الاثنين، 9 يوليو 2018

يوميات الين -7


بمرور اﻻيام تلاشت غصة ابتعاد شاد عن الين، ودخله السرور مجددا. لقد عاد للبيت بعد طول غياب، واشتياقه لعائلته كان اكثر بكثير مما كان يعتقد. كان من المفيد له ايضا ان يعود للريف بعد سنتين من الانكباب على الدراسة. وكان من الجيد ان يعرف انه باهتمامه بالعناية بالمزرعة يساهم بذلك في تعافي اخيه سريعا.

لكن مع مشاعر الفرح بالعودة لعائلته، جاء لشاد غصة افقدته توازنه. اذ ان كثير من الاشياء في المزرعة ذكرته بابيه الذي كان يحبه كثيرا، والذي جمع بين عمله كطبيب الاهتمام بارواح الناس من خلال خدمته في الوعظ. انه كثيرا ما تحدث لابنيه عن ذلك بينما يجهد نفسه ما بين العمل في المزرعة وخدمة الناس.

ذات صباح بينما كان شاد يقود الجرار في الحقول، وكان تفكيره منشغلا بذكريات طفولته. تردد في عقله صوت ابيه وهو يقول له: "رجل لا يصلح ان يكون طبيبا للاجساد لا يمكن ان يكون طبيبا للارواح. لو انك عالجت الروح، لتعافي الجسد."


قال متفكرا في نفسه: "لو كان ابي ما يزال حيا لقال انني لا اصلح ان اكون طبيبا، اذ ان روحي بالتاكيد تحتاج بعض العلاج قبل ان اسدي خيرا لاي شخص اخر. لا يمكنني حتى ان اهتم بروح بـ .. بقرة! كل الناس هنا تعتقد انني طبيب ماهر. اه، لو يعلمون مقدار الاضطراب الذي اعانيه!"

ذات ليلة بدى بوب منزعجا. سأل شاد بتودد: "ما الخطب ايها الولد العجوز؟ هل يوجد شئ يمكن ان اساعد به؟"

اجاب بوب بحرص: "لا اعلم ان كنت تحب ان تعرف ما يكدرني؟"

"في حدود امكاناتي، اعدك مقدما".

ابتسم بوب وهو يرى القلق الذي ظهر على وجه شاد "حسنا، الامر بشأن مدارس الاحد التي شغلتني في الوقت الحاضر".

"انت طلبت ذلك، تذكر انك درّست لي فيما سبق".

"لقد وعدت – ووعد الحر دين عليه. لكن يؤسفني انني لا اعرف ان ابلي حسنا في التدريس الان"

"يجب ان تطلب العون من الله. لا يمكنني ان اشرح لك امور لا نتعلمها الا بالاختبار".

في نهاية تلك الليلة كانت رأس شاد منحنية فوق الانجيل يقرأ، لكن افكاره بشأن عدم كفاءته لم تفارقه. اخيرا قال في نفسه: "لا فائدة. لابد ان يبحث بوب عن شخص افضل مني".

في ظهر يوم الاحد اتت كوني الى شاد قائلة: "شاد، انا مشغولة في الاجتماع الليلة، كم اتمنى لو اخذت نحو 15 دقيقة لتخبرنا - كشاب قروي – عن طبيعة الخدمة في المدن الكبيرة، وايضا عن بعض الكنائس الكبيرة التي زرتها؟"

سأل شاد بسذاجة "تقولين، الخدمة؟"

قالت كوني في حماسة بالغة: "نعم، كلمنا عن خدمات الوعظ المشهورة، في المدينة. نحن نحب ان نسمع عن ذلك".

قال شاد بتأكيد: "لكني لم اشترك في اي خدمة من قبل. لقد استمتعنا حقا بخدمة مدرسة الاحد ونحن اطفال، كما تعلمين. الخدمة التي تقام في الكنائس الكبيرة تشبه الكنائس الصغيرة، في الواقع انا زرت القليل من الكنائس الكبيرة اثناء وجودي بالمدينة. و كان هذا منذ وقت طويل، ولا يمكن ان اصف ذلك بطريقة جيدة الان".

