هو واحد من اعظم القادة الدينيين الذين كانوا فرسان العصور الوسطي في عالم المعرفة الروحية، ولد في مدينة اسيس (أسيسي أو أسيزي) في عام 1182 وكان أبوه واحد من كبار تجار المنسوجات، في منطقه وسط إيطاليا وكانت أمه فرنسية اخذ عنها حب الموسيقي والفناء، وعلي الأخص أناشيد الفروسية التي كان بتغني بها الشعراء المتجولون كان اسمه الأصلي يوحنا برنادون، أطلق عليه اسم فرانز ومعناه الرجل الفرنسي ربما لتعاطفه مع الجنس الفرنسي أو حبه للروايات الفرنسية.
وقد اشتهر في أول عهده بالإسراف في أنفاق المال ومنافسة أبناء النبلاء في الاناقه وحب الملبس الفاخر لكنه منذ البداية كان محباً للفقراء والمساكين ويمكن انه كان ذات يوم مشغولاً ببيع المنسوجات لاحد تجار المدينة فمر به شحاذ يطلب إحسانا فلما فرغ من البيع كان الشحاذ قد مضي وتركة فما كان من فرانز ألا انه ترك تجارته وبضاعته وراح يركض في الطرقات بحثاً عن هذا الشحاذ وما أن وجده حتى أعطاه مالاً كثيراً ولما كبر فرانز (فرنسيس) انخرط في سلك الجيش وانضم الي جماعات المحاربين الذين كانوا منتشرين في مدينه اسيسي فكان أشجع فرسان عصره.
وفي شبابه أصيب بمرض شديد وبينما هو يتألم في فراشة سرح بفكره في السيد المسيح وانتابه نشاط ديني جعله ينشغل بالله ويتجه الي إظهار نشاط كبير في خدمه المحتاجين وبدلا من الاتجاه الي أشبه ميوله نحو الفروسية وجه كل اهتمامه نحو المنبوذين والبؤساء وبالأخص المصابين بالبرص عندما كان الناس يأنفون منهم. ويقال لن كان ذات مرة يمتطي جواده واثناء مروره في أحد الشوارع قابل آنسانا ابرصا، ففكر في أن يرجع من الطريق الأخر ولا يري الإنسان، ألا انه عاد الي نفسه ليقاوم هذا ألا حساس وقفز بحصانه الي الإمام وما أن اقترب من هذا الأبرص حتى نزل من ظهر حصانه وركض نحو الرجل وقدم له شيئاً من المال ولكنه أحس بأنه لم يفعل شيئاً يستحق الذكر فعاد الي الرجل واحتضنه وقبله.
وذهب بعد ذلك الي مستشفي للبرص في اسيسي واشترك في إسعاف نزلائها وتعامل معهم لامراض يأنف منهم الناس ولكن كاخوة في المسيح وكان غريباً في تلك الأيام، يهتم الناس بالبرص أو يظهروا لهم الحنان.
كذلك اظهر فرانسز اهتماماً عظيماً بتعمير بعض الكنائس القديمة المهدمة والمهجورة وهو بهذه الإعمال كان يعبر عما يعتمل في نفسه من شوق غامر ورغبه عارمة في خدمه الله.
وقد غضب عليه أبوه وحاول، يمنعه من هذه الخدمه التي كان قد كرس نفسه لها ولكنه فشل في منعه واستمر في خدمته فاعتبره أبوه عاقا أو أصابه مس من الجنون.
ولكن فرانسز أعلن هذه في مال أبيه وممتلكاته وراح يجول العالم كرجل فقير. توجه بعد ذلك الي إحدى الكنائس وفي أثناء خدمته سمع الكاهن يردد الجزء من الإصحاح العاشر من بشارة القديس متي البشير والخاص بإرسال يسوع تلاميذه الي العالم لكي يكرزوا ببشارة الملكوت فاعتبرها فرانسز دعوه خاصة موجهه إليه من الرب رأسا فأطاعها في الحال.
ومع انه كان علمانياُ ألا انه راح يعظ في المدينة بطريقه فعاله ومؤثرة لانه كان يقدم للناس المسيحية في بساطتها وكان الفعل الأكبر في تأثيره علي سامعيه راجعاً الي إخلاصه ومحبته ليسوع خاصة عندما رآه الناس وقد تخلي عن كل اراداته وامواله ومقتنياته وملابسه الانيقه الفاخرة، حتى أصدقاءه هجرهم وراح يتجول مرتدياً جلبابا ً من الصوف الأحمر وحول حقويه منطقه من جلد ورغم هذا الحرمان الذي فرضه علي نفسه لم ينقصه شئ من فرحه وغبطته وخفه روحه هذه الخصال كلها جذبت الناس إليه والي طريقته في خدمه السيد المسيح.
