نحن نعرف أن أيوب امكنه أن يحتمل فقدان 5 اشياء: كل ممتلكاته، و اوﻻده، وصحته، وو دعم زوجته؛واخيرا دعم أصدقائه. لكنه لم يستطيع احتمال فقدان أفضل صديق له: الله. خصوصًا انه كان رجلًا بارا، انه لا يستطيع أن يفهم ما يحدث ، ويتوسل إلى الله من أجل ان يقدم له إجابة ، ويتم ذلك في اصحاح 38 حين يجيبه الرب من العاصفة بعاصفة من اﻻسئلة (70 سؤاﻻ) والتي ﻻ يجيب ايوب عن اي واحد منها ﻻنه ﻻ احد من البشر يعرف اجابتها. انها تشبه عاصفة اسئلة ايوب. وفي النهاية نجد ان ايوب يلجأ الى الصمت، فيقول للرب "ها قد وضعت يدي على فمي.. ها انا حقير فبماذا اجاوبك؟"(40: 4). وكأن ايوب يقول إنني آسف لأنني استجوبتك.
الفكرة كلها نجدها في بداية السفر "هل مجانا يتقي ايوب الرب" وهل نحن نحب الرب لذاته ام اننا نحب فقط عطاياه- اي حينما يعطي فقط. اسف، ﻻن الله دائما يعطي حتى لو لم ندرك ذلك.
النقطة الثانية ان ايوب لم يجد جوابا عن سبب اﻻلم، ولم يفهم سبب ما حدث له. وكان الله يريد ان يسأل ايوب ويسألنا هذا السؤال- ما هو اﻻهم عندك؟ هل تفهم سبب اﻻلم؟ ام ان تكتفي ان تعرف انني معك فيه؟ وهل ستظل تعبدني حتى لو لم تفهم سبب اﻻلم؟ هل ستظل تراني صالحا حتى لو لم اقدم لك جوابا اﻻن عن سؤالك؟ هل ستبقي متمتعا بعلاقتك بي حتى لو كان اﻻلم ما زال في حياتك؟
اعتقد اننا سنجيب نفس اﻻجابة التي قالها ايوب "اسالك فتعلمني".. ستبقي يا رب صالحا وحكيما ومحبا .. وساحاول ان افهمك على قدر طاقتي .. وحتى اذا لم افهم ساظل اقول "الرب صالح".
بدأ أصدقاء أيوب في الكلام إليه كلٌّ في دوره. ترى أي كلمات عزاء أتوا بها إليه؟ ترى هل كان لهم مثل المعلم الإلهي لسان المتعلمين لإغاثة المعيي بكلمة؟ (أشعياء 50: 4). للأسف حديثهم كان سبباً في تزايد سخطه -ليس لأن حججهم خاطئة، لأننا نجد فيها حقائق عظيمة هي جزء من الكلمة الموحي بها. وبعض الأعداد منها نقلت في العهد الجديد مثلاً (1كورنثوس 19: 3 من أيوب 13:5), ولكن أليفاز وبلدد وصوفر طبقوا هذه الحقائق تطبيقاً خاطئاً على حالة أيوب. ونظير أولئك الرجال في إمكاننا أن نعرف الكثير من الحقائق مع ذكرها في غير موضعها، ولكن "الكلمة في وقتها ما أحسنها" (أمثال 15: 23).
كان على أيوب أن يتعلم حقيقة نفسه. فالمسألة لم تكن قط ما فعل أيوب, بل ما هو أيوب. أما أصدقاؤه فكانت أفكارهم ما فعل أيوبْ, كان في اعتقادهم أن هناك شيئاً مشيناً للغاية قد فعله أيوب, شيء ﻻ يستطيع إنسان أن يراه وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن أيوب لابد وأن يكون مرائياً.
جلسوا سبعة أيام طويلة يتطلعون إلى الرجل البائس المسكين! مستمعين إلى أناته وصرخاته ومفتكرين أنه كان ينبغي أن يصمتوا! جلسوا صامتين، ﻻ ﻻنهم ﻻ يجدون كلاما يقال، بل ﻻنهم يرددون في قلبهم طوال الوقت ظنونهم السوداء بشأن أيوب، ويخشون التصريح بها.
الموضوع الرئيسي الذي دار حديثه الأصدقاء الثلاثة هو أن الله عادل. وما كان ممكناً أن يضرب أيوب بهذه القسوة لو لم يكن يستحق ذلك. إن كل تجاربه هي عقاب ودينونة له. وعليه أن يعترف بخطاياه ليرفع عنه العقاب. كان أيوب يعلم في قلبه أنهم أخطأوا التقدير وأنهم أساءوا الفهم ليس فقط من جهته بل من جهة الله نفسه. وقد كان على حق. وقد تمسك بعقيدته وقاوم من أجلها. وهذا كله قد جر أيوب إلى العناد والمقاومة الشديدة لظلم أصحابه وعدم إنصافهم. لقد عرف يقيناً أنهم كانوا مخطئين في أفكارهم السوداء من نحوه.
