لوقا: ومتى بدأت الدعوة بين الوثنيين فعلا؟
مرقس: بدأت في انطاكية على اثر التشتت بسبب
الاضطهاد العظيم. وبعض يهود الشتات لم يراعوا قواعد الناموس الدقيقة. ولما لاحت
بوادر الخلاف ارسلوا خالي برنابا لتدبير الامر، وتحت ارشاده سارت الخدمة في طريقها
الى الامام.
بولس: قد استدعاني برنابا من طرسوس للاشتراك
معه في هذه الخدمة. ولما تنبأ اغابوس عن المجاعة العتيدة جمع الاخوة مالا واوفدوني
وبرنابا لارساله الى اورشليم.
مرقس: وهناك التقيت بك لاول مرة، وانضممت
اليك. وانت لا شك ذاكر كيف قتل هيرودس يعقوب بن زبدي، والقى القبض على بطرس، ولكن
ملاكا انقذه. فاقبل توا الى دارنا لانه كان صديقا للاسرة، ثم انطلق الى قيصرية حتى
مات هيرودس.
بولس: وبعد عودتنا من اورشليم مع مرقس،
افرزنا الروح القدس – بواسطة الكنيسة – للعمل التبشيري. فانطلقنا الى قبرس برنابا.
مرقس: وفي ذلك العهد ما كنت قد فهمت الدعوة
التبشيرية ، ولم يكن في تيتي السفر الى ابعد من موطن خالي، فلما بلغنا بمفيلية
نزلت في اول سفينة عائدة الى الارض المقدسة.
بولس: كان رحيل مرقس خسارة كبرى لنا، وبعد
قليل اصابتني حمى برحت بي تبريحا، فاسرعت الى الجبال، الى ولاية غلاطية، واني اذكر
جيدا عظتي الاولى في مجمع انطاكية بيسيدية، يوم ناديت في هزال وضعف جسدي، بقيامة
المسيح والتبرير من الخطية بالايمان به. وكان اليهود على استعداد لقبول الرسالة.
الى ان حل السبت التالي الذي كنا ننادي فيه بالرسالة عينها للامم واليهود على
السواء، فانقلب علينا اليهود حتى اضطررنا الفرار الى ايقونية وحصل هناك نفس الامر
فهربنا الى لسترا.
(في هذه اللحظة يدخل تيموثاوس)
تيموثاوس: اتستذكرون فيما بينكم وقائع الايام
الاولى؟ اسمعوا مني قصة لسترا، فقد شهدت كل شئ بعيني، لاني اختلطت في غير حرج
باليهود واليونانيين: في يوم السبت كنت مع امي وجدتي في المجمع، واذا بالغريبين
بولس وبرنابا يتكلمان، فدهشتا من تأويلهما الاسفار المقدسة. وبعد قليل كنت مصطحبا
ابي في طريقه الى البيت عائدا من هيكل زفس. وكان جالسا على جانب الطريق ، عند
مفترق ثلاث طرق، شحاذ مشلول، قعد اليوم كله. وحدث ان مر بولس وبرنابا في هذا
الطريق، وكم كان دهشتنا عظيمة عندما رأيناهما يقفان ويتحدثان في هدوء الى ذلك
الشحاذ. قتوقفنا ونحن نتساءل ماذا عسى ان يكون موضوع الحديث. وفجأة يدوي صوت بولس
قائلا: "قف منتصبا". وقبل ان تنتهي هذه الكلمات طفر الشحاذ طروبا، وراح
يقفز ويرقص حول الرسل، يلوح في الفضاء بالحصيرة التي كان قعيدا عليها. ولما انطلق
الغريبان اخذ يتبعهما كتلميذ لهما. فركضت انا وابي الى الميدان لنرى الرجل عن كثب.