خدماته الكثيرة:
انضم إلية اثنان من آهل بلدته وبعد فترة قصيرة التف حوله عدد من الشبان الذين تنافسوا علي الخدمه ومعرفه الرب يسوع وكان أحدهم تاجراً باع كل ما يملك أعطاه للفقراء واختار أن يحيا حياة الفقر الاختياري، التي فرضها فرانسز علي نفسه وبعد ذلك راح يفكر في تكوين أخوية يحيا أفرادها معا ويكرسون ذواتهم لخدمه أخواتهم في الإنسانية باسم المسيح. وقد بدأ تكوين الاخوية الفرنسيسكانية في عام 1209 أو 1210 بعد، حصل فرانسز من البابا انوسنت الثالث علي موافقته المبدأية علي نظام جماعته.
ومنذ البداية أعلن فرانسز لاتباعه انه لا يريدهم ان يعتزلوا في الدير، ولا ان يركزوا اهتمامهم علي خلاص أنفسهم فقط، ولكن عليهم أن يذيعوا بين الناس محبه المسيح. راح افراد الاخوية يتجولون من قريه إلى أخرى، ومن مدينه إلى مدينه يذيعون الأنباء السارة (الإنجيل) بين الناس مقتدين بسيدهم الذي كان يجول يصنع خيراً، فخدموا الفلاحين في قراهم، والتجار في ساحات أسواقهم، وسكان المدن في مجتمعاتهم، ووجهوا عناية خاصة للمرضي بالبرص.
لم يكن مصرحاً للراهب الفرنسيسكاني أن يمتلك اكثر من عباءة ورداء وكتاب مقدس وقلايه في دير، وكانوا يكرهون المال كراهية شديدة، ربما كان ذلك بسبب الضربة القاصمة التي أصابت رجال الدين في تلك الأيام، وكرد فعل لها. ويحكي ان واحداً من هؤلاء الرهبان انه جاء مرة ومعه قطعه من النقود فما ان رآها القديس فرانسز معه حتى أخذها منه، وبعد أن نظر أليها بازدراء القي بها في روث البهائم.
لم يكن مصرحاً للراهب الفرنسيسكاني أن يمتلك اكثر من عباءة ورداء وكتاب مقدس وقلايه في دير، وكانوا يكرهون المال كراهية شديدة، ربما كان ذلك بسبب الضربة القاصمة التي أصابت رجال الدين في تلك الأيام، وكرد فعل لها. ويحكي ان واحداً من هؤلاء الرهبان انه جاء مرة ومعه قطعه من النقود فما ان رآها القديس فرانسز معه حتى أخذها منه، وبعد أن نظر أليها بازدراء القي بها في روث البهائم.
كان فرانسز ورفاقه يسيرون جماعة معاً، مهللين مترنمين بمحبة الله، فكانوا يجذبون الناس إليهم، وعرفوا بين الناس برجال الله الفرحين، وقد استمدوا هذا الفرح من رئيسهم الذي كان دائماً هكذا.
في ذلك الوقت كان المسيحيون منشغلين بالحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي، بسبب وضع المسلمون ايديهم علي الأماكن المقدسة المسيحية، وفي غمرة هذا النزاع نسي المسيحيون واجبات الكنيسة، كما نسوا أن المسيح يحب ولا يكره، بينما لجاوأ هم إلى الاقتتال!لكن فرانسز نادي بوسيلة أخرى غير هذه، وغامر بالوقوف في وجه هذا التيار الجارف، وكان يقول: "ماذا نجني من وراء قهر السلطان؟ ولماذا لا نكسبه بالمحبة بدلاً من القتال؟"
وفي عام 1218 أبحر مع جماعة من رفاقه حاملين دعوة الحب والسلام، فنزل إلى مصر وانضم إلى جيش الصليبيين، وكانوا يومئذ في حملتهم الخامسة وذات يوم تسلل خفية إلى معسكر المسلمين هو وأخ أخر له، وكان الاثنان يعلمان تماما مدي خطورة هذه المغامرة، لكنهما تشجعاً وتقدماً في هدوء، وفي أثناء سيرهما كانا يرددان كلمات المزمور الثالث والعشرين " الرب راعي فلا يعوزني شئ..." وفجأة وقعا في اسر العرب، فقيدوهما بغلظة، واوقفوهما أمام ضابط الجيش بدعوى انهما جاسوسين، وباستجوابهما أجاب فرانسز: "لم يرسلنا أحد من البشر، لكن الله هو الذي أرسلنا لكي نحمل إليكم رسالة محبة بدل هذه الحرب التي يشنها عليكم بنو قومنا".
فتفرس فيهم السلطان مبهوتا، واستمع إلى أقواله باحترام وانتباه، كما اعجب بشجاعته وغيرته ومغامرته في التسلل إلى معسكرات أعدائه، واستبقاه أياما في ضيافته، واحسن معاملته، وبعد أحاديث طويلة دارت بينه وبين السلطان، عاد فرانسز مشيعاً بالحفاوة والإكرام بعد ما اظهره للامير العربي جانباً من جوانب محبة المسيح، محبة طغت علي مظاهر القتال العنيف الذي كان محتدماً آنذاك بين المسيحية والإسلام.
