الاجتماع الرسولي
مرقس: اني اذكر اشياءا كثيرة رواها لي بطرس عن تلك الايام. واليك بعض مذكرات - كتبها باللغة العامية تلميذ متقدم – يا لوقا. انها مكتوبة بلغتنا اليهودية التي يسمونها الارامية، وهذه اقدر ان اترجمها لك.
لوقا: الا يحسن ان نتريث حتى نستجمع معلومات اوفى؟ فقد يجئ احد التلاميذ بعد قليل وينبئنا عن تقدم الانجيل في الاسكندرية. وقد يعود الينا توما بعد سنوات من تبشيره فى بلاد الهند، ذلك الطرف الشرقي من العالم.
بولس: لا. فان الوقت لا يسمح بالتأجيل. وها نحن كلنا معا: مرقس وانا وانت. وعما قليل ستفرق بيننا البحار العظيمة او مجرى الموت الضيق. فلنعمل ما دام العمل ممكنا. وليس في الامكان كتابة تاريخ كامل. ولقد صدق الاخ يوحنا حين قال، يوم الححنا عليه لوضع تاريخ شامل لاعمال ربنا في فلسطين وحدها، ان مكاتب اثينا والاسكندرية، بل العالم كله، لن تسع الكتبب التي تستوعب هذه الاعمال. اما السفر الذي نتوخاه فهو سجل لبعض عظائم الله، لكي يعلم العالم كله ان يسوع المسيح الذي قام وصعد الى السماء معنا، وان موعد الروح المرتقب قد اكمل.
(يدخل ثاؤفيلوس،وهو فارس روماني)
ثاؤفيلس: السلام لكم!
بولس: ولك السلام!
ثاؤفيلس: اانت بولس المعلم اليهودي؟
بولس: انا يهودي ما زلت، ولكني الان اكثر من يهودي. انا لليهود يهودي، ولليونان يوناني وللرومان روماني، ولكل الناس اخ، وفوق كل هذا انا عبد لله ولربنا يسوع المسيح. نعم، انا بولس. ومن انت؟ وما شأن فارس روماني ان يجئ لزيارة سجين رهن المحاكمة؟
ثاؤفيلس: اسمي ثاؤفيلس، ومعناه حبيب الله، وان يكن الاصح ان اقول حبيب الالهة، الى عهد قريب. لاني الان فقط بدأت اعرف شيئا عن الاله الحق. سمعت عنك لاول مرة عن طريق سينكا الفيلسوف الرواقي – الذي وقفت انت امام اخيه غاليون – في كورنثوس، والذي حكم ببرائتك من التهم التي اقامها عليك اليهود بنو جلدتك. وقد سمعت خلال هذه الاسابيع الثلاثة الاخيرة عن تعليمك وعن المسيح الذي تنادي به – من عبدي، وهو غلام يهودي. وقد عرفت عن احوالك وعن محنتك الحاضرة. فحدثني عن نفسك وعن تعليمك.
بولس: اما عن نفسي فليس لديّ الا القليل، لان محاكمتي كادت تنتهي، وغدا اطلاق سراحي وشيكا. اما دينونة العالم فاتية لا ريب، لان الله قد عيّن يوما فيه يدين العالم بالبر ممن رسمه لذلك، يسوع المسيح.
لوقا: ايها العظيم ثاؤفيلس: لقد هيأ لي الله ان اكتب في كلمات قليلة سيرة حياة ربنا يسوع المسيح، وهاك نسخة جديدة مخطوطة على الرق بخط جميل. فاذا ارتضيت ان تقبلها، امكنك ان تعرف صحة الكلام الذي علمت به.
ثاؤفيلس: اني لا اقبل الهدية مغتبطا فحسب، بل لسوف آمر كاتبي ان يكتب اثنتي عشرة نسخة من هذا الكتاب، لكي يتعلم الاخرون هذه الامور.
لوقا: ويجول بخاطري ان اكتب سفرا اخر اروي فيه بعض الاعمال العجيبة التي يجريها الان روح المسيح، مذ ارتفع من وسطنا.
ثاؤفيلس: وهذا ايضا ارجو ان تعطيني اياه لكي آمر بكتابة صور منه. لان هذا التعليم الجديد يمس قلبي حقا اكثر من فلسفاتنا، ويتحدث عن اسرار اعجب واروع من الاديان والعبادات الشرقية التي وفدت الينا. لا استطيع البقاء طويلا الان. الوداع!
