشر قوي.

السامرية

 
على البئر
(يو4)
صدقيني ايتها المراة . ستاتي ساعة لا يكون المقصود فيها ان نتساءل عما اذا كان من الواجب التواجد هنا او في اورشليم لعبادة الله. فمكان التعبد قد اصبح منذ الان ثانويا. المهم هو طريقة اصلاة. هل نحن خاضعون لروح الله ام لا؟ لان الله روح. فالذين ينقادون بروح الله ويتابعون الهاماته في صدق حياتهم هؤلاء هم المؤمنون الحقيقيون. لكن لا يجوز ان نظن ان كل المناهج الدينية تتساوى. انتم السامريين تعرفون شيئا بسيطا عن الله بمنهج عبادتكم. اما نحن اليهود فنعرفه جيدا، ولهذا السبب يمكننا القول ان الخلاص ات من اليهود (قد اتى يسوع المخلص من اليهود).
قالت المراة: الفت نظرك الى هذا. انا اعلم جيدا ان المسيا ات ومعه على الاقل سوف نعرف كل شئ.
انا هو المسيح الذي يكلمك.
لم تحتفظ السامرية بهذا الاعلان لنفسها بل تركت جرتها واسرعت الى المدينة تدعو الناس لرؤية يسوع المسيح بانفسهم.
"هلموا انظروا انسانا سرد لي كل حياتي. اظنه هو المسيح".

وكيل الظلم

قصو وكيل الظلم
(مت18: 21-35)
على الطريق يتكلم بطرس مع يسوع
"تقول لنا انه لابد من الصفح عن القريب. لكن الصفح له حدود.. كم مرة يخطئ اليّ اخي واغفر له؟ ان لم يكف عن اهانتي ولا يزال يسبب لي ضررا؟ .. اسبع مرات؟
يا بطرس، لا اقول الى سبع مرات بل سبعين".
يا تلاميذي الاعزاء اسمعوا هذه القصة التي توضح كيف تجري الامور في ملكوت السموات.
"قرر ملك ان يضبط حساباته مع كبار موظفيه. رجع الى دفاتره وطلب احد الموظفين الذي كان مدينا لبيت المال الملكي بمبلغ ضخم يوازي 10 الاف وزنة (قد يمون محصل ضرائب او حاكم اقليم يشكو من عجز الميزانية).
المهم انه بكل تاكيد لا يملك ما يسدد دينا مثل هذا.
فامر الملكك ببيع هذا الكوظف الكبير واسرته ليحصل على بعض دينه.
حينذاك سجد الموظف وتوسل "امهلني، ارجوك، سوف اؤدي كل ما عليّ".
فاهتزت مشاعر الملك امام ضيق مثل هذا، فاطلق سراحه واعفاه من دينه.
لكن حال خروجه من بلاط الملك. قابل احد مرؤوسيه وكان مدينا له ب 100 قطعة فضة (دينار) فامسك بخناقه وشد على عنقه حتى كاد يخنقه قائلا: "اد لي ما عليك فورا" فجثا على ركبتيه متضرعا اليه "امهلني فارد لك ديني". لكنه لم يسمع له، بل القاه في السجن..
حينما سمع الملك بما حدث احضره وقال "ايها العبد الشرير، اني اعفيتك من كل دينك لانك توسلت اليّ افما كان ينبغي انت ايضا ان ترحم رفيقك؟".
وفي غضبه دفعه الى الجلادين ليحصلوا على اعترافا بدينه ويرغموه على رد الدين، ودفع ما عليه حتى اخر فلس.
كان امراء الشرق يلجاون الى تعذيب محصلي الضرائب حتى يكتشفوا اين اخفوا المال او بددوه.