شعرت كوني بخيبة امل ولكنها في محاولة اخيرة قالت: "افترض انك كنت مشغولا اثناء اقامتك بالمدينة. ولكن لو كنت مكانك، لكنت قد خصصت وقتا لارى الخدمات التي يقيمها الناس هناك لمجد الرب".

صمت شاد بينما يقرا في احد الكتب التي تناولها من المنضدة. كانت ماري اكثر من التصق بشاد خلال ذلك اليوم، خصصت له من وقتها على قدر ما استطاعت، فبين القيام بواجباتها المنزلية، كانت فترات راقبته باهتمام كبير. حتى بينما هو يقرأ في الليل في المكتبة العائلية. جلست ماري بقربه ساكنة تماما في انتظار ان تعطيه قلما او اي شئ يطلبه.

في ذلك اليوم وقفت في الجرن تراقبه وهو يحلب. رفع شاد رأسه ليرى ملامح الانزعاج واضحة على وجهها. فسألها: "ما الامر كوني؟ هل القى العالم كل مشاكله فوق اكتافك الصغيرة؟"

اجابت بحدة وضيق: "يوجد شئ يضايقني. واريد من يساعدني".

اجاب على الفور: "افترضي انك اخبرتي اخاك. هيا اخبريني ما هو. هل هو بخصوص اختيار اسماء لقطيطاتك ام هل تلبسين دميتك ثوبا ورديا او ازرق، انا لست متاكدا انني يمكن ان اساعدك. لكني سوف احاول".

ابتسمت ماري: "انه ليس هذا. انت مرح جدا احيانا. يوجد شئ ما قال الراعي انني لا افهمه".

فارقت شاد ملامحه المرحة: " ماري، سوف اساعدك لو استطعت. لكني لا يمكنني ان اعمل شيئا ما لم تخبريني ما الذي يزعجك".

"حسنا، انا لا افهم على الاطلاق كيف يكون الله في السماء، وهو ايضا على الارض في شخص المسيح مثلما قال الانجيل. لو ان الله بكامله في المسيح، هل هو ترك السماء؟"

اجاب شاد: "يبدو اننا تحولنا الى علماء لاهوت".

"ماذا تقول؟"

"علماء لاهوت؟"

اومأ براسه ورمشت عيناه: "عالم اللاهوت يا اختي الصغيرة هو فرد كرس معظم وقته في تحصيل المعرفة الدينية: عن الله، والكتاب المقدس، والابدية، و ..".

اتسعت حدقتا عين ماري نم عن بساطتها وقالت في حماسة: "اوه، حسنا، ما الاجابة على سؤالي؟"

اجاب شاد على الفور: "لماذا لا تسالين الواعظ؟"

"اود ذلك لكني اخشى ان يؤذي ذلك مشاعره اذ يحسبني انني لم افهم عظته."

ابتسم شاد " انصحك ان تجربي بنفسك وتري ما يحدث. الناس الاكبر عمرا منك قد لا يفهمون دائما ما يقال".

"هل انت؟"

"ماذا ؟"

"دائما تفهم ما يتحدث عنه؟"

"لاخبرك الحقيقة، لا"

قالت ماري بنغمة خائبة الامل: "حسنا، كنت اعتقد انني تعلمت كل شئ في الكلية"

"عزيزتي، في الكلية لا يجد الاساتذة دائما الوقت ليعلموك عن كل شئ، لذا هم فقط يقولون الاشياء الهامة جدا" قال شاد بحرص.

"الله هو الاهم.. اقصد بالنسبة للاطباء. انت قلت ان ابي قال ان الله هو اهم شخص يجب على الاطباء ان يتعرفوا عليه".

قال شاد وهو ينهض "اختي الصغيرة، دعينا نذهب للحلب لنجلب بعض اللبن الطازج"

كل تلك الليلة قضاها شاد وهو يتخيل تلك العيون الزرقاء تنظر اليه في شغف وقور، وسمع صوت خافت يقول "الله هو الاهم".

في المساء بعد الانتهاء من العمل استقل شاد سيارته وانطلق الى المستشفى، وهناك اخبر بوب بكل اخبار المزرعة، وسأله النصح بخصوص امور متنوعة، وحاول ان يبتهج لكن روحه لم تسترح.

ذات ليلة لاحظ شاد وجه شاحبا، ويده ترتعش بينما ياخذ منه الجريدة اليومية التي احضرها. سأل شاد وهو يضع سلة من التفاح الصيفي الذي التقطه هذا اليوم.