لوقا: الوداع ايها العظيم ثاؤفيلس؟
بولس: نعمة ربنا يسوع المسيح معك، يا بني.
مرقس: غني سيدخل ملكوت السموات! حقا ارسله الرب لكي يستخدمه لامتداد رسالة الانجيل.
لوقا: والان هيا للعمل! لنجمع في غير وناء الخيوط التي يحاك بها الثوب. ويجب ان ابدأ اولا بصعود الرب، ولقد المحت اليه تلميحا في كتابي الاول، ولكن ههنا يجب ان ابين بايضاح ان ذلك اليوم كان اخر العهد في ظهور ربنا.
بولس: نعم، اخر العهد في ظهوره بالجسد، على انه لم يكن الظهور الاخير، لاني انا قد رأيته حقا، ويراه اليوم كثيرون باعين الايمان.
مرقس: وانت تذكر قوله انه سيعود في سحاب السماء. وهو قد انطلق فوق متن السحاب، وروى لي بطرس ان الملائكة وقفت حوله عند صعوده وانبأت بعودته فوق السحاب.
لوقا: كم كان عدد التلاميذ في تلك الايام؟
بولس: كان على رأسهم الاحد عشر، واخوة الرب الذين امنوا به حينما رأوه على الصليب (كما روى يعقوب).
لوقا: انا اعلم ان الام المباركة والنسوة الاخريات كن في زمرة التلاميذ ولكن كم كان عدد التلاميذ جملة واحدة.
بولس: ليس من الهين معرفة هذا، فان احدا لم يكن يعلم من كان اتباعه. ولقد ظهر لاكثر من خمسمائة مرة واحدة. ولكن العلية التي كانوا يجتمعون فيها – وقد رأيتها بعيني – لم تكن تسع اكثر من ستين.
لوقا: وما الذي حدث ليهوذا الاسخريوطي؟
مرقس: قال بعضهم انه قد شنق نفسه مسوقا الى ذلك بتأنيب الضمير. ولكن هذا الكتيب المكتوب باللغة الارامية يقول انه اشترى حقلا بالثلاثين من الفضة وان زيارته الاولى لهذا الحقل الذي اشتراه بمال السوء كانت شؤما عليه، اشبه بزيارة اخاب لحقل نابوت اليزرعيلي، ذلك انه سقط على صخرة وتهشمت اضلاعه ومات. والذي اعرفه عن يقين هو ما قاله لي بطرس من ان الروح القدس اختار متياس ليشغل مكان يهوذا.
ارسترخس: الروح القدس! هذا حق، فلقد شهدت كل شئ بيني، ولم اكن قد امنت بعد في تلك السنة التي قمت فيها بالحج الى اورشليم. كنت واقفا في الطريق الغاص بالناس، واذا التلاميذ يخرجون مهرولين من دارهم. وفي حياتي ما شهدت قوما ادركهم مثل هذا الحماس. سمعتهم يصيحون "روح الرب قد جاء بنار وعاصفة كما في القديم". ثم تدفقت من افواههم سيول من الالفاظ، ولم اعرف ماذا كانوا يقولون، ولا باي لغة يتكلمون، لاني اعرف اليونانية فقط وبعض الارامية. ولكن كان هناك حشد من الفرجيون وبابليون وبشر من كل الاجناس، ورأيت الكثيرون يتهللون غبطة، كانهم يفهمون ما يسمعون، ولابد ان الكلام كان بلغتهم. وظن بعضنا انهم ثملون، وهذا ما ظننته انا نفسي. ولكن حين اذكر كيف دب الحماس في قلوب الجمع الحاشد، اجزم الان انهم كانوا يسبحون الله بكل لغات العالم. ثم وقف بطرس والقى خطابا بالارامية، بنبرات جليلية قوية بحيث لم استطع انا فهم كلامه كله. وقد سطع على وجهه نور وهاج، وددت لو فهمت كل ما قاله. على انني فهمت انه اذاع نبأ قيامة المسيح من الاموات، وان الروح القدس قد جاء كما سبق وانبأ النبي يؤئيل. وبعد ان فرغ من كلامه تعمّد الجمع من هنا ومن هناك. اما انا فما كنت قد اقتنعت بعد، ولم اسمع شيئا بعد ذلك عن الانجيل الى ان قدم بولس الى تسالونيكي.