ابنا الرعد

ابنا الرعد
(لو9: 51- 56)
قرر يسوع ان يذهب الى اورشليم. انطلاقا من الجليل، اقصر طريق هو الذي يمر بالسامرة. ولكن التجار والحجاج الذاهبين الى اورشليم يخشون جدا عبور بلد السامريين، الامر الذي يجعل كثيرين منهم يختارون المنحنى الطويل الذي يمر بوادي الاردن وبيرية. في الواقع كانت عداوة الجليليين واليهود للسامريين وبالعكس متاصلة جدا الى حد انهم حين يتقابلون كان يخشى دائما ان يحدث شجار عنيف قد يؤدي الى سقوط قتلى.
غالبا ما يقفل السامريون تخومهم انتقاما ويعرقلون التجارة والعلاقات بين الجليل واليهودية.
ارسل يسوع مقدما بعض التلاميذ ليعدوا المخيم في قرية على حدود بلد السامريين. لكن سكان البلد الذين استشفوا نية الجماعة من الحجاج الذاهبين الى اورشليم للاحتفال بعيد المظال رفضوا ان يستقبلوهم و يقدموا لهم ماوى.
كان الاخوان يعقوب ويوحنا ساخطين.. الا يحترمون قانون الضيافة، هؤلاء السامريين الحمقى؟ .. واكثر من ذلك يا لها من اهانة لشخص يسوع!.. هذا يستحق عقابا فوريا.
يا يسوع اتريد ان تامر النار باسمك فتنزل من السماء وتاكلهم وتبيد قريتهم كما فعل ايليا من قبل؟ سوف يكون هذا عبرة لهم ولغيرهم.
لكن يسوع انتهرهما بقوة.
"ايها الاخوان انتما حقا ابنا الرعد" لا تربح النفوس بالعنف انها روح الانتقام تجعلكما تتكلمان هكذا. لم ات لاهلك بل لاخلص. هيا نمر بقرية اخرى.

وانتم من تقولون اني انا؟

وانتم من تقولون اني انا؟
(مت16: 13-20)
في سفح مرتفعات حرمون، وقيصرية. هناك بعيدا عن جماهير الجليل، استطاع يسوع ان ينتهز فرصة فترة الراحة والتأمل ليقودهم الى اكتشاف حقيقته، بحسب قدرتهم على ذلك. ويود ان يجعلهم يعبرون عن رأيهم في هذا الصدد.
يطرح عليهم سؤالين:
"من يقول الناس اني انا.. من يظنون اني انا هو؟"
ما يفكرون فيه انه ليس انسانا عاديا، ان له مواهب عجيبة، وانه حصل بلا شك على رسالة من الله. لكن ما هي هذه الرسالة بالضبط؟ من الصعب ان يتحققوا من نوعها!.. فضلا عن ذلك انه قد يكون المسيح، غير ان هذا ليس باكيد. اولا: نحن على علم باهله – انه ابن النجار وان ليس له البتة ما يجعل منه القائد الحربي الذي يطرد المحتلين.. لكن حالته لا تزال لغزا، والاراء تختلف فيه.
وعليه يجيب التلاميذ:
بعضهم يقول انك يوحنا المعمدان.
وفي الواقع راجت اشاعة ان يوحنا قد قام من الاموات وان روحه تعمل في يسوع. وهذا الظن مؤكد في بيلاط هيرودس انتيباس الذي لا يتعزى عن انه امر بقطع رأس يوحنا، ويشعر بان هواجسا مرعبة تتسلط عليه، لانه يعتقد بخرافات.
وبعضهم يقول انك ايليا..
ايليا كان القديس الشعبي، الذي اختفى بطريقة سرية وكان الشعب لا يزال ينتظر رجوعه الى الحياة حتى يعين المسيح رسميا ويكرسه علنا..
اخيرا بعض يظنون انك لست الا نبيا جديدا..
هذا كان جواب التلاميذ على السؤال الاول. وعليه طرح عليهم سؤالا ثانيا:
"من تظنون اني انا؟
كانت برهة صمت.
ثم جاء جواب بطرس. بديهي. ولا يمكن ان يكون الا نتيجة خبرة حية، والفة طويلة مع يسوع.
بالنسبة لنا انت المسيح المنتظر، انت المسيح بن الله الحي.
لذا فيسوع يهنئه:
"يا سمعان ، لم تكتشف ذلك وحدك، بل ابي السماوي اوحاه اليك.. اذن لقبتك ببطرس فذلك لاني اريد ان ابني كنيستي على مثل هذا الايمان القوي كالصخرة، وقوى الشر التي تجد في لقضاء عليها ستتحطم امامها.
يا بطرس اعطيك مفاتيح ملكوت السموات، حتى تسمح للناس بالدخول فيها، او تبغلقها امامهم، فمن امن بي ودخل ملكوتي تغفر له خطاياه ومن رفض رسالة الخلاص لن تغفر له خطاياه.
ان كلمة كنيسة تعني "جماعة". وهي الاخوة الجديدة التي اراد يسوع ان ينشئها. وصورة المفاتيح انما ترمز الى فتح ابواب الملكوت امام الامم وليس اليهود فقط ليكون الخلاص مقدما للجميع.

