الخميس، 4 فبراير 2016

ماذا عن العنف والقتال في الكتاب المقدس؟


بعض المقاطع من الكتاب المقدس في العهد القديم تخبرنا ان الله أمر بني إسرائيل بتدمير المدن أو القبائل كلها، بما في ذلك النساء والأطفال. والسؤال هو: كيف يمكننا ان نوفق بين هذا إلاله المنتقم مع الله الرحيم الذي نجده في العهد الجديد؟ " 
هذا السؤال الذي كثيرا ما اثير من قبل الملحدين لمهاجمة الإيمان المسيحي، ولكنه يثار أيضا من قبل الناس العاديين الذين يتسائلون كيف يمكننا أن تفهم هذه المقاطع. للإجابة على السؤال يتطلب منا النظر في العديد من القضايا، وليس النظر في هذه المسألة بطريقة سطحية. 
ما يثير الاهتمام هو:
  1. أن هؤلاء لا يثيرون عموما اعتراضات على حادثة الطوفان في أيام نوح، على الرغم من ان كل رجل وامرأة وطفل، باستثناء عائلة نوح، غرق في الطوفان.
  2. كما أنهم لا يثيرون اعتراضات عن كيف أن الله احرق سدوم وعمورة، على الرغم من ان النساء والأطفال قد هلكوا بلا شك. 
  3. ولا واحد ايضا يثير اعتراضات عندما يتحدث الكتاب المقدس عن ان الله ارسل الدول الأخرى لتدمير إسرائيل، على الرغم من ان الرجال والنساء والأطفال قتلوا نتيجة لذلك. 
المشكلة لدينا هي بخصوص امر الله لبني إسرائيل بقتل النساء والأطفال، هي أننا نعيش في عصر عقلاني. وانه يصعب علينا ان نؤمن ان الله امر اناسا مثل يشوع بتدمير هذه المدن وقتل (تحريم) سكانها. نحن لا نريد تصديق ان الله امرهم القيام بذلك. ولكن إذا كان الله قد محى سدوم وعمورة بالنار والكبريت، فليس هناك سبب يمنعنا ان نصدق انه يستطع أن يفعل ذلك عن طريق إسرائيل، إذا كنا نؤمن ان الله اختار شعب اسرائيل ليكون خاصته من بين الشعوب، وان الله لديه الحق السيادي للقيام بذلك. وان شعب إسرائيل، الذين رأوا الكثير من المعجزات قد صنعت من قبل الله كان لديهم سبب مقنع للاعتقاد بأن الله كان يتحدث إليهم من خلال يشوع، وبعد ذلك من خلال قضاتهم. لن يستحيل حينها فهمنا لهذا الامر وببالتالي الاجابة عن هذا السؤال.

وعموما، لم تتخذ الكنيسة في ذلك كوصية الهية قابلة للتكرار على مدى الاجيال، ولكن قد ينظر إليها على أنها شيء تم تطبيقه حرفيا فقط في ذلك الوقت وتلك الاماكن بعينها. ولكنها تجعل من هذه المقاطع اليوم أساسا ذات طابعا رمزيا، في المنظور الآبائي. 