وأخيراً يجمع أليفاز أطراف شجاعته، وقد تميز بقدر من الهدوء والوقار وضبط النفس أكثر من رفيقيه.
يسلم اليفاز بأن أيوب كان رجلاً صالحاً فيما يتعلق بالآخرين, ولكن كيف يحدث الآن أن تنهار قواه فلا يقوى على تعليم نفسه كما كان يعلم الآخرين ويرشدهم ويشددهم؟. أنه قد حلت به هذه الكارثة كان يجب عليه أن يكون نموذجا ومثالا! أي نعم, أنه ينبغي علينا جميعاً أن نكون نماذج صالحة وأمثلة طيبة. ينبغي علينا جميعاً أن نكون كالمسيح, وبصفة خاصة عندما نكون في أعماق التجارب والآلام. ولكن للأسف ليس هكذا الحال دائماً. وعلى أي حال, لم يكن في استطاعة أيوب أن يتجنب التعبير عن ألمه بصورة من الصراخ والدموع والعويل كلما أحس بسكاكين الألم تعمل في بدنه. هناك شخص واحد فقط تألم بدون تذمر، وانحنى تحت نير الألم بخضوع كامل وتسليم مطلق. شخص واحد ظهر على وجه البسيطة تقبل من الله أقسى كؤوس اﻻلم، انه شخص المسيح، وان كان المسيح اظهر اﻻمه في بستان جثسيماني حين قال لتلاميذه "نفسي حزينة جدا حتى الموت" وعلى الصليب حين قال "الهي الهي لماذا تركتني؟".
ومع ذلك نقول أفليس لنا أن نتوقع بعض الرثاء من اصدقاء ايوب له، ف "الآخ للشدة يولد"؟ أو ما يعلمنا الكتاب أن "بكاءا مع الباكين"؟ ولكن هذا لم يحدث.
يلجأ اليفاز في حجته الى اﻻختبار الشخصي، فيحكي عن رؤيا رآها "فمرت روح على وجهي، اقشعر شعر جسدي"(4: 14 و 15). واضح أن أليفاز لم يكن لديه القدر الكافي من النعمة. فالنعمة لا تجعل الناس يخافون ويرتعدون بهذه الصورة. أن الدينونة هي التي تفعل ذلك, والدينونة هي التي كانت تملأ أفكار الناس الطيبين في ذلك الزمان. فقد كانت روح الدينونة والخوف منها تملؤهم وتسيطر عليهم وعلى أفكارهم.
وما جاء في (ع 17, 18) هو حقيقة هامة. لنقارن هذا بما جاء في (أمثال 3 :11 ,12) المقتبس في (عبرانيين 12: 6) "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب, ولا تكره توبيخه. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به". لقد كان للرب شيء ما ليصلحه في عبده أيوب. وهو روح البر الذاتي. انه يقدم نتائج خبراته بين الناس. فهو يخبر أيوب أنه عبثاً طلب معونة"القديسين" ففي الله وحده معونته. فإن هو اشتكى من الله فإنه يعرض ذاته للسخط الإلهي. لم ينجح الأشرار إلا لمدى قليل، او لكي يقعوا تحت اللعنة. ولسنا بحاجة لأن نقول كيف أن هذا الرأي ناقص لا يقنع. فحتى في العهد القديم رأينا الأشرار يمتدون وينشرون" مثل شجرة شارقة ناضرة"(مز37).
في اصحاح 16 و 19 يعتقد ايوب ان الله اصبح له خصما، وهو ﻻ يعرف سبب ذلك. في (31: 35) يقول "ليجبني القدير". وطوال اﻻصحاحات ال38 يسال - لماذا يحدث لي هذا؟.. لماذا ..؟ ولكن يتخلل اﻻصحاحات ايضا لحظات من انتصار اﻻيمان فيقول "اعلم ان وليّ (فاديّ) حي"..
على الرغم من صعوبة العبارات التي نطق بها اﻻ انها كلها تقع في نطاق الاسئلة المباحة.. انها نوع من المحاجاة المسموح بها، بل انها نوع من الصلوات يطلبها الرب "هلم نتحاجج يقول الرب.."(اش1). ونجد كثير من رجال العهد القديم استخدموها في حوارهم مع الله. ارميا يقول "ابر انت يا رب من ان اخاصمك لكني اكلمك من جهة احكامك- لماذا.."(ار). والمرنم يقول "لو قلت احدث هكذا لغدرت بجيل بنيك.. حتى دخلت مقادس الله.."(مز73: 15).