الثلاثاء، 1 يناير 2019

قائد مئة وام لحوح

ضابط في الجيش الروماني – ام لحوحة
(مت8: 5-13 و 15: 21-28)
جثا قائد المئة امام يسوع قائلا:
"لديّ عبد عزيز عليّ جدا. هو ملقى على الفراش يعاني اشد الالام.
قال يسوع:
"انا اذهب لاشفيه.
سيدي لست اهلا لان تدخل بيتي.. ثم اضاف:
سيدى يكفي ان تقول كلمة .. وانا على يقين ان عبدي سيبرأ. هكذا انا لست الا قائدا مرؤوسا، يكفي ان اقول لاحد جنودي: اذهب هناك فيذهب... بالنسبة اليك يحصل نفس الشئ: ليس عليك الا ان تامر المرض من بعيد.
وتعجب يسوع لسماعه كلام القائد وقال:
"الحق اقول لكم لم اجد من شعبنا يؤمن بي مثل هذا"
**
يدرك يسوع ان تلاميذه الذين حل بهم الارهاق يحتاجون الى راحة. فقرر ان يعبر الحدود وياخذ بعض الوقت للترفيه عن النفس في منطقة لا يعرفه سكانها: بلدتي صور وصيدا. الامر الذي يحتاج الى سفر يمتد بضع عشرات من الكيلومترات. وظن التلاميذ انهم هناك على الاقل سيكونون في هدوء.
ولكنهم اخطأوا في حسابهم. لان سمعة يسوع تعدت الحدود ..
واذا بامراة كنعانية تاتي وتووسل الى يسوع:
"سيدي، انت الذي يقال عنك ابن داود، رحماك! .. ان ابنتي يتخبطها الشيطان تخبطا.
هذه المراة من اصل سوري فهي وثنية.
يتابع يسوع سيره ولا يجيبها.
لكن المراة تتبع يسوع ملحة:
اغثني!
فقال التلاميذ: يا لها من امراة مزعجة! بصياحها هذا ستنبه كل اهل البلد.. اصرفها يسوع او امنحها ما تطلبه حتى تتركنا في سلام!
ايتها المرأة، تسمعين ما يقولون، وهم على صواب: اني لم ارسل الا لشعبي "لا يحسن ان يؤخذ خبز البنين ليلقى الى جراء الكلاب".
دخلت العادة في كلامهم: كان اليهود يقولون بسهولة "هؤلاء الغرباء الكلاب". واستانف يسوع عن قصد هذه الصورة المزدرية التي تجعل من اليهود "البنين" ومن الغرباء "الكلاب" الا انه يصحح قليلا ويتكلم على جراء الكلاب التي تعيش ببساطة تحت نفس السقف مع البنين، تعارضا مع "الكلاب الشاردة".
ولكن هذا الدافع بعدم سماع دعواها لم يكن له وقع في نفس المراة، ولم تكترث لاي اذلال. فهي لحوحة، لان الامر هنا هو حياة ابنتها، وتعرف كيف تنتهز الفرصة السانحة. فردت على اعتراضات يسوع:
"هذا صحيح. ولكن حتى جراء الكلاب تاكل من الفتات الذي يتساقط من مائدة البنين".
ويسوع الذي كان يريد ان يجربها رحب بهذا الجواب:
ايتها المراة الطيبة، ما اعظم ايمانك. ليكن لك كا تريدين. يمكنك ان تذهبي مطمئنة قد خرج الروح الشرير من ابنتك".
لابد ان تصل رسالة يسوع الى الانسان في كل الازمنة والاجناس، في كل الثقافات والديانات. من يرغب ان يكون عضوا في اسرته الجديدة، في كنيسته كما يسميها، لا يضطر الى ان يتخذ جنسية شعب معين ويفقد هكذا اصالته الثقافية، وليس عليه ان يتبنى اخلاق وعادات حضارة خاصة او يتبنى فلسفتها ولغتها، فنه وادابها، ولا حتى طريقة تعبيرها عن ايمانها. يكفي فقط ان يضع ثقته في يسوع وان يجعل حياته مطابقة لتعليم يسوع.