"ما خطبك، ايها الرفيق العجوز؟ انك لا تبدو على ما يرام اليوم".

قال وقد بدى عليه القلق "اصغ يا شاد. ماذا لو ان هؤلاء الاطباء لم يخبروني الحقيقة؟ هذه القدم ينبغي ان تتعافى الان. ماذا لو انني لم امشي مرة اخرى؟ ماذا لو اصبحت عاجزا؟ هل اخبرك الاطباء بشئ تخفيه عني؟"

اجاب بابتسامة خفيفة "لا شئ اخفيه يا بوب. سوف تتعافي وتمشي ثانية بل وتقفز مثل حمل صغير في الربيع بعد اسابيع قليلة"

"ربما هم لم يخبروك اذن. كل يوم يأتوني بنفس الابتسامة. ولو انني مت سوف يكفنون جسدي وهم يقولون ببرود وجمود، استرح يا ستيوارت"

ابتسم شاد "حسنا ماذا تريدهم ان يفعلوا؟ يتنهدون بعمق ويخبروك في نغمة حزينة انه تم اختيارك مبكرا لوضعك فى القبر؟"

"لا، لكن – اوه – لو انهم فقط يخبروني بالحقيقة لشعرت بتحسن. انهم لا يخبروني اي شئ. فقط يبتسمون تلك الابتسامات الباهتة ودائما اشعر بأن لسان حالهم يقولون "ايها الرفيق المسكين! سوف لا تمشي مرة اخرى"

قال شاد بجدية "بوب، انك كنت بمفردك كثيرا جدا. الان لا يمكنك ان تفكر هكذا. صدقني انا متأكد مما اقول. هذه القدم سوف تساعدك في قيادة الجرار في غضون اسابيع قليلة من الان"

تناول بوب يد اخيه متوسلا "شاد، الن تصلي معي؟ لقد شعرت بافتقاد ابي طوال اليوم، وكنت افكر كيف اعتاد الصلاة معنا عندما كنا في مشاكل او ضيقات. الا تاخذ مكانه هذه الليلة؟"

كان شاد محرجا ومرتبكا. لم يدرك بوب بوضوح ان اخاه قد كبر بعيدا عن كثير من عادات العائلة وهواياتها، الان ينتظر متوقعا ان اخاه سيبدأ الصلاة. ركع بجوار الفراش وبدأ يصلي بصوت متهدج.

"ابانا السماوي، كن معنا هنا الليلة. ساعدنا ان نشعر اننا بقربك. لو اننا كبرنا بعيدا عنك ارجعنا اليك مرة اخرى. ابانا، من فضلك ساعد بوب ان يضع ثقته فيك، ان تجعله يتعافى واعطه القوة. و يا سيدنا الرب، اجعله يشفي عاجلا. سامحنا على خطايانا، نصلي في اسم يسوع امين"

جاء الصوت من الفراش "امين"

بينما ينهض شاد امكنه ان يرى ان عينى بوب المنزعجة كانت صافية الان. قبض على يده وقال بهدوء "سوف اراك غدا، ايها الرجل العجوز" وبسرعة غادر الحجرة، كانت مشاعره في اضطراب. لكن صلاته كانت مخلصة، ولو كان الله قد سمعها فسوف يقوده.

افضل وقت قضاه شاد في هذا الصيف هو الوقت الذي قضاه مع والدته. كانت السيدة ستيوارت مشغولة، بالعناية بهذا المنزل الكبير الذي يتألف من خمسة حجرات. كانت هناك امرأة تعمل في المطبخ، وكان هناك جون (الذي كان مريضا يوما) ولكنه الان عامل لا يستغنى عنه. كانت الام ستيوارت من الصباح حتى المساء، لكن بطريقة ما دبرت وقتا هادئا تتحدث مع شاد، ابنها في الايمان.

وخلال الاحاديث الهادئة بينهما كانت السيدة ستيوارت القلب الامين الذي اكتشف فيه شاد حالا الحب والرغبة المخلصة لادخال الفرح الى قلبه بالرجوع الى الرب بعدما شغله عمله في الجامعة عن علاقته بالرب يسوع المخلص الذي اشتراه بدمه. قضت الام ستيوارت اوقاتا كثيرة على ركبتيها تصلي لاجله بحرارة. والان علم شاد ان الرب ارسله ثانية اليها لكي يجدد خبرته الروحية، وليعطيه فرصة ان يكرس حياته لخدمة المسيح.