والتف حوله جمهور كبير، وكلهم يصيحون قائلين: "ان الالهة هبطت الى الارض، وان
بولس الذي نطق بالكلمات التي ابرأت الرجل لابد ان يكون زفس. وسرعان ما هم كاهن زفس
بالقيام بما يفرضه عليه واجب الساعة، وجاء بثيران مكللة ليقدمها ذبائح. كل هذا
وبولس وبرنابا في حيرة لا يفهمان ما يجري امامهما، وظنا ان الناس يصيحون شاكرين من
اجل المعجزة، ولم يفهما ان القوم حسبوهما الهة، لان الصياح والكلام كله كان بلغة
ايقونية. ولما عرفت الامر شققت طريقي وسط الجمع، وهمست في اذن برنابا باليونانية
ان الكاهن يوشك ان يقدم لهما الذبائح. فشق بولس وبرنابا ثيابهما وصاحا في الناس
"نحن بشر مكثلكم". ولما هدأ الجمع وقف يناديان القوم: "اننا
نناديكما ان ترجعا عن الاوثان والاباطيل الى عبادة الاله الحي". ثم تفرق
الجمع ولم يبق الا بعضنا لسماع المزيد عن هذا الدين الجديد. وبعد ايام قلائل تعمد
الرجل المشلول وامي وجدتي وانا ونفر قليل معنا. ولكن يهود انطاكية وايقونية تعقبوا
بولس واثاروا عليه فتنة ورجموه بالحجارة. ولحسن الحظ لم يدركه الموت بل غاب عن
وعيه فقط، ولكنه افاق وغادر المدينة الى دربة. وبعد قليل عاد الرسل الينا مرةو اخرى
لتشجيعنا وتعضيدنا وفي الزيارة الثالثة تركت امي وسافرت معهم.
بولس: ونحن في غمرة عملنا بغلاطية، ثار مشكل
الامم في الكنيسة، وبينما كنا نستريح من عناء العمل في انطاكية سورية ، اقبل الينا
قوم من قبل يعقوب في اورشليم، والحوا على ان يختن كل الامم اولا ويقبلوا الشريعة
اليهودية قبل المعمودية. وبعد كثير من المشاحنة والنقاش، تقرر ان ننطلق انا وبطرس
وبرنابا الى اورشليم مع بعض الاخوة لحل الخلاف. واخذت معي تيطس اخا لوقا ، وكان
بين الذين اهتدوا حديثا من ابناء الوثنية، وابيت في تصميم ان اختنه. وف المجمع شرح
بطرس وجهة نظره كما سمعت. وقصصت انا وبرنابا الاعمال العجيبة التي اجراها الله بين
الامم، واشرنا الى تيطس كمثال . ولخص يعقوب شعور اعضاء المجمع في منحنا مطلق
الحرية لمتابعة عملنا، وطلبوا الينا فقط ان نصر على مراعاة القواعد الاساسية،
وتسلمنا من ايديهم رسائل بهذا. ثم رجعنا الى غلاطية . وفي ذلك الوقت اخذت سيلا
معي. لان برنابا اصر ان يأخذ مرقس ، وعاد الاثنان يخدمان في قبرس ، بينما انطلقت
انا وسيلا الى غلاطية ومن هناطك اردنا ان نبشر في اسيا ولكن الروح منعنا. واردنا
ان نبشر في بيثنية فلم يدعنا الروح اذ اراد ان تكون من نصيب بطرس. فساقنا الروح
الى مكدونية، ولا احاجة بي ان اروي شيئا عن هذه الرحلة، فقد كان لوقا نفسه معنا.
لوقا: نعم، ولن انسى ما حييت كيف التقيت بك
في ترواس، واخبرتك ان ابواب مكدونية مفتوحة على مصراعيها، وكيف تشددت انت برؤيا في
الليل. واسرعنا العبور الى فليبي وهناك اعتمدت ليدية واخرجت الروح النجس من عرافة.
وهل انسى تلك الليلة التي طرحت فيها في السجن، انت وسيلا، وانتظرنا نحن خارجا
نصلي، وسمعنا الترانيم التي رتلتماها في ظلام الليل، ثم الزلزلة، واهتداء السجان،
وفي الصباح تذلل الولاة حين ادركوا انهم قد يقدمون حسابا عن ارتكابهما مخالفة
يحاسب عليها القانون الروماني – وهي جلد مواطن روماني غير محكوم عليه. ووداعنا
للرسل في طريقهم الى تسالونيكي.
ارسترخس: وعند ذاك التقيت ببولس لاول مرة،
وعرفت الانجيل. وقد ظلوا يعلموننا ثلاثة اسابيع حتى امن منا كثيرون، بينهم ياسون
الرجل الطيب. ولكن اليهود الجاحدين تهجموا على داره، وبشق النفس افلت من ايديهم.
وارسلنا بولس وسيلا الى بيرية، وهناك اكرم الاهلون وفادتهما، الى ان تعقبهما الحبر
اليهودي من تسالونيكي وطردهما من هناك.
تيموثاوس: لم نطرد كلنا ، فان فريقا من
الامناء رافقوا بوس الى اثينا. اما انا وسلا فبقينا بضعة اسابيع في بيرية.