دستور الملكوت

دستور اسرة يسوع الجديدة
(مت5-7، مر10: 23-27 و لو1213-21 و 16: 13)
ضرب يسوع مثل النير الذي يضعه المزارع على ثورين يفلحان الحقل. بعض هذه الانيار الثقيلة الخشنة تؤلم وتجرح الحيوانات. اما نير يسوع والذي سمى كذلك لانه يفرض علينا قواعد. فليس كذلك. وليس فيه تمسك بالشكليات ولا تدقيق في امور تافهة. هو على قدر كل شخص، ويتوافق جيدا مع حياته. لا يريد يسوع تلاميذا مرهقين ويعلن:
"نيري هيّن لانه يتوافق مع حياتكم. والحمل الذي اطلب منكم ان تحملوه خفيف. تعالوا اليّ ايها المتعبون لم ات لاطغى عليكم بل لاحرركم .. انا الوديع المتواضع القلب .. ادعو ولا افرض..
لا غنى عن اسرة يسوع هذه للعالم. ليس ان تفرض نفسها بالقوة وليس ايضا ان تذوب فقط في العالم بل تعيش كنور في العالم ..

اسرة يسوع الجديدة

اسرة يسوع الجديدة
(مر3: 20-21)في يوم ما كان مجلس شورى اسرة يسوع مشغول البال م جهة ما يقال بخصوصه، فقد كان ذووه يقولون "انه خرج عن جادة الصواب".
وها هم يصلون الى المنزل الذي جمع فيه يسوع عددا من الذين يضعون كل ثقتهم فيه وياخذون بطريقة الحياة الجديدة الني يعرضها عليهم عندما يكلمهم عن ملكوت الله.
في الواقع بين تلاميذه لا يوجد فقط الاثنى عشر ةالنسوة الذين تركوا كل شئ ليتبعوه. بل ايضا جماعة لا باس بها من المؤيدين الذين – بدون ان يتركوا اهلهم وبيوتهم – صمموا على ان يمارسوا هذه الحياة التي تغيرهم وتجعل منهم رجالا جددا: انه تيار يجري بحدة. ويسوع ذاته يتحدث عنه:
"ان ملكوت الله يشق طريقه بالرغم من كل العقبات: لا شئ يقدر على ايقافه .. جئت لالقي الخبر السار على الارض في صورة نار. وكم ارجو ان يشتعل وينتشر مثل حريق في ارض بائرة، مدفوعا بالريح.
في الحقيقة خطة يسوع احرزت تقدما ملموسا. انشات اسرة جديدة. اسرة يسوع. تجمع انواعا عديدة من الاشخاص من كل طبقات المجتمع. ان كان اغلبهم من بيئات فقيرة ومغبونة، يوجد ايضا من هم من الطبقة المتوسطة واخرون ينتمون الى الطبقات العليا حتى وان حرص البعض على التستر والتخفي.
لكن، لنرجع الى مجلس شورى الاسرة الاتي الى الناصرة ليسترد يسوع. حتى يضمنوا النجاح في مسعاهم اصطحبوا معهم – وقد يكون ذلك عنوة – امه مريم. وجدوا يسوع في هذا المزل وسط اجتماع كبير. ولم يتمكنوا من الدخول، لان كثرة الحاضرين كانت قد اوصدت الباب. فظلوا خارجا لكنهم ارسلوا اليه من يدعوه.
ان امك واقرباءك في خارج الدار يريدون حتما ان يكلموك.
لكن يسوع يطرح سؤالا:
"من هي امي .. ومن هم اقربائي؟"
ثم اجال طرفه في جميع الملتفين حوله:
"هم امي واقربائي.. لان منيسمع تعليمي ويعمل بمشيئة ابي السماوي هم ابي واختي وامي".
هكذا اذن تخلي يسوع عن اسرته حسب اللحم والدم وانشا اسرة جديدة.
وقد يظهر هذا القول صعبا وخاصة بالنسبة الى مريم. ولكنها كلمة انبثقت كومضة ضوء. حقا لابد ان تراعى حقوق اسرة ولكن فوق ذلك/ يوجد الاختيار الحر لقرابة الروح. يشعر يسوع بان ارتباكه بتلاميذه وبجميع الذين يثقون فيه ويصممون على الحياة حسب متطلبات ملكوت الله، اقوى من ارتباطه باقربائه وانسبائه. وهكذا اذن نلاحظ اننا نؤلف يسوع بتوجيه الروح والقلب هذا اكثر من مؤالفتنا اقرباءنا بالدم. ومريم نفسها اكثر الفة مع ابنها باتحاد الروح منها بكونها امه.
ان اسرة يسوع الجديدة هذه سوف تسمى الكنيسة. ولكن ما الذي يميزها ويفرق بينها وبين سائر اسر العالم؟ هي جماعة تلاميذ يعتبرون انفسهم اخوة واخوات ولكنهم لا يسمون احدا "ابا" او "معلما" الا الله وحده.