وشيء آخر أن علينا أن نأخذه في الاعتبار هو أنه إذا كنا نؤمن حقا بالله وفي الحياة الآخرى، فان الموت ليس هو أسوأ مصير يمكن أن يصيب أي شخص، وان الموت الروحي أسوأ بكثير من الموت الجسدي. وانه من اجل خلاص الأجيال القادمة أمر الله بهذه الأمور (تحريم المدن الشريرة). الموت هو عقوبة الخطية، وإنما هو أيضا رحمة في أنه يضع حدا لحياة الناس الاشرار ، بعد ان اعطاهم الله فرصة للتوبة والرجوع إليه ولكنهم لم يستغلوها. الله يسمح أحيانا أن يموت الناس في عمر الشباب ليكونوا بمنأى عن أسوأ الأشياء التي قد تأتي في طريقهم. على سبيل المثال، سمح الله ان ابن الملك يربعام يموت في سن مبكرة جدا، "لأن فيه وجد شيئا جيدا نحو الرب اله اسرائيل في بيت يربعام"، من بيت يربعام هذا الطفل فقط توفي في سلام، ودفن باكرام. ومما لا شك فيه، ان موته المبكر كان يحميه أيضا من تأثير الشر من عائلته (1 ملوك 14:13). علينا اذا ان نؤمن ان الموت قد يكون رحمة "من وجه الشر يضم الصديق".
***
الرب "يدين المسكونة بالعدل والشعوب بامانته "(مز96: 13). اننا نرى الرب في التاريخ ديانا. الله يطبق عدالته على الدول في التاريخ، وهذه العدالة بطبيعتها تطبق بشكل جماعي. إذا كانت الأمة شريرة، فسوف تعاني من ثمار ذلك الشر، وللأسف هذا يعني حتى الأطفال الصغار في تلك الأمة يجنون الحصاد المر الذي زرعه اباؤهم. في الكتاب المقدس، نجد إطلالة على الجنس البشري الذي يكشف عن وجود شخصية اعتبارية لنا (كشعب واحد) فضلا عن كوننا أفرادا. يتم الحكم علينا في الأبدية كأفراد، ولكن في هذه الحياة نحن ليس أفرادا فقط. نحن جزء من العائلة والطائفة والقبيلة والبلد. إذا كان أجدادنا يسلكون حسنا ويتخذون قرارات حكيمة، فنحن تلقائيا سنجني الفوائد من ذلك، والتي لا تعود إلى الخيارات الفردية التي اتيحت لنا أو بسبب جدارتنا واستحقاقاتنا. اما إذا كان أجدادنا اشرارا واتخذوا قرارات سيئة، فنحن أيضا نحصد ما قد زرعوه. هذا هو السبب في أنك تجد الناس في الكتاب المقدس ليس فقط يقدمون التوبة عن ذنوبهم الخاصة، ولكن عن تلك التي لأجدادهم ايضا. 

بالطبع إذا تناولنا الامر من زاوية غير المؤمنين، يمكننا أن نجعل من قرار قبول الإنجيل تغييرا لمستقبل ابنائنا للأفضل. هل من العدل ان الطفل الذي يولد في منزل مسيحي يسمع الإنجيل، وعلى الأرجح حين يكبر يظل مسيحيا مقارنة بالأطفال الذين يولدون في بيوت غير مؤمنة؟ هل من العدل أن الاطفال الذي يولدون لمدمني المخدرات سيكبرون وهم يواجهون متاعب صحية والتي لا تواجه الأطفال الآخرين؟ اذا نظرتم الى هذا بعقلية فردية بحتة، قد يبدو هذا الامر غير عادل، ولكن النظرة الكتابية هو أننا لسنا جزرا منعزلة. نحن لسنا نفوسا فقط (لها الحظ او سوء الحظ) ان نولد لمجموعة معينة من الآباء والأمهات (ابرار او اشرار)، ولكن نحن ذريتهم، ونرتبط بهم على مستوى أعمق. لاحظوا ان خطية آدم وحواء أثرت في كل ذريتهم - لم نكن موجودين عندما اخطأوا، ولكننا عانينا من آثار خطيتهم. ولكن لدينا الخيار ان نضع أنفسنا تحت رأس جديد، ونرتبط بآدم الجديد - يسوع المسيح (1 كورنثوس 15: 20-49)، ويمكننا ايضا من تغيير مستقبل اولادنا للأفضل، على الرغم من أنهم ليسوا موجودين ولم يتخذوا معنا نفس القرر

والشيء الآخر الذي يجب أن نضعه في الاعتبار هو أن مستوى الحضارة في ذلك الوقت، جعلت الامور مثل معسكرات الاعتقال. إذا كان الإسرائيليون يريدون تجنيب الأطفال مصير اباؤهم الاشرار وحفظ حياتهم، فإنهم مضطرون إلى حفظ حياة الامهات ايضا لانهم من يتولى رعايتهم، وإذ كانوا بني اسرائيل ممنوعين من الزواج من الأمهات - بحسب امر الرب - أو الاحتفاظ بهم كاماء لئلا تنتقل اليهم عدوى الشر ويتعلموا منهن عبادة الاصنام، فإنهم قد يحتاجون إلى تجنيب الرجال أيضا مصير التحريم، لانهم هم من يقومون بالعمل ويتولون توفير احتياجاتهم. لكن الكنعانيين كانوا قوما اشرارا بطريقة لا توصف وكانوا يشاركوا في طقوس الدعارة والتضحية بالاطفال لاصنامهم. وتركهم لممارساتهم الشريرة في وسطهم من شأنه أن يكون فخا لبني إسرائيل، الذين كانوا مثل الأطفال روحيا، وأكثر عرضة للتأثر بالكنعانيين من أن يكونوا قادرين على تحويلها إلى وسيلة أفضل للعيش معا. وكان قصد الله أن تزول الثقافة الكنعانية تماما، والذي لا يمكن أن يتحقق بمنأى عن التخلص من البالغين من الكنعانيين. وحتى الرومان الوثنيين صدموا عندما رأوا شرور الثقافة القرطاجية، والتي كانت مستعمرة فينيقية، ولها نفس المعتقدات التي كانت عند الكنعانيين - "معركة قرطاجنة" وهذا هو السبب لتلك الصرخة المدوية اثناء معركتهم (قرطاج يجب ان تدمر!).