انتشار النظام الفرنسيسكانى:
سرعان ما انتشر النظام الفرنسيكاني أو (الاخوة الأصاغر)، إذ حذا حذو فرانسز كثيرون من أغنياء التجار، وعاشوا حياه الزهد والتقشف، وقضوا أوقاتهم في الصلاة والتعبد والخدمة، والعناية بالمرضي وبخاصه البرص، واشتغلوا بأيديهم في الحقول والمزارع لكسب قوتهم بعرق جبينهم، وعندما كانوا لا يجدون عملاً كانوا يشحذون، ومن ثم سموا بـ "الرهبان الشحاذون".
وعندما انعقد مؤتمرهم السنوي سنه 1217م، كانت لهم فروع في ألمانيا وهنغاريا وأسبانيا، وبدأ يرسلون الإرساليات والبعثات التبشيرية إلى المناطق الوثنية، غير مبالين بما ينتظرهم هناك من أخطار، الأمر الذي أدي إلى اعتراض أحد الكرادلة علي هذا النوع من الخدمة، فقال له فرانسز " أتظن، الله قد سمح بقيام هذا النظام من اجل الخدمه في بلادنا فقط؟ الله قد دعانا للخدمة بين الناس من جميع الأجناس لأنها من حياتهم الروحية وقيادتهم إلى الخلاص."
وفي عام 1220م بعدما عاد فرانسز الاسيس من رحلته التي قام بها إلى الشرق، ألمه كثيراً ان يري المسؤولون عن الكنيسة الذين أوكل إليهم أمر الأشراف علي الاخوية، قد ابتعدوا بالنظام عن دعوته الأصلية، فقد كان فرانسيس يدعو اتباعه إلى التجرد الكامل وعدم امتلاك شيء ما، كما انه كان يري ان الأديرة التابعة لنظامه يجب ان تتميز عن غيرها من الأديرة التي كانت منتشرة في ذلك العهد، والتي كانت تملك إقطاعيات واسعة، فهو كان يري في حياته وحياة تابعيه حياة السيد المسيح الذي لم يكن له أين يسند رأسه وكان مقتنعا تماما بان عدم امتلاك شيء من حطام الدنيا، هو السبيل إلى التحرر من هموم العالم لانه لا يستطيع إنسان ان يخدم سيدين. لقد رأي فرانسيس عند عودته بعضاً من أخوته بدأ يمتلك بعض المقتنيات، كما أحس انه لم يعد في مقدوره الاستمرار في الإشراف علي هذا النظام، وربما يكون قد اقتنع كذلك بان الرهبان لا يستطيعون ان يدبروا أمر أنفسهم بأنفسهم، خاصة وان أعدادهم كانت قد زادت زيادة كبيرة، فطلب من البابا ان يتولي الأشراف علي النظام الفرنسيسكاني كله، واستعفي هو من ادارته.
وشيئاً فشيئاً عاد هذا النظام كغيره من الانظمه الرهبانية الأخرى إلى الضعف ومات فرانسز الاسيس St. Francis of Assisi وهو في الخامسة والأربعين من عمره بعد ان حاز شهره كبيرة.
اثار الفرنسيسكان فى تلك الفترة:
لعب الفرانسيسكان دواراً كبيراً في نشر العلم، فحيثما ذهبوا انشأوا المدارس واهتموا بالتعليم. ومن الانتقادات التي وجهت إليهم انهم بدلا من تخريج صفوف من علماء الكتاب المقدس والقادة الدنيين، وجهوا جهودهم كلها إلى إنشاء المدارس ونشر العلم. إلا وان هؤلاء النقاد فاتهم ان نشر العلم بين الناس خدمة يدخل الدين من خلالها.
نجح الفرنسيسكان كذلك في نشر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية في بلاد الشرق، وذلك عندما نجحت إحدى الحملات الصليبية في إقامة مملكه لاتينية وبطريركية لاتينية. كما لعبوا دوراً أيضا عندما اكتسح التتار أقطار أوروبا، فحصلوا من المغول علي تصريح بتقديم خدماتهم بين الناس. وحيثما مارس الفرنسيسكان خدماتهم، كانت هذه الخدمات تؤدي إلى إنعاش الحياة الدينية بين الناس، لهذا تعددت طلبات أر سال بعوث إليهم لتقديم رسالة الإنجيل وخدمات المحبة. وقد عاصر ظهور الفرنسيسكان ظهور النظام الدومنيكاني، وقد تأثر كل من النظامين بالأخر، واظهر كل منهما غيره عظيمة في تقديم المواعظ للناس. ومما هو جدير بالذكر ان الفرنسيسكان والدومينيكان لعبوا دوراً كبيراً في مساندة البابا ومعاونته وتحقيق الصورة التي طالما راودت خيال البابا انوسنت الثالث.
ومن الفرنسيسكان ذهب مرسلون كثيرون إلى إنحاء العالم ومازال نشاطهم واضحا في العالم كله.