يسوع يختار التلاميذ

يسوع يختار التلاميذ
(مت10: 2-4)
بعد ليلة قضيت كلها في الصلاة لله، اختار يسوع 12 رسولا. الاربعة الصيادون وكذلك فيلبس وبرثلوماوس وهما صديقا الاوائل. ياتي بعد ذلك متى العشار وتوما وسمعان الغيور ويعقوب بن حلفى اصغر قامة من يعقوب الاول. وبهوذا المسمى تداوس واخيرا يهوذا الاسخريوطي.
الظاهر ان هؤلاء من الجليل ولكنهم من عقليات وبيئات مختلفة. حتى ومتعارضة. وازاء الوطنيين المتحمسين مثل الاربعة الصيادين وجد عدة غيورين: اعني الذين يؤيدون بعنف الاستقلال القومي، وبالتالي الجهاد بلا هوادة ضد قوى الاحتلال، وهما سمعان الغيور ويهوذا الاسخريوكي. وبالعكس ، كثيرون غيرهم كانوا متعاونين يؤيدون تفاهما مع الرومان، فيستغلون النظائك القائم في البلد، مثل متى العشار وربما يعقوب بن حلفى.. من جهة اخرى، نجد توما الذي ليس بمتهور، بل انه واقعي، يطالب دائما ببراهين وادلة حتى يؤمن. اخيرا، يهوذا، الكلقب بتداوس، ومعناه الشديد" تعبيرا عن انه رجل قوى من الناحية البدنية.
اذا كان من الواضح انه يوجد تناقضات في الاثنى عشر. لكن امرا واحدا كان مشتركا بينهم. امر جوهري ويفسر كل شئ: هو ثقتهم في يسوع. ويدل هذا بوضوح على ان تلاميذ يسوع، في اي مكان تلاقيهم، قد تكون طباعهم مختلفة، واصلهم وثقافتهم متنوعة، وقد يدافعون عن اختيارات سياسية، اقتصادية واجتماعية، بل الى حد ما دينية، متعارضة كل التعارض.. ومع ذلك يظلون متحدين ازاء الامر الاساسي اعني ثقتهم وايمانهم بشخص المسيح وحبه لهم.
لماذا عد 12؟ ان هذا العدد يعني الكثير في نظر يسوع. هو عدد اباء الشعب الذي اختاره الله لتبليغ رسالة دينية عظيمة في تاريخ العالم. فالجد يعقوب – اسرائيل – كان له 12 ابنا وهم رؤساء الاسباط. لكن هذا الشعب اخفق في رسالته حيث رفض يسوع كمرسل من الله. وبما ان الله لا يستغني عن شعب لاتمام رسالة الدينية في العالم، اختار يسوع 12 رجلا سوف يكونون اساس الشعب الجديد ودعامته "مبنيين على اساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية".