بولس: تلك كانت اولى الخطوات للخدمة في
مكدونية – القاء البذور على عجل ونحن هاربون من مكان الى مكان. ولكن انظروا ما
اوفر الحصاد! ثم زيارتي الاولى الى اخائية . ولكن وددت في ايامي الاولى في طرسوس
ان اجلس تحت اقدام فلاسفة اثينا واتعلم منهم، واخيرا جئنا الى اثينا، ولكن لا
لاتعلم منهم، بل جئت بفلسفة لم يحلم بها احد منهم، وبحكمة من العلاء. ذهبت الى
اثينا معلما لا متعلما. وابديت لهم معرفتي بشعرائهم، ثم امتدحتهم لسعيهم الى معرفة
الله. ثم عرضت عليهم بشارتي. ولكن... ولكن ما اثقل اذان الحكماء، كأن بها ثقلا. فغادرت
اثينا موجوع القلب. وحسبي عزاءا ايمان ديونيسيوس ودامرس وغيرهما قليلون، وانطلقت
الى كورنثوس وانا معتزم ان اطلّق حكمة العالم، وان لا اعرف شيئا غير يسوع المسيح
واياه مصلوبا.
تيوثاوس: ولما جئت انا وسيلا الى كورنثوس
وجدنا بولس هناك مقيما مع اكيلا وبريسكلا، اللذان كانا قد هجرا رومية على مقتضى
قرار الامبراطور كلوديوس. وهنا ايضا اضطهدنا اليهود، فاتجهنا نحو الامم. وفي مدينة
كبيرة كهذه. لم تكن للجالية اليهودية قوة على طردنا. ولقد حاولوا مرة محاكمة بولس
امام غاليون، ولكن الفوا القانون الروماني لا يكترث بمشاحنناتهم اليهودية. فضلا عن
هذا فان بولس قد تشجع برؤيا للبقاء طويلا في كورنثوس.
بولس: وبعد هذا بدأنا العمل في اسيا.
لوقا: حالا؟
بولس: زرت اورشليم اولا ، ومررت بافسس في
الطريق، ثم عدت عن طريق غلاطية وفريجية الى افسس. وقبل وصولي التقى بريسكلا واكيلا
وكانا قد قدما معي من كورنثوس، بابول الذ كان قد تعمد حديثا معمودية يوحنا
المعمدان. وعند وصولي وجدت ايضا نحو 12 من تلاميذ يوحنا لم يبلغهم شئ عن معمودية
الروح. فهؤلاء اعتمدوا وقضي 3 اشهر اعلم في المجمع، ولكن بعد ذلك نظرا لمقاومة
اليهود، علمت في مدرسة ترانس.
ارسترخس: وبعد هذا حدثت الفتنة العظيمة، وكان
مبعثها خوف الصياغ من ان تبور تجارتهم في صنع الاصنام. وحدثت جلبة واخذت انا وغايس
الى المسرح، فحاول بولس ان يدخل المسرح ويتكلم، ولكن التلاميذ اقنعوه بالعدول عن
ذلك. وظل الجمع مدة ساعتين يصرخ: "عظيمة هي ارطاميس الافسسين". واخيرا
هدأت الفتنة بخطاب لين القاه كاتب المدينة بلباقة. وكان بولس قد اعتزم من قبل ان
يزور مكدونية واخائية. فتعجلنا رحيله بعد هذه الفتنة.
لوقا: وعند ذلك انضممت انا وتيطس الى الركب.
