صلاة سليمان العلنية:
(1مل8 و 2اي6)
الملاحظ انه في جميع اجراءات
تدشين الهيكل، لا يذكر اسم رئيس الكهنة، بل كان كل شئ يتم تحت ارشاد وتوجيه الملك.
وهذا يذكرنا بالتغيير العظيم الذي حدث في معاملات الرب مع شعبه يوم انهار الكهنوت
في ايام عالي الكاهن. فقد قال الله عن كاهن الايام العتيدة "يسير امامي مسيحي
كل الايام"(1صم2: 35). ونفهم من هذا ان الكاهن اصبح ثانيا بعد الملك. ونعلم
ان الملك هو المسيح. فكل بركة تقوم عليه، وكل سلطان ثابت مقرر في شخصه المجيد.
يا لها من صورة محببة ! ملك يجثو على ركبتيه ، يقود امته في ابتهال
متواضع لله! صورة نادرة حقا! ولماذا؟ ما الملوك سوى اناس كباقي الناس حتى ولو عظم
سلطانهم. الملايين قد يرتعبون امامهم، ولكن ما هو اي ملك، بالقياس الى الله؟ خذ
نبوخذ نصر المتعجرف قد وصل الى اعمق اعماق الانحطاط والاذلال حتى يتعلم حقارته
ووضاعته، ويتعلم ايضا عظمة الله وجلال اقتداره. ان هذا التصرف الالهي مع اول رأس
للامبراطوريات الاممية كان مقصودا به ان ينطوي على درس لكل من يجيئون بعده.
والفارق الوحيد الحقيقي بين الملك ورعاياه فيما يتصل بالصلاة هو هذا: ان الملك
يحتاج الى الصلاة اكثر من اي انسان في مملكته بسبب المسئوليات الملقاة على عاتقه.
ولقد رأينا ثلاث مرات مشاهد مبهجة لملوك يحنون رؤوسهم باتضاع قدامه في
اورشليم:
1-
فها هو
سليمان عند تدشين الهيكل والامور موفقة (2اي6: 13).
2-
وهوذا
يهوشافاط في يوم خطر بسبب غزو كبير (2اي20).
3-
ثم حزقيا
واقعا تحت تهديد ربشاقي المجدف وعسكر الاشوريين (اش37).
هذه الصلوات، هل كانت ذات قيمة؟ نعم، ان الركب الساجدة اقوى من الجيوش
الزاحفة، ون ملكا في مسوح هو اقوى من ملك في دروع. وقف سليمان يصلي. وكان يسرنا ،
لو اسعفنا المجال، ان ننقل هنا صلاة الجامعة كلها.
ومن مز 127 نتبين مبلغ احساس سليمان في مناسبة تدشين الهيكل. صحيح ان
البيت كان قد تم فعلا، ولكن الله وحده الذي يصونه ويحميه، بكل ما يحتويه "ان
لم يبن الرب البيت فباطلا يتعب البناؤون". لقد اختفى عرش داود طويلا ، كما
اختفت عائلته. ومع ذلك فان داود لن يعدم
رجلا يجلس على كرسيه. فان يسوع قيل عنه "ويعطيه الرب الاله كرسي داود
ابيه"(لو1: 32). وفي يوم الخمسين وقف بطرس يقول لجمهور سامعيه في اورشليم .
احس سليمان انه كان امرا
عجيبا – ان يتنازل الرب ليسكن على الارض مع الناس "فهوذا السموات وسماء
السموات لا تسعك فكم بالاقل هذا البيت الذي بنيت". والكنيسة مكونة من
خطاة - من الامم واليهود- هي بيت الله لا
تملؤه سحابة المجد، ان كل مؤمن هو "حجر حي" ..
ما اعظم المباينة بين صلاة سليمان صلاة السيد في يو17. ان كلتا
الصلاتين كانتا في اورشليم. فمع ان سليمان كان محاطا بالابهة والعظمة الا انه كان
يحس في صلاته بان الاستقرار والثبات لم يحن موعدهما بعد. ثم ان سليمان يعم بدرجة
ما، امكانيات الجسد البائس المسكين، فقد استخدم كلمة "اغفر" قبل ان يذكر
شرا محددا (ع30). ثم يحصي المتاعب المنتظرة:
1-
ذنوب
شخصية
2-
هزيمة
عسكرية
3-
قحط
4-
مجاعة
وباء
5-
خطر
القتال
6-
السبي
في وسط نذر الخطر هذه صلى الملك من اجل الاجنبي الذي قد يأتي من ارض
بعيدة. فلدينا مثلان : ملكة سبأ والخصى الحبشي..