ذات ليلة شاد والسيدة ستيوارت سارا معا الي المقابر حيث يرقد جثمان ابيه. كانت المقابر تمثل بقعة صغيرة من الارض خلف الكنيسة. في احد اركان الحديقة كانت له جلسة مثمرة هادئة تحت شجرة صنوبر كبيرة، حيث وقف الى جوار الام ستيوارت ذات الشعر الشائب عند القبر. ويا لها من لحظات مهيبة! قرأ شاد الكتابة على شاهد القبر البسيط.

"عزيز في عيني الله موت قديسيه". صمت هنيهة ثم التفت اليها محدقا واردف "بالتأكيد احب الرب ابي جدا. كان ابي احد القديسين، اليس كذك؟ لا اعتقد اني سأقابل رجلا افضل منه".

"ابيك لم يكن اكثر قداسة منك يا ابني" كانت الاجابة الهادئة.

"انا؟ لماذا؟ انا لست قديسا على الاطلاق يا امي"

"ألست مسيحيا، يا شاد؟"

" بالطبع!"

"اي مسيحي حقيقي – هو ابن لله – هو قديس. لكن احيانا ننسى هذا. ابيك لم ينس ذلك يوما يا شاد. كل ساعة عاشها للرب تماما، مسلما حياته بكاملها له. وانتم ابناؤه لكم ميراث حسن في هذا"

تحشرج صوته كما لو كان تذكره لابيه قد جلب اليه شعور بالخسارة والفقدان. وضع يداه المرتعشتان على ركبتيه، فيما جلسا الاثنين صامتين لعدة دقائق. السيدة ستيوارت رفعت قلبها بصلوات لاجله قبل ان تتحدث اليه ثانية.

"كيف الحال معك يا ابني؟ انا كنت اراقبك طوال الصيف ولا اعتقد انك كنت مسرورا في حياتك المسيحية الجديدة. انا متاكدة من ايمانك، ولكنك فقدت فرحك في الرب منذ تركتنا للدراسة، هل انا محقة؟"

"ما الذي جعلك تقولين هذا؟"

"اوه، الامهات لهن اعين واذان وقلوب تشعر باي اضطراب ولو قليلا في حياة ابنائهم. ما الذي فصل بينك وبين الرب؟"

التقط شاد غصنا كبيرا وراح يقلّمه فيما جاءت اجابته ببطء.

"انا لا اعرف – بامانة انا لا اعرف، انا لا اعتقد انه يوجد اي شئ خطأ حتى ارجع للبيت. كل شئ يبدو الان انه يشير اليّ متهما. توجد اشياء كثيرة هنا تذكرني بما قاله ابي وتجعلني ادرك اكثر فاكثر كل يوم كيف انني بعيدا تماما عما ارادني ابي ان اكون. ثم طلب بوب مني ان اقوم بتدريس صف مدارس الاحد، واكتشفت كم كنت جاهلا اذ اصبح عقلي صدئا بسبب اهمالي دراسة الانجيل. وذات يوم حين طلب مني ان اصلي معه وجدت انني لم افرح بالصلاة مثلما كنت افعل فيما مضى. شعلت بالحرج حين طلب مني ان اشترك في الصلاة معه. اما كوني وماري فاحاديثما البريئة جعلتني اكتشف انني روحيا في القاع".

السيدة ستيوارت اضطرت ان تبتسم عند النهاية الطفولية لاعترافه، لكن ابتهج قلبها بسبب توبته. استمر شاد يقول بسرعة اكبر.

"لكن ما يزعجني انني لا اعرف كيف اصبحت هكذا. انا لا اعرف اين المشكلة. اعتدت ان احب انجيلي. اعتدت ان اصلي. انا احب ان يكون لي حياة مسيحية حقيقية مثلكم."

نظرت السيدة ستيوارت مباشرة الى تلك العينان الزرقاوين الحائرتين وقالت ببساطة "سلم حياتك للرب".