ولكن الحقيقة هي، ان بني إسرائيل لم يطيعوا الله. ولم يقتلوا جميع الكنعانيين، وفي الواقع كان الكنعانيون وثقافتهم شوكة في جانبهم أدت باستمرار وعلى مدار التاريخ الى ضلال الشعب والسقوط في غواية العبادة الوثنية، حتى جاء الوقت الذي بعث الله أخيرا البابليين لتدمير اورشليم، واخذ الشعب إلى السبى. 

عندما كان المزارعون الاسرائيلي يتكلمون مع الكنعانيين كانوا يخبرونهم أنه إذا أرادوا ان تنمو محاصيلهم بشكل جيد ولا تصاب بالافات، فان عليهم أن يجعلوا البعل سعيدا بتقديم الذبائح البشرية، وهكذا انخرطوا مرارا في طقوس الدعارة وتقديم الاطفال ذبائح للبعل، اي انهم كانوا يفدمون التضحية التي آمن الكنعانيين انها كانت السبيل الوحيد لضمان جودة المحاصيل. كما جاء في المزمور (106): 34-39: 

"لم يستاصلوا الامم الذين قال لهم الرب عنهم بل اختلطوا بالامم وتعلموا اعمالهم. وعبدوا اصنامهم فصارت لهم شركا. وذبحوا بنيهم وبناتهم للاوثان واهرقوا دما زكيا دم بنيهم وبناتهم الذين ذبحوهم لاصنام كنعان وتدنست الارض بالدماء. وتنجسوا باعمالهم وزنوا بافعالهم.
***
نلاحظ أنه بعد السبي اضحى اليهود اكثر نضجا من الناحية الروحية بدرجة تكفي لتجنب اغراء عبادة الاوثان مرة أخرى ، على الرغم من أنهم غالبا ما عاشوا في الشتات، وكانوا أقلية صغيرة تحيط بها أغلبية وثنية. لكن بعد ملء الإنجيل، نحن أكثر قدرة على مقاومة الإغراءات التي تأتي من الاشارار المحيطين بنا، وفي الواقع، نحن مدعوون لتقديم الإنجيل لهؤلاء الناس الأشرار، وتغيير المناخ الروحي من قبل قوة الإنجيل، وليس بالسيف، كما كان من قبل، في العهد القديم.

ولعل أكثر ما يثير السخرية حول هذه المسألة هو أن الملحدين الذين يشيرون إلى هذه المقاطع ويتخذوها دليلا ضد المسيحية باعتبارها تناقض المحبة والرحمة، ويحق من أجلها الغضب. ولكن الحقيقة هي، كما أشار دوستويفسكي "إذا لم تؤمن بوجود الله، فكل الأشياء مباحة لك". إذا لم تكن تؤمن بوجود الله، فستجد ان ذبح الأطفال الأبرياء ليس امرا شنيعا من الناحية الأخلاقية بالنسبة لك. ولا يعدو الا ان يكون كابادة مستعمرة من النمل في الفيضانات. لا يوجد أي معيار أخلاقي يمكن للمرء أن يتطلع اليه. هناك القوة الوحيدة، وأولئك الذين لديهم الرغبة في استخدامها. وفي الواقع، إذا كنت تريد أن ترى أسوأ وأبشع أمثلة للذبح الوحشي للأبرياء من قبل الملايين، لا أحد تجاوز وحشية معتنقي الإلحاد المتشددين في الاتحاد السوفياتي، والصين الشيوعية، وكمبوديا، ولاوس، وفيتنام، الخ.