عيد المظال:
في اعقاب تدشين الهيكل جاءت الاعياد الدينية. فمن شمال الارض الى
جنوبها صب الشعب كل اهتماماتهم في الاحتفاء بتلك الاعياد. وفي 1مل8: 62- 66 نرى
ظلالا منيرة للمجد العتيد في المسيح. لقد بدأ بناء الهيكل في ربيع السنة الرابعة
لسليمان، واكمل في خريف السنة الحادية عشرة، اي بعد سنوات. وسنرى ان ذلك ينطوي على
ترتيب الهي. في لا23 نقرأ عن اعياد اسرائيل، وكانت من قسمين رئيسيين: يمكن ان نقول
عن اولهما انه ينطوي على المواسم او الاعياد الربيعية والاخر على المواسم
الخريفية. واليك مواسم الربيع:
1-
الفصح
وايام الفطير
2-
حزمة اول
الحصيد
3-
الخمسين
مع التقدمة الجديدة ذات الرغيفين
4-
ولقد تمت
هذه المواسم الرمزية. فقد ذبح المسيح فصحنا (1كو5: 7). اما الرغيفان فهما يمثلا
شعب الله كشهود له في الارض.
اما مواسم الخريف فكانت تقع في الشهر السابع من السنة اي ما يقابل
اكتوبر:
1-
هتاف
الابواق في اليوم الاول
2-
الكفارة
في العاشر
3-
وفي
المدة من اليوم 15 حتى 22 عيد المظال
ونقرأ عن ذبائح هذا اليوم لا يمكن تصورها : 22 الف ثور و 120 الفا من
الغنم. ومع ان المذبح كان كبيرا جدا جدا الا انه لم يسع الذبائح، ومن هنا قدس
الملك وسط الدار التي امام بيت الرب. . ولكن بالقيمة الذبيحة الواحدة التي قدمها
الرب يسوع! ففي يوم واحد وبذبيحة نفسه سوى القضية الخطيرة المرعبة، قضية خطايانا
"بقربان احد قد اكمل المقدسين الى الابد"(عب10: 14). واصبحنا
"مطهرون"(عب10: 2). حقا "يحمدك يا رب كل ملوك الارض اذ سمعوا كلمات
فمك، لان مجد الرب عظيم"(مز138)، وسيقول كل واحد منا "اخبر باسمك اخوتي
وفي وسط الكنيسة اسبحك"(مز22).
في غمرة تلك الايام نجد ان سليمان والشعب لم يعيدوا عيد المظال ، حيث
نقرأ ان البقية الراجعة من السبي "عملوا مظالا وسكنوا في المظال لانه لم يعمل
بنو اسرائيل هكذا من ايام يشوع بن نون الى ذلك اليوم".
على ان الهنا رحيم باولئك الذين قلوبهم كاملة نحوه فقد صلى حزقيا
الملك في يومه من اجل اولئك الذين لم يتطهروا بل اكلوا الفصح ليس كما هو مكتوب
(2اي30: 18).
ان اليوم الثامن الذي انصرف فيه الشعب يرمز الى الابدية. وهذا هو
اليوم العظيم الذي وقف فيه الرب يسوع ونادى "ان عطش احد فليقبل الي
ويشرب"(يو7: 27). يومئذ كان العيد في قمته، ذلك العيد الذي يشير الى الرب
يسوع، بيد ان يسوع وقتها لم يكن مطلوبا، لم يكن مرغوبا فيه. وكان صحيحا يومذاك ،
كما هو صحيح اليوم، ان النفوس التي لم تجد شبعها في الطقوس الدينية تقدر ان تجد
شبعها وراحتها الكاملة في المسيح.
الرب يتكلم ثانية:
(1مل9: 1-9 ، 2اي7: 12- 22)
اليوم يتكلم الرب مع عبده كلاما خطيرا. كلاما عن مسئوليته. كلاما عن
مسئولية سليمان. لقد سمع صلاته وتضرعه، والبيت الذي بناه اصبح مسكنا معترفا به
للرب، مسكنا تعهد الرب ازاءه تعهدا عجيبا: "وتكون عيناي وقلبي هناك كل
الايام" ولقد خرب هيكل سليمان وخلفته على الموقع ابنية اخرى، غير ان حجي
النبي يعلمنا ان البيت هو هو في نظر الرب "مجد هذا البيت الاخير (اي مجده
الاخير) يكون اعظم من مجده الاول، قال رب الجنود وفي هذا المكان اعطي
سلام"(حج2: 9). وحتى الهيكل الذي بناه هيرودس لتعظيم ذاته دعاه الرب يسوع
"بيت ابي" وربما كا اكثر عجبا ان الهيكل الذي سيجبس فيه انسان الخطية
يدعى هيكل الله"(2تس2: 4، رؤ11: 1).