فكر شاد في هذا لدقيقة ثم استمر، "لا، لا اظن ان الامر هكذا. لقد سلمت حياتي للسيد المسيح. انا لا ادخن ولا اسكر، انا حتى لا ارقص ولا احضر عروض السينما مثل باقي زملائي. انا لا –"

"اصوم مرتين في الاسبوع، واعشر كل ما اقتنيه". ابتسمت، وابتسم شاد ايضا ابتسامة مغتصبة.

"لكن هل هو مضى الى بيته مبررا بسبب هذا؟"

"لا. اتذكر ذلك من دروس مدارس الاحد. الشخص الذي مضى مبررا هو الذي قال "اللهم ارحمني انا الخاطئ". لكنني فعلت هذا ايضا يا امي. انا لا اثق باعمالي انها كافية للخلاص، لكنني اطلب الغفران وابتعد عن الامور العالمية، لماذا اذا لا اجد الفرح الذي التمسه؟"

"الامور العالمية! يا له من مصطلح ملتبس يا بنيّ! معظم الناس يربطون بينه وبين المسرات ومتع العالم. لكنني دائما ما فكرت ان العمل والهموم والطموح يمكن ان تكون عالمية ايضا. اي شئ يربطنا بالارض ويبعدنا عن التصاقنا بالله هو شئ عالمي. هل يوجد شئ تضعه قبل الله في حياتك يا شاد؟"

"مممم – لا اعرف. عندما يبدأ شخص ما في وضع مثل هذا البرنامج الذي وضعته لحياتي يكون مضطرا ان يعطي كل وقته له.". ادركت السيدة ستيوارت ان شاد لمس سؤالها لكنه لم يضف جديدا. لذا فقد فتحت حقيبتها واخذت كتاب العهد الجديد. فتحته ووضعته في حجرها وقالت:

"اعتقد ان مفتاح حل الموقف كله يوجد في الاصحاح الثالث من رسالة بولس الرسول الى اهل كولوسي. انه يرسم صورة للمؤمنين الذين وجدوا سر الفرح الحقيقي. اصغ اليّ". وبدأت تقرأ "لو كنتم قد قمتم مع المسيح اطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الاب". هل انت تطلب ما فوق يا بنيّ؟ ام ان اهتماماتك متمركزة حول ما يعرضه لك العالم؟ انا متأكدة من انك لست مذنبا بارتكاب ما يسميه العالم الخطايا الكبيرة، لكن هل انت لست مقصرا في علاقتك بالله؟ اصغ مجددا.

"اهتموا بما فوق، لا بما على الارض". هل اعطيت الله قلبك ام ان عملك وشهوتك في تحقيق نجاحات ارضية تشغلك عن دعوتك الحقيقية؟ هل حياتك مخفية مع المسيح في الله؟

لم يستطع شاد ان يجيب. التفتت الام مرة اخرى الى الكتاب واقتبست العدد المشهور الذي يرسم صورة الوحدة المفرحة للمؤمنين مع المسيح، وسلام الله الممنوح للقلوب الملتصقة به. وعنما انتهت جلست في صمت تصلي. حدّق شاد في الحصى عند قدميه وقبضت يده بشدة على ساعة اليد التي اخرجها من جيبه. اخيرا قال بتردد، وكأنه بالكاد عرف كيف يعبر عن الافكار التي ازعجته.

"امي، المسيحي يجب ان يحب المسيح اكثر من اي شخص اخر، اليس كذلك؟"

"نعم، بنيّ"

"دائما ما كنت اعتقد انك احببت ابي بكل كيانك"

"نعم يا عزيزي. احببت ابيك كثيرا جدا حتى انني لم اعش عندما رحل كما كنت اعيش من قبل. لكنني احب يسوع اكثر من كل شخص. يوما ما سوف تفهم ما اعنيه. في الحقيقة، اعرف انني احببت ابيك اكثر لانني احببت الله. اننا نحب الناس بصورة افضل من خلال محبتنا لله".

ظل شاد صامتا وتكلمت السيدة مرة اخرى.

"هل يوجد شخص تحبه يا بنيّ اكثر من محبتك لله؟"

تحشرج صوت شاد وهو يجيب. "نعم، سوف اخبرك كل شئ عنها يوما ما عندما اريك صورتها. لا اريدك ان تظني انها تفصل بيني وبين الرب يا امي، لان الامر ليس كذلك. انها جميلة وطيبة، واعرف انني احيا بطريقة افضل منذ احببتها".