لوقا: قد روى لي مناسون القبرسي القصة التي رويتها انت الان. وقد كان هناك في ذلك اليوم، وكان بين الذين تعمدوا، وقدر الذين تعمدوا يومئذ بنحو 3 الاف.
بولس: اندرونكوس ويونياس كانا عناك ايضا، وتعمدا بعد ذلك باسابيع قلائل.
لوقا: سمعت من كثيرين عن تلك الايام الاولى. وقالوا ان المدهش لم يكن في عدد المتنصرين بقدر ما كان في الفتهم ووحدتهم. فقبل ايام كانوا يهودا في بلدان كثيرة وطوائف مختلفة يتشاحنون فيما بينهم، اما الان فقد جمعت بينهم الفة عجيبة، وتبعوا كلهم تعليم الرسل، فكانوا بنفس واحدة في الصلوات اليومية، وكانوا يجتمعون في اليوم الاول من كل اسبوع حيثما استطاعوا للعبادة وكسر الخبز. وامتدت شركتهم فترة من الزمن الى اموالهم ومقتنياتهم، فكانت كل مواردهم مشتركة ينتفع بها الكل.
مرقس: هذا حق، فان خالي برنابا باع كل املاكه، ووضع الناتج منها تحت تصرف التلاميذ. ولكن قيل بعد ذلك ان واحدا او اثنين من التلاميذ تظاهرا بهذا التصرف، وعمدا الى الخديعة والغش ، فحل بهما القصاص الرهيب. واستطيع ان ازودك بالبيانات من هذا الكتاب الارامي اذا شئت. ويخيل الي ان ذلك كان له اثر عظيم في نفوس المسيحيين باورشليم، وقال بطرس ان خيانة عهد الشركة خطية مميتة رهيبة اشبه بالتجديف على الروح القدس.
لوقا: وهل حسب بطرس موت ذينك الخاطئين معجزة جرت على يده؟
مرقس: كلا، بل حسبه دينونة من الله. على انه اجرى معجزات، فمرة اعاد هو ويوحنا الحياة الى عضو مشلول في رجل اعرج. وهيأت هذه المعجزة فرصة ذهبية لبطرس،فنادى باسم المسيح ، وشرح الامه وموته كأنها تكميل لنبوات اشعياء عن عبد الرب. فاثار هذا سخط رؤساء اليهود، لان عليهم القيت الجريرة في الام عبد الرب البار. على انهم لم يستطيعوا الحاق الاذى ببطرس ويوحنا بعد ان رأى الناس المعجزة التي اجرياها. فعمدوا اولا الى تهديدهما، وبعد ان قاما بمعجزات اخرى اودعوهما السجن. وفي الليل هبط ملاك الرب من السماء واطلق سراحهما. وفي اليوم التالي رآهما الناس يناديان كعادتهما. ولهذا فزعت السلطات كل الفزع، وخشى الرؤساء ان يفضح الله مستور اعمالهم السيئة ويحل بهم العقاب المحتوم. وبلغ بهم الجزع حدا عملهم على التفكير في اعدام بطرس وبعض التلاميذ الاخرين بدون محاكمة، ولم يحل بينهم وبين تنفيذ هذه النية السوداء غير تدخل الحبر غمالائيل.
بولس: كان معلمي الوقور ، الحبر غمالائيل، رجلا صالحا، وكان سؤال قلبي وتوسلاتي الى الله ان يخلص. لاني اشهد له انه كان غيورا فيما لله، ولكن ليس حسب المعرفة.
لوقا: وحوالي هذا الوقت ظهرت بوادر الانشقاق حين شكا نفر من اليهود اليونانيين بان اراملهم الفقيرات لا ينلن نصيبهن العادل من الاحسان. ولكن الشعور بالشركة والائتلاف كان قويا بحيث اضطرت الجماعة الى تعيين سبعة رجال لتدبير الامر، وكانوا كلهم من اليهود. هذا سمعته من فيلبس احد السبعة شماسة، واحدهم ايضا استفانوس الشهيد الاول.