فانه بعد الذهاب الى اخائية عن طريق مكدونية، عاد بولس الى مكدونية ومعه مندوبون ن
جميع الكنائس في طريقهم الى اورشليم حاملين تقدمات الشكر، ورفقناهم الى فليبي. وفي
ترواس ، في اول الاسبوع، كنا نجري كسر الخبز في ساعة متأخرة ، واذا بشاب يدعى
افتيخوس، كان متثقلا بالنوم، يسقط من النافذة، وظن الجميع انه مات، ولكن بولس
طمأنهم انه ما زال حيا. وبعد الخدمة لاحلنا ، ولم يتسع الوقت لزيارة افسس، فارسل
بولس الى شيوخ الكنيسة لموافاتنا في مليتيس، وهناك انبأهم بسجنه العتيد في
اورشليم، وكان مشهد ذلك الوداع مؤثرا جدا. ومن هناك ابحرنا الى صيدا، وجئنا الى
قيصرية حيث اقمنا مع فيلبس، احد السبعة ، ومنها الى اورشليم يرافقنا مضيفنا
مناسون. وما بلغنا اورشليم حتى دعا يعقوب كل الشيوخ الى الاجتماع بنا، لابلاغهم
اننا حافظنا بدقة على الشروط التي وضعها المجمع الكبير. ولتدعيم مركنا قرر بولس ان
يقوم ببعض مراسم التطهير في الهيكل مع اربعة من اليهود المؤمنين. ولسوء الحظ –
ذاعت اشاعة بان احد الاربعة – وهو تروفيموس – مسيحي اممي من افسس، فقامت فتنة كاد
يقضى فيها على حياة بولس لولا تدخل الوالي الروماني. وبينما كان يساق بولس، طلب
الاذن له في مخاطبة الجماهير ، وتكلم بالارامية وروى الحوادث الي ادت الى اهتدائه
وارساله للامم. وعند ذكره كلمة "الامم" ثارت الفتنة من جديد، وهم الوالي
بجلد بولس، ولكنه اذ علم انه مواطن روماني، قرر ان يمثل امام رئيس الكهنة والشيوخ
للمحاكمة اولا. وفي المحاكمة صرح بولس انه يقف ليحاكم على رجاء القيامة – واحدث
ذلك انشقاقا بين الفريسيين والصدوقيين.
بولس: وقف الرب الى جانبي تلك الليلة.
لوقا: وفي اليوم التالي تآمر اليهود على قتل
بولس. ولكن وصل الامر الى حاكم المدينة، فارسل بولس ليلا الى قيصرية ليمثل امام
فيلكس. وتبعناه نحن في اليوم التالي، ووصلنا الى قيصرية في اليو التالي لنسمع
التهمة التي اقامها رئيس الكهنة على لسان محام خطب قدير. ولم يكن في تلك التهمة شئ
معين. فايد بولس في دفاعه براءته في عبارات عامة، ومرة اخرى نادى بحقيقة القيامة.
ولمدة سنتين احتجزه فيلكس سجينا، املا عبثا ان يحصل على رشوة لاطلاق سراحه. ولما
خلف فستوس فيلكس على كرسي الولاية، جرت محاكمة صورية اخرى. واما بولس فاذ قد تعب
من هذه الاجراءات المطولة ويئس من العدالة المحلية، رفع استئنافا الى قيصر، وهو
عالم انه بهذه الطريقة تتحقق رغبته القديمة، وهي الذهاب الى رومية. فاحضر فستوس
بولس امام الملك اغريباس ليعين تهمة معينة يرفعها الى قيصر. فكرر بولس امام
اغريباس قصة اهتدائه، وقال انه ينادي بما انبأت به الكتب المقدسة. واقر اغريباس
براءة بولس. وقد دونت كل هذه الخطب في مذكراتي.
ارسترخس: ولما تحدد يوم السفر ، كان قائد
المئة المكلف بالحراسة مؤدبا وكريما جدا. فلم
يسمح فقط لي وللوقا بمصاحبته متخفيين في ثياب خدم، بل سمح لبولس بالنزول في
صيدا، ولما انكسرت السفينة انقذ حياة بولس من الجنود الذين ارادوا قتله.
بولس: نعم. وفي مليطة ايضا ابدى لي رئيس
الجزيرة عطفا كثيرا. ومع ان السفينة انكسرت بي قبل الان ثلاث مرات ، فقد كانت هذه
المرة ارهبها واروعها، ولم تنقذني الا عناية الله ورعايته.
لوقا: قد دونت في مذكراتي كل كبيرة وصغيرة من
هذه الرحلة، وسأكتبها في كتابي، لكي يعلم كل قاص ودان، مبلغ الالام التي عاناها
الرسل، وكيف ان الله ينقذ مختاريه.
بولس: وقد نسيت كل احزاننا يوم رحب بنا بعض
الاخوة على مقربة من رومية. وفي هذه المدينة وضعت اولا في غرفة مع الجندي الذي كان
يحرسني. وهناك سمح لي ان استقبل رؤساء اليهود. ولما اغلقوا اذانهم اضطررت ان اقول
لهم ان الانجيل للامم. وبعد ذلك سمح لي ان اسكن في هذه الدار التي اشتريتها،
وةفيها انادي يوميا بالانجيل مؤذنا باقتراب ملكوت الله. فانظر كيف حملت عناية الله
الانجيل الى اليهودية والسامرة واقصى الارض.