يسوع يشفي المرضى ويقيم الموتى


امراض وعاهات مختلفة
(مر5: 21-43)
سرعت ما راجت الاخبار عن رجوع يسوع الى كفر ناحوم وانتشرت سريعا/ وجمهور من الناس المتشوقين رؤيته وسماعه اجتمعوا عند البحر عندما نزل على الشاطئ المقابل.
وقد رحب به خصيصا احد رؤساء المجمع ويدعى يايرس وارتمى عند قدمبه والحّ في السؤال ليصاحبه الى ابنته ليشفيها.
هي ابنته الوحيدة فذهب يسوع معه. وتبعه جمع كثير يزحمه. وكانت هناك امراة تنزف دما منذ اثنتي عشرة عاما جاءت بين الجمع من خلف ولمست هدب رداء يسوع. منذ 12 عاما يعتري المسكينة نزيف يؤلمها كثيرا. عندما لمست رداء يسوع شفيت. جف سيل دمها واحست في جسمها انها برئت من علتها.
لكن لم تحصل هذه المعجزة في غفلة من يسوع. فليس يسوع الة معجزات. ولا يكفي لاحد ان يلمسه حتى يحصل تلقائيا على النعمة التي يرغب فيها. يعلم يسوع حق العلم من الذي لمسه، ومن هي هذه المراة التي تثق فيه كل هذه الثقة. وشعر تماما بالقوة التي خرجت منه: ولا شك انه رضى بذلك. لكنه لا يريد ان هذه المراة تتخيل ان احدا يمكنه ان يستخدمها هكذا ويفاجئه وان يمنح لثيابه قوة سحرية. لان هذه خرافة وليس ديانة على الاطلاق. يجب الرجوع الى الله الذي يسمح بالمعجزات ليس عن طريق الاشياء المادية. ولكن عن طريق الايمان.
يسوع يلتفت الى الوراء ويقول:
"من لمس ثيابي؟".
والسؤال الجدير الذي يدهش التلاميذ الذين يحيطون به:
"ترى الجمع يزحمك وتقول: من لمسني؟"
ولكنه يحاول ان يرى في الجمع التي لمسته. واذ المراة خافت واضطربت. فجاءت وسجدت له واعترفت بجسارتها. فقال لها يسوع:
"يا ابنتي. ابراتك ثقتك بي. فاذهبي بسلام وتعافي من علتك".ووقتئذ وصل اناس من بيت يايروس يحملون هذه الرسالة:
"سبق السيف العذل. ماتت ابنتك. فلا جدوى من ان تاتي بيسوع الى منزلك".
كل شئ قد انتهى!.. نتخيل حركة انهيار لدى يايروس ونفهم غمه الشديد، فهو الذي راى توا معجزة شفاء، وكان يامل ان يرى اكثر من هذا.. خاصة انه طالما توجد حياة يوجد امل. ولكن الان.. لم يتمكن من كبت حزنه: سينفجر بالبكاء.. لكن يسوع قال له:
"لا تقلق يا يروس.. احتفظ فقط بثقتك فيّ".
ولم يدع يسوع احدا يصحبه الا بطرس ويعقوب ويوحنا.
ولما وصلوا الى دار يايروس وقف امام مشهد النادبات فهو نشاز نغمات اناس يبكون ويعولون. فمن حضر جنازة شعبية في الشرق يدرك الفرق بين صخبها وبين الهدوء الصامت في مناطق اخرى من العالم.
قال لهم يسوع:
لماذا تضجون وتبكون؟ لم تمت الصبية لكنها نائمة.
فضحكوا منه وهزاوا به: انه اتى توا فكيف يمكنه ان يعرف؟ ..
ولكن يسوع لا يتظاهر بالقوة: بل يتكلم بجدية: هذه الصبية لم تمت. فد الموت مع يسوع حقيقته المخيفة واصبح نوما.
اقامها يسوع .. دهش الوالدان وظلا مسمرين في مكانهما. لكن يسوع امرهما "عليكما ان تطعكاها".
ثم اوصى الجميع مشددا عليهم بالا يعلم احد بما حدث.
عبثا! .. لعل اكثرهم سخرية من لحظة فضّلوا ان يفتر عزمهم ويقولوا انها كانت نائمة ليس الا، في حالة غيبوبة او اغماء عميق، بدلا من ان يؤمنوا. لا باس. فالاكيد ان يسوع قادر ان يعيد الحياة الى صبية كانت على وشك الدفن.