بولس: نعم استفانوس الشهيد الاول. سأروي كل شئ عنه. وعليك ان تكتب قصته بالتفصيل لاني انا اشتركت في رجمه. وقد قمت بحراسة ثياب راجميه. وكان قد حاججنا في المجمع. فلما افحمنا بادلته الدامغة وقهرنا بحججه القوية صممنا على قتله. وما ازال حتى اليوم اذكر كلماته النارية التي شرح بها كيف ان الناموس والانبياء اكملوا في المسيح. وكان وجهه المحتد الصارم القاسم، والذي يشع منه النور والهدوء والسلام اشبه بوجه ملاك. اما كلماته الاخيرة فكانت صلاة طلب فيها المغفرة لنا نحن قاتليه. وقد استجاب الله لهذه الصلاة، على الاقل بالنسبة لي. كنت يومئذ كالذئب يطارد الخراف المفزوعة، فهرب الجمع من اورشليم ما عدا الرسل الذين ايقنوا اننا نخشى المساس بهم. لان الملاك كان قد انقذهم من قبل. ونحن عرفنا في دخائل انفسنا انهم تحت حماية الله، لا يمسهم ضر ولا هم يرهبون.
لوقا: واني لاذكر ما رواه لي فيلبس من انه بدأ يبث الدعوة بسبب هذا الاضطهاد. فنزل الى السامرة ولقى هناك توفيقا حمله على ان يطلب من بطرس ويوحنا ان ينزلا لوضع الايدي على الذين اهتدوا بسبب دعوته لينالوا موهبة الروح القدس. وهناك في السامرة التقى فيلبس بالساحر سيمون.
بولس: ان السحر هو اعدى اعداء الحق وامكرهم. ولكن حين يلتقي السحر بالحق، يمسي عدما. ففي سلاميس بجزيرة قبرس ، تحدى احد السهرة قوة الانجيل، فاصيب بالعمى. وفي افسس حاول سبعة بنين لسكاوى اليهودي ان يتلاعبوا بالسحر باسم ربنا المبارك، فحاق بهم ضرر عظيم، واصبحوا موضع سخرية، كما ان كثيرين ممن كانوا يستعملون السحر احرقوا كتب تعاويذهم بالنار. ولست ادري ماذا حل بسيمون.
لوقا: لست ادري، وان يكن بعضهم يقول ان اهتداؤه للمسيحية كان بهتانا وزورا، وانه ما يزال يمارس صناعته الخاسرة الاثمة في السامرة. ولقد اهتدى على يد فيلبس متنصر اخر رجل امين. خصي حبشي. وكان فيلبس قد سمعه يقرأ من اشعيااء عن عبد الرب، واذ تذكر ان استفانوس كان قد اثبت ان يسوع هو عبد الرب، راح يشرح له الكتب المتعلقة بربنا، فامن الخصي وتعمد – وهو المسيحي الاسود الاول. ولكن الم يكن هناك متنصرون اخرون في تلك الايام؟
بولس: سر الله الذي افرزني من بطن امي ودعاني بنعمته ان يعلن ابنه فيّ لابشر به بين الامم. ولقد رويت لكم من قبل الظروف الخارجية التي اقترنت باهتدائي: الرحلة الى دمشق، والنور، والصوت وعمى بصري ومعمودينتي. على ان الذي رأيته وسمعته تعجز عن وصفه الالفاظ. قد انتزع من بين ضلوعي قلب الذئب. واعطيت قلبا جديدا، واعتزمت توا ان ابشر بالانجيل ، ولكن كان عليّ ان اتعلم من جديد في مدرسة المسيح.
مرقس: في ايام السلام التي اعقبت الاضطهاد، تمت اعمال عظيمة كثيرة، فهذا الكتاب الارامي يقص كيف ابرأ بطرس رجلا يدعى اينياس كان مشلولا مدة ثماني سنوات، واعاد الى الحياة امرأة قديسة تدعى طابيثا. وكلنا يعلم قصة اهتداء كرنيليوس الاممي.
لوقا: سمعتها من قبل، ولكن حدثني عنها مرة اخرى – ولماذا ارتاب في امكان اهتداء الوثنيين الى الامم المسيحية؟
مرقس: شرح الموقف كله في مجمع اورشليم، وروى لي برنابا كل ما حدث. اما بطرس فلم يخامره شك مطلقا في امكان اهتداء الوثنيين الى المسيحية، لان السيد قال صراحة انه يجب المناداة بالانجيل في العالم كله. وكان قد قال ايضا ان حرفا من الناموس لا يسقط. ففهم بطرس من هذا انه يتحتم على الوثنيين ان يختتنوا اولا. وظن ان الناموس يحرم عليه مواكلة الوثنيين غير المختونين، ولم يفعل هذا الا بعد ان كشفت له الرؤيا التي رآها فوق السطح معنى الكلمات.