المعيار الأخلاقي الوحيد الذي يمكن أن يكون له أي معنى حقيقي هو الذي يستند إلى ما اعلنه الله. وقد كشف الله لنا الطريق الحقيقي في الإنجيل، وهذا هو المعيار الذي نعيش به الآن. لم يقم الله، الذي هو واهب الحياة، ولا يلزمه، ان يجيب عن اسئلتنا عندما يشاء أن يأخذ الحياة. كلنا نعلم أنه هو المحبة، وكلنا نعلم أنه قدوس. و نعلم أنه يسعى دائما لخلاص الانسان، ولكننا نعرف أيضا أنه يعاقب الاشرار، ويضع حدودا للشر من خلال أحكامه، وأن "أحكام الرب حق عادلة كلها" (مزمور 19 : 9).
كما ان هناك امور يجب ان نأخذها في الاعتبار. اقتبست 3 منها من موقع مسيحيو الشرق لاجل المسيح. ويمكنك ان تقرأ البقية في الموقع المذكور رابطه في اسفل المقال.
اولا : يجب ان نعرف ان الكتاب المقدس ( وهو كلمة الله الموحى بها الى الانبياء ) كان يسجل في العهد القديم احداث يمر بها الجنس البشري على مدار تطور البشرية منذ آدم الى قبل ميلاد المسيح بحوالي اربعة قرون ، وقد سجل هذه الاحداث كلها خيرها وشرها ، وكان يسجل ايضا وصايا الله التي كان ينقلها الى الناس عن طريق انبيائه ، وعلى هذا فيجب التمييز عند قراءة الكتاب بين ما هو موحى به من الله كأخبار عن احداث ، وبين ما هو موحى به من الله كوصايا .

ثانيا : وصية الله المبدئية والواضحة هي ( لاتقتل ) (الخروج 20: 13) ، من الممكن ان تقرأ احداث عنف وقتل كان السبب فيها مخالفة الناس لوصايا الله ، فلا يمكن بالطبع نسبة هذا الى انه اوامر من الله بالقتل والعنف ، اليس كذلك ؟؟
ثالثا : يجب التمييز بين كلام الله عن العنف والقتل كنبؤة يخبر بها قبل حدوثها ، وفي هذا الشأن ، لا يمكن نسبة الاحداث الى انها اوامر من الله ، فعند الله سبق العلم بالامور كلها ، فاذا اخبر احد الانبياء عن ان يلقي نبؤة بالاحداث ، فهذا لان الله يعرف ما سيفعله الانسان شرا او خيرا .
مترجم عن:
http://fatherjohn.blogspot.com.eg/

روابط اخرى:
http://3lotus.com/ar/Islam/Jihad-Islamic-holy-war.htm
http://newman-in-christ.blogspot.com.eg/2010/06/blog-post.html

http://mechristian.org/2009/08/18/old-testament-violence
http://egboshra.wordpress.com

بعض الاقتباسات:
من الخطأ محاولة استخدام هذه الحروب القديمة التي توقفت منذ حوالي 3000 سنة لتبرير شن الحروب في عصرنا الحالي. من يدعون انه يوجد عنف وحروب في العهد القديم . عليهم أن يواجهوا فارق زمني هائل قدره ثلاثة آلاف سنة. في الواقع، ان من يتهمون الكتاب المقدس بأنه يحض على العنف، يتجاهلون الاختلافات الشاسعة بين الحروب القديمة للتوراة واسباب الحروب في زماننا الحالي.


محظور أن يأخذ العبرانيون القدماء غنيمة حرب. عندما سقطت أسوار مدينة أريحا ودخلها جيش العبرانيين، ظلت مخازنها مملوئة. لم يستعبدوا أبنائها. ولم يغتصبوا نسائها كما لو كُن جزءا من غنيمة المعركة.


عن موقع: الكلمة

"عندما يُصبِحُ الشَرّ ديناً، يُتَعَلَّم ويُعَلَّم للأجيال التالية، عندئذ يكون قد "اكتمل الذنب" ولا سبيل مع جماعة أو ثقافة كهذه إلا الاستئصال التام. إنها تصبح مثل الغنغرينة في جسد البشرية.." عن مدونة د/ اوسم وصفي