"اعرف انها جميلة وطيبة والا لما كان ولدي يحبها. لكنها لا يجب ان تأتي في حياتك قبل الرب. تعال الان، اننا نتاخر. لابد ان نعود للبيت".

سارا معا الى المزرعة صامتين. فوقهما كانت السماء صافية مليئة بالنجوم في شهر اغسطس. وعندما تطلع شاد كانت النجوم تبدو اقرب اليه من حبيبته الين. لقد اشتاق الى وجودها معه في تلك اللحظات بشدة. قلبه حثه لأن يلتصق بالرب حتى يمكنه ان يساعد الين عندما يلتقيها مرة اخرى.

اشتاقت السيدة ستيوارت الى ان تساعد ابنها الذي بدى انه اقترب منها جدا، لكنه كانت قد تعلمت من خلال خبرتها في الحياة ان تصلي اكثر مما تتحدث. لذا فانهما سارا معا وعبرا الجسر وصولا الى التل ومرورا بالطريق المتربة وعبرا المرج الندي. وعندما همّ شاد بالدخول الى غرفته وضعت يدها على ذراعه وقالت "هل يمكنك ان تفعل شيئا لاجلي يا شاد؟"

"ما هو يا امي"

"اقرا الاصحاح الثالث من كولوسي مرة اخرى وصل قبل ذهابك للنوم"

شاد ضغط على ذراعها "هذا ما كنت سوف افعله" ثم دلف لداخل غرفته واغلق الباب.

بعد عدة ساعات استيقظت السيدة ستيوارت ولاحظت شعاع من ضوء ينفذ من اسفل باب غرفة شاد. ظنت انه نام ونسى ان يطفئ النور، فعبرت الردهة وطرقت باب غرفته بلطف غير متوقعة ان تسمع ردا. ولكن لدهشتها سمعت صوتا يدعوها للدخول. دخلت لتجد شاد ينهض للتو من الجثو على ركبتيه، الانجيل مفتوحا على الفراش و عيناه مملؤتان بالدموع. وفي صوت متهدج قال "سأنام حالا يا امي. لا بأس. انا بخير. لقد اختبرت حلاوة الرب".

لم يفارق شاد التفكير في الين منذ تركها، وهو لم يحتاج الى صورة لها لكي يتذكرها. انه اشتاق ان يشاركها خبرته الروحية الجديدة من الحياة مع المسيح. ظل يفكر بها ويصلي لاجلها يوما بعد يوم. لم يكن متأكدا من انها عرفت الرب يسوع كمخلص لها. في الحقيقة هو يعرف انها نشأت في بيئة متدينة، لكنها عرف ايضا من خلال احاديثه معها انها لم تختبر الحياة الحقيقية مع الله. ادرك بوضوح، كما لم يدرك من قبل، كيف انهما وضع انفسهما في موقف معقد بالقرار الذي اتخذاه. لكن بكون الين مسيحية، وكونه اختبر الحياة مع الرب، فان مشكلتهما وضعت في يد الرب، وما عليهما سوى الانتظار حتى يتزوجا في الوقت المناسب. لم يلم شاد الين انها لم تعرف الرب. يكفي انه هو عرفه. ويجب عليه ان يتبع سيده اولا، يجب ان يتبعه حتى لو بدت الطريق غير واضحة مقارنة بطريق الين الاكثر اقناعا. واذ كان يحب الين كثيرا و خالجته ذكريات الايام الحلوة التي قضاها معها خلال اشهر الربيع، تمنى بكل قلبه ان يربحها للمسيح.

لقد خطى الخطوة بالفعل لتحقيق ذلك. انه احبها اكثر من ذي قبل. صلى باتضاع وايمان لاجل خلاصها. فكر مليا في اتمام سر الزيجة واشتاق ان يخبر امه ويطلب مساعدتها. لكن كان هذا سر الين وسره هو ايضا. وشعر بأنه يجب عليه الانتظار حتى تلحق به في افشاء هذا السر. عرف انه لن تفعل ذلك ما لم تر الامر في نور جديد. وهذا النور فقط يأتي ممن قيل عنه انه "نور العالم". لذلك فقد صلى منتظرا.