ان سفر الاخبار يسجل استجابة الرب لصلاة سليمان في حفل تدشين الهيكل
باكثر افاضة من سفر الملوك. ثم جدد عهده بأن داود لا يعدم له رجل يجلس على عرش
اسرائيل. غير انه اضاف ان هذا ليس ضمانا لنسل سليمان. صحيح ان الناس صلبوا ذلك
الذي حيوه مرة "كابن داود"، لكن الله اقامه من الاموات. وهو جاء من فرع
ناثان الملكي (لو3: 31)، ولسوف يتعلم الشعب في مدرسة الضيق ان يركزوا جميع امالهم
في شخصه المجيد.
صحيح ان جانبا من خلفاء سليمان كانوا ملوكا صالحين، لكن على الجانب
الاخر كان من خلفائه، واشهرهم احاز ومنسى وصدقيا، اشر الاشرار، ملأوا كأس اثم
يهوذا حتى فاض. لقد كان يوشيا اخر ملك له قدره عند الامة، وفي التاسعة والثلاثين
من عمره انتهت حياة ذلك الملك التقي بأن القى نفسه في غمار معركة لا تخصه (2اي35:
20).
وعند هذه النقطة يحسن بنا ان نقرأ مراثي ارميا. وفيها نجد انسانا سكب
حزنه المرير من اجل شعبه. على ان مأساتهم هي مأساة العالم. ومن اسف ان العالم وهو
يرزح في زماننا تحت اثقل ضيق ، لا يريد الرب يسوع بعد!
ارتفاع المجد:
يعطينا حزقيال تاريخا محزنا، عن رحيل ومغادرة المجد يوم احس الرب بأنه
مضطر ومرغم على ترك بيته. والفصول (ص9: 3، 10: 4 و 18، 11: 23) تصف مراحل ارتحاله
كأن الله يغادر شعبه على كره منه. ومع ذلك نقرأ في (10: 4) من ذلك السفر
"فامتلأ البيت من السحابة وامتلأت الدار من لمعان مجد الرب".
ثم في (11: 23) نجد ان سحابة المجد توقفت على الجبل الذي على شرقي
المدينة قبل ارتحالها الاخير. ولنسمع قول الرب "اذهب وارجع الى مكاني حتى
يجازوا (يقروا بذنبهم) ويطلبوا وجهي. في ضيقهم يبكرون الي"(هو5: 15). وكم
عانى الرب ! لقد كانت الكلفة اكثر مما يدركها فهمنا "كيف اجعلك يا
افرايم؟.... قد انقلب عليّ قلبي. اضطرمت مراحمي جميعا"(هو11: 8). ان
"سيد الارض كلها"(يش3) قد اصبح فيما يتعلق بمعاملاته السياسية "اله
السماء"(دا2: 27 و عز7: 23). لقد عادت سحابة المجد الى الارض لفترى قليلة جدا
يوم كان سيدنا المبارك على جبل التجلي. ثم نلاحظ ان الروح القدس لم يسمح فقط
لحزقيال ان يشاهد المجد راحلا عن الهيكل، بل قد اراه ايضا اياه راجعا في ايام
سعيدة قادمة، حين تقول الامة التائبة "مبارك الاتي باسم الرب"(مت23:
29).
في رواق سليمان:
بعد الف سنة من الزمان قام هيكل جديد مقام هيكل سليمان، شيده انسان
غريب اجنبي. ويومئذ لم يكن في الارض سوى بقية من الشعب، يحكمهم حاكم اممي. وفي
رواق سليمان كان يسير واحد ، سما مجده كثيرا اعلى من مجد سليمان، لكن الشعب لم يكن
يريده او يعترف به. كان قد بين لهم "ببراهين كثيرة" انه المخلص الموعود
"ولكن اقول لك ان ههنا اعظم من الهيكل.. وهوذا اعظم من سليمان
ههنا"(مت12: 6 و 14) لكن العيون الرمداء لم تستطع ان ترى شيئا (مت13: 14)
وكانوا يقولون في قلوبهم "لا نريد ان هذا يملك علينا"(لو19: 14). يذكر
الروح القدس اشارة لطيفة ان سيدنا كان في رواق سليمان حين "كان
شتاء"(يو10: 20). وهذا وصف الحالة روحيا وطبيعيا. وحينما يكون الشعب في حالة
افضل، حينئذ يكون صيفا لهم ولجميع الامم (مت24: 32 و 33). ويومئذ سيقال
"الشتاء قد مضى"(